شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الاقتصاد اللبناني المزري لا يعرقل

الاقتصاد اللبناني المزري لا يعرقل "دايت" كثيرات وهوسهن بالمظهر الخارجي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 27 يناير 202211:30 ص
Read in English:

Lebanon’s collapse hasn’t affected women’s obsession with dieting and physical appearance

بعيداً عن التعريف العلمي الذي نجده في كتب التغذية، أو غوغل، أعجبني تفسير مضحك قرأته قبل مدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أن الكالوريز، أو السعرات الحرارية، عبارة عن مخلوقات صغيرة تعيش في خزانتك، ومهمتها تضييق ملابسك قليلاً كل يوم.

لم أقابل في حياتي امرأةً تتمتع بثقة كاملة في ما يتعلق بشكلها الخارجي، فهي دائمة القلق حول نظرة الناس إليها، ونظرتها إلى نفسها. ولن أتكلّم هنا عن وقع الإنستغرام وصور العارضات والمشاهير على ثقة المرأة بشكلها واعتزازها بجسدها، فقد أصبح من المعروف التأثير الكبير لهذه الصور غير الواقعية، والتي يتم التلاعب بها في أغلب الأحيان عبر الفوتوشوب، لإزالة السيلوليت والتجاعيد لنساء شهيرات على وسائل التواصل الاجتماعي.

من المتوقع، أن يتراجع في الفترة الأخيرة الهوس بهذا النوع من الكماليات، بسبب الوضع الاقتصادي السيء. إلّا أن اهتمام اللبنانيات بالدايت (الحمية)، والابتعاد عن المأكولات الدسمة، وعد السعرات الحرارية، لا يزال مستمراً

ما أود التحدث عنه، هو ما شاهدته خلال زيارتي للبنان، البلد الذي يعاني في الفترة الأخيرة من وضع اقتصادي مزرٍ، وهبوط في قيمة الليرة، وفساد سياسي واجتماعي، وخراب وتدمير، وفقر وبطالة واتّكال تام على أموال المغتربين، ومساعداتهم.

من المعروف أن شريحة من اللبنانيات من سكان المدن تهتم بشكلها ومظهرها، حتى أن بيروت أصبحت عاصمة الشرق الأوسط للرشاقة والبوتوكس وعمليات التجميل.

لم أقابل في حياتي امرأةً تتمتع بثقة كاملة في ما يتعلق بشكلها الخارجي، فهي دائمة القلق حول نظرة الناس إليها، ونظرتها إلى نفسها.

ولكن من المتوقع أيضاً، أن يتراجع في الفترة الأخيرة الهوس بهذا النوع من الكماليات، بسبب الوضع الاقتصادي السيء. إلّا أن اهتمام شريحة من اللبنانيات بالدايت (الحمية)، والابتعاد عن المأكولات الدسمة، وعد السعرات الحرارية، لا يزال مستمراً.

علمياً، من تبعات الهوس بالكالوريز، هناك أوّلاً الشعور بالذنب والاشمئزاز الذاتي، فعندما تتناول/ ين طعاماً يحتوي على عدد كبير من السعرات الحرارية، قد تشعر/ ين بأنك أخطأت، وتبدأ/ ين بمعاقبة نفسك عبر البكاء وحرمان جسدك من الطعام.

من هنا تأتي النقطة الثانية، أي معاقبة النفس: من يعاني بهوس الحمية (الدايت)، عندما يبتعد عن النظام الغذائي الذي يتبعه ولو قليلاً، تجده يعاقب نفسه عن طريق تقييد المزيد من الأطعمة، أو ممارسة الرياضة لوقت أطول، فتجده شخصاً يكرّس الكثير من الوقت لتطبيق نظامه الغذائي المفضّل بطريقة صارمة.

وما رأيته في لبنان أدهشني فعلاً!! فبعد غلاء أسعار المواد الغذائية، لا زالت شريحة من النساء يمتنعن عن أكل النشويات، من خبز ورز وباستا، مع أنها المواد الأرخص في السوق، إلا أنها تؤثّر على حميتهن الغذائية، وهوسهن بمظهرهن الخارجي.

ففي بلدٍ تعصف به الأزمات والحروب بشكل مستمر، وقد يكون لجوء البعض إلى التجميل أو إلى اتّباع حمية بغية إنقاص الوزن، والتشبه بعارضات الأزياء، هروباً من هذه الأزمات، ومتنفساً لتلك النساء بسبب عدم قدرتهن على تغيير الواقع، لذا يغيرن في أشكالهن ويحرمن أنفسهن من أطعمة معيّنة قد تصبح في المستقبل غير البعيد، الأطعمة الوحيدة الموجودة في السوق.

فعندما سألت بعض القريبات والصديقات عن هذا الموضوع، اعترفن لي بأنهن يعتمدن على تحويلات الأموال الخارجية، للإبقاء على أسلوب حياتهن ووجباتهن الغذائية، وإن توقفت التحويلات سيحرمن أنفسهن من الطعام إن كانت الأطعمة المتاحة لا تلائم الحمية الغذائية، وقد تؤدي إلى زيادة الوزن.

في بلدٍ تعصف به الأزمات والحروب بشكل مستمر، قد يكون لجوء البعض إلى التجميل أو إلى اتّباع حمية بغية إنقاص الوزن، والتشبه بعارضات الأزياء، هروباً من هذه الأزمات، ومتنفساً لتلك النساء بسبب عدم قدرتهن على تغيير الواقع

حتى أن جارتي، عندما سألتها عن حميتها الغذائية، اعترفت بأنها سعيدة بغلاء سعر الشوكولا، وعدم قدرتها على شرائه كل يوم، لأنها ستتمكن الآن من خسارة الوزن الزائد الذي تعاني منه. وعندما أخبرتها بأن نصف السكان في لبنان أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، وأن سعادتها بغلاء الأسعار تُعدّ أنانيةً، قالت لي إن من جعلها أنانيةً لا تأبه للفقراء وهمومهم، هو لبنان، بسياسييه وحكّامه وملوك طوائفه.

وسط الغضب الشعبي واليأس المستفحل في بلد التناقضات والحروب، وجدتُ نساءً يرفضن تقبّل الواقع، ويعشن في بلد وهمي صنعنه في مخيلتهن. بلد يجب أن يحافظن فيه على رشاقتهن، ووزنهن، كتقنية دفاع عن حالتهن النفسية المتردية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard