شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"الغشاش يغش حتّى أباه"... الطمع البشري والأسباب التي تدفع البعض للغش

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 25 يناير 202203:58 م

هناك منطقة رمادية بين أن يكون المرء محنّكاً بعض الشي وبين أن يغش بشكل مستمر، فبعض الأفراد مثلاً في لعبة الورق، يختلسون النظر على بطاقات الآخرين حتى يتمكنوا من رمي البطاقة المناسبة وضمان الفوز، وبالمثل قد يحاول البعض الغش في زهر النرد حتى يحصل على الرقم الذي يخوّله الربح أو تبرير أعمال الغش في الامتحانات.

حتى ولو لم نكن نعتزم الخداع والاحتيال مطلقاً، فإن ارتفاع معدل الأدرينالين، الناتج عن المنافسة المحتدمة، هو أمر قد يشعرنا بالحاجة إلى الغش قليلاً بغية تحقيق الفوز على الطرف الآخر.

واللافت أن الغش، الذي يعتبر أمراً منافياً للأخلاق، هو أكثر شيوعاً مما نعتقد، ويمكن أن يطال الجميع دون استثناء.

ما هي الأسباب التي تقف وراء انتشار هذه الظاهرة، وهل تشجع مجتمعاتنا التي يغلب عليها الطابع التنافسي المرء على الغش؟

هل الرجل يغش أكثر من المرأة؟

في العام 1999، تم اطلاق Whyville كلعبة تعليمية للأطفال من سن الثامنة وما فوق، وفي حين تبدو هذه اللعبة منزّهة عن الغش ومكاناً غير محتملاً لهذا السلوك، غير أنه وبحسب ميا كونسالفو، مؤلفة كتاب Cheating: Gaining Advantage in Videogames، والأستاذة في دراسات الألعاب والتصميم ودراسات الاتصال في جامعة كونكورديا في مونتريال بكندا، فإن الغش يظهر في أي مكان وفي كل مكان.

في هذه اللعبة، يتعيّن على كل لاعب/ة حلّ ألغاز العلوم والرياضيات مقابل الحصول على "البطلينوس"، وهي العملة الافتراضية المستخدمة في عالم Whyville، كما يمكن استبدال المحار مقابل ترقيات الصورة الرمزية مثل ميزات الوجه الجديدة أو قصات الشعر أو الممتلكات، مع العلم بأنه بوسع اللاعبين تصميم ترقياتهم الخاصة لبيعها بأي سعر يرغبون فيه في نقطة التداول.

حتى ولو لم نكن نعتزم الخداع والاحتيال مطلقاً، فإن ارتفاع معدل الأدرينالين، الناتج عن المنافسة المحتدمة، هو أمر قد يشعرنا بالحاجة إلى الغش قليلاً بغية تحقيق الفوز على الطرف الآخر

وقد نالت هذه اللعبة استحساناً لاستخدامها المبتكر للعملات الافتراضية ولإشراك جمهور أصغر سناً في العلوم والرياضيات.

وعندما ترددت على مسامع كونسالفو أن اللعبة مخصصة للفتيات الصغيرات، سألت المطورين: "ربما ليس لديكم أي مشاكل مع الغش؟"، على اعتبار أن معظم الأبحاث تقول إن الذكور يغشون أكثر من الإناث.

لكن مطوري Whyville لاحظوا أن هذه اللعبة التي يشترك بها 68% من الإناث اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 8 و 13 عاماً، ينتشر فيها الغش بشكل ملحوظ: فقد قام اللاعبون/ات باختراق حسابات بعضهم/نّ البعض أو إنشاء حسابات ثانوية للاحتيال، بحسب ما وجدت كل من ياسمين كافاي، أستاذة التعلم في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة وديبورا فيلدز من جامعة ولاية يوتا بالولايات المتحدة.

via GIPHY

بدورها، لاحظت ميا كونسالفو شكلاً آخر من أشكال الغش في اللعبة: قامت بعض الفتيات بالتلاعب بسوق البطلينوس والتآمر لزيادة قيمة سلعهنّ، من خلال التحدث عن مدى ندرة ترقية معينة والمبلغ الذي قد يرغبن في دفعه لخداع اللاعبين الآخرين، لحثهم على دفع مبالغ زائدة مقابل سلعهنّ.

وقد أطلقت كونسالفو على هذا السلوك مصطلح "المراجحة الاجتماعية"، منوهة بأنه شكل من أشكال التلاعب بالسوق.

via GIPHY

ما السبب الذي يدفع البعض للغش؟

في حوار أجراه رصيف22 مع المعالجة النفسية والأخصائية في علم نفس الأطفال، علا خضر، أكدت أن الأطفال الذين هم تحت سنّ السادسة قد يقدمون على الغش، لأنهم ببساطة لا يعرفون قانون اللعبة، كما أنه قد لا يكون لديهم الوعي الكافي لمعرفة ما هو الغش.

وأوضحت علا أنه مع التقدم في العمر، يطور الطفل مفهوماً يُعرف بtheory Of mind، بحيث يتعرف أكثر على خفايا الكذب، الذي هو نوع من أنواع الغش: "قد يبدأ الطفل البالغ من العمر 6 سنوات وأكثر بإخفاء أمور معيّنة عن أهله وقد يقدم على الغش"، مشيرة إلى أنه في هذه المرحلة العمرية يبدأ الأطفال في رؤية الأمور من منظور مختلف وهو أمر طبيعي في نموهم".

وكشفت خضر أن هناك محفزات أخرى للغش، من بينها: المنافسة وردة فعل المحيطين بالولد في حال خسر، ومدى التوقعات التي يضعها الأهل والمقربون عليه، سواء كان في المدرسة أو في اللعب، مشددة على أهمية أن ينظر الأهل إلى ما هو أبعد من الغش وتحديد أسبابه: هل هو جزء من نمو الطفل أم هناك ضغط نفسي يمارسونه على طفلهم، بالإضافة إلى اقدامهم أحياناً على التنمر والمقارنة بينه وبين الآخرين".

وبحسب علا، ينبغي على الأهل أن يشرحوا أكثر لطفلهم أهمية الصدق ومدى سعادتهم وفخرهم به في حال كان صادقاً وصريحاً معهم، والتأكيد له أن الخسارة لا تعني أنه بات أقل شأناً من الآخرين: "يجب أن يشرحوا له مثلاً أن الهدف من اللعبة هو الاستمتاع وليس بالضرورة الربح وفي المدرسة التعلم وليس فقط النجاح بتفوّق".

هذا وأشارت علا خضر إلى أنه "في مرحلة عمرية متقدمة، قد يلجأ المرء إلى الغش حفاظاً على صورته ومكانته الاجتماعية، بالإضافة إلى الشعور الداخلي بالمتعة والقوة في حال أقدم على الغش ونجح في فعلته".

"إنه لأمر مؤلم أن يُؤخذ منك رأس مال الألعاب الخاص بك، حتى لو كان ما تخسره هو دولارات مونوبولي"

في الحقيقة، إن "الهوس" بالفوز وتحقيق المكاسب قد يدفع الناس لأن يلجؤوا إلى خيار الغش، ويمكن لسلوك مجموعة ما أن تجعل المرء أكثر تسامحاً مع الغش وأن ينظر إلى هذا الخيار على أنه مقبولاً.

في كتابها، أوضحت ميا كونسالفو أن المرء، حين يكون مستواه جيّد في لعبة ما، فهذا يجلب له طابعاً اجتماعياً يرفعه داخل المجتمع.

بمعنى آخر، يريد اللاعبون الجيّدون الحفاظ على مرتبتهم والتعامل معهم كخبراء في اللعبة: "هناك معرفة تحصل عليها من اللعب الكثيف... وهذا شيء يمكنك مشاركته مع أشخاص آخرين. الفكرة هي أن يكون لديك نوع من رأس المال الثقافي".

وبهدف الحفاظ على هذه "المكانة"، قد يشعر البعض بالحاجة أحياناً إلى الغش والخداع.

والمثير للدهشة، أن اللاعب الأفضل يشعر بالحاجة إلى الغش أكثر من اللاعب الأسوأ، إذ يبدو أن الخوف من فقدان شيء ما هو حافز أكبر للغش، بخاصة وأن الخسارة التي يشعر بها اللاعب قد تبدو بالنسبة إليه عميقة وحقيقية: "إنه لأمر مؤلم أن يُؤخذ منك رأس مال الألعاب الخاص بك، حتى لو كان ما تخسره هو دولارات مونوبولي".

وفي السياق نفسه، كشفت كيري ريتشي، التي تبحث في كيفية تحسين التدريس في جامعة جيلف في أونتاريو، كندا، أن غالبية الغش الأكاديمي يتم بواسطة طلاب متفوقين، إذ إن 60% من المخالفين حصلوا على درجات 80% أو أكثر.

وفي حين أن الغش في الدراسة ليس هو نفسه الغش أثناء اللعب، غير أن هناك أوجه تشابه بينهما، أهمها أن من هم في القمة يشعرون بالضغط للحفاظ على مكانتهم.

ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر على ما إذا كنّا نغش أم لا، من بينها التأثير الاجتماعي، بحيث تدفعنا تصرفات أصدقائنا إلى تغيير سلوكنا، أو أننا ببساطة نبحث عن أصدقاء يشبهوننا.

الغش كمجموعة قد يسمح أيضاً لبعض اللاعبين بتبرير سلوكهم. من المرجح أن يتصرف اللاعبون بطريقة خادعة إذا كان بإمكانهم القول إن ذلك يفيد الآخرين وكذلك أنفسهم.

"في مرحلة عمرية متقدمة، قد يلجأ المرء إلى الغش حفاظاً على صورته ومكانته الاجتماعية، بالإضافة إلى الشعور الداخلي بالمتعة والقوة في حال أقدم على الغش ونجح في فعلته"

في السياق نفسه، كشفت دراسة أجرتها جامعة نوتينغهام البريطانية، بأن الأشخاص قد يختارون الغش عندما يشجعهم أقرانهم على ذلك، كما أن التعاون لتحقيق مكسب مالي مثلاً يعزز الكذب لجني الأموال.

ولاحظ الباحثون أن الفساد تفشى بشكل أكبر في المجموعات التي جرى فيها توزيع الأرباح والمكاسب بالتساوي بين الأفراد، وكذلك عندما كان هناك ارتباط وثيق بين الأفراد.

هذا وخلصت الدراسة إلى القول إن الفساد والسلوك اللاأخلاقي في صلب الفضائح المالية مؤخراً، ربما لا يكونا مدفوعيّن بالجشع فقط، بل من نزعة البشر للتعاون مع بعضهم البعض أحياناً في ممارسات غير نزيهة، وكذلك جرّاء وجود فرصة لدى المرء للحصول على مكافأة، في حال انتهج سلوكاً مشابهاً لما اتبعه أقرانه، بحسب ما أكده الخبير في علم نفس السلوك عاموس شور: "نحن مخلوقات اجتماعية وعندما نعمل في مجموعات، فإننا نتبع المعايير التي تضعها المجموعة". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard