شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لنحتفل بأعيادنا من دون أشجارٍ طبيعية

لنحتفل بأعيادنا من دون أشجارٍ طبيعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 22 ديسمبر 202110:48 ص

حاول ويحاولُ الإنسان، عبر مراحل التاريخ الطويل، إيجاد طرق، ووسائل ترفيهية عديدة، ومُبتكَرة، للترفيهِ عن النفسِ. ومن تلك الطرق قضاء أيامٍ وساعاتِ فرحٍ وابتهاج مُريحة يظنُها كافيةً للخروجِ من حالاتِ البؤسِ والقهرِ والتعبِ المتواصل، ولكن، سرعان ما يخيبُ ظنّه .

من ثمّ يبدأ بالبحث عن طرقٍ ووسائل جديدة للترفيهِ والفرح، من دون أن يعرف أنّ السعادة المُفتعَلة لا تُريح النفس، ولا تساهم في تعزيز التفكير الصائب والمفيد، فكلّ فرحٍٍ لا يمسّ شغاف القلب، ولا يُغيّر واقع الحال، لا يُسمّى فرحاً حقيقياً، إذ سرعان ما ينتهي ويزول من دون ترك أيّ أثرٍ إيجابي واضح على طريقة العيش.

الفرح لهُ معانٍ عديدة، ولهُ طرقه الخاصة من أجل الوصول إلى عمق الذات، والتأثير على الأفعال، وتصحيح المسار وفق المُستطاع، فالاحتفالات، والطقوس، والولائم الكبيرة، والمهرجانات بأنواعها الغنائية والموسيقية والشعرية، وغيرها، تتكرّر عبر التاريخ. ومن خلالِ هذه الفعاليات، يحاول القائمون/ ات على تنظيمها، بعث روح الأمل، ونشر أجواء من السعادة والمرح المحفوف أحياناً بابتكاراتٍ وطرقِ إمتاعٍ مُختلفة ومُتنوعة، وفي مُختلف المجالات.

ما نراهُ، ونسمعهُ عن الاحتفالات وأشكالها، وطرق المُشاركة فيها، ومحاولة خلق فسحات من السعادة الآنية المُفتعلة، لا تكاد تفي بالغرض في زماننا هذا، وهنا كان من الضروري التأكيد على كلمة "مُفتعَلة"، لأن السعادة، والفرح الحقيقيّين لا يحتاجان إلى مُناسبة، ولا إلى التحضير والإعداد على نطاقٍ واسعٍ، أو محدود.

غالبيّة الفعاليات، والنشاطات المُفتعلة لا تترك أثراً ايجابياً مُفيداً، ولا تُساهم في تغيير الذات البشرية. هناك الكثير من الفعاليات القائمة على هدرِ الطاقة، والماء، وتخريب الطبيعة، وتلويث البيئة، وخلق مشكلات لا حلول سريعة لها

غالبيّة الفعاليات، والنشاطات المُفتعلة لا تترك أثراً ايجابياً مُفيداً، ولا تُساهم في تغيير الذات البشرية. هناك الكثير من الفعاليات القائمة على هدرِ الطاقة، والماء، وتخريب الطبيعة، وتلويث البيئة، وخلق مشكلات لا حلول سريعة لها.

مثلاً، عملية "قطع الأشجار" لتزيين الشوارعِ والبيوت، للاحتفال بعيدَي الميلاد ورأسِ السنة، هي ظاهرة تتّسع مع مرور السنين، من دون الشعور بالمسؤولية البيئيّة، فتقليص المساحات الخضراء، والإساءة إلى جمال الطبيعة بشكلٍ مُتعمّد يُسيئان إلى حالةِ التوازن البيئي، ويزيدان من شدة الدفيئة على مستوى العالم.

الشركات الاحتكارية العالمية التي كانت، وأصبحت في العقود الأخيرة، أكثر نهباً وجشعاً وتلاعباً بمقدرات الشعوب، والطبيعة، مسيطرة على كلّ ما يجلب الربح السريع، من دون وازعٍ من أخلاقٍ أو ضمير، ومن دون مُراقبة حقيقة وفعّالة من قبل الجهات ِالمسؤولة دوليّاً عن سلامة كوكب الأرض، وحمايتهِ من الكوارث المُفتعَلة.

بالطبع، هناك أصوات مسموعة من منظّمات حماية البيئة، لكنها تُجابَه وتُقمَع بشكلٍ أو بآخر، من قبل الحكومات والمنظّمات العالمية المساندة للشركات الاحتكارية الجشعة، وصاحبة الشأن في اتخاذ القرارات، وتنفيذ العقوبات بحقِ من يطالب ببيئة نظيفة، وبمساحات خضراء جميلة.

عمليةُ قطعِ الأشجار على نطاقٍ واسع في كافةِ أنحاء العالم، بحجةِ الاحتفالات والأفراح الشعبية بعيدَي الميلاد ورأس السنة، ما هي إلا مشاركة مُتعمدة، وإساءة إلى الطبيعة، لصالح الشركات الاحتكارية الكبيرة والصغيرة التي لا تعرف سوى لغة النهب والتخريب وسرقة موارد الطبيعة والإخلال بحالة التوازن البيئي.

طرح الأسئلة في هذا الوقت العصيب يحتاج إلى وعيٍ مُختلف، وإلى بصيرة ثاقبة، وشعور بالمسؤولية العامة، وإلى التفكير الجدّي بما ستجلبه قادمات الأيام من مشكلات بيئية حقيقية كبيرة لا تنفع معها كلّ الحلول الآنيّة.

هل تستطيع الجهات المعنية، وحكومات الدول كافة، والناس في أرجاءِ المعمورة، التفكير بجديّة وبعيداً عن المُزايدات الكلامية، والتأثيرات الإعلاميّة، والدعايات مدفوعة الثمن، أن تفعل شيئاً قبل فوات الأوان؟

ما هو مقدار الهدر في الطاقة، والماء، والجهد، والمال، في احتفالات عيدَي الميلاد، ورأس السنة، وغيرهما من الأعياد والمُناسبات العالمية المختلفة؟ وهل يجلب كلّ هذا الخراب البيئي الفرحَ الحقيقيّ للنفوس؟

إن عملية "قطع الأشجار" لتزيين الشوارعِ والبيوت، للاحتفال بعيدَي الميلاد ورأسِ السنة، هي ظاهرة تتّسع مع مرور السنين، من دون الشعور بالمسؤولية البيئيّة، فتقليص المساحات الخضراء، والإساءة إلى جمال الطبيعة بشكلٍ مُتعمّد يُسيئان إلى حالةِ التوازن البيئي، ويزيدان من شدة الدفيئة على مستوى العالم

هل يفكر الإنسان في هذه الأيام، بمصيرِ الكوكب الأزرق؟ ماذا لو ذابت كلّ ثلوجِ المرتفعات، وظهرتْ البكتيريا والفيروسات والكائنات الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة من تحت الثلوج، والمدفونة هناك منذ ملايين السنوات، وجلبت معها أنواعاً جديدة من الأمراض التي لم تسمع بها البشريّة بعد؟

الاحتفالات المُفتعَلة، وغير المدروسة، والتي لا تحمي البيئة، ولا تحافظ على سلامةِ الطبيعة، هي محضُ هراء، وكل الأفراح غير المترافقة مع تفكير جدّي في البيئة، لا تُعدّ أفراحاً، ولا تجلب السعادة الحقيقية للبشر على المدى الطويل.

السعادة الحقيقية تكمنُ في فعالياتٍ ذاتية في المقام الأول، مصحوبة بتفكير جدّي، وعقلانية مُدركة، بعيدة كلّ البعد عن البهرجة، والتبذير، وسوء التدبير.

من أجل مستقبل أفضل لنا: لنحتفل بأعيادنا من دون أشجارٍ طبيعية، ولنحمي البيئة ونعتني بها، وذلك من باب الشعور التام بالمسؤولية البيئيّة الملقاة على عاتقنا في هذا الزمان.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard