شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"دفعت مبالغ طائلةً على إعلاناتٍ وهمية"... هل تحتاج النساء إلى تضييق المهبل، وتفتيح الحلمات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 16 ديسمبر 202103:58 م

كنت أتصفّح فيسبوك كعادتي، فوجدت صديقةً قد شاركت إعلاناً لمركز تجميلٍ يعلن عن وجود تقنيةٍ جديدةٍ لتفتيح لون حلمات الصدر، وتتساءل: "هل هذا ممكن؟ لتنهال التعليقات عليها من أشخاصٍ يستفسرون عن الأسعار، وعنوان المركز، وهل لأحد تجربة مسبقة معهم، ليمدّهم بتقييمٍ عن المركز، والخدمات التي يقدّمها.

حتى تدخّلت صديقة أخرى، لتجيب بأن هذا الاعلان ما هو إلا نصب صريح، وأنه لا يوجد علمياً، ولا طبّياً، ما يُسمّى بتفتيح حلمات الصدر.

لم تكن صديقتي هي الوحيدة التي وقعت في فخ الإعلانات التي تتربّح من جهل النساء بأجسادهنّ، أو رغبتهنّ الدائمة في مواكبة معايير الجمال التي تُفرض عليهن.

تقول لمى السيد (31 عاماً)، وهي تعمل في مجال الدعاية والإعلان: "أنفقت ما يقرب من عشرة آلاف جنيهٍ (630 دولاراً)، العام الماضي، في جلسات تفتيح المنطقة الحساسة، ظناً منّي أن لونها الداكن أمر كريه، وأنه مسؤوليتي الخاصّة، وأن الطبيعي أن يكون لونها فاتحاً ووردياً، وبعد عشر جلسات تقريباً من دون فائدةٍ تُذكر، وجدتُ الطبيبة التي كانت تُجري الجلسات لي، تقول إن طبيعة جلدي لا تستجيب للجلسات. شكّكت في كلامها، وتوجهت إلى طبيب أمراضٍ تناسلية، لأكتشف أن كل هذا مجرّد نصب، وأن لون المنطقة الحساسة لا يمكن التدخّل فيه طبّياً، وطبعاً حاولت استرداد أموالي، ولكن فشلت".

مئات النساء، وربما الآلاف، يتعرّضن للنصب يومياً، متخيّلاتٍ أن الكمال الجمالي يندرج تحت معايير معيّنة.

اليوم، تعرف لمى أنها ليست الوحيدة التي وقعت في هذا الفخّ. "مئات النساء، وربما الآلاف، يتعرّضن لهذا النوع من النصب يومياً، متخيّلاتٍ أن الكمال الجمالي يندرج تحت معايير معيّنة. يكفي أن تبحثي مرةً واحدةً على غوغل، عن طريقةٍ لتفتيح منطقة ‘البيكيني’، لتنهال عليك الإعلانات على كل التطبيقات التي تدفعك دفعاً نحو التجربة، وإنفاق الأموال في هذا الوهم".

أما إيستر عبد المسيح، وهي ربّة منزلٍ عمرها 29 عاماً، فتروي لرصيف22: "لم أكن يوماً من المهووسات بتجميل المنطقة الحميمية، فأنا أكتفي بالنظافة اليومية، وأستخدام الغسول المناسب، وكفى، ولكن بعد خمس سنوات على زواجي، ومع انتشار إعلانات تضييق المهبل، بدأت أشكّ في نفسي، وتملكتني رغبة في العودة إلى ما كنت عليه سابقاً، ولكن في الوقت نفسه، بدأت بعض المدوّنات وبعض المنصّات المهتمة بالصحة الجنسية، بالتدوين والكتابة عن خطورة العبث بهذه المنطقة، وتعريض حياتنا للخطر، مقابل وهم التضييق والتفتيح، فطردت الفكرة من عقلي، ولكنني لا أنكر أنه من وقت إلى آخر تطرأ تلك الأفكار على بالي".

"إهانة للنساء"

من جانبها، ترى آية السيد، وهي طبيبة علاقاتٍ زوجية وأسرية، ومعالِجة جنسية، ومدرّبة صحة جنسية، أن "إعلانات مراكز التجميل التي تتعمّد هزّ ثقة النساء بأنفسهن، سواء باللعب على وتر السُمنة، وتصوير المرأة السمينة على أنها فيل، أو تشبيه المهبل بالبرتقالة المتعفّنة، كلها لا تخرج عن نمط توجيه الإهانات إلى النساء، للضغط عليهن، ودفعهن دفعاً لإنفاق الأموال مقابل الحصول على تلك الخدمات".

"أنفقت ما يقرب من عشرة آلاف جنيهٍ في جلسات تفتيح المنطقة الحساسة، ظناً منّي أن لونها الداكن أمر كريه، وأنه مسؤوليتي الخاصّة، وأن الطبيعي أن يكون لونها فاتحاً ووردياً. اكشتفت أن كل هذا مجرّد نصب، وأن لون المنطقة الحساسة لا يمكن التدخّل فيه طبّياً"

مؤخراً، بدأت منصّات مثل "MOTHERBEING"، أو "SPEAK UP"، بإحداث فارقٍ في التوعية في هذا الشأن، ولكن للأسف كما تقول السيد، هي منتشرة ومؤثرة وسط فئة طالبات الجامعة من الطبقة المتوسطة، المهتمّات أساساً بقضايا حقوق المرأة، والنظرة الإيجابية إلى الجسد، وتفكيك الخطاب الذكوري المهيمين، وفهم دوافعه، ومكتسباته، "لكن هناك شرائح أخرى كبيرة لا يصلها هذا الخطاب النسويّ، وتلك الشرائح هي المستهدفة في الأساس".

وتتابع السيد في حديثها إلى رصيف22: "يمكن القول إن خطابات الإيجابية الجسدية المؤثّرة بدأت مع حملات تقبّل الشعر الكيرلي المموّج، والعناية به، بدلاً من تعريضه للفرد الكيماوي، أو للحرارة، وبالفعل حققت تلك الحملات نجاحاً ملحوظاً، واستطاعت أن تصل إلى فئاتٍ وشرائح كبيرة، ولكن هذا النجاح لم يطل بعد إعلانات التضييق والتفتيح لمنطقة البيكيني، أو حلمات الصدر، وغيرها من تلك الإعلانات المسيئة".

وتوضح طبيبة العلاقات الزوجية: "للأسف، فإن بعض مراكز التجميل والعيادات تتبنّى خطاباً وقحاً ومنحطّاً، للدعاية لمثل هذا الخدمات، وكلها تتمحور حول ضرب ثقة النساء بأنفسهنّ، وتصوير أجسادهن على أنها أشياء بالت مع الزمن، والتهديد الخفيّ بأنهن إن لم يُقبِلن على مثل هذه العمليات، فإن أزواجهن سيقدِمون على الارتباط مرةً أخرى".

كما تطالب بتدخل الدولة، سواء بدورٍ رقابي، أو بتوقيع عقوبات وغرامات على تلك الأماكن، التي تروّح لمعلومات مغلوطة طبياً وعلمياً، وتستخدم خطاباً مهيناً للنساء، وأيضاً بدعم المؤسسات الحقوقية لإطلاق حملاتٍ تعزّز من ثقة النساء بأنفسهن جسدياً وجنسياً، مثل حملات مناهضة الختان، أو التحرّش الجنسي، "كذلك هناك دور شعبيّ لا بدّ أن تمارسه المؤسسات النسوية الأهلية، أو الصفحات والمنصّات المهتمة بالقضية، مثل الدعوة إلى مقاطعة تلك المراكز. ولكن للأسف، ولنكون واقعيين، فإن عدد تلك المراكز أكبر من قدرة الحركة النسوية الحالية على مواجهتهم، أو حصرهم".

جذور المشكلة

ترى آية السيد، أن لهذه المشكلة بعد آخر، وهو أن الثقافة الجنسية في مجتمعاتنا مستمَدّة من الأفلام الإباحية، التي تقدّم صورةً غير واقعية عن الجنس، وعن شكل أعضاء المرأة، أو الرجل، فنجد نتيجتها خطاباً ذكورياً يضع المقارنات بين لون الأعضاء الحميمية للمرأة العربية بأنها غامقة، وأن هذا نتيجة عدم نظافة، أو عدم اهتمام، مقابل الفتاة الأجنبية ذات المنطقة الفاتحة والوردية، وهم لا يعلمون أن هذا الاستنتاج هو نتيجة عمل طاقمٍ كاملٍ يهتمّ بمكياج الممثلة، وتجميلها. "وبالمناسبة، هذا الخطاب موجود في الغرب أيضاً، ولكن تتم مواجهته بشكلٍ أكثر جرأة وانفتاحاً"، تضيف.

السبب وراء وقوع النساء فريسةً لهذا الضغط والنصب، هو الثقافة الذكورية التي تضع مقاييس موحّدة للجمال والأنوثة.

من جانبها، تشير آية منير، مؤسسة مبادرة "سوبروومن"، إلى أن "السبب وراء وقوع النساء فريسةً لهذا الضغط والنصب، هو الثقافة الذكورية التي تضع مقاييس موحّدة للجمال والأنوثة، وتعمل على تنميطها، وتلك الثقة متجذرة وقوية إلى الدرجة التي تجعلنا نرى طبيبات ينسين كل ما درسنه، لينسقن وراء تلك الإعلانات، لإرضاء أزواجهنّ. بشكلٍ عام، هناك هوس كبير بالمنطقة التناسلية للمرأة. تارةً يتحدثون عن الختان، وتارةً عن التفتيح، وتارةً عن التضييق، وأخرى عن التجميل. قد يكون سبب هذا الهوس، انتشار الأفلام الإباحية بين الشباب صغار السن، خاصةً ما يحاكي منها الحياة اليومية، محاولاً تصوير ما يرونه على أنه هو الأمر الطبيعي".

وتتابع الناشطة: "المجتمع الذكوري الذي نشأنا فيه كنساء، يصوّرنا على أننا مدينات للرجال بمستوى وشكل معيّنين من الجمال، ويدخل هذا في كل التفاصيل، وصولاً إلى شكل المناطق الحساسة في جسم المرأة، ولونها، ومن لم تقع فريسةً لهذا الاستحقاق الذي يمنحه المجتمع للرجل، تقابَل بنوع من التهديد مثل ‘هبصّ برّا’، ‘هتجوّز عليكي’، ‘إنتي مقصّرة’، ‘شوفي غيرك بتعمل إيه؟’، كل هذا قد يجعل بعض النساء يفعلن ما هو ضد رغبتهن أصلاً".

وترى منير أن كسر تلك الدائرة من الضغوط، يأتي بالصدمة، والترويج لخطابات مثل حرية النساء في عدم حلاقة الشعر الزائد. وعلى الرغم من أن بعض هذه الخطابات تؤخذ بسخرية وهجوم، من بعض النسويات أنفسهن، إلا أنها مع الوقت قد تكون حجر زاوية لكسر الدائرة المؤذية الضاغطة على النساء، والتي تجعلهن يقعن في فخ الإعلانات المروّجة لأمور غير حقيقية، وغير علمية، وهو ما يمكن القول إنه حدث مسبقاً مع حرية استخدام أدوات التجميل".

بعض مراكز التجميل والعيادات تتبنّى خطاباً وقحاً ومنحطّاً، للدعاية لخدمات تتمحور حول ضرب ثقة النساء بأنفسهنّ، وتصوير أجسادهن على أنها أشياء بالت مع الزمن، والتهديد الخفيّ بأنهن إن لم يُقبِلن على مثل هذه العمليات، فإن أزواجهن سيقدِمون على الارتباط مرةً أخرى

عقوبة قانونية

على الصعيد القانوني، يقول المحامي علي الحلواني، لرصيف22: "بالنسبة إلى الترويج لخدمات لا أساس طبياً وعلمياً لها، فهو يندرج تحت المسمّى القانوني ‘الغش التجاري’، ومعاقب عليه وفقاً لقانون الغش والتدليس، بالحبس مدةً لا تقلّ عن سنة، وبغرامةٍ لا تقلّ عن خمسة آلاف جنيه، ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة، وأيّهما أكبر".

أما بشأن الشقّ الآخر من الخطاب الترويجي لتلك الخدمات، وهو توجيه خطاب مهين إلى النساء، فيوضح الحلواني: "هذا أيضاً معاقَب عليه بنصوصٍ صارمةٍ نصّ عليها الدستور، وقانون العقوبات المصري، لأنه يهدد مبدأ المساواة علي أساس الجنس، ويدعو إلى التمييز والعنف ضد المرأة، كما أن القانون المصري جرّم التنمّر بكافة أشكاله وصوره، وعدّها نوعاً من الحضّ على الكراهية، إذ ينصّ قانون العقوبات على المعاقبة بالحبس، وبغرامةٍ لا تقلّ عن ثلاثين ألف جنيهٍ، ولا تتجاوز خمسين ألف جنيهٍ، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من قام بعملٍ أو بالامتناع عن عملٍ، يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد، أو ضدّ طائفة من طوائف الناس".

وتعلّق آية منير، على الأمر، بالقول: "التوعية القانونية في مصر تُعدّ شيئاً أساسياً ومركزياً، فبالإضافة إلى أننا نحتاج إلى النضال من أجل قوانين منصفة وعادلة لحماية النساء، فإننا أيضاً نحتاج إلى التوعية ببعض القوانين الموجودة بالفعل، ومنها ما هو محل نقاشنا الآن، وغيرها، مثل جرائم الابتزاز الإلكتروني، إذ تجهل كثيرات من النساء حقهن في مقاضاة من يحاول ابتزازهن بأيّ مادة مصوّرة تخصّهن، لأنهن لا يعلمن بوجود هذا القانون من الأساس".

وتختم بقولها: "في موضوعنا هذا، لا بدّ من وجود حملات قانونية طبية واسعة تنشر الوعي بحالة التلاعب بالطب، تتبناها النقابات المعنية، مثل نقابة الأطباء، والتي من شأنها توجيه الأطباء، وتحذيرهم من الترويج لخدماتٍ طبية لا أساس علمياً لها، مثل تضييق المهبل، أو تفتيحه، وإنهم سيواجهون المقاضاة القانونية، وكذلك أن يكون للنقابة دور رقابيّ أكبر في منع حدوث هذا في المراكز الطبية والعيادات".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard