شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"حقيبة السلامة الرقمية"... ملاذ الصحافيات الآمن من الهجمات الإلكترونية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 27 فبراير 202210:40 ص

منذ أن اتّخذت الصحافية الفلسطينية هاجر حرب قرارها المهني الأهم في حياتها، وهو التخصص في التحقيقات الاستقصائية الكاشفة للفساد، وهي تعلم أنها فتحت على نفسها أبواباً لا تُغلق من الملاحقات القضائية. كل ما واجهته لم يوهن عزيمتها بل زادها إصراراً، ولكن التجربة الأصعب كانت تهديد أمنها الرقمي.

وتواجه الصحافيات في العصر الرقمي تهديدات كثيرة قد تدفع بعضهن إلى عدم الاستمرار في المهنة، أو تزلزل جدران استقرارهن الأسري، وتضرّ بسمعتهن.

خلال عملها، اختبرت حرب (37 عاماً) الكثير من التهديدات، كما جرى بعد نشرها تحقيقاً على "التلفزيون العربي" عن ملف العلاج في الخارج الذي تشرف عليه وزارة الصحة الفلسطينية، والذي تسبب في توجيه النيابة العامة أربعة اتهامات لها وهي"انتحال شخصية"، و"القذف بحق وزارة الصحة"، و"نشر أخبار كاذبة"، و"عدم توخي الدقة والنزاهة".

وبينما خاضت الصحافية الشابة معركة قضائية، بمساعدة العديد من الجهات الحقوقية، إلى أن برّأتها "محكمة الصلح في غزة" من كل هذه التهم، كانت من ناحية أخرى على موعد مع "حرب إلكترونية" أطرافها مجهولو الهوية، فصارت لديها مهمة يومية هي تنقية حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي من عبارات السبّ والقذف والتهديد بالإيذاء الجسدي لها ولعائلتها، كما تعرضت لمحاولات اختراق حساباتها والسيطرة عليها.

تقول حرب: "في المعارك القضائية، أواجه خصماً معلناً، ولكن في هذه الحرب الإلكترونية أواجه أشخاصاً مجهولي الهوية، ولا بد أن تتعلم كل الصحافيات، لا سيما العاملات في المجال الاستقصائي، كيف تحققن لأنفسهن الأمان الإلكتروني".

اتّخذت حرب بعض التدابير الاحترازية لصد هجمات "الهاكرز"، ومنها عدم إضافة أشخاص مجهولين على حسابها الشخصي على فيسبوك، وحظرهم، كما قامت بتأمين حسابها على فيسبوك لصد هجمات اختراقه، من خلال تفعيل خاصية المصادقة الثنائية.

تنصح كل صحافية باتخاذ تدابير مماثلة، "فنار الملاحقات القضائية مع خصم معلن أخف وطأة بكثير مما هي مع خصوم مجهولين يختبئون خلف شاشاتهم الإلكترونية".

وإذا كانت حرب قد اتّخذت هذه التدابير الاحترازية قبل أن يتمكن أحدهم من سرقة حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الصحافية المصرية في مجلة "البوصلة الاقتصادية" طيبة حمدي (22 عاماً) لم تتخذها إلا بعد أن تذوقت مرارة الهجوم الإلكتروني.

تقول حمدي: "تعرّضتُ لسرقة حسابي على فيسبوك، وكان يحوي كل أرقام مصادري التي كنتُ احتفظ بها في خانة الرسائل مع زملائي، وتعلّمت بعد هذا الدرس القاسي كيفية الإبلاغ عن الاختراق، وتأمين حساباتي بكلمات سر قوية، وعدم قبول طلبات صداقة من أشخاص مجهولين".

بدورها، تعرّضت الصحافية المصرية هاجر زين العابدين، العاملة في بوابة "أخبار اليوم"، لشكل آخر من التصيد الإلكتروني، إذ اختُرق حسابها على واتساب. فعند ضغطها بالخطأ على رابط ادّعى أنه لتحديث حسابها، وقعت في براثن قراصنة اخترقوا حسابها وأجروا محادثات مع زملائها على التطبيق، وأرسلوا لهم رسائل مضمونها أن هاجر تمر بضائقة مالية وتحتاج إلى مساعدات، وعندما اكتشفت الموضوع كتبت رسالة على حسابها على فيسبوك تطلب من أصدقائها عدم الاستجابة لهذه الرسائل، قبل أن تتمكن من استعادة حسابها المقرصَن.

تشك زين العابدين (27 عاماً) في احتمال أن يكون لهذا الاختراق علاقة بمغامرتها الصحافية للكشف عن "سماسرة البيانات الشخصية"، وهو تحقيق كشفت فيه أن هؤلاء عندما يصلون إلى أرقامنا التلفونية يقومون ببيعها إلى أي شخص أو جهة بمقابل مادي، ما يؤدّي إلى تعرض الناس للابتزاز والسرقة، لأن الشخص الذي يسرق رقمك يمكنه أن يرسل لك رابطاً إذا قمت بالضغط عليه تقع في أيدي "هاكرز" قد يسرقون بياناتك الشخصية وصورك ويقتحمون كل حساباتك الشخصية بدون سابق إنذار.

غيض من فيض

هذه النماذج الثلاثة هي غيض من فيض الكثير من أحداث التحرش الإلكتروني، ومنها ما أشارت إليه وكيلة نقابة الصحافيين المصريين السابقة عبير سعدي في كتابها "دليل السلامة للصحفيات".

أفادت سعدي، في مؤتمر "النوع الاجتماعي والحرب والصراع في أوسلو عام 2015"، بأنه من السهل مهاجمة الإناث، لأنهن هدف سهل، وخاصة إذا كان المهاجمون يجلسون خلف الشاشة.

وأشارت إلى أن مقتل الصحافية دافني كاروانا غاليزيا في مالطا بدأ بالتحرش الإلكتروني بها. ولفتت إلى أن الصحافية النرويجية سيدسل وولد هي الأكثر تعرضاً للتحرش عبر الإنترنت لأنها تغطي الأحداث في الشرق الأوسط وخاصة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

"في المعارك القضائية، أواجه خصماً معلناً، ولكن في هذه الحرب الإلكترونية أواجه أشخاصاً مجهولي الهوية، ولا بد أن تتعلم كل الصحافيات، لا سيما العاملات في المجال الاستقصائي، كيف تحققن لأنفسهن الأمان الإلكتروني"

وكشف استطلاع رأي أجراه "الاتحاد الدولي للصحافيين" عام 2017 على 400 صحافية في 50 دولة أن 44% من الصحافيات تعرضن للعنف عبر الإنترنت. وذكرت 85% من المبحوثات أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد الجناة، كما أن معظم أماكن العمل ليس لديها سياسة مكتوبة لمواجهة هذه الانتهاكات.

كما خلصت نتائج دراسة عالمية أجرتها منظمة اليونسكو والمركز الدولي للصحافيين عن الاتجاهات العالمية للعنف المرتكب ضد الصحافيات عبر الإنترنت، في أواخر عام 2020، وشارك فيها أكثر من 901 صحافية موزّعات على 125 بلداً حول العالم، إلى أن 73% من المبحوثات تعرضن للعنف عبر الإنترنت، وأن مشاعر الخوف سيطرت عليهن، فلم تقم سوى 25% منهن بإبلاغ مدرائهن بهذه الحوادث.

كما أشارت 41% من المشاركات في الاستطلاع إلى أن الاعتداءات التي استهدفتهن تمت في إطار حملات تضليل إعلامي منظمة، الأمر الذي تسبب في عدم شعورهن بالأمان واحتياجهن إلى الدعم النفسي.

وأوصت الدراسة بعدم توجيه اللوم للصحافيات عن العنف الذي يتعرّضن له عبر الإنترنت، كما أوصت المؤسسات الصحافية بوضع إجراءات رسمية لرصد العنف الذي يتعرّض له موظفوها وتحديده والإبلاغ عنه.

البصمة الرقمية

حتى لا تقع الصحافيات ضحية لمثل هذه الحوادث، نظراً لطبيعة عملهن الذي يتطلب الاتصال الدائم بالإنترنت، وتصفح عشرات المواقع الإلكترونية، والتواصل مع مصادر، فضلاً عن استخدام الشبكات الاجتماعية، تنصح المصرية نهى لملوم، المدربة الدولية على السلامة المهنية والأمان الرقمي في الاتحاد الدولي للصحافيين، ومؤسِّسة مبادرة "الأمان الرقمي والسلامة المهنية للصحفيين بالعربي" على فيسبوك، الصحافيات بأن يحافظن على "البصمة الرقمية"، من خلال استخدام كلمات سر قوية، وغير مكررة، وليس سهلاً توقعها.

كما تنصح كل صحافية بأن تربط حسابات الشبكات الاجتماعية والبريد الإلكتروني برقم الهاتف والتأكد من تسجيله وتوثيقه باسمها، والابتعاد عن تحميل الألعاب، وإنشاء حساب مستخدم خاص بها "user account" في حال استخدام كومبيوتر مشترك في العمل، واستخدام وضعية التصفح الخفي، فضلاً عن ضرورة استخدام اسمها وصورتها الشخصية لتظهر بشكل محترف، وأن يحمل بريدها الإكتروني اسمها الصحافي حتى يتنسى لها التصرف واستعادة حسابها في حال فقدانه، وألا تنشر أماكن تواجدها حتى لا يتعقبها المتربصون بها.

73% من الصحافيات تعرضن للعنف عبر الإنترنت، وسيطرت مشاعر الخوف عليهن، ولم تقم سوى 25% منهن بإبلاغ مدرائهن بهذه الحوادث

وتقول لملوم إنه إذا تعرضت أي صفحة من حسابات الصحافية على الشبكات الاجتماعية للاختراق، عليها الإعلان عن ذلك بسرعة وتحذير أصدقائها ومتابعيها حتى تغلق الباب على الشخص الذي يحاول استخدام صفحتها في جني أموال أو أي أغراض أخرى، ثم الدخول بسرعة إلى إعدادات حسابها وتغيير كلمة السر وتفعيل خاصية "المصادقة الثنائية".

كما تنصح الصحافيات بعدم الخضوع للابتزاز المادي وعدم حذف أي محادثات أو صور أرسلها إليهن الشخص المبتز حتى يكون لديهن دليل مادي، والسير في الإجراءات القانونية وإبلاغ مباحث الإنترنت.

إلى جانب ذلك، تنصح لملوم الصحافيات بالاهتمام بحقيبة السلامة الرقمية والتي تحتوي على:

ـ برنامج مكافحة فيروسات قوي ومحدث والحرص على أن يكون نسخة أصلية.

ـ تحديث نسخة نظام التشغيل كي تعمل بكفاءة لصد أي ثغرات أمنية.

ـ البعد عن المواقع غير الآمنة والتي لا تحتوي على https في شريط الـ"URL".

ـ عدم تحميل ملفات غير موثوقة وحذف ملفات الارتباط والحرص على إظهار الملفات المخفية من فترة لأخرى لإظهار أي ملفات غريبة على الجهاز.

ـ تحميل برنامج مكافحة للبرمجيات الخبيثة يتلاءم مع الهاتف المحمول.

ـ اقتناء بعض التطبيقات التي تساعد في تخزين الصور والفيديوهات والملفات بشكل سري في مساحة مخفية لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق إدخال رقم سري تكتبه على تطبيق "Calculator Vault".

ـ استخدام تطبيق Look out الذي يحمي من القرصنة، ومن اختراق المعلومات والبيانات الشخصية والمعاملات المالية عبر الهاتف، ويساعد في استعادة الهاتف في حال فقدانه وتتبعه.

ـ استخدام التطبيقات الآمنة للمحادثات مثل Signal.

ـ مراجعة أذونات التحقق في التطبيقات التي نقوم بتنزيلها على هواتفنا المحمولة.

ـ فحص استهلاك البطارية ومساحة التخزين في هاتفك لكونهما مؤشراً على إصابة هاتفك ببرمجيات تجسس.

وتضيف سمية مقبل، وهي مدربة أمن رقمي في اليمن، وتعمل لدى منظمة إنترنيوز لتقديم الدعم التقني للمؤسسات الصحافية، على ما قالته لملوم، أنه يجب على الصحافيات التحقق من الروابط والملفات قبل فتحها، وتعطيل خاصية الاتصال التلقائي بالبلوتوث، وألا تقوم الصحافية بمشاركة موقعها على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل مشاركة معلوماتها الشخصية، وأن تقوم بعمل عدة نسخ من بياناتها والاحتفاظ بها في أماكن مختلفة، وأن تحذّر من استخدام شبكة إنترنت غير مشفرة كالشبكات العامة أو استخدام تطبيقات تراسل غير مشفرة.

وتنصح مقبل الصحافيات بعدم التواصل مع الشخص المبتز إذا تعرضن للابتزاز الرقمي، والاهتمام بمعرفة مصدر الهجوم أو اللجوء إلى مختص حتى تعالَج المسألة بالشكل الصحيح رقمياً وقانونياً.

بدورها، تنصح ميادة سلام وهي مدربة في مجال السلامة المهنية والأمن الرقمي في اليمن، الصحافية بالحذر من التطبيقات والبرامج والمواقع التي تحصل على معلومات شخصية عنها مثل رقم الهاتف، والعنوان، والعمر، واللجوء إلى نقابة الصحافيين والمؤسسة الإعلامية التي تعمل فيها إذا تعرضت للابتزاز الرقمي، كما تنصح الصحافيات بالحصول على دورات تدريبية في مجال الأمن الرقمي حتى لا يتعرضن لمثل هذه الانتهاكات.

تجريم قانوني

تجرم القوانين في أغلب الدول العربية هذه الانتهاكات، مثل المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المصري رقم 175 لسنة 2018، والتي تنص على أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني المتعلقة بالمبتز الذي يقوم بالاعتداء على المحتوى المعلوماتي الخاص بأي شخص، هي السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر.

ويقول رضا الدنبوقي مدير "مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية"، وهو مركز يهدف إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنه وتوفير الحماية والمساندة القانونية لكل محتاجيها، إنه للاستفادة من هذا القانون، يجب أن تقوم الشاكية بإثبات الواقعة إما بالشهود أو بأي سند مكتوب، سواء رسائل نصية أو مكالمات مسجلة.

ويشير إلى أن المركز يعمل جاهداً على مساندة الشاكيات وتوفير كل سبل الدعم لهن حتى يُلقى القبض على المتهم ويُحاكَم، مضيفاً أن المركز يقوم أيضاً بإعداد فيديوهات توعوية للصحافيات لحماية أنفسهن من التعرض للتحرش أو المضايقات في بيئة العمل علاوة على عقد ورش عمل وتدريبات الأمان الرقمي للناشطات.

*الرسوم اليدوية الواردة في الموضوع لرسامة الكاريكاتير أسامر الحو".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard