شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ما لا يعرفه

ما لا يعرفه "الدونكيشوتيون" عن مسقط رأس "الأحمق النبيل"... مغارة سرفنتس في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الثلاثاء 12 أبريل 202202:55 م

في مرتفعات الجزائر العاصمة، قبالة الخليج المطل على البحر المتوسط، حفر الكهف في بطن جبل ليكون مهرباً للأديب الإسباني ميخائيل سيرفنتس الذي كتب روايته "دون كيشوت دي لامانتشا"، لتصبح أوّل رواية أوروبية حديثة.

اتّخذ سيرفنتس، الرّجل الحرّ الذي فرّ من الأسر من بين أيادي العثمانيين في الجزائر، من أحد المغارات بمرتفعات العاصمة، ملجأ له ولأدبه، ولاتزال هذه المغارة التي حملت سرّه ووحدته ووحشته لسنوات، تحكي قصصه وتفاصيله. كيف لا وهي المحجّ لعشاق أب الأدب الواقعي؟

يمكن لزوّار مغارة سيرفنتس، الواقعة بالحامة، بالعاصمة الجزائرية، أن يستشعروا هنا تحرّكات الكاتب الإسباني، الذي اختار مهربه بذكاء؛ باحة تشبه حدائق القصور العتيقة، صمّمتها الطبيعة على مزاجها، وشجرة مائلة لا يمكن إلا تخيل سيرفنتس تحتها وهو يكتب باحثاً عن خيوط الشمس التي كانت تحيك معه رسومات عمله الرّوائي الذي شكّل منعرجاً في الأدب العالمي.

المغارة الحبلى

على بعد أمتار قليلة من تلك الحديقة يقع الكهف الذي يجعل الزوار منبهرين بما قد يفعله الكون من أجل حرية الإنسان إن تمسّك بها، كما فعل الإسباني المتمرّد، الذي كان يهرب من المعتقل رغم تشديد الحراسة عليه.

يمكن لزوّار مغارة سيرفنتس، أن يستشعروا هنا تحرّكات الكاتب الإسباني، الذي اختار مهربه بذكاء؛ باحة تشبه حدائق القصور العتيقة، صمّمتها الطبيعة على مزاجها، وشجرة مائلة لا يمكن إلا تخيل سيرفنتس تحتها

مغارة تختلف عن الصورة النمطية للكهوف، حيث شكّلت نحوت الزّمن فيها غرفاً صغيرة تحكي كل واحدة منها عن مخيّلة صاحب "دون كيخوتي"، وكيف أنّه أبدع في اختيار خلوته قبل أن يختار شخوص روايته التي زاوجت بين الحلم والواقعية، وكيف انتصر الواقع أخيراً فيها.

يمكن للمتجوّلين في المكان أن يفهموا الكثير ممّا عقّدته الرواية، وأن يفهموا سيرفنتس في أحايين كثيرة أيضاً، لاختياره البطل بتلك الصورة ومرافقه الفلّاح بتلك الجاذبية، فلا يمكن فصل الكاتب ولا العمل الرّوائي عن المكان الذي شهد المخاض.

ألهمت المغارة التي تتمركز في المرتفعات والمطلة على الجزائر العاصمة سيرفنتس ليمارس طقوس حريته، وقد كان يستنشق منها هواء إسبانيا كلما اشتدت الريح، فلا يفصله عنها سوى البحر المتوسّط الذي كان يسمع أمواجه من تلك الخلوة.

تحوي المغارة التي احتضنت أوّل رواية نموذجية في تاريخ الأدب العالمي، على ثلاث غرف. ورغم صغرها إلّا أنّها اتّسعت لمخيلة الكاتب. ويبلغ طول الكهف سبعة أمتار وعرضه مترين، مساحة يبدو أنّها كانت كافية ليسيح فيها أب الأدب العالمي الحديث.

قصة دونكيشوت

إنها أزمة منتصف العمر بمقاييس عصر سيرفنتس، هو ما أصاب بطل الرواية الذي أطلق على نفسه هذا اللّقب الذي ارتأى أن يطلقه على عمله الأدبي أيضاً، قصة الرّجل نحيل البنية طويل القامة الذي أخرجته أحلامه من الواقع حتى جُن.

المكان قرى اسبانيا، الزّمان عصر النّهضة، القرن السادس عشر، البطل ألنسو كيخاو، النبيل الذي يملك الأراضي بحجم خيالاته التي أخرجته من عقله، بسبب هوسه بكتب الفروسية وبطولاتها، وقد بلغ الأمر به حد بيع قطع من أراضيه ليكسب المزيد منها.

يقول الزائر: "هذه المغارة يجب أن تكون أحد المعالم المشهورة فعلاً، وألا تقل شهرة عن الرواية التي كتبت واستلهمت منها. لا أشك في أن المغارة ساهمت في وحي سيرفنتس"

يقول بطل الرواية بعد صولات وجولات له في وهمه وهو يحاول خلق عالم الفروسية الفاضل والمثالية البعيدة عن الواقع: "لقد كنت مجنوناً والآن صرت عاقلاً؛ لقد كنت دون كيشوت دي لا منتشا، والآن كما قلت لكم ألونسو كيخانو"، لكن بعدما فات الأوان وأهدر سنين عمره باحثاً عن حلم سراب، لاهثاً خلف أوهامه التي زاد جسده نحافة وهزالة.

زوار ومريدون

يلاحظ الزائرون للمكان عدد السواح الذين يأتون للحج في المكان، فلا يمكن لعشاق "دون كيشوت" الزائرين للجزائر إلا أن يحطوا رحالهم هنا، ليتلمسوا الأماكن التي نام واستيقظ فيها سيرفنتس، والتي كتب وأبدع وفكر فيها.

تقول حياة قمر (29 سنة): " لأول مرة أزور هذا المعلم الذي أشعرني أنني أحد أبطال العمل؛ هذا المكان الذي عاد بخيالي لمئات السنين، حيث كان يعيش أحد أساطير الرواية في العالم. لا أصدق أنني أقف على نفس المساحة التي كتبت فيها واحدة من أعظم الروايات عبر تاريخ الأدب العالمي".

لا يمكن للسياح الإسبان أن يأتوا الجزائر دون زيارة المغارة، التي ساهمت السفارة الإسبانية بالجزائر بمعية وزارة الثقافة في إعادة ترميمها.

يقول ستيفان أحد القادمين للمنطقة: "مبهر فعلاً أن تنحت مغارة وسط جبل بهذه الطريقة، وكأن الجبل نهش بطنه ليحتضن سيرفنتس. هذه المغارة يجب أن تكون أحد المعالم المشهورة فعلاً، وألا تقل شهرة عن الرواية التي كتبت واستلهمت منها. لا أشك في أن المغارة ساهمت في وحي سيرفنتس".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard