شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
وإذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذنوا

وإذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذنوا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 12 فبراير 202211:31 ص

 الخارج إلى الضوء


"هو الاحتلام حرام يا أستاذ؟" تسرّب من بيننا، أنا وزملائي في المدرسة الإعدادية، سؤال خارج عن المألوف لفت انتباهنا جميعاً، موجّه إلى معلم التربية الدينية، الذي كنا نمطره بالأسئلة الدينية متى ما رأيناه. أتذكر ذلك جيداً، كان في سنة 2004، في محافظة قنا جنوب صعيد مصر.

في المرحلة العمرية ذاتها، وفي محافظة بني سويف شمال الصعيد، كان لدى محمود عبد الله إجابة. يقول لنا: "كنت شايف إني عملت حاجة حرام، ووقعت في ذنب كبير".

هذا ما خلص إليه محمود من أحاديث المدرسين، فما يحلم به الشخص ما هو إلا مرآة وانعكاساً لما يفكر فيه، من يسعى إلى فعل "الحرام" ويشتهيه؛ يترجمه عقله إلى أحلام ليلاً. وعزّز إحساس محمود بفعلته النشأة الدينية، التي يؤطّرها الحلال والحرام، فوالده أحد شيوخ السلفية بقريته.

قاصرة ورومانسية

"عمري وقتها كان 16 سنة، في تانية ثانوي، صحيت على شعور بالمتعة واللذة، وشوفت اللبن لأول مرة يملأ ملابسي الداخلية"، يحكي محمود. وسرعان ما تحول هذا الشعور إلى مخاوف شديدة، فما حدث -من وجهة نظره آنذاك- ذنب يستوجب التكفير.

"كل اللي شاغَلني إزاي أكفر عن الذنب ده؟ فقررت أجمع صلوات أسبوع فائتة، وصليتها بطريقة غير عادية، ليست في مسجد أو على سجادة، لكن على قطعة صفيح ساخنة بفعل حرارة الشمس، أعلى سطح منزلنا".

تجربة محمود الأولى مع الاحتلام كانت "قاصرة ورومانسية"، كما يحب أن يصفها. يقول: "أعتقد أن هناك علاقة كبيرة بين خبرة الشخص الجنسية وبين أحلامه، ففي بداية معرفتي الأولى بالاحتلام لم تكن الهواتف الذكية منتشرة، ولا أذكر أني رأيت فيلم بورنو أو مجلة جنسية، لذلك كانت أحلامي الجنسية بسيطة نوعاً ما، تناسب مخيلتي وخبراتي وقتها، كأن أحلم فقط باحتضان أجساد فتيات، أو ألمس أجزاء من صدورهن، أما عملية الإيلاج فلم يكن لدي تصور كامل عنها".

تخطّى محمود حالة الخوف والاشمئزاز، التي صاحبت بداياته مع الاحتلام، بقراءة كتب دينية تحتوي في أجزاء منها على تفسيرات وفتاوى وأحكام جنسية.

"أذكر منها بالتحديد كتاب (الحلال والحرام في الإسلام) ليوسف القرضاوي، الذي استخلصت منه ما هو أكثر من طبيعية الاحتلام؛ أن الاستمتاع الذاتي في حد ذاته لا شيء فيه، إنما الإفراط فيه هو الخطأ لأنه قد يعود بالضرر على الجسد. هذا الكتاب حرّرني، وجعلني أتخطى فكرة الاحتلام، بل ممارسة الاستمتاع الذاتي وقتما أرى أني في حاجة لذلك، لأنه شيء طبيعي، ومنطقي، وعادي".

ويذكر أن كتاب "الحلال والحرام" أثار لغطاً كبيراً بين مشايخ السلفية المتأثرين بتيار الصحوة السعودي، وكانوا يسمونه ساخرين "الحلال والحلال"، لأن القرضاوي تبنى فيه فرضية الأخذ بالأيسر (الفتاوى التي تميل إلى الإباحة وليس التحريم).

أما نور حسين (33 عاماً)، فكان يؤرقه شيء آخر في تجربته الأولى مع الاحتلام، يسرد لرصيف22: "حدث ذلك في الصف الثالث الإعدادي، وبرغم ما شعرت به من نشوة لن أنساها، كان في نفس الوقت محرجاً جداً، وأربكني، لأنني حلمت بممارسة الجنس مع جارتي في منزلنا، وهي سيدة متزوجة ويتخطى عمرها 45 عاماً، ولم أفكر فيها من قبل، ولأنني وقفت عاجزاً لفترة من الوقت عن التصرف في اللباس/الشورت الداخلي الذي يحتاج للتنظيف قبل أن يصل ليد أمي".

توالت أحلام نور الجنسية وتنوعت بطلاتها. يقول: "أحياناً أصحى ناسي كنت بمارس الجنس مع مين، رغم أن أثر العلاقة -المني- مطبوع على ملابسي الداخلية... ويظل أكثر من احتلمت بهن فتيات ونساء مجهولات، لا أتذكر وجوههن. وبعضهن أعرفه؛ زميلة لي في فترة الجامعة أو سيدة لمحتها صدفة وأثارتني، وفي مرة حلمت بممارسة الجنس مع إحدى نجمات التليفزيون، وهي من طلبت".

الاحتلام كمعاناة

"صحيت لقيت نفسي غرقان"، يقول محمد الشحات ضاحكاً، ثم يوضح: "كان أمراً غريباً عليّ في المرة الأولى، قبل 14 سنة، ولم أجرؤ على سؤال أحد حول طبيعة ما حدث، لكني استعنت بأحد زملائي في توجيه هذا السؤال لمدرس الفلسفة في الصف الأول الثانوي، فجاء رده بأن (الاحتلام) فعل جنسي خارج سيطرة الشخص، ثم وصفه وصفاً لن أنساه؛ مثله مثل صائم نسي فأكل أو شرب في نهار رمضان، فإنما أطعمه الله وسقاه".

اختبر "الشحات" لفترة طويلة من التكرار المستمر للاحتلام، وصفها بـ"المعاناة"، بعكس أقرانه، يحكي: "صديق قال لي إن النوم على البطن يتسبب في كثرة احتلامي لاحتكاك القضيب بالفراش، وآخر نصحني من واقع تجربته بعدم ارتداء ملابس داخلية ضيقة أثناء النوم لأنها تساهم في إثارة القضيب، لكني ألجأ كثيراً إلى الإشعال الذاتي-يقصد الاستمتاع الذاتي- حتى لا يحدث الاحتلام الذي يضعني في إحراج شديد مع أسرتي لوجود آثار منه على الفراش، وربما أيضاً لأنه يجعلني أتحكم في من أتخيلها معي، بغض النظر عن حقيقة ما يسببه من مضاعفات، عكس الاحتلام، الذي يكون طبيعياً وأخف".

"صحيت على شعور بالمتعة واللذة، وشوفت... لأول مرة يملأ ملابسي... إزاي أكفّر عن الذنب ده؟ صليت على صفيح ساخن بفعل حرارة الشمس في أعلى سطح منزلنا"... مجاز في رصيف22

يحدث الاحتلام بشكل لا إرادي من الشخص النائم، ولا يرتبط بنوع الجنس أو فئته العمرية، بحسب الدكتور أنطوان الشرتوني، أخصائي نفسي، ومتخصص بالحياة الجنسية واضطراباتها.

يقول لنا: "يصاحبه عادة أحلام جنسية يصل فيها الذكر للنشوة بالقذف، والأنثى بالبلل المهبلي، ويرتبط أحياناً بالحرمان والتأثيرات الجنسية، فالشخص الأعزب المثار جنسياً ولا يمارس الاستمتاع الذاتي، أو المتزوج الذي يعاني من فتور جنسي، يكونان أكثر عرضة للاحتلام، هذا بالإضافة لارتباطه بالقدرة الجسمانية؛ فالشاب يحتلم أسبوعياً ما قد يحتلمه كبير السن خلال عام كامل".

ينفي الشرتوني، أن يكون للاحتلام أضرار، ويوضح: "بالعكس، شيء صحي، ودليل على الاكتمال الجنسي"،

ويميل لتحليله نفسياً -لدى المراهقين خاصة- بأنه "ترجمة للتغيرات الهرمونية والمخيلة الجنسية الخصبة، وهروب من وطأة الحياة الصعبة التي يعيشونها حين تتحول المشاعر السلبية والأعباء اليومية لأحلام ذات طابع جنسي، تخفف من حدة القلق والخوف".

ويتداول بين الذكور أن النوم ليلاً على البطن، ووضع وسادة بين الفخذين، يؤدي إلى حدوث الاحتلام، وهو الأمر الذي ينفي حتميته الشرتوني، ويفضل توصيفه بأنه "يساعد على ذلك أحياناً، وبعض الدراسات نفته".

أما الدكتور أنيس هاشم، في كتابه "أخطار المراهقة على أبواب البلوغ"، فيشير إلى نوع آخر من محفزات الاحتلام، وهو تناول طعام العشاء متأخراً، وينصح المراهقين بالاختصار من مواده، فالمعدة الخالية ضمانة جيدة لإبعاد "شبح الاحتلام" على حد وصفه.

الاحتلام والمسلمون الأوائل

يظل السؤال حول حدوث وكيفية احتلام النساء أكثر الأسئلة الشائعة بين الذكور، خاصة في باكورة المراهقة.

في موقع "كورا Quora" تم طرح التساؤل: "هل البنات يحتلمن مثل الشباب أَم الدورة الشهرية فقط؟". يجيب حساب لينا عمرو بأن "بعض النساء يحتلمن".

جانب آخر من احتلام النساء يلفت إليه طاقم موقع "الطبي Altibbi" في مقالة بعنوان "الاحتلام الليلي Nocturnal Emission"، وهو أن معدل الاحتلام لديهن "يحدث أقل من الرجال".

اللافت للنظر، أن ما نقل عن الاحتلام في أحاديث نبي الإسلام محمد، كان إجابة عن تساؤلات لسيدة، هي أم سلَيم بنت ملحان، والدة أنس بن مالك، وزوجة أبي طلحة الأنصاري، التي سألت عن حكم غسل المرأة –أي تعميم بدنها بالماء الطاهر- التي تجد بللاً مثل الذي يجده الرجل، فأجابها الرسول: "نعم، إذا رأت الماء"، وفي حديث آخر أجابها بأن "النساء شقائق الرجال".

عند المسلمين الأوائل، كانت هناك رهبة لـ"فعل" الاحتلام، فهي علامة البلوغ الفارقة، وهذا يترتب عليه أحكام قانونية وعسكرية، كدفع الجزية، والمشاركة في الحروب، والقتل ربما في حال إذا خسر "قومك" الحرب... مجاز في رصيف22

ورغم ذلك، فإن التراث العربي الإسلامي، يحوي خلافاً كبيراً حول حقيقة احتلام المرأة وإمكانية اعتباره أساساً لمعرفة البلوغ عندهن.

في كتاب "ضوابط البلوغ عند الفقهاء" يشير محمود شمس الدين الخزاعي إلى أن هذا الخلاف قديم جداً، ويعود إلى أيام الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي نفى أن يكون للمرأة مني، وقد خالفه في ذلك الكاتب والطبيب الإغريقي جاليونس حين أثبت أن للمرأة مني، وإن كان يختلف عن مني الرجل وطبيعته وتركيبه وصفاته.

وعزّز من هذا الخلاف عند فقهاء مسلمين، أن الاحتلام "يعد من أهم الضوابط لمعرفة البلوغ"، ويترتب عليه أحكام دينية، واجتماعية، وسياسية، خاصة في أوقات الحروب.

القرآن استعار لمرحلة البلوغ الاحتلام، يقول: "وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا"، فالتكليف (بالواجبات الدينية) مرفوع إلى أن يحدث الاحتلام، أي إذا ما احتلم الصبي أو الفتاة يصبح عندئذ مكلفاً ومخاطباً بالأحكام الشرعية.

الاحتلام عند الذكور بحسب ثقافة المسلمين الأوائل، كان معياراً فاصلاً لفرض الجزية، ذلك حين كلف النبي محمد معاذَ بن جبل بأن يأخذ من كل حالم، أي محتلم، في اليمن ديناراً كجزية.

كما أنه -الاحتلام- كان معياراً للقتل في حال الهزيمة، فتروي كتب التاريخ أنه عندما خان بنو قريظة العهد مع النبي محمد، وتحالفوا مع أعدائه من خارج يثرب/المدينة في الهجوم على المسلمين، فيما يعرف بغزوة الأحزاب/الخندق، ثم انسحبت الأحزاب، أَنفذَ النبي محمد حكم سعد ابن معاذ في قتل رجال بني قريظة وسبي ذراريهم، فكان الذي بلغ، سواءً بالاحتلام أو بنبات العانة/الشعر أسفل السرة، يُقتل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard