شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لم نعد نئد البنات لكننا نئد أحلامهن"...حوار مع الروائية والقاصة رباب كساب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 22 أبريل 202212:00 م

الروائية والقاصة رباب كساب، حصلت علي الدكتوراه في العلوم الزراعية، تعيش علي حافة مدينتين، مدينة صغيرة والعاصمة. تكتب لتعرف ذاتها والعالم، وتحاول أن تحرر نفسها بالكتابة، وتعترف بحقيقتها: "لا أنا فلاحة حتى النخاع، ولا ابنة المدينة الكبيرة، أسير على الحافة، لكنني أحب حقاً المدينة الكبيرة.

القاهرة جذبتني منذ زمن، لا أشعر فيها بالغربة التي أشعر بها في مدينتي الصغيرة التي كنت أحس بها تلفظني وتبعدني عنها دائماً". أصدرت عدّة روايات، منها: "قفص أسمه أنا"، "مسرودة"، "الفصول الثلاثة"، "فستان الفرح"، ومجموعة قصصية وحيدة بعنوان "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية"، وأخيراً روايتها "على جبل يشكُر"، التقينا بها، وكان هذا الحوار:

رباب كساب

في روايتك الجديدة الصادرة حديثاً "على جبل يشكُر" تكتبين عن "بيت الكريتليّة"، هل هي رواية مكان، أم هي عن الحب والعشق القديم، وعن فكرة التصوف والتلاشي في الآخر؟

تستطيع أن تعتبرها رواية مكان، وتستطيع أن تجد فيها الحب، لكنني أعتبرها عن الهروب. كنت أهرب بها من الواقع لما أحب وأشتهي. جميع الأبطال يهربون. "راجية" تهرب من فشل الآمال وتعثر الحب، "راقية" تهرب من موت الابن وضياع الزوج، "ناجي" اختار البعد وقد هوت آماله جميعها، لعبت الأساطير التي نسجت حول بيت الكريتلية دوراً ليبدو الأمر كفانتازيا غير واقعية، الخيال هنا كان ضرورياً لتخطي كل الواقع الأليم.

 ما هي الأحداث، والوقائع التي جعلتك تشرعين في كتابة هذه الرواية؟

لا شيء أكثر من غرامي بالمكان منذ أن زرته أول مرة في عام 2005، ويومها، وقفت وتمنيت أن أكتب رواية في هذا المكان، لا عنه. كنت أعكس رغبة داخلية تملكت مني بأنني أريد العيش فيه.

مرت الأعوام، وكل فترة أزور المكان فتتجدد الرغبة ويزداد الولع به، حتى نقلت إقامتي للقاهرة في عام 2014، وسكنت حينها حي "السيدة زينب"، وصار البيت في طريق عودتي من العمل يومياً، فتكررت الزيارات، وبدأت بداخلي فورة لم تهدأ إلا حين شرعت أكتب وأبحث عن البيت، وهمت بكتاب "أساطير بيت الكريتلية" الذي حصلت عليه حينها بمشقة، فناشره كان يفتح مقر داره مبكراً، ويغلقها قبل عودتي من العمل حتى أنني تغيبت مرتين عن عملي حتى أتمكن من الذهاب إليه وشراء الكتاب، ولهذا الكتاب فضل كبير على العمل، بالإضافة للمحاضرة العظيمة عن جامع أحمد بن طولون والتي يعود تاريخها لـ 1917. 

رباب كساب: لا أنا فلاحة حتى النخاع ولا ابنة المدينة الكبيرة، أسير على الحافة، لكنني أحب حقاً المدينة الكبيرة، القاهرة جذبتني منذ زمن، لا أشعر فيها بالغربة 

لماذا لا تحبين التحدث عن روايتك الأولي "قفص أسمه أنا" وما سرّ غضبك عليها؟

أغضب عليها حقاً، لكن لا أحبها؟ مستحيل. أتعرف وأنا أقرأ سؤالك اكتشفت أن "قفص اسمه أنا" عمرها الآن عشرون عاماً، لم تكن الرواية الأولى. سبقتها رواية لم تنشر، ولم أفكر في نشرها، كتبت "قفص اسمه أنا" بعد تخرجي من الجامعة بعامين، وأعدت كتابتها عدة مرات رغم كبر حجمها، وغيرت زمنها مرتين، فأحداثها تدور على مدار 25 عاماً، وهي الرواية الوحيدة التي قمت بعمل مسودات للشخصيات، ورسم للشارع الذي يسكنه الأبطال، بل وزاد الأمر أنني كنت أمسك بنفسي وأنا أتصرف كبطلتها في بعض الأحيان، لم يكن التخلص من شخصية "صفاء" هيناً، كما أنها الرواية التي جاءني عليها ثناء وتفاعلاً كبيراً من القراء، أربكني وأسعدني وأخافني.

نشرتها بعد انتهائي منها بخمسة أعوام، ولأنني لا أرضى فقد نظرت إليها بعد عدة سنوات لأجد أنها تحمل كافة أخطاء العمل الأول، قلة الخبرات، الثرثرة. قبل "قفص اسمه أنا" وحتى نشر "مسرودة" لم يكن لي مُعلم، لم يكن لي دائرة من الأصدقاء المهتمين بالأدب، ولا علاقة لي بالندوات الأدبية وما يقال فيها. لم يقرأها قبل النشر من له خبرة سابقة في الكتابة، أو حتى قارئ محترف، لذا نشرتها وقد تحملت عبئها وحدي، كانت مغامرتي الكبرى التي لم أندم عليها رغم الغضب، وأعتقده غضباً محموداً، فنحن نسعى دائماً للأفضل، وحقاً أنا لا أرضى.   

هل كتابات الرجل عن المرأة وتبنيه قضاياها، ينصفها؟

 الكتابة فعل صادق يستطيع أن يصلك وتلمس صدق صاحبه، فلحظة الكتابة هي لحظة التوحد مع الكلمة والفكرة وتنحية كل شيء جانباً، لحظة نسيان الأنا والمصلحة وما غير ذلك. لا أحد يكتب للاستعراض، أو ليظهر صاحب فكرة وقضية دون أن يكتشفه القارئ، لذا من كتب عن المرأة كتب لأنه يشعر بمظلوميتها بالفعل، لكن التفاصيل التي تأتي منها كتابة المرأة عن المرأة هي ما تعطيها قوة وخصوصية أكبر.

هل للمرأة المبدعة موضوعات تخصها وحدها، وما هي موضوعات وقضايا المرأة المبدعة من وجهة نظرك؟

المرأة المبدعة عادة منبوذة في مجتمع غير المبدعين والمبدعين على السواء، وينظر إليها أحياناً على أنها فرد مجنون، لأنها ليست ضمن قواعد المجتمع، ولا تسير على نسقها ونهجها. أذكر أنني كنت أشعر بالازدواجية ولازلت في مجتمع مدينتي الأم والعمل، ولازال ينظر لإبداع المرأة أنه منقوص لمجرد أنها امرأة. قضية المرأة المبدعة وغير المبدعة الأهم هي الحرية.

ليست حرية التعبير فقط، حرية الاختيار، حرية الحركة، حرية الحياة عموماً. التخلص من النظرة الدونية لأدب المرأة وربط الموضوعات الجريئة بصاحبتها كأنها وصمة، بينما لا يوصم الرجل بجرأته أو جرأة شخصياته، الكف عن وصم تفوق أي واحدة لأنها تلبس فستاناً ليس إلا، دون النظر لمستوى إبداعها. قضايا المرأة المبدعة لا تنفصل عن قضايا المرأة في عموم المجتمعات العربية.

لم نعد نئد البنات، لكننا نئد أحلامهن بالحياة، لازلنا نتكلم عن حق العمل والتعلم والختان وحرية الملبس والزواج، لازلنا نحارب في المواريث وفي ولاية الأطفال. لا أتخيل أننا الآن نرتد للخلف بقوانين جائرة تفقد المرأة مكتسباتها، وتضطرنا للعودة مرة أخرى لنقطة الصفر. المرأة المبدعة لسان حال غيرها من غير المبدعات، تعاني نفس المعاناة، فهي موصومة بكونها امرأة.

ظهر مؤخراً، مصطلح الأدبي النسوي، وأيضاً النقد النسوي، هل توافقين علي هذا المصطلح وهذه التفرقة الأدبية، ولماذا؟

 عبرت كثيراً عن رفضي لتلك المسميات، الأدب فعل إنساني بغض النظر عن جنس كاتبه.

رباب كساب: في كتاباتي أعبر عن الإنسان، وإن كان إنساني الأهم هو المرأة... شريرة أو خيّرة، قوية أو مقهورة، طموحة أو عادية، حريتها تشغلني وستظل، هذا هو مشروعي إن جازت التسمية

كتبتِ مجموعة قصصية وحيدة بعنوان "بيضاء عاجية وسوداء آبنوسية"، كيف ترين مستقبل القصة القصيرة، وما الذي تعنيه القصة القصيرة لك؟

رغم عشقي للرواية إلا أنني أرى أن القصة ستظل باقية، وفي هذا العصر اللاهث هي المناسبة تماماً له، وهي الأصدق تعبيراً عن الواقع الحالي، ولمست بيدي مواهب شابة كثيرة سوف يكون لها مستقبل كبير في عالم القصة القصيرة. القصة بالنسبة لي حالة أعبر بها عن حدث له وقع كبير علي، لذا فهي قريبة مني، تستطيع أن تجدني فيها، ولا أتمكن من هجرها حتى وإن حاولت، بينما الرواية هي العالم الذي أخلقه وأقع تحت سطوته.

كيف تُقيِّمين الحضور الأدبي النسائي في المشهد القصصي والروائي العربي؟

 هناك أسماء لافتة وقوية، خاصة في عالم الرواية، لكننا بحاجة لما هو أكثر من ذلك. ولا أكذبك فأنا غير ملمة بالمشهد العربي كاملاً، لغرامي باكتشاف العالم خارج النطاق العربي، وهذه واحدة من مشكلات المرأة...  القدرة على السفر والانتقال، فأنا أكتشف العالم من حولي من كتابة كتاب الغرب والشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية وحالياً أفريقيا، أشعر أنني في سباق دائم للمعرفة عنهم ومنهم.  

كيف أثرت نشأتك في تشكيل وعيك الإبداعي، وماذا تمثل لك ثنائية المدينة الصغيرة/ العاصمة في إبداعك؟

كانت البداية بعض الكتب القديمة التي كان يمتلكها أبي، الجريدة التي لم تكن تفارق يده، المجلات التي كانت تشتريها لي أمي، الكلمات المتقاطعة التي علمني أبي ورغبتي في تقليده، ثم كتيبات القصص التي وجدتها مع زملائي وأدمنتها، ولم أشعر بالاكتفاء، لكن المدينة لم يكن بها مكتبات، ولم يكن في محيطي من يقرأون، فكنت أعيد قراءة ما قرأته، ولم يكن هناك إنترنت ولا كتب إلكترونية مثل الآن، حتى صدر مشروع مكتبة الأسرة.

فباتت أمي تشتري لي كل ما تجده، وأنا أقرأ بشغف المحروم، وكلما قرأت كلما زادت قدرتي على التعبير، كل ما يمر بي أعبر عنه كتابة، فأيقنت أن هذا طريقي ولا غيره، فطوعت حياتي كلها لذلك، حتى دراستي البعيدة عن مجال الأدب، والتي أُسأل عنها كثيراً لم يكن أحد يعلم أن تلك الدراسة غير المتخصصة كانت تبقي ذهني متقداً للكتابة وتشغلني بها أكثر، وكنت على حق، فبعد الانتهاء منها، بدأت مرحلة خمول عجيب وابتعدت فترات عن الكتابة.

للأسف، لدي ثنائية المدينة الصغيرة والعاصمة، لم أعش في قرية فباتت بعيدة،  أنظر لها من بعيد وأسمع عنها، ومدينتي الصغيرة كانت تعيش بنسق فلاحي القرية الذين يسكنونها، فصرت بين بين. أشعر أنني أسير دائماً بين بين، حتى أنني أهديت مجموعتي "للبين بين"، وسؤال ترى هل نفلح؟ فلا أنا فلاحة حتى النخاع ولا ابنة المدينة الكبيرة، أسير على الحافة، لكنني أحب حقاً المدينة الكبيرة، القاهرة جذبتني منذ زمن، لا أشعر فيها بالغربة التي أشعر بها في مدينتي الصغيرة التي كنت أحس بها تلفظني وتبعدني عنها دائماً.

لكل كاتب/ة مشروع فكري أدبي يعبر عنه، حدثينا عن مشروعك الأدبي ؟

 أنا لا أحب كلمة مشروع، الإنسان ليس مشروعاً، وأنا أعبر عن الإنسان، وإن كان إنساني الأهم هو المرأة... شريرة أو خيّرة، قوية أو مقهورة، طموحة أو عادية، حريتها تشغلني وستظل، هذا هو مشروعي إن جازت التسمية.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard