شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أيحق لحركة حماس أن تغيّر الدين وما أتى الله به؟

أيحق لحركة حماس أن تغيّر الدين وما أتى الله به؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 18 يناير 202201:10 م

لماذا يحدث هذا؟ وكيف؟ تساؤل بات يشغل الكثيرين من رجال الدين والفقه الإسلامي في قطاع غزة، عقب تحول العديد من المفاهيم العقائدية الدينية التي رسخها الله منذ بداية مهد النبوة محمد، وتغييرها. ومن تلك الأمور، وأخطرها، تغيير وتبديل في شكل خطبة الجمعة التي عُرفت منذ اعتلاء النبي محمد منبر المسجد النبوي، وخطبته في الناس. بدأ بحثهم على طاعة الله، واتّباع تعاليمه، لتؤخذ من خطبته المعالم والقواعد الدينية لخطبة الجمعة التي يستوجب أن تتخللها الموعظة، والنصيحة الدينية الحسنة، والتطرق إلى أمور الدين والدنيا، والتذكير بما أمر الله به، وما نهى عنه، لتسود المعرفة بين الناس كافة.

أصبح الواقع الذي يعيشه مواطنو قطاع غزة يسير تحت راية الخضوع للواقع الذي تفرضه حماس، ولا توجد حلول بين أيديهم، فعليهم طاعة الحاكم.

وهذا ما عهدناه منذ الطفولة في خطبة الجمعة التي كانت تشدّنا إليها من دون تردد، أو تفكير، في حضورها، من أجل معرفة التعاليم الإسلامية التي لا حصر لها، وتعلّمها. ولكن مع مرور الأعوام، وتغيّر الحال، وإعلان عهد جديد بتولي حركة المقاومة الإسلامية حماس زمام حكم غزة، ذاك الحزب الإسلامي الذي اعتاد الجميع على خطاباته باسم الدين على كل منبر، ليرسم أمام المواطنين أنهم مقبلون على حياة وردية متوجة برؤية إسلامية تمضي على خطى التعاليم الإسلامية، لكن الواقع عكس ما تخيّلته العقول، إذ خرج خطباء حماس في العام 2006، وحللوا قتل كل من يعارض الحركة، وسفك دمه، وعُدّت هذه الخطوة بمثابة إعلان حرب أهلية من المنابر.

ومن هنا انطلقت مرحلة جديدة خلقت النفور العقلي والإنساني، ما جعل هناك حاجزاً كبيراً بين قلوب المصلين، وبين حضور خطبة الجمعة التي انحرفت عن مضمونها الديني الذي أتى تأثراً بالنبي والصحابة، لتصبح خطبةً سياسيةً يتخللها التحريض، وبث الفتنة والضغينة بين الناس، وبات الخطاب الديني مغيّباً بشكل شبه كلي. ولم تقف الأمور عند ذاك الحد، بل تجرّد الخطباء من آداب خطبة الجمعة، والخطابة، والتي نذكر منها الحديث بصوتٍ منخفضٍ احتراماً لمنبر رسول الله، ولكن نجدهم يصرخون بأعلى صوتهم، ويحثّون الناس على إشعال الفتنة، ويكاد الخطيب أن يقفز من أعلى المنبر، وهو يشتاط غضباً وانفعالاً.

والأصعب من ذلك، أن الكثيرين من الشباب باتت أقدامهم لا تخطو أعتاب المساجد، هرباً من كل ما شاهدوه من خطباء الجمعة، حتى باتوا لا يهتمون بالنداء إلى صلاة الجمعة، فهل وقف القائمون على إعداد خطب الجمعة، ولو لوهلةٍ واحدةٍ، متسائلين عن حقيقة ما يحصل؟

الأوقاف ترسم الطريق

لا نستطيع أن نبرر تلك الأفعال بأنها فردية من محض إرادة الخطيب، وذلك كونه يخضع لطبيعة العملية الإجرائية لتحديد الخطباء، ومضمون الخطبة، من خلال وزارة الأوقاف التي تمتلك كافة الصلاحيات في الإشراف المباشر على المرافق الإسلامية والدينية، خاصةً المساجد، وذلك مما منح حكومة حماس الصلاحيات المطلقة في تسخير وزارتها الأوقاف في وضع الشكل والمضمون الفعلي لخطبة الجمعة التي ينتظرها المصلّون لتلقّي العبر، والمواعظ الدينية، ولتتحول المجريات لتصبح خطبةً سياسيةً تحريضيةً بمضمون تحدده الوزارة، ويتم تعميمه داخلياً على الخطباء، جراء تحديد موضوع الخطبة، وشكلها، ويبقى الأمر في طريقة إلقائها من ذاك الخطيب، الذي يعتلي المنبر وقد شُحن بأفكار سلبية قبل صعوده، ليصدح بأعلى صوته محرّضاً، وموصلاً رسالة الحاكم الذي عرف كيف يصل إلى عقول المواطنين، وذلك من خلال خطاب الدين المشحون بالأفكار العقائدية الحزبية السياسية.

وقد خلق تكرار المشهد ذاته على مر الأسابيع والأعوام، بيئةً وأجواءً مغايرةً لتلك التي كنا نعيشها قبل عام 2007 (سيطرة حماس على قطاع غزة)، حتى أصبحت معالم خطبة الجمعة شاحبةً والمصلّون باتوا يحضرون إلى أداء الصلاة بعد اعتلاء الخطيب المنبر، وبعضهم يصلّون قبل نزوله، وأجواء يسودها نوم بعضهم، وآخرون قدموا لكي يُؤدّوا صلاةً مفروضةً، وعلامات الانزعاج تبدو على ملامحهم. والأصعب من ذلك، أن الكثيرين من الشباب باتت أقدامهم لا تخطو أعتاب المساجد، هرباً من كل ما شاهدوه من خطباء الجمعة، حتى باتوا لا يهتمون بالنداء إلى صلاة الجمعة، فهل وقف القائمون على إعداد خطب الجمعة، ولو لوهلةٍ واحدةٍ، متسائلين عن حقيقة ما يحصل، وخلقِهم فجوةً كبيرةً بين قلوب المصلّين الشباب، وبين حب حضور المسجد، والجلوس لسماع تلك الخطبة الدينية، وهذا يجعلنا نفكر بمنطقيةٍ حول ذلك الصراع السياسي القائم من أجل غايات فئوية، في وقت نجد فيه أن المذاهب الفقهية اجتمعت على تعريف خطبة الجمعة بأنها "الكلام المؤلف الذي يتضمن وعظاً وإبلاغاً على صفة مخصوصة، والوعظ أو الموعظة هي النصح والتذكير بالعواقب، والأمر بالطاعة".

القرآن والسنّة يحثان على الموعظة

أيعقل أن الواقع القائم في غزة، استطاع أن يغيّر أيضاً المفاهيم البديهية التي خُلق الإنسان عليها منذ الطفولة، وعلى الفطرة، بأن تذهب الأفكار عند سماع نداء الجمعة إلى تلك العبادة المفروضة التي يتقرب بها المسلمون إلى الله، مما يجعلنا أيضاً نقول إن الرابط فيها هو التعاليم القرآنية والشريعة الإسلامية، مما يؤكد صفة التعبّد في الخطبة التي تركّز على الموعظة، والحث على تعاليم الدين، في وقتٍ حذّر فيه الفقهاء والأئمة من الإخلال بهذه القاعدة الأساسية في خطبة الجمعة، والتي وُضعت لها قواعد أساسية لا يستطيع أي من الخطباء تجاوزها بأي شكل من الأشكال، فكيف لمشهدٍ يتكرر بشكل أسبوعي داخل مساجد قطاع غزة، باختفاء الخطاب الديني، وعلو الخطاب السياسي؟

خطبة الجمعة عبادة، وهي من شعائر الله التي يجب تعظيمها وعدم جعلها للخطاب الحزبي والأفكار السياسية، فالمسجد مكان لتوحيد الله، وليس لتفضيل مكان على مكان، ولا شعب على شعب، ولا جماعة على جماعة، ولا خلق الفوارق والشتم والقذف والتهجم على الآخرين

خطبة الجمعة عبادة، وهي من شعائر الله التي يجب تعظيمها وعدم جعلها للخطاب الحزبي والأفكار السياسية، فالمسجد مكان لتوحيد الله، وليس لتفضيل مكان على مكان، ولا شعب على شعب، ولا جماعة على جماعة، ولا خلق الفوارق والشتم والقذف والتهجم على الآخرين. أيحق لأي خطيب استغلال خطبة الجمعة، لشتم الرؤساء والشعوب والتحريض عليهم، لوقوع خلافٍ سياسي بين حكومته حماس، وبين تلك الدولة؟ وهل يحق لهذا الخطيب، أو ذاك، تفضيل مكان على مكان، ولتكون تلك العبارة التي باتت عنوان الخطباء، بأن غزة أطهر بلاد الله في الأرض؟ أي جحود هذا؟ هل وصلت الأمور بهم إلى أن ينفوا ما أتى الله به في كتابه الكريم، عندما كرّم بيت الله الحرام وبيت المقدس، وأعلنهما بلفظٍ صريحٍ أطهر بقاع الأرض؟ هل أوصلنا التعصب الفكري الحزبي إلى هذا المطاف في مخالفة ما أتى الله به، وترويج ما يخدم الأحزاب السياسية، واستغلال اسم الدين، وخوف المواطنين من قول كلمة حق أمام خطيب جائر؟

ختاماً، أصبح الواقع الذي يعيشه مواطنو قطاع غزة يسير تحت راية الخضوع للواقع الذي تفرضه حماس، ولا توجد حلول بين أيديهم، فعليهم طاعة الحاكم، وإن قال لهم اصبروا فإن النصر قريب، فعليهم أن يصدّقوه على الرغم من قناعاتهم الذاتية التي يخفونها بقلوبهم وأفكارهم... لأنهم مقتنعون بمقولة: لا تتحدث كي تبقى بخير.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard