شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
موجودة غير موجودة... قصة فتاة سورية تعرّضت لأشكال كثيرة من العنف لأنها أنثى

موجودة غير موجودة... قصة فتاة سورية تعرّضت لأشكال كثيرة من العنف لأنها أنثى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 23 ديسمبر 202111:55 ص

في عينيها الدامعتين أسى عميق، وفي صوتها المتهدّج أثر سنوات من الوجع والحزن والعذاب. "ما بعرف أنا ليش موجودة بالهدنيا. كل العالم رفضوني، أهلي رفقاتي، حتى بلدي... الموت أحسن إلي"، تقول "شام" في بداية روايتها لقصتها.

"شام" (اسم مستعار) هي فتاة سورية تبلغ من العمر 22 عاماً، وهي واحدة من الفتيات اللواتي تعرّضن ويتعرّضن للعنف القائم على أساس الجندر، وناجية من العنف الجنسي.

وُلدت "شام" في قرية في ريف دمشق، في بيئة محافظة أقرب إلى التشدد لا تتقبل لا مفاهيم حقوق المرأة ولا فكرة أن يكون للمرأة شأن ومكانة في المجتمع، فالمرأة بنظر أبناء هذه البيئة تقتصر مهامها على طاعة الزوج وتربية الأبناء.

منذ ولادتها عام 2000، رفضها والدها. لم يتقبل فكرة أن تكون أول ذريته فتاة، فقرر إعطاءها لجدها لأمها لتربيتها، ولم ترفض والدتها الفكرة كونها تعيش في بيئة تجبرها على طاعة الزوج حتى لو على حساب أبنائها، وأيضاً لتخفف عن نفسها وطأة إنجاب فتاة!

"ليش أنا هيك؟"

تشير "شام" إلى أن الذَكَر في عائلتها هو محور الكون بغض النظر إذا كان ناحجاً أو فاشلاً في حياته. تصمت لبرهة وتتذكر حياتها منذ صغرها وتقول: "عندما كنت أذهب لزيارة عائلتي في عمر السبع سنوات، كان والدي يطلب منّي أن أقوم بتحضير كل لوازمه وكأني خادمة، ولكنّي كنت أفرح بقيامي بذلك، ظناً منّي أني عندما أنجز كل ما يطلبه سيكافئني بحبه لي ويعيدني للعيش معهم. هكذا كنت أظن".

بعد سبع سنوات من ولادة "شام" أنجبت والدتها أول صبي ثم أنجبت ثلاثة آخرين ليصبح لدى "شام" أربعة إخوة من الذكور. ولكنها لا تعرفهم ولا تتذكر ملامحهم.

"كنت دايماً أسأل نفسي ليش؟ ليش أنا هيك؟ أنا دايماً الحق عليّي. بس شو ذنبي إني خلقت بنت؟ دايماً كنت أسأل نفسي أسئلة غريبة. كنت دايماً أجرب إنو ألاقي طريقة لأرضي إخواتي وأبي ولكن ما في نتيجة"، تقول.

تعرّف هيئة الأمم المتحدة للسكان العنف القائم على النوع الاجتماعي بأنه "أي عمل من أعمال العنف البدني أو النفسي أو الاجتماعي بما في ذلك العنف الجنسي". ويستمد هذا العنف أصوله من الاختلال الاجتماعي في الأدوار بين الرجل والمرأة وتدعمه المفاهيم الاجتماعية الأبوية والسلطوية في أي مجتمع.

و"ينطوي العنف القائم على نوع الجنس على الأذى الجسدي والنفسي والاقتصادي الذي يقع علناً أو في الخفاء، كما أنه يتضمن التهديد باستخدام العنف والإكراه والتلاعب. ويمكن لذلك أن يتخذ عدة أشكال منها عنف الشريك، والعنف القائم على الجنس، وزواج الأطفال، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وما يعرف بـ‘جرائم الشرف’".

وتترتب على العنف القائم على نوع الجنس "نتائج كارثية وقد يكون له تبعات تطال الناجين طيلة حياتهم، كما أنه قد يؤدي إلى فقدان الأرواح".

تقاليد وأعراف ظالمة

في تقاليد عائلة "شام" عُرف يجبر الفتاة على أن تتزوج من ابن عمها، كي يبقى النسل للعائلة، كما تقول. لا قرار للفتاة في اختيار شريك حياتها فهذا أمر محسوم مسبقاً. منذ أن كان عمرها سبع سنوات اتُّخذ قرار بأنها عندما تكبر ستتزوج من ابن عمها الذي يكبرها بـ17 عاماً.

تصمت وتدمع عينيها وتضيف أنها عندما كانت تذهب لزيارة عائلتها كان ابن عمها يأخذها إلى مكان ويتحرش بها. لا تزال تتذكر كل الأشياء التي كان يفعلها، فهي لا تغيب لحظة عن ذهنها، وتقول: "لم أكن أستطيع أن أقاومه. كنت أكره نفسي كثيراً. وكان يهددني بأني إذا تفوهت بشيء سيقتلونني. كنت أخاف ولا أتكلم".

ما بعرف أنا ليش موجودة بالهدنيا. كل العالم رفضوني، أهلي رفقاتي، حتى بلدي... الموت أحسن إلي"

فكّرت الطفلة بالانتحار كثيراً، لهول ما كانت تشعر به بسبب الاعتداءات الجنسية المتكررة عليها. تقول: "كنت فكر إني إذا رحت بيكون أهون، لإني ثقيلة على أهلي وعلى المجتمع".

بقي هذا الأمر يتكرر حتى عام 2011. في ذلك العام بدأت الثورة السورية التي سرعان ما تحوّلت إلى حرب، وكان ابن عمها من بين المطلوبين للتجنيد. وقتها، فرحت "شام" كثيراً ظناً منها بأنها تخلصت منه ومن التحرش الجنسي.

في أحد أيام العام نفسه، كانت "شام" تجلس وحيدة في باحة المدرسة لا تلعب مع الأطفال، فلاحظت ذلك أخصائية نفسية في جمعية تعمل على دمج الأطفال فاقدي الرعاية في المدارس العادية. تروي أن الأخصائية تواصلت مع جدها وعرضت عليه فكرة أن تأتي "شام" يومياً إلى مبنى الجمعية بعد انتهاء دوام مدرستها لدمجها مع الأطفال، فوافق الجدّ، وبعدها بفترة توفي ولم يعد لديها مكان يأويها فانتقلت للعيش بالكامل في مبنى الجمعية.

"شام" في لبنان

بعد عام، تعرّض مبنى الجمعية للقصف، فنُقل كل الأطفال فاقدي الرعاية إلى لبنان، وكانت "شام" من ضمن المنقولين. دخلت لبنان وبدأت حياة جديدة وانقطع التواصل بينها وبين عائلتها.

تقول: "دخلتُ إلى المدرسة ولكنّي أصبحت شخصاً عنيفاً عدائياً يكره الأطفال وكنت أقوم بتعنيف الأطفال وأكسر الأشياء وأرمي الطعام. لم أكن أستوعب فكرة أن كل الأماكن رفضتني، وأن سوريا لم تعد موجودة ولم أستوعب فكرة وجودي في لبنان".

في عمر الـ18 كان على "شام" أن تخرج من الجمعية لأن نظامها يقتضي تركها لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها، ولكن وافقوا على استثناء وسمحوا لها بسنة إضافية، لعدم وجود مكان تذهب إليه ولأن صحتها النفسية كانت ما زالت متعبة.

في السنة نفسها، قررت "شام" أن تتقدم لنيل الشهادة المتوسطة، ولكن عدم حيازتها على أوراق إقامة قانونية حرمها من ذلك.

"كان يتحرّش بي وأنا صغيرة. لم أكن أستطيع أن أقاومه. كنت أكره نفسي كثيراً. وكان يهددني بأني إذا تفوهت بشيء سيقتلونني. كنت أخاف ولا أتكلم"

وبعدما تركت الفتاة الجمعية، وبدأت بالبحث عن مكان للسكن، وجدها ابن عمها الذي كان يتحرش بها واختطفها. تروي "شام" أنه أراد الزواج بها رغماً عنها. نجحت في الهرب منه، لتتحول قصتها بعد ذلك مع عائلتها إلى قضية "شرف"، معلنين هدر دمها.

بعد هربها من ابن عمّها، بدأت "شام" حياة جديدة في لبنان. وجدت عملاً، ولكن صاحب العمل كان دائماً يحاول التحرش بها وتواجهه بالرفض. كان دائماً يقول لها إنه سيأتي عليها يوم وتبيع شرفها كي تستطيع تأمين لقمة العيش. كل الأعمال التي حاولت العمل بها كانت تواجه فيها محاولات تحرش، إلى أنْ قررت التقديم للسفر إلى إحدى الدول الأوروبية.

ولكن هنا واجهتها مشكلة أخرى. هي لا تمتلك أي ورقة تعرّف عنها. طلبت من شخص أن يحضر لها أوراقها من سوريا وهنا كانت الصدمة: بعد هربها من ابن عمها قام أهلها بتوفيتها وسحب أوراقها ما يعني أنها صارت غير موجودة رسمياً.

تغص شام عند حديثها عن أنها لا تملك أصدقاء. تقول إنها عندما تروي قصتها لأي شخص يبتعد عنها.

تشخّص الطبيبة النفسية إيلين مطر حالة "شام" بأنها تعاني من اكتئاب مزمن، وتؤكد حاجتها إلى أدوية ضد الاكتئاب، مشيرةً أيضاً إلى أنها بحاجة إلى إعادة تأهيل مجتمعي لمنحها القدرة على التعامل مع البيئة التي تعيش فيها، وذلك عبر تدريب على المهارات الحياتية والاجتماعية والدعم النفسي وتوفير السكن وإعادة التأهيل المهني والوظيفي والدعم الاجتماعي وتعزيز علاقاتها الاجتماعية وتوفير الأنشطة الترفيهية لها.

أما من الجهة القانونية، فتشير المحامية نسرين الحسن إلى أن "شام" بإمكانها رفع دعوى على عائلتها لأنها بحاجة إلى إثبات بأن لديها قيود في سوريا. "حتى لو قامت عائلاتها بتوفيتها إلا أن قيودها ما زالت قائمة ولا يمكن سحبها، فالدعوة تكون من منطلق تزوير جنائي لأنها ما زالت على قيد الحياة وتعيش في لبنان"، تؤكّد، مشيرة إلى وجود جمعيات تساعد الناجين والناجيات في لبنان بالاستحصال على أوراق قانونية لهم من سوريا.

في حال تعرّضتِ للعنف في لبنان، بلّغي قوى الأمن مباشرةً أو تواصلي مع جمعية تعنى بقضايا مناهضة العنف ضد النساء، عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الخطوط الساخنة التالية:

ـ قوى الأمن: 1745

ـ جمعية أبعاد: 81788178

ـ منظمة كفى: 03018019

ـ التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني: 71500808

ـ الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة: 70518291


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard