شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"زميلي تحرش بي وقال: ظننتك متحررةً"... المرأة المدخنة والمجتمع في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 5 يناير 202203:12 م

"التدخين عادة سيئة"؛ جملة يتفق عليها كثيرون، ولكن لا تتعامل كل المجتمعات مع المرأة المدخنة كما الرجل المدخن. في بعض الأوساط يُعدّ تدخين الفتاة جريمةً، وفضيحةً للأسرة المحافظة.

وما زالت بعض الأوساط في مصر تتحكم بها الموروثات، وتنظر إلى المرأة المدخنة على أنها "سيدة بلا أخلاق"، تحاول أن تلفت النظر إليها، وتقلّد الرجل بأي وسيلة، ولو على حساب "سمعتها".

تدخين المرأة "فضيحة"

"في المدرسة الإعدادية، كان لي أصدقاء، شباب وفتيات، يدخنون بعد الخروج من المدرسة، وقررت أن أجرّب مثلهم، وأحببت رائحة الدخان وعددتها راحةً لي. ومنذ ذلك الوقت، لم أترك السيجارة على الرغم من اعتراض أهلي"، تقول دينا (33 سنةً)، من محافظة الجيزة.

في بعض الأوساط يُعدّ تدخين الفتاة جريمةً، وفضيحةً للأسرة، وتعتبر الفتاة بأنها "بلا أخلاق".

دينا التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة، أضافت: "لم تعلم أسرتي بأي شيء حتى وصلت إلى السنة الأولى من الجامعة، وبعد خلاف مع صديقة مقربة أخبرتْ أخي، الذي علمت بعد ذلك أنه فتّش غرفتي، ووجد علبة سجائر، وانقلبت الأسرة ضدي. ضربني أخي، وقال إن هذه فضيحة، وأنه لا يمكن أن تكون أخته مدخنة".

رأت أسرة دينا الأمر "انحلالاً أخلاقياً"، ونتيجته ستكون بأنها لن تجد عريساً محترماً يوافق على الزواج منها، على الرغم من عدم اعتراضهم على كون أخيها مدخناً. "أقنعتهم بأنني أقلعت عن التدخين، وما عدت أدخن داخل المنزل، وإنما في العمل فحسب. بعض زملائي يتعاملون على أنه شيء عادي، ونظرات بعضهم تخبرني برأيهم بي".

"في المدرسة الثانوية، كان زملائي يجتمعون في زاوية خاصة للتدخين، وكنت دائماً أختنق من رائحته، ثم أقنعتني زميلتي بأن أجرب، ومن وقتها وأنا أدخن"، تقول ولاء سيد (41 سنةً)، وهي مقيمة في القاهرة.

لم تكن مشكلة ولاء في المنزل، إذ إن كافة أفراد أسرتها مدخنون، حتى والدتها تدخن من وقت إلى آخر، من دون علم أبيها، لكنها واجهت معضلةً في مكان عملها كسكرتيرة في شركة خاصة. "كنت أدخل إلى الحمام حتى أشرب السيجارة، وعرف البعض أنني أدخن من رائحتي، ووقتها فوجئت بنظرة غريبة من قبل زميلات قررن أنني بلا أخلاق، وابتعدن عني، وعدّني بعض الزملاء جريئةً، ومن السهل التقرب مني، وتعرضت للتحرش اللفظي من بعضهم، ولكني واجهت ذلك".

رأت أسرة دينا الأمر "انحلالاً أخلاقياً"، ونتيجته ستكون بأنها لن تجد عريساً محترماً يوافق على الزواج منها، على الرغم من عدم اعتراضهم على كون أخيها مدخناً

المجتمع لا يتقبّل المرأة المدخنة

"التدخين عادة سيئة، وشيء غير مقبول للرجل والمرأة، ولكن المجتمع يتقبّله من الرجل، ولا يتقبّله من المرأة، على الرغم من أن بعض الأوساط ظهرت فيها فتيات يجلسن على المقاهي بأريحية، ويدخنّ الشيشة من دون خوف، وأمام أسرهنّ، ولكن أغلبية المجتمع لا ترى أن ذلك مقبول من المرأة التي ستصبح أماً، وينظرون إليها نظرةً دونية، ويعدّونها امرأةً سهلة على الأغلب، إلا في حالات قليلة يُنظر فيها إلى المرأة المدخنة على أنها متحضّرة"، تقول الخبيرة الاجتماعية الدكتورة زينب نجيب.

وأضافت المتحدثة: "الأسرة تنظر إلى تدخين الفتاة على أنه جريمة يجب التدخل لمنعها بقوة، وهذا غير مقبول، إذ يجب التعامل مع الفتاة، وخاصةً التي تمرّ بفترة المراهقة، بتفهم، ويجب أن تتساءل الأسرة عن السبب الذي يدفعها للتدخين، لأن كثيرات يُقبلن على التدخين بدايةً، من باب ‘الروشنة’، وتقليد الغير".

"انتظري إلى ما بعد الزواج"

"طوال فترة الثانوية، كنت أريد أن أجرّب شرب السجائر، ولكنني لم أفعل. وعندما دخلت الجامعة، وجدت نفسي في مجتمع منفتح، وبدأت أجرب التدخين، وأحببته كثيراً، لكن عندما عرفت أمي قلبت الدنيا على رأسي"، تروي وفاء، وهي فتاة عشرينية من محافظة الغربية، حكايتها لرصيف22.

وتضيف: "لم تكن أمي خائفةً على صحتي، ولكنها تهتم كثيراً بنظرة المجتمع. أخبرتني بأنني لن أجد عريساً، وأن الجميع سيعدّونني امرأةً منحلّةً بلا أخلاق، وأنه عليّ أن أنتظر إلى ما بعد الزواج كي أدخن".

لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تعرضت وفاء للضرب من والدتها، لكنها لم تقلع عن التدخين، ولم تُحلّ المشكلة إلا بعد خطبتها، وعدم ممانعة خطيبها للأمر. تقول في ختام حديثها: "أتساءل باستمرار عن السبب الذي يجعل المجتمع يتعامل معنا بهذه الطريقة".

بشكل مشابه، بدأت آية (30 سنةً)، التدخين في مرحلة الثانوية، لكن بشكل متقطع، ومن دون علم أسرتها. تقول الفتاة التي تعمل صحافيةً، وتقيم في الجيزة: "لم تعرف أسرتي بالأمر إلا بعد زواجي، وأبي لا يعرف إلى الآن. أدخن في المنزل، أنا وزوجي، بعيداً عن أولادي، حتى لا يتأثروا بالرائحة"، تقول، وتضيف ضاحكةً: "يندهش صاحب السوبر ماركت، وهو من إحدى قرى صعيد مصر، من السيدات اللواتي يقمن بشراء السجائر، فهناك مجتمعات ترى الأمر كارثةً ومصيبةً، لكنه بات مقبولاً وطبيعياً في مجتمعات أخرى تنظر إليه على أنه عادة ومزاج".

لم تكن أمي خائفةً على صحتي، ولكنها تهتم كثيراً بنظرة المجتمع.

"امرأة بلا أخلاق"

"التدخين غير مقبول من البنت. يعني إيه امرأة تدخن؟ عندما رأيت أختي في الجامعة تشرب سيجارة ضربتها بشدة. ربما بعض الأوساط تقبل ذلك، ولكن نحن لا"، يقول أحمد (38 سنةً)، وهو من محافظة كفر الشيخ في حديثه إلى رصيف22.

تكمن المعضلة بالنسبة إلى الرجل بنظرة المجتمع من حوله. "الرجل يرى المرأة المدخّنة بلا أخلاق، ويتحرش بها. ماذا أقول لأصدقائي؟ هل أقول إن أختي تدخن، وتقلد الرجال، ويصبح الأمر عادياً؟ بالطبع لا. منعتها من الخروج من المنزل مدة شهر، وذهبت إلى الامتحانات بعد إلحاح شديد من أمي".

وفعلاً، هذا ما حدث مع لمياء (31 سنةً)، المقيمة في الجيزة. تروي قصتها لرصيف22: "زميلي تحرش بي، وقال: ‘ظننتك متحررةً عندما رأيتك تدخنين’، في حين أنني عددت التدخين أمراً عادياً في العمل، خاصةً أن أسرتي كانت متفهمةً لاتّباعي هذه العادة، ولكن صُدمت عندما طلب زميل لي، يعمل في منصب أعلى مني، أن آتي إلى منزله في عطلة نهاية الأسبوع، وعندما شعر بصدمتي، أخبرني بأنه ظنني ‘متحررةً’ بسبب السجائر".

أضافت لمياء، وهي تعمل في إحدى شركات الاتصالات: "لم أستطع الاستمرار في العمل، لأني كنت أختنق بمجرد النظر إليه. عملت في مكان آخر، وحرصت على أن أدخّن بسرّية، حتى لا أتعرض للموقف نفسه مجدداً".

بدوره، لم يتمكن حسام (42 عاماً)، وهو محامٍ من محافظة الدقهلية، من التخلّي عن هذه النظرة بسهولة، إذ يرى أن تدخين المرأة لم يصبح بعد عادياً في كافة أوساط المجتمع، "فالبعض، على الرغم من ادّعاء العكس، ما زالوا يحتضنون عاداته، وتسيطر عليهم الأعراف، وهذا ما حدث معي، إذ تعرفت إلى محامية، ورغبت في إقامة علاقة جدية معها، ولكني شعرت بصدمة كبيرة عندما رأيتها تدخن، على الرغم من أني مقتنع بأن هذا ليس معناه أنها بلا أخلاق".

وأضاف حسام: "تراجعت عن الارتباط بها، على الرغم من كل الأمور التي حدّثت نفسي بها، ولكني لم أستطع التخلي عما تربيت عليه. كنت أعرف أن أسرتي ستندهش مما تفعله، وتريد أن أرتبط بامرأة تحافظ على التقاليد".

عندما رأيت أختي في الجامعة تشرب سيجارة ضربتها بشدة. الرجل يرى المرأة المدخّنة بلا أخلاق، ويتحرش بها. ماذا أقول لأصدقائي؟ هل أقول إن أختي تدخن، وتقلد الرجال، ويصبح الأمر عادياً؟ بالطبع لا

نظرة الرجل المتناقضة

أستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعيد صادق، قال في حديث إلى رصيف22: "نظرة المجتمع إلى المرأة المدخنة تختلف حسب الوسط الذي تعيش فيه، وحسب سنّها، ووضعها الاجتماعي، فلو كانت غير متزوجة تخاف أسرتها من أن ينظر إليها الناس على أنها بلا أخلاق، ومن ثم لا تجد زوجاً لها، وتالياً فإن النساء المتشبعات بالثقافة الذكورية أيضاً ينتقدن المرأة المدخنة".

الخبير الاجتماعي أضاف: "الرجل الذي يرفض أن تدخن أخته، يخاف في المقام الأول من نظرة الناس إليه، وليس إليها، وقد يصل الأمر إلى حد ممارسة العنف عليها، وكذلك تحذّر الأم ابنتها من أن تدخّن، حتى تجد لها زوجاً مناسباً".

صادق تحدث عن تعرض بعض السيدات المدخنات للتحرش، وقال: "بالطبع هذا يحدث في الكثير من الأوقات، فالرجل ينظر إليها على أنها صاحبة فكر متحرر، فتستقبل ما يعرضه عليها، ومن ثم تتعرض للتحرش، لأن معظم الرجال الشرقيين لا يتعاملون مع المرأة على أنها عقل وفكر، وإنما يضعونها في قالب واحد، وعندما تدخن فهي تكسر هذا القالب، وتستحق التحرش برأيهم".

لا أحب السجائر، ولكني لا أحب تركها. أشعر بأني لو تركتها سأترك معها حريتي، وسأظهر كالمهزومة التي تستسلم بسهولة.

أكره السجائر، ولكن...

"أنا لا أحب رائحة السجائر، ولكني مع ذلك أستمرّ في التدخين، ربما لأنها الوسيلة الوحيدة التي تشعرني بأنني أتحدى كل التقاليد التي تحرمني من حقوقي البسيطة"، تقول مروة (33 سنةً)، من محافظة القاهرة.

وتضيف: "والدي عندما عرف أنني أدخن، وأنا مراهقة، أشبعني ضرباً، وكان يمنعني من الخروج، ولو تركني لاتخذت وحدي قرار الإقلاع عن التدخين، لأنني لا أحب السجائر، ولكني أشعر بالراحة الآن عندما كبرت وتزوجت وما زلت أدخن، وهو يعرف ذلك".

"زوجي لم يتقبّل أنني أدخّن. لم أخبره قبل الزواج، ولم أتصوّر أنه سيرفض، وعندما علم هاجمني، وقال إن هذه ليست أخلاق المرأة، وأن صحتي ستتدهور. لم أقتنع بكلامه. هذه صحتي، وإذا أردت تدميرها، فأنا حرة. غضب مني فترةً طويلةً، ولكنه اعتاد الأمر"، تقول نسرين (46 عاماً)، وهي تعمل في مجال العلاقات العامة، وتضيف: "لا أحب السجائر، ولكني لا أحب تركها. أشعر بأني لو تركتها سأترك معها حريتي، وسأظهر كالمهزومة التي تستسلم بسهولة".

الخبير سعيد صادق، تحدث عن هذه النقطة بالقول: "قد تلجأ نساء للتدخين كنوع من المظهر الاجتماعي، أو التقليد الأعمى، لكن في أحيان كثيرة ترغب المرأة في التدخين كنوع من التحدي للرجل، إذ تريد أن تثبت أنها بقوته نفسها، وأن لا فرق بينهما".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard