شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تزوّجيني وإلّا فلن تعيشي

تزوّجيني وإلّا فلن تعيشي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 22 ديسمبر 202101:15 م

قبل سبعة أشهر، تسلل شاب عراقي ملثماً إلى منزل مواطنته مريم الركابي (16 عاماً) ودلف إلى غرفة نومها وسكب "التيزاب" (حمض النتريك) على وجهها لتشويهها انتقاماً منها بعدما رفضت أسرتها زواجه بها لأنها "صغيرة السن والأولوية لدراستها". 

منذ ذلك الحين، تصارع الفتاة من أجل أن تحيا بوجه مشوه تماماً بعدما كانت سابقاً كوجه دعائي للماركات والإعلانات التجارية الخاصة بالأزياء النسائية ومواد التجميل عبر السوشال ميديا وكانت تلقب بين رفاق دراستها في معهد الفنون الجميلة في العاصمة بغداد بـ"الأميرة مريم" لشدة جمالها.

أما الجاني، فلا يزال حراً طليقاً في حماية "معارف متنفذين"، وفق أسرة مريم. بعد أشهر من المعاناة في صمت اشتهرت الحادثة عبر وسم #انقذوا_الأميرة_مريم، إثر حملة دشنها أهل الفتاة، آملين تسفيرها للعلاج في الخارج حتى تتمكن من استئناف حياتها مرة أخرى، وفي الوقت عينه تحريك العدالة لاعتقال الجاني ومعاقبته. 

"السلطة المطلقة للذكور"

ترى الناشطة الحقوقية والنسوية العراقية بشرى العبيدي أن الجريمة "تعكس الفكر المتخلف والهمجي لدى ذكور المجتمع العراقي. هذا ما تربى العراقيون عليه ميالين إلى الأنانية وتعاظم الأنا باعتبار أنفسهم أشخاصاً لا يُرفضون وأنهم الأسياد المسيطرون أصحاب السلطة المطلقة وأي رد فعل مخالف لرغباتهم هو فعل عدائي يردون عليه بإجرام أشد".

العبيدي، وهي أكاديمية في القانون الجنائي الدولي وعضوة سابقة في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، تشدد على أن ما تعرضت له مريم ليس الأول من نوعه في العراق بل هو "أسلوب مستخدم منذ زمن بعيد ومتكرر، ولولا مواقع التواصل الاجتماعي لما وصلت قضية مريم إلى نطاق واسع".

من العراقية #الأميرة_مريم إلى السورية #مريم_محمد وأخريات… تُقتل نساء عربيات إذا رفضن الزواج بسبب "السلطة المطلقة للذكور" وخلق المبررات للجاني وعدم أخذ شكاوى النساء بجدية

تسترجع العبيدي حادثة ضج بها العراق في تسعينيات القرن الماضي إذ أراد شاب تشويه فتاة فائقة الجمال انتقاماً منها لرفضها له، فاستعان بشخص آخر وطلب منه سكب "التيزاب" على وجهها وهو في حالة سكر تامة، ففعل وتسبب بتشوه الفتاة وصديقة لها كانت رفقتها وقت وقوع الحادث.

وتستدرك الأكاديمية العراقية بأن "حكم القانون كان وقتذاك قوياً جداً إذ حُكِم على المحرّض بالإعدام وعلى الشخص الذي نفّذ بالسجن المؤبد"، متابعةً بأن "الصدمة الكبرى" في قضية مريم، رغم التعاطف الشعبي الواسع معها، هو وجود "تبرير" للجاني من بعض المواطنين بالقول: "ليش داترفضه؟ ليش داتكسر قلبه؟"، و"تعاطف" القاضي. في تصريح، قالت والدة مريم: "عند الذهاب الى المحكمة لم نحصل على حق مريم بل تعاطف القاضي مع المجرم".

وتوضح العبيدي أن "هذه كارثة. يريدون الفتاة أن تقبل شخصاً لا تريده حتى لا ينكسر قلبه بينما هي لا يهم أن يكسر قلبها وتدمر حياتها وتدعس رغباتها وسعادتها! شو هالذكورية المخيفة والتخلف والجهل الذي تفشّى في مجتمعنا!".

في هذا الصدد، تستبعد المعالجة النفسية ستيفاني غانم أن يكون "الحب" دافعاً لهذه الجريمة أو الجرائم المماثلة. تقول لرصيف22: "هذه الحالات لا تعكس حباً وإنما رغبة في التملك أو تعلقاً مرضياً. الحب لا يقود إلى القتل أو التعنيف. هؤلاء الذين يقتلون فتاة لرفضها الزواج هم ببساطة لا يؤمنون بحق المرأة في اتخاذ القرار، ويتذرّعون بالحب لتبرير جريمتهم".

هشاشة وضع النساء 

قصة مريم التي لم تكن آمنة في غرفة نومها وفي وجود شقيقها وزوجته بنفس المنزل، تتكرر في بلدان عربية وشرق أوسطية وتصل في بعض الأحيان إلى فقدان الفتاة حياتها مقابل ممارستها حقاً أصيلاً هو اختيار شريك الحياة.

مطلع الشهر الجاري، قتلت السورية مريم محمد (27 عاماً) بـ15 طعنة في مناطق متفرقة في جسدها على يد شاب أردني تقدّم لخطبتها مراراً إلا أنها رفضت، فأرداها جثة هامدة.

تبين أن المجرم (34 عاماً) لديه سجل جنائي وأدين سلفاً بـ"الإيذاء والذم والتهديد وحمل السلاح". وهذا ما يسلط الضوء على أمر خطير هو عدم أخذ شكاوى النساء بجدية، لأن الضحية أبلغت مراراً عن مضايقات الجاني لها. ويرجح أن إهمال الشكاوي كان أولاً لأنها سيدة وثانياً لأنها لاجئة سورية وهو ما يضفي على وضعها هشاشة أكبر.

في 13 كانون الأول/ ديسمبر، عُثر على الشابة السورية سلوى الهنيدي (22 عاماً) قتيلةً في أحد شوارع ولاية شانلي أورفا (جنوب تركيا)، وعلى جثتها آثار طعنات عديدة في الصدر والظهر. اتضح لاحقاً أن القاتل هو إياد الحسن، شاب سوري، كانت الفتاة قد رفضت الزواج منه، فاستغل فرصة ذهابها إلى عملها في أحد المشافي وطعنها في الصباح الباكر.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، كانت الولاية التركية نفسها مسرحاً لجريمة أب سوري قتل -ونجله- طفلة الأول شقيقة الثاني، ابنة الـ13 عاماً، بعد ضربها وحرقها بمادة "التنر" لرفضها الزواج كذلك.

لنتخيل تبادل أدوار الجاني والضحية - أن تعرض فتاة محبتها على شاب وحين يرفضها تسكب "التيزاب" على وجهه، هل كان شخصاً واحداً ليتعاطف مع الفتاة؟ الإجابة الحاسمة هي "لا، بالعكس، ستُجلد دينياً واجتماعياً وأخلاقياً وقانونياً"

في 14 كانون الأول/ ديسمبر، وجدت عناصر الدفاع المدني السوري جثـة شابة متفحمة مجهولة الهوية في العقد الثاني من العمر في مكب النفايات قرب بلدة كلّلي (شمال إدلب).

خلال 48 ساعة، تمكنت الجهات الأمنية من تحديد هوية الضحية والقبض على الجناة، أبي الفتاة وبعض ذويها الذين اعترفوا بفعلتهم، والسبب رفضها الزواج. 

في اعترافات الأب: "قتلت بنتي لأنها خلقت مشاكل عائلية. أخدتها على مكب النفايات وأخدت معي مازوت وأسيد، وخنقتها وكبيت عليها مازوت وأسيد وولعتها بالنار"، بهذه البساطة خطط لجريمته ونفذها وأعاد سرد روايته لها.

الحالات الخمس أعلاه ظهرت للعلن في فترة قصيرة، ما قد يعكس أن الواقع أسوأ، وأن هذه الجرائم ضد النساء تتكرر بوتيرة أكبر وفي دول عربية عدة. وهناك عامل مشترك بينها هو هشاشة وضع النساء الضحايا إما لعوامل مرتبطة بالفقر واللجوء أو لوجود سلطة وحماية لدى الجاني.

عوامل سيكولوجية مؤثرة

ترى المعالجة النفسية ستيفاني غانم أن عوامل نفسية متعلقة بالجاني وبالضحية تسهم في تطور حوادث رفض فتيات للزواج من بعض الشبان إلى جرائم تشويه وقتل.

تضيف: "هناك شقّان، من ناحية الجاني وناحية الضحية. أن يقتل رجل امرأة لرفضها الزواج سواء كانت ابنته أو أي شخصية لديه سلطة عليها له سبب اجتماعي ديني بالأساس. الشخص المتطرف دينياً، مثلما تعلّم اجتماعياً ودينياً، لا يسمح أن يكون للمرأة حق الرفض أو القبول بل يعتبر نفسه وصيّاً عليها، ورفضها الزواج مخالفاً للشرع والقانون والأديان ويستند إلى هذه الذرائع النمطية لارتكاب جريمته".

لكنها تشدد على أن الجاني "شخصية باتولوجية (مرضية) وسيكوباتية، إذ يتلذذ بممارسة العنف الجسدي على ضحيته ويعتبر ذلك العنف الوسيلة الوحيدة لإرغام الضحية على إطاعته. بطبيعة الحال لا يتحقق هذا في حوادث القتل إذ تموت السيدة ولا تطيعه لكنه يستمتع بتنفيذ تهديده ضدها".

أما عن الضحية، فتوضح غانم أنها كثيراً ما تتربى على أفكار نمطية مثل أنها "لا حول لها ولا قوة"، وأنها بحاجة إلى وجود وصي دائم عليها، وأن ظروف الحياة ظلمتها، وأنها لا تمتلك أي فرصة للنجاة من هيمنة الرجل، فتُخضِع نفسها لسلطته تماماً سواء كان زوجاً أو أباً أو أخاً، وتظل خاضعة لرغبته ومشيئته وتتبع قراراته وأوامره.

التبرير للجناة وتقوية الدافع للجريمة

وتعتبر الاختصاصية النفسية السورية عليا الشمّاط أن "خلق المبررات من قبل الجاني يساعده على الإقدام على هذا النوع من الجرائم بدون رحمة".

وتقول لرصيف22 إن أي جريمة تكون محصلة لعملية تفكير وربما قد تستغرق لحظات أو فترة طويلة، لافتةً إلى أن "صراعاً" يدور في ذهن الجاني بين قوتين: قوة الدافع لارتكاب الجريمة وتتعلق بالغرائز الأساسية كالرغبة في البقاء أو الانتقام، وقوة المانع للتراجع عن الجريمة بما تبقى من إحساس بالرحمة أو المشاعر تجاه الضحية إن وجدت. 

وتنبه إلى أن الجريمة تقع متى تغلّبت قوة الدافع على قوة المانع، مشددةً على أن "كلما كان سلوك الجريمة مبرراً/ قابلاً للتبرير بالنسبة للجاني، أضعف ذلك قوة المانع"، ضاربةً بذلك مثال ما يعرف بـ"جرائم الشرف المبررة بغسل العار، وترتكب بكثرة وبسهولة لوجود مسوغات تنفي عن المجرم الإحساس بالذنب أو لوم الذات، بل يسارع لارتكاب الجريمة لـ‘يطفي ناره‘ كما يقال".

"الحب لا يقود إلى القتل أو التعنيف على الإطلاق. هؤلاء الذين يقتلون فتاة لرفضها الزواج هم ببساطة لا يؤمنون بحق المرأة في اتخاذ القرار، ويتذرّعون بالحب لتبرير جريمتهم"

وتشير الشمّاط إلى عوامل مساعدة تسهم في وقوع هذه الجرائم، وبخاصة في المجتمعات التي تعرضت لأزمات مثل سوريا والعراق حيث تكون النساء من الفئات الأشد ضعفاً، ربما لغياب المعيل أو القوة الاقتصادية التي يرتكزن عليها أو كثرة احتياجاتهن، فيتم استغلالهن أو إساءة معاملتهن، وهذا ما يزيد خطر تعرضهن لمختلف أشكال الجرائم مثل التحرش والزواج القسري وما شابه.

تتفق معها ستيفاني غانم التي ترى أن لدى اللاجئات فرصة أقل للنجاة، لأن ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية سيئة إلى درجة تجعلهن غير قادرات على قول لا.

ثورة تغيير لحماية النساء

برغم اعتبار هؤلاء الجُناة شخصيات باتولوجية، تلفت العبيدي إلى أنهم يكونون مسؤولين عن جرائمهم تماماً أمام القانون الجنائي، لأن كلاً منهم يكون "واعياً ومدركاً الطريقة التي استخدمها للوصول إلى هدفه الإجرامي والتي تعكس عقلية وإرادة مخيفتين"، وهو ما يستحق معه "أشد عقوبة" لضمان تحقق الغرضين الرئيسيين لأي عقوبة، وهما إصلاح الجاني وردع أي شخص آخر يفكر في ارتكاب جريمة مماثلة. 

وتعتبر أن وقف مثل هذه الجرائم يتطلب أيضاً "ثورة سياسية لتغيير هذا الواقع الخطير، وإلا فسيستمر الإجرام الوحشي ونظل نحن النساء ندفع الثمن". 

وقف مثل هذه الجرائم يتطلب "ثورة سياسية لتغيير هذا الواقع الخطير، وإلا فسيستمر الإجرام الوحشي ونظل نحن النساء ندفع الثمن".

كمواطنة عراقية، تعتبر العبيدي أنها "غير آمنة" في ظل مجتمع وقانون تتهمهما بالازدواجية والتمييز ضد النساء. وتسأل: "لنتخيل تبادل أدوار الجاني والضحية في جريمة مشابهة. أن تعرض فتاة محبتها على شاب وحين يرفضها تسكب "التيزاب" على وجهه، هل هناك شخص واحد في المجتمع سيتعاطف مع الفتاة حينذاك؟ الإجابة الحاسمة هي "لا، بالعكس، ستُجلد دينياً واجتماعياً وأخلاقياً وقانونياً".

وتدلل على حديثها باستعراض قضيتين حديثتين متشابهتين في العراق، في الأولى ألقت أمّ اثنين من أطفالها في المياه، وفي الثانية أقدم أب على قتل أبنائه الأربعة حرقاً. وتتابع أن المجتمع تعامل مع جريمة المرأة بقسوة، فيما وجد المبررات العديدة لجريمة الرجل كأنه "غير متزن نفسياً". وفيما أنهى القانون التحقيقات وأصدر الحكم على الأم القاتلة في غضون شهرين فقط، لا يزال الأب القاتل قيد التحقيق علماً أن جريمته حدثت قبل ثلاثة أشهر من جريمة السيدة.

وتخلص العبيدي إلى أن "هذه الازدواجية في التعامل مع الرجال والنساء من قبل القانون والمجتمع، والدونية في معاملة المرأة، تدفعان الرجال إلى تعنيف النساء بحرية وسادية، باعتبار ضحاياهم كائنات مستضعفة لا حيلة لها وتوقع التبرير لفعلتهم".

وتختم: "أطالب بتدخل المؤسسات الدولية المعنية كالأمم المتحدة لحماية النساء، فهناك خطر كبير علينا في هذا  المجتمع لأن كل فعل ضدنا مبرر وكل فعل منّا مدان. لا نشعر بالأمان، فلا دولة تحمينا ولا قانون ينصفنا ولا مجتمع يدعمنا وإلا فسنبقى في خوف ورعب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard