شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عندما يُقبّل زوجي قدمي...

عندما يُقبّل زوجي قدمي...

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 26 فبراير 202201:33 م

 الخارج إلى الضوء


"لم أنسهُ إذ قام يكشف عامداً/ عن ساقِهِ كاللؤلؤِ البرّاقِ،

لا تعجبوا إن قامت فيه قِيامَتي/ إنَّ القيامة يوم كَشفِ الساقِ"

بتلك الأبيات وصف الشاعر العربي القديم ذو الرمة الأقدام، وما تمثله عند الرجال كما يتخيلها.

ولكن، ماذا عني أنا؟

لفترات طويلة لم أكن أعر هذا الجزء من جسدي انتباهاً، وتعاملت معه بواقعية جافة، ربما لأني لم أرتدِ يوماً حذاءً يكشف عن مظهر قدمي أو حجمها.

لطالما اعتبرت أن قدمي ما هي إلا جزء يساعدني على الحركة، ومع علاقة طويلة وطيدة بيننا أدركت أنه آن الأوان أن أغير علاقتي معها. أدركت أن هناك استخدامات مختلفة للأقدام، وتحديداً أقدام النساء، بل إن هناك عدد كبير من النساء يعانين من أقدامهن. ولأبدأ معكم بالجزء الأكثر حميمية وشاعرية، تعرفونه جيداً، أو ربما تتخيلونه جيداً…

الفانتازيا الجنسية للأقدام

تطغى التعقيدات والخفايا على عالم الرغبات الجنسية للإنسان، والهوس الجنسي أو الفيتيش، وهو شعور بالإثارة الجنسية حيال شيء معيّن أو نشاط أو جزء من الجسم.

"كعب جزمتك يا مدام يدل على أنوثة طاغية"، جملة شهيرة، للكوميدي المصري فؤاد المهندس، في فيلم "مطاردة غرامية"، كشف فيها عن دور آخر تلعبه سيقان المرأة وحذائها.

في دراسة أجريت حول أكثر أنواع الهوس الجنسي انتشاراً، اتضح أن الأقدام هي الأكثر شيوعاً إلى حدّ كبير.

البعض قد يتحول إعجابه بالأقدام إلى ما يعرف بـ"فيتيشية القدم" Foot fetishism، يشعر صاحب تلك النزعة بالرغبة عبر مداعبة، لمس، لعق أو شم رائحة القدم.

ومع الوقت قد يتطور الهوس ليشمل كل ما يرتبط بالأقدام، خاصة الأحذية ذات الكعوب العالية.

صديقاتي وشركاؤهنّ

في تجمع أنثوي للأحاديث الفضفاضة والشكاوى المؤجلة، حكت صديقاتي مواقف طريفة وغير متوقعة تعرضن لها بسبب أقدامهن.

تحدثت إحدى الجالسات أنها تركت خطيبها لأنه كان من أصحاب "Foot fetishism"، وكان لديه هوس بحجم قدميها الصغيرتين، ودائماً ما كان يطالبها بإرسال صور لأقدامها. تركته لأنه طلب من نساء أخريات الشيء ذاته، إنها يهوى القدم النسائية، أي قدم.

وحكت أخرى: "مقاس قدمي صغير، 36 نمرة، وحبيبي دائماً لديه الرغبة في رؤية قدمي في الحذاء ذات الكعب العالي، ولم يتوقف عن طلب إرسال صور أصابع قدمي له، وكان يعلق أحذيتي أمامي، ويظل يشاهدها ويغازلني، ولطالما سألني تزيين قدمي بالخلخال، والألوان الزاهية على الأظافر".

"لستُ سندريلا، صاحبة الحذاء الكريستاليّ، وإنما أنا ذات الأقدام الكبيرة التي تبحث عما يناسبها في محلات الأحذية الرجالي"... مجاز في رصيف22

صديقتي الثالثة، كانت الأقل حظاً، فشكل قدميها كثيراً ما سبب لها حرجاً، فهما نحيفتان، ما منعها من ارتداء الفساتين والأحذية ذات الكعب العالي، بعد أن سمعت شاباً يُعلق مع أصدقائه في إحدى المناسبات العائلية أن رجليها "معرقبة"، وهو لفظ شعبي يطلق على الأقدام النحيفة.

قلت في نفسي: نعم، هناك تنميط جمالي لأقدامنا يؤذينا، ويفقدنا الثقة في أنفسنا إن لم نتماهى مع هذا النمط أو ذاك.

قدم ملكة الصين

خلال رحلتها إلى الصين، تحكي الكاتبة الصحافية البريطانية، أماندا فورمان، ما اكتشفته أثناء عملها مع "بي بي سي" لإنتاج حلقات توثيقية عن تاريخ النساء في مناطق مختلفة.

تحكي أنه بينما كان الفريق التلفزيوني يبحث في التغيرات الاجتماعية التي طرأت على الصينيات، بدءاً من نهاية القرن الـ13 الميلادي، زارت برفقة زملائها متحفاً يحوي قبر "هوانغ شنغ"، زوجة أحد أفراد العشائر الإمبراطورية التي توفيت عام 1243.

شاهدوا حذاء دمية مطرزاً، مع شروح عن عادة "طي الأقدام"، التي كانت سائدة في الصين، كانت تهدف إلى التشبه بأقدام متناهية الصغير، تدخل في أحذية ضيقة للغاية، وصُدمت أيما صدمة عندما علمت أنها أحذية الملكة.

كشف كتاب "أقدام مطوية، أيادٍ شابة" للأميركيتين لوريل بوسين وهيل غايتس، أنه كان يتم طي أقدام النساء ليهبن حياتهن في خدمة الاقتصاد، أي العمل الشاق ولا شيء غير العمل اليدوي. ويحكى أن اقتصاد العديد من القرى الصينية كان قائماً على الأعمال اليدوية، وهو ما شجّع على تثبيت وتجذير طي أقدام الإناث.

وبالرغم من اختلاف معايير الجمال في كل فترة زمنية إلا أن تشييء النساء وتحويلهن إلى سلع لا يزال مستمراً. بدلاً من طي الأقدام، أصبح هناك نفخ الشفاه، وحقن الخدود، وشفط البطون، وضخ الناتج في الأرداف، ونحت القوام نحتاً.

إمتاع وإشباع

هناك بُعد آخر في هذه القصة، وهو ما تتكلفه النساء من أموال حتى تستطيع العناية جيداً بشكل قدميها، فإذا كانت ترغب في ارتداء حذاء مريح، عليها أن تدفع تكلفة مضاعفة، فضلاً عن أن أغلب المنتجات الخاصة بعناية القدم أو البشرة بشكل عام لها تكلفة اقتصادية كبيرة على السيدات، حتى أن أغلب الشركات قائمة على دوافع جمالية أكثر من كونها صحية، وأصبحت كل زاوية موجودة في المرأة مجندة للإمتاع وتلبية الرغبات.

وبالتالي، نتيجة للحملات الإعلانية الضخمة التي تروج لمعايير جمالية معيّنة، والتي تعتبر أن قدم المرأة هو سلاح قوي للإغراء والتعبير عن الأنوثة، أصبح الكثير من النساء يشعرن بالقلق حيال حجم أقدامهن.

وحدة الأقدام الكبيرة

"انا لو مش مرتاحة في الحذاء مش هعرف امشي" قالت نيرمين (33 عاماً) إحدى الجالسات في تجمعنا الأنثوي.

"عندما أرتدي حذاءً أنيقاً أشعر أن الملابس جميعها اكتملت، فهو العنصر الأهم بالنسبة لي، كما أني أفضل الاعتناء بقدمي بشكل رئيسي، من وجهة نظري الاهتمام والنظافه تظهر من القدم، لأن الاعتناء بها صعب، فيها تفاصيل مختلفة وكثيرة، مثل الأظافر، الأصابع، لون الجلد والظفر، الكعب الأحمر أو حتى الأبيض، النعومة، الرائحة، جميعها تشعرني بذاتي".

تضيف نرمين أن أكثر لحظات الحب والتناغم بالنسبة لها عندما يقرر زوجها أن يقبل قدميها، وأنه لا توجد بينهما حواجز: "أحب قدمي، وأحب من يمدحهما، وكل شيء يُزين القدم، لذلك لم أخلع الخلخال من قدمي من سنوات طويلة".

ورغم أن الحديث أخذنا لمسارات عدة إلا أن نورهان (25 عاماً) أكدت أنها تعاني من القلق والتوتر الدائم بسبب أقدامها، تقول: "دائماً أشعر بالتوتر منها، خاصة إذا كنت بالخارج، فإذا كنت أرتدي (صندلاً) كل بضعة دقائق أقبل على تنظيف قدمي بالمناديل المبللة، أو أدخل مكاناً لأغسلها، دائماً ما تزعجني أكثر من أي شيء آخر".

في كتاب "إياك والزواج من كبيرة القدمين" للكاتبة الهولندية، مينيكه شيبر، المتخصصة في دراسة الأمثال والأساطير حول النساء من حياة الشعوب جميعاً، تقول: "قدما المرأة، وبخاصة كعبيها، هما مقياس ثابت لجمالها في بعض الثقافات، ففي الصين يقولون: المرأة طويلة القدمين ينتهي بها الحال وحيدة في غرفة".

على الجانب الآخر، كشفت سمر ذات الثلاثين عاماً، عن شعورها بالخزي من الصعوبة في إيجاد حذاء يلائم حجم قدميها، ما يدفعها في كثير من الأحيان للبحث في محال الرجال، ومع التمتمة بكلمات طبطبة ولعن معايير الجمال التي صورّت للشركات الكبرى أن قدم المرأة لا يجب أن يتخطى الثلاثينات، ومن تفوق ذلك فليس لها من منتجنا نصيب.

تكمل نورهان: "لستُ سندريلا، صاحبة الحذاء الكريستاليّ، وإنما أنا ذات الأقدام الكبيرة التي تبحث عما يناسبها في محلات الأحذية الرجالي، مع سيل من الانتقادات و التهكمات على حجم قدمي وقياسه 44".

أكثر لحظات الحب والتناغم بالنسبة لها عندما يقرر زوجها أن يقبل قدميها... مجاز في رصيف22

"التحدي الآخر بالنسبة لي هو كيف أتقبل نفسي"، تحكي نورهان عن الكثير ممن عرفتهم من الرجال، حتى من لا يتحدث عن حجم قدميها، لا يفوته أن يسخر منها، وذلك سببه أن "هناك اعتقاداً سائداً بأن القدم الصغيرة هي الأكثر إغراء، وأنه لا توجد سيدة جميلة ذات قدم كبيرة".

وبالرغم من أنه لا يوجد شيء يدعو للقلق من نمو حجم أقدام النساء، فهذا جزء متوقع من التطور الطبيعي للإنسان الحديث، ولكن النساء أنفسهن يعانين من المتاعب جراء ذلك.

على سبيل المثال، أظهرت الأبحاث أن 75% من النساء اليوم أصبحن لا يجدن مقاس الحذاء المناسب في متاجر الأحذية، والسبب هو نمو حجم الأقدام.

ونتيجة لذلك تضطر النساء إلى تجربة مجموعة كاملة من المشاعر غير السارة : 72% منهن يشعرن بخيبة أمل، و29% يشعرن باليأس، و27% يشعرن بالحرج، و22.5% يشعرن بالانزعاج، وهذه الأرقام يمكن أن تحدد الوضع النفسي للكثير من النساء اللاتي تتجاوز قياسات أقدامهن حجم 41.

بينما يعتبر الوضع أسوأ بكثير بالنسبة للنساء اللاتي تتجاوز قياسات أقدامهن أكثر من 41، إذ اعترفت نصف النساء أنهن يشعرن بالحرج، عند البحث عن قياسات كبيرة، لدرجة أن رحلة البحث عن حذاء قد تنتهي بمشهد درامي وهستيريا ودموع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard