شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"حلٌّ بديل يحقق جزءاً من رغبتي"... مصريات يستبدلن الحجاب بالتربون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 13 ديسمبر 202101:24 م

عام 2008، قرّر شاب أمريكي يعيش في ولاية أريزونا، أن يقسّم حياته إلى أسهمٍ، ويعرضها للبيع على الإنترنت، وللمشترين الحق في التحكّم بقرارات الشاب، وتصرفاته؛ يأمرونه وينفّذ، وليس له حق الاعتراض، لأنه أصبح مملوكاً لهؤلاء الأشخاص.

على الرغم من غرابة التجربة، لكنها توضح شيئاً مهماً، وهي أن الإنسان من المفترض أن يكون سيّد قراره بالكامل، ما دام لم "يشتره" أحد. هكذا ببساطةٍ لأنه خُلِق حراً.

هذه التجربة تكاد تكون الحياة الطبيعية لكثيرات من النساء في الوطن العربي.

ارتداء الحجاب على سبيل المثال، ليس خياراً هنا. بمجرد أن تتمّ الطفلة العاشرة من عمرها في مصر، وأحياناً قبل ذلك في بعض المناطق الريفية، يبدأ الأهل بالتمهيد لارتدائها الحجاب، على شكل قطعة قماشٍ تغطّي الشعر بالكامل، مع إبراز الوجه والكفّين، وبعض الأهالي يفرضون زيّاً محدَّداً على بناتهم، مثل الخمار.

هذا الإجبار يدفع بعض الفتيات لرفض ارتداء الحجاب، أو خلعه بعد فترةٍ، سواء عن قناعةٍ دينية بعدم شرعية فرضه من الأساس، أو بناءً على رغبة شخصية منهن في عدم ارتدائه. أحياناً يستطعن تنفيذ رغبتهن من دون صدام، وأحياناً لا. وفي مصر اليوم، بدأت العديد من الفتيات، اللواتي لا يتمكنّ من خلع الحجاب، بسبب هذا الصدام، بارتداء غطاءٍ للشعر فحسب، أو ما يُطلَق عليه اسم "التربون"، كحيلةٍ وبديلٍ مؤقت للحصول على بعض الحرية.

في مصر  بدأت العديد من الفتيات، اللواتي لا يتمكنّ من خلع الحجاب، بارتداء غطاءٍ للشعر فحسب، كحيلةٍ وبديلٍ مؤقت.

"أنا أكثر حريةً الآن"

"أنا بقالي كم سنة مش حابة شكلي بالطرحة، أفتكر إني آخر مرة اتصوّرت صورة حبّيتها، كانت قبل دخولي الجامعة، ما رجعتش بصّيت لصوري وحبّيتها تاني، إلا بعد ما لبست التربون".

مروة*، فتاة مصرية لها من العمر 23 سنةً، حاولت أن تخلع الحجاب، لكن أهلها رفضوا رفضاً تاماً، فاختارت التربون كحلٍ بديلٍ يحقق لها جزءاً من رغبتها.

تكمل مروة لرصيف22: "لم أخطّط لارتداء التربون، ومع معرفتي باستحالة موافقة أهلي على خلع الحجاب، وجدت تربوناً في غرفة أمي، وارتديته ووجدت شكلي جميلاً به، وقررت الانتقال إلى ارتدائه منذ نحو شهر".

لا زالت مروة تشعر بالارتباك، وهي تغادر المنزل، من تعليقات أهلها على "رقبتها اللي باينة"، وتحاول ارتداء تربونات أطول، وهو أمرٌ صعب، خاصةً مع الثياب الصيفية. "بس بمجرد ما بخرج من الأوضة، وأنزل من غير صدام، بتنفّس الصعداء، وبقول هيتعودوا، وهييجي وقت يبقى ده عادي ليّا وليهم".

ضغط من العائلة والمجتمع

سارة*، وهي فتاة تعمل في مجال الآثار، قررت ألا تخوض صراع خلع الحجاب مع أهلها من الأساس، لأنها تعلم عواقب النقاش معهم.

اختارت الحصول على "جزءٍ" صغيرٍ من حريتها، بأن يلمس الهواء رقبتها، وتتمكّن من ارتداء الأقراط التي تحبّها، من خلال التربون. "أعدّ أنني أخذت جزءاً من حريتي معه. لفُّ الحجابِ رقبتي طوال اليوم، يخنقني، وأنا أحبّ ارتداء الأقراط، وإظهارها". وللأسف، لم تسلم سارة أيضاً من بعض التعليقات. "كانوا بيقولولي رقبتك باينة، وشعرك باين، هو ده حجاب؟".

كثيرات من الفتيات اللواتي تناقشت معهن حول رفض الأهل فكرة خلع الحجاب، أكّدن بأن هذا الرفض برأيهن، ليس قائماً على أساسٍ ديني حتى، وإن ادّعى الأب والأم ذلك، بل خوفاً من تعليقات المجتمع في المقام الأول. في كثيرٍ من الأحيان، يلجأ المجتمع إلى الكلمات المؤذية للأهل، كنوعٍ من الضغط النفسي غير المباشر على النساء، حتى لا يتصرّفن وفق رغباتهنّ الشخصية.

لا زالت مروة تشعر بالارتباك، وهي تغادر المنزل، من تعليقات أهلها على "رقبتها اللي باينة"، وتحاول ارتداء تربونات أطول. "بس بمجرد ما بخرج من الأوضة، وأنزل من غير صدام، بتنفّس الصعداء، وبقول هيتعودوا، وهييجي وقت يبقى ده عادي ليّا وليهم"

هذا ما حدث مع رباب، معلّمة اللغة الإنكليزية، إذ أصرّت والدتها على ألا يراها الجيران من دون حجاب، بعدما قررت خلعه تماماً. تروي رباب لرصيف22: "لا زلت أرتدي الحجاب في أثناء الخروج من المنزل، ولكني أخلعه في الشارع والعمل، ثم أرتديه مرةً أخرى قبل الدخول إلى الحيّ الذي أسكن فيه، حتى لا تتعرّض والدتي لأيّ مضايقات من الجيران، فهي تحسب حساباً لكلام الناس".

في حديثها إلى رصيف22، قالت الدكتورة هدى بدران، رئيسة الاتحاد النوعي العام لنساء مصر، الذي يهتمّ بقضايا المرأة، وحقوقها: "قابلت نساءً خلعن الحجاب، وعدد كبير منهنّ كنّ قد ارتدينه بسبب ضغطٍ كبيرٍ من الأهل، أو المجتمع، ومع اختفاء هذا الضغط، تركن الحجاب".

وأكدت بدران، على "أن الفتاوى الخاصة بالحجاب، بالإضافة إلى توغّل الفكر السلفي في المجتمع، يشكلان ضغطاً كبيراً على طريقة تفكير المجتمع، يفوق ضغط الأهالي على بناتهنّ".

لا أرقام دقيقة

خلال السنوات العشر الأخيرة، اتّجه عدد كبير من الفتيات إلى خلع الحجاب، وأصبحت هذه الظاهرة ملحوظةً في المجتمع المصري، خاصةً بين جيل الشباب، وأثارت دعوات متكررة لخلع الحجاب، في الأعوام الفائتة، جدلاً كبيراً بين المصريين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

"كانوا بيقولولي رقبتك باينة، وشعرك باين، هو ده حجاب؟"

أما عن التربون، فأصبح أكثر انتشاراً، خاصةً وأن كثيرات من الفتيات العاملات في مجال الموضة والأزياء، ممن لهنّ شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، يرتدينه تماشياً مع الموضة.

لا توجد إحصائية رسمية لعدد النساء اللواتي خلعن الحجاب، ربما لعدم الاهتمام بهذا الأمر، أو لحساسية الموضوع في مجتمعٍ ترتفع فيه حالات العنف ضد المرأة، إذ تتعرّض ملايين النساء المصريات كل عام للعنف بجميع أشكاله، خاصةً من قبل أشخاصٍ ينتمون إلى الدوائر المقرّبة، وبالتأكيد فإن رغبة المرأة باتّخاذ قراراتٍ تتعلّق بحياتها وشكلها وشؤونها الشخصية، يشكّل أحد أسباب تعرّضها للعنف.

للحب رأي آخر

العلاقات الاجتماعية والأسرية في مصر، لا تتوقف عند حدود تقديم النصيحة والدعم، فهناك عدد من الأهالي يفرضون على أبنائهم، حتى بعد الزواج والاستقلال، عدم الخروج عن إطار عاداتهم وتقاليدهم.

قبل ثلاث سنواتٍ تقريباً، خلعت سلمى* الحجاب، لكنها ارتدته مرةً أخرى، من أجل حبيبها.

تحكي سلمى لرصيف22: "لثورة كانون الثاني/ يناير، فضلٌ كبيرٌ في تغيير أفكاري. قررت خلع الحجاب الذي يشعرني بأنني امرأة عجوز، وسافرت وانطلقت بحرية، واخترت تسريحة الكيرلي التي تليق بي، لكنني عدت خطوةً إلى الوراء، وارتديت التربون، لأنّي أحببت شخصاً له وضع عائلي خاص، كان يستحيل البقاء معه من دون حجاب، على أمل تغيّر الظروف مرة أخرى".

الأمر كان مختلفاً مع رانيا*، فلم تكن مثل بقية الفتيات ترتدي طرحةً بسيطةً، بل نقاباً، قبل أن تتغير أفكارها بالكامل، وتخلع الحجاب.

تروي رانيا لرصيف22: "كنت أرتدي النقاب والعباءات، لكن أفكاري تغيّرت، وقررت خلع الحجاب، وبدأت أتدرج في ملابسي، من العباءات إلى البنطال والبلوزة، ثم ارتديت التربون لمدة خمس سنوات، وحالياً أنا من دون أي غطاءٍ على شعري. الموضوع كان مزعجاً لزوجي، وكنت دائماً أحاول إقناعه بأنني مرتاحة هكذا".

على الرغم من أن رانيا خلعت الحجاب تماماً، لكنها لا تزال ترتدي التربون أمام أهل الزوج، وفقاً لرغبته.

"كنت أرتدي النقاب والعباءات، لكن أفكاري تغيّرت، وقررت خلع الحجاب، وبدأت أتدرج في ملابسي، من العباءات إلى البنطال والبلوزة، ثم ارتديت التربون لمدة خمس سنوات، وحالياً أنا من دون أي غطاءٍ على شعري. الموضوع كان مزعجاً لزوجي، وكنت أحاول إقناعه بأنني مرتاحة هكذا"

"أمّي ستدخل النار بسببي"

في أحيانٍ كثيرة، يلجأ الأهل إلى ترهيب بناتهم دينياً، مؤكّدين لهن أن الحياة لن تكون في أفضل حالٍ إذا تركن الحجاب. ومن الأهالي من يغالي في الترهيب، ويؤكدون، عن علمٍ أو من دون علم، أنهم سيحاسَبون عن ذنوب بناتهم إن خلعن الحجاب.

تعيش مريم* مع عائلةٍ تلتزم بزيٍّ ديني معيّن عند الخروج من المنزل، وعلى الرغم من أنها غير ملتزمة دينياً بالقدر الكافي، على حد تعبيرها، لا تستطيع ارتداء ملابس تناسب ذوقها الشخصي.

تحكي مريم لرصيف22: "أهلي يرفضون أن أرتدي الملابس الشبابية الواسعة، وحاولت أكثر من مرة إقناع أمي بأن أرتدي بنطالاً واسعاً، وبلوزة طويلة وواسعة، لكنها ترفض، وتجبرني على الفستان أو التنورة، حتى لا تدخل النار بسببي. أعتقد أن الحياة كانت ستكون أسهل، لو كنت مثلهم، لكنني عكسهم، وأشعر بالنفاق وأنا أرتدي ملابس لا أقتنع بها".

مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة، أكد أن التخلّي عن الحجاب، ذنب تتحمله الفتاة نفسها، وليس على الأب ذنب أو إثم، وأن دوره هو فقط النصح والتبليغ، واستشهد بقوله تعالى، "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، و"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ".

لم يكن صوت علي جمعة، أعلى من أصوات السلفيين والمتشددين، خاصةً وأن دعوتهم لفرض الحجاب، تُقرَن دائماً بأوصافٍ مثل الرجولة، والقوة، والمسؤولية، وقدرة الرجل على حكم بيته، وفرض السيطرة عليه، بالإضافة إلى وصفهم غير المحجبات بالتبرّج والسفور، وغير ذلك من الأوصاف التي أدّت إلى زيادة تعنّت الأهالي ضد البنات.

تجبرني أمي على ارتداء الفستان أو التنورة، وترفض أن أرتدي الملابس الشبابية الواسعة، حتى لا تدخل النار بسببي.

مساومات مرهقة

تتمكن بعض البنات من خلع الحجاب، وقليلات منهن يمر الأمر معهنّ بسلام، لكن كثيراتٍ يواجهن مشكلات وأزمات قد تصل إلى حد الطرد من العمل، أو الإيقاف عن الدراسة.

حاولت ندى* قبل زواجها، إقناع أهلها بخلع الحجاب، لكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً، وبدأوا بمساومتها، وأوضحت لرصيف22: "قبل الزواج، تحدّثت إلى والدي، وأخبرته برغبتي في خلع الحجاب، لكنه هددني بحبسي في المنزل، وعدم استكمال تعليمي، وأكد أن أمّي نفسها لو أرادت خلع الحجاب، سيكون مصيرها الطلاق فوراً".

استطاعت ندى خلع الحجاب بعد الزواج، لكن أهلها قرروا مقاطعتها، و"وصل الأمر مع أمي إلى التحدث مع زوجي، ليجبرني على الحجاب، بل وصفته بأنه ليس رجلاً لأنه وافق الرأي".

أما عبير، فقرر والدها أن ينهي عملها في شركته، بمجرد قرارها خلع الحجاب.

تحكي الفتاة لرصيف22: "غضب والدي بشدّةٍ، عندما خلعت الحجاب، وقرر إنهاء عملي معه، ووصفني بصفاتٍ غير أخلاقية، لمجرد أنني كشفت شعري، لكن لم يستطع إكمال قراره بفصلي عن العمل، لأنني أملك جزءاً من المكان، بحكم أنّي ورثته من أمي".

في حلقةٍ من برنامج "الإمام الطيب"، عام 2019، أكّد شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، أن ترك الحجاب، ليس من الكبائر، بل من لا ترتدي الحجاب هي امرأة عاصية آثمة، كالكاذب مثلاً، لكنها ليست مرتكبةً كبيرة. وأضاف أن المرأة التي ترتدي الحجاب، وتؤذي الناس بلسانها، وتخوض في الأعراض، هي أشدّ إثماً ممن لا ترتدي الحجاب، لكنها حافظة للسانها، ولا تخوض في أعراض الناس.

وتضيف الدكتورة هدى بدران، في ختام حديثها: "هناك تخبّط في الفكر المجتمعي في مصر، فلا نحن دولة سلفية، ولا مدنية أيضاً. من جهةٍ نرى مكاتب للفتاوى داخل الجامعات، ومن جهةٍ أخرى نسمع دعواتٍ مستمرةً بضرورة إعادة النظر في الفتاوى والخطاب الديني، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع عكس ذلك، وهذه الأمور تجعل المجتمع غير قادرٍ على التفكير بشكلٍ سليم، خاصةً عند الحديث عن المرأة وحرّيتها الشخصية".

* الفتيات المشار إليهن فضّلن استخدام أسماء مستعارة، حفاظاً على خصوصيتهن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard