شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
إلى ابنتي التي في رحمي: أحبّي نفسك

إلى ابنتي التي في رحمي: أحبّي نفسك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 14 مارس 202212:29 م


كنت في مرحلة التعليم الإعدادي عندما زار مدرستي وفدٌ نسائي من إحدى شركات تصنيع الأدوات الصحية النسائية. مرّ الوفد على الفصول الدراسية لإعطاء بنات المدرسة درساً توعوياً عن كيفية التعامل مع تغيّرات البلوغ الجسدية والعاطفية والنفسية بشكلٍ صحي، بالإضافة إلى الدعاية لمنتجاتهم بالطبع.

عند باب مطبخ أمي، وقبل أن أبدّل زي المدرسة، وقفت لأحكي معها عن تلك الزيارة المدرسية، وسألتُها: كيف يجب أنْ يكون جسدي حتى أستطيع اختيار حمّالة الصدر المناسبة؟ لأنّ إحدى سيدات الوفد أشارت إلى بعض الفتيات، التي تتأخر مفاتنها في الظهور، بأن تلبس حمالة صدر مبطنة بالإسفنج. وذلك، حتى لا تشعر الفتاة بالإحراج أمام صديقاتها. أجابتني أمّي: "هذا كلام فارغ"، وأضافت أنّ كل البنات "فاتنات"، وأنّ الجمال "يولد في التنوع والاختلاف"، وأن جسدي سيظل يتغير شكله في كل مرحلة، فلا داعي أبداً للاصطناع أو للمقارنة.

عند باب مطبخ أمي، وقبل أن أبدّل زي المدرسة، وقفت لأحكي معها عن تلك الزيارة المدرسية، وسألتُها: كيف يجب أنْ يكون جسدي حتى أستطيع اختيار حمّالة الصدر المناسبة؟

رافقتني أمي في صباح اليوم التالي إلى المدرسة، وسجّلتْ شكواها، وهدّدت بأنّها ستضخّم المشكلة إذا تكرّر هذا الموقف غير المدروس.

شكّلت شكوى أمي في المدرسة، أولى الدروس في تقبُّل جسمي وأجسام الآخرين. ظلّت تعاليمها عالقةً في ذهني بينما كنت أختار رسم "الموديلات" غير التقليدية في مشاريعي بعد أن تخصّصت في دراسة الرسم والتصوير، مذكِّرةً نفسي بأنّ كل البنات "فاتنات"!

على ذكر "البنت الفاتنة"، شاهدتُ مقطعاً مصوراً للممثلة المصرية، مريم فخر الدين، على قناة art، تصف فيه زميلتها الممثلة المصرية، فاتن حمامة، بأنّها "لم تكن جميلةً بقدر كافٍ"، وأنّ تكوينها الجسدي الصغير/ القصير حدّها، ومنعها من ارتداء "أزياء الأميرات".

ربما كانت "فخر الدين" محقةً في جزء من حكمها ذاك، ولكن هذا الحكم لم يشِر إلى الذكاء الفني أو المشروع الواعي، أو ما غيّرته "فاتن" في قوانين الأحوال الشخصية المصرية، وفي إنصاف حقوق السيدات عن طريق أحد أفلامها "أريد حلاً"، ولم يشِر إلى أناقتها التي تناسبت تماماً مع شكل جسمها، أو رقّتها وعذوبتها، أو حتى جمال روحها. أليست هذه أسباباً مقنعةً جداً للقبول والمحبة والنجومية؟ مَن الذي وضع مقاييس محدّدةً للجمال؟ وعلى أيّ أساس وضعها؟

أخبرتني صور جهاز الموجات فوق الصوتية بأنّني أحمل طفلةً في رحمي. منذ ذلك الوقت وأنا أتابع باهتمام تجارب "أمهات البنات".

في واحدة من مجموعات الاعترافات النسائية السرية على موقع فيسبوك، صُدمت من شكوى لأم تقول إنّ ابنتها "ورثت بشرتها السمراء وشعرها المجعد"، بعد أن قضت كل أشهر حملها تحلم وتصلي بأن ترث جينات عائلة زوجها "البِيض". كانت تسألُ بإلحاح عن طريقة لتمليس شعر الطفلة أو منتجات لتفتيح البشرة قوية الفاعلية، حتى لا تعيش ابنتها حياةً "تعيسةً" تكره فيها شكلها مثلما حدث معها.

شكّلت شكوى أمي في المدرسة، أولى الدروس في تقبُّل جسمي وأجسام الآخرين. ظلّت تعاليمها عالقةً في ذهني بينما كنت أختار رسم "الموديلات" غير التقليدية في مشاريعي بعد أن تخصّصت في دراسة الرسم والتصوير، مذكِّرةً نفسي بأنّ كل البنات "فاتنات"!

اعتراف آخر لحزينة أخرى، تشكو فيه من نظرة تفصح عن "اشمئزاز" زوجها منها مع تغيير شكل جسمها بعد الولادة، وظهور بقع داكنة اللون على جلدها، وهي تسأل مرعوبةً عن طرق سريعة لعلاج هذا الأمر قبل فصل الصيف، حتى لا يرى عيوب جسدها عندما تضطر إلى التعرّي أمامه.

أما الاعتراف الأكثر صدماً، فكان لأم وضعت مولودتها بعد ولادة قيصرية خطرة، عانت فيها من بعض الآلام التي تتطلب رعايةً خاصة. تقول إن أمّها تساعدها في أمور الطفلة حديثة الولادة وتحثّها كلّ يوم على أن تقوم من السرير، حتى وإن شكّل هذا خطراً على حياتها، لأنّ زوجها بالتأكيد لن يحتمل فترة مرضها التي طالت و"هيبص برا" (أي سوف يخونها). وتضيف الشاكية أنّ هذا الشبح دائماً ما طاردها حتى قبل الولادة، لأنّها لا ترى نفسها جميلةً، ولا تفهم لماذا اختارها زوجها أصلاً وهي شخص "عادي" لا يحمل شيئاً مميزاً أو جميلاً حسب ما تقول. وفي نهاية الاعتراف، تسأل: كيف تُقنع ابنتها يوماً ما بأنها جميلة وتستحق الحب؟

ربما تكون الأمراض المتعلّقة بالعنصرية جزءاً أصيلاً ونسبياً في تكوين النفس البشرية. وقد أكدت محرّكات البحث على الإنترنت أنّ "التقبل الجسدي" كان من الموضوعات الأكثر بحثاً نهاية العام الماضي.

أمس، نمت نصفَ جالسة بفعل الحموضة التي تلازمني منذ بداية شهر حملي السابع. يكبر وزن الجنين داخل الرحم فينتفخ ويضغط على الأعضاء المحيطة به، خاصةً المعدة، فيصعّب مهمتها في الهضم، وتعاني المرأة الحامل من ارتجاع المريء والحموضة. هذا هو الرأي الطبي.

وأما بالنسبة إلى جدّاتنا المدهشات، فكانت لهن أساطيرهن الخاصة التي تقول إنّ الحموضة دليل على نمو شعر الجنين، فإذا شعرتِ بالحموضة فأنتِ تحملين بنتاً ذات شعر كثيف وطويل.

أميلُ إلى تصديق الأساطير من باب الخيال الجميل، فقد سمعتُ قصةً من إحدى قرى الريف المصرية عن امرأة ظلّت تردّد والدتها لها تأويل الشعر الطويل حتى وضعت طفلةً "صلعاء"!

أضفتُ على تلك الأسطورة أغنية المطرب المصري، محمد فوزي، "استعراض الزهور": "الورد له في روايحه لغات... تجمع بين النار والجنة... حاكمِ الزهور زي الستات... لكل لون معنى ومغنى".

في واحدة من مجموعات الاعترافات النسائية السرية على موقع فيسبوك، صُدمت من شكوى لأم تقول إنّ ابنتها "ورثت بشرتها السمراء وشعرها المجعد"، بعد أن قضت كل أشهر حملها تحلم وتصلي بأن ترث جينات عائلة زوجها "البِيض"

أتخيلُ رحمي المنتفخ يشهدُ ميلادَ زهرة ينمو ساقها أولاً، ويمتلئ بالأشواك التي تلهب صدري، فتشعرني بالحموضة، حتى يكتمل نمو الوردة وتتفتح حين تخرج إلى النور.

ليس لديّ تصور عن شكل وردتي المستقبلية، وأيّ جينات سترث من عائلتي أو من عائلة أبيها، ولكنّها على أيّ حال "زهرة" وبالتأكيد "جميلة"، فـ"لكل لون معنى ومغنى"، كما غنّى "فوزي".

سأخبر ابنتي بأنّها وردة جميلة تستحق الحبّ والتقدير، وبأنّ كلّ الوردات جميلات... وكلّ البنات فاتنات. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard