شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
رجال يتعاملون مع الحروب وكأنّها

رجال يتعاملون مع الحروب وكأنّها "لعبة حظ" ستمنحهم نساءً جميلات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 5 مارس 202211:56 ص

منذ إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن شنّ الهجوم على أوكرانيا، وبدء التنفيذ الفعلي للعمليات العسكرية، والوضع يحتدّ يوماً بعد يوم بين البلدين.

انشغل العالم إثر هذه الحرب، التي اندلعت في 24 شباط/ فبراير الماضي، بتحليل التطورات السياسية ودراسة أبعادها على الاقتصاد. وعلى الرغم من جدّية الأوضاع وخطورتها، إلا أن هناك ما يشبه العالم الموازي على وسائل التواصل الاجتماعي.

أؤمن بأن الظلم واللا إنسانية هما الوجه الآخر للحرب. ومن أشكال هذا الظلم، التفكير في النساء على أنهنّ سبايا وحقوق مكتسبة. 

منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لم تتوقف تعليقات بعض الرجال عبر فيسبوك وتويتر حول استعدادهم لاستضافة الأوكرانيات، خوفاً على مصيرهنّ. وعبّروا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عن استعدادهم للزواج منهنّ. وهذه المنشورات تتكرّر كلّما اضطر شعب ما إلى اللجوء إلى دولة أخرى، بسبب حرب قائمة في دولته.

رجالٌ كثيرون يتعاملون مع بعض الحروب وكأنّها لعبة حظ ستمنحهم نساءً جميلاتٍ، وهو الأمر الذي تكشفه تعليقاتهم، فهناك من كتب: "بيتي مفتوح لأي أوكرانية"، فيما علّق آخر: "لا تتسرع في الزواج... ستأتي لاجئات روسيات وأوكرانيات جميلات". ومن الشباب من استفسر: "هل يجوز الزواج بأوكرانية من دون تغيير دينها؟"، و"هل يجوز الزواج من أربع أوكرانيات؟". ومنهم من كان تبريره لكلّ ما يُقال: "إنّنا، كمسلمين، نعاني في الزواج من غلاء المهور".

اللا إنسانية... وجهٌ آخر للحرب

أؤمن بأن الظلم واللا إنسانية هما الوجه الآخر للحرب. ومن أشكال هذا الظلم، التفكير في النساء على أنهنّ سبايا وحقوق مكتسبة. أتذكر قول الكاتبة البيلاروسية الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب عام 2015، سفيتلانا أليكسييفيتش، في كتابها "ليس للحرب وجه أنثوي": "عليّ أن أطرح سؤال دوستويفسكي: كم في الإنسان من إنسان؟ وكيف يمكن لهذا الإنسان أن يدافع عن إنسانيته؟ لا ريب في أن الشر أكثر إغراءً من الخير، وأكثر جاذبيةً ومهارةً". والسؤال هنا هو: كيف يسمح الفرد لأفكاره أن تبلغ هذا المدى من السوء والوَحشية ويتعامل معها على أنّها شيء عادي؟

بعيداً عن كل الخلافات السياسية القائمة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المضطربة، هل فكّر الرجل في شكل حياته في حال استقبل إحدى الأوكرانيات فعلاً؟ هل سيتحمل مشاركة الفتاة ما ستعانيه من تبعات الحرب في بلد غريب تماماً عنها بعدما شهدت أصوات الانفجارات والصراخ وراوئح الدمار في كل مكان؟ 

تساؤلات

بعيداً عن كل الخلافات السياسية القائمة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المضطربة، هل فكّر الرجل في شكل حياته في حال استقبل إحدى الأوكرانيات فعلاً؟ هل سيتحمل مشاركة الفتاة ما ستعانيه من تبعات الحرب في بلد غريب تماماً عنها بعدما شهدت أصوات الانفجارات والصراخ وراوئح الدمار في كل مكان؟ وهل يعرف كيف يضمّد جراحها، ويعيد إيمانها بالحياة مرةً أخرى، وأن يكون لها وطناً آمناً ويغمرها بالسلام؟ وهل لديه القدرة على التعامل مع صدماتها النفسية؟ أم أنّ كل ما رآه وفكر فيه هو جسدها؟ هل يدرك هذا الرجل من الأساس ذلك الجانب القاسي من الحياة، أم أنه يرى حياته التي يقضيها وراء شاشة هاتفه حياةً صعبةً؟ والأهم من كل ذلك، هل يستوعب أن مجرّد التفكير في الأمر يجعله غير أخلاقي؟

اضطرابات العالم الذي نعيش فيه مجنونة ومستمرة وغير منتهية. تختلف الدول والجنسيات وتتغير الأزمات، ولكن تظل نظرة بعض الرجال العرب إلى المرأة هي الثابت الوحيد في كل ذلك، فهو ينظر إليها كسلعة ستسعده بعيداً عن "نكد نساء بلده" كما يدّعي. ولا يأبه لذلك الإنسان الذي يحمل من آلام الحياة أصعبها؛ ألم الوحدة والتشرد وفراق الوطن والأهل والأصدقاء.

النساء لسنَ مجالاً للتنمر

قد يدافع البعض عن الأمر كلّه بحجّة أنّ تلك التعليقات التي يكتبها الرجال على مواقع التواصل الاجتماعي، هي على سبيل المزاح فحسب، ولن تتحقق. ولكن، في الحقيقة، الأمر أكبر من ذلك. يقول سقراط: "تكلّم حتى أراك"، فالكلمات تعبّر عن أفكار الأشخاص ومعتقداتهم. بالإضافة إلى ذلك، النساء لسنَ مجالاً للتنمر أو السخرية، فهذه التعليقات حول اللاجئات أصبحت مألوفةً وتتكرر مع كل اضطراب سياسي، كتلك التي شهدتها الأزمة اللبنانية، والصراع في السودان، وغيرهما من صراعات سياسية ماضية.

الخطير في الأمر، أن الأزمة الأخلاقية هذه في تفاقم مستمر، والأسوأ من ذلك أنّ الرجال فعلاً يطبّقون ما يقولون. على سبيل المثال، عندما واجهت سوريا حروباً قبل سنوات، هاجر مئات الآلاف من السوريين، واستقرّ بعضهم في مصر. وواجهت بعض السيدات منهنّ ضغوطاً كبيرةً، مما دفع المجلس القومي للمرأة، في عام 2013، إبّان حكم جماعة الإخوان المسلمين، إلى إلقاء خطابين إلى وزيري الداخلية والعدل لطلب مساندتهما لوقف ظاهرة زواج المصريين من اللاجئات السوريات، واستغلال ظروفهنّ المعيشية السيئة. وطالب المجلس حينها بالتدخل الفوري لوقف زواج السوريات الموجودات في مصر من الشباب المصريين، مقابل 500 جنيه للزوجة، مشيراً إلى أن عدد هذه الزيجات بلغ 12 ألف حالة زواج خلال عام واحد.

اضطرابات العالم الذي نعيش فيه مجنونة ومستمرة وغير منتهية. تختلف الدول والجنسيات وتتغير الأزمات، ولكن تظل نظرة بعض الرجال العرب إلى المرأة هي الثابت الوحيد في كل ذلك، فهو ينظر إليها كسلعة ستسعده بعيداً عن "نكد نساء بلده" كما يدّعي

وحسب بيان نشره المجلس القومي للمرأة حينها، فقد أعلن عن رفضه وإدانته الشديدين للظاهرة هذه، مؤكداً أنّها تمثل الإتجار بالبشر والاعتداء على قيم الإنسان وحقوقه، ما يتعارض مع المواثيق الدولية. وخصص المجلس، في عام 2013 أيضاً، خطاً ساخناً لتلقّي شكاوى السوريات ولصدّ الانتهاكات التي قد يتعرضن لها، كإجبارهنّ على الزواج.

وتختلف الظروف وتتحول مع الوقت، ولكن تلك الأفكار المتعلقة بالنساء تحديداً، تظل راسخةً لا تتغير إلا ببطء شديد، وصعوبة بالغة، بسبب تمسك الرجال بها، محاولين تعزيز شعورهم بالاستحقاق المُطلق.

أدركُ أن هؤلاء الرجال مجرد فئة ضمن فئات أخرى كثيرة، فالأسوياء موجودون بلا شك في كل مكان وزمان، ونجدهم مثلاً يتعجبون من بني جنسهم، ويتساءلون: كيف يمكن لشخص أن يجعل من التشرد والفوضى مادةً للسخرية؟ تلك الفئة، التي تحدثتُ عنها في هذا المقال، تمثل الجانب القبيح والشرير من البشر، وهو الجانب الذي ينكشف أكثر مع الأزمات. وعلى الرغم من كل جهود هؤلاء في السيطرة على الإناث واستباحتهن، إلا أنّ النساء ما زلن يقاومن ويرفضن بصوت عالٍ كلّ من يحاول التعدي على إنسانيتهن، بلا يأس، وبكل بأس وثبات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard