شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"إطعام الناس أهم من تزيين الشوارع"... بهجة الميلاد لن تزور أحياء بيروت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 9 ديسمبر 202103:59 م

في لبنان، كما في كل مدن العالم، ترتدي عاصمته بيروت، خلال موسم الأعياد، حلّتها الزاهية وتسطع زينة الميلاد في أحيائها الرئيسية والفرعية. لكن هذا العام غابت الزينة الميلادية عن المدينة بسبب الأزمة الاقتصادية الحادّة.

في شارع الحمراء، اختفت الأضواء والأشجار الصغيرة التي كانت تعلّق على امتداده وجوانبه وحلّت مكانها العتمة. في الوقت عينه من العام 2018 حين كان التيار الكهربائي عاملاً، أقله، 18 ساعة يومياً، كانت مطاعم بيروت وباراتها تتنافس وتفاخر بزينتها التي تمتد نحو الأرصفة. لكن في العام 2021 بات عدد المحال التجارية التي قرّرت أن تحتفل بفترة الأعياد قليلاً جداً.

"زينة بتشبه البلد"

يشرح يوسف العمري، وهو مالك محل الكترونيات في منطقة الحمراء، أنه في العادة تقوم بلدية بيروت بتزيين الشارع الرئيسي وتتولّى لجنة تجار الحمراء تزيين الشوارع الفرعية، ومنها شارع المقدسي. لكن هذا العام غابت الزينة والأضواء بسبب الأزمة الحادّة وعدم توفّر الكهرباء وصعوبة الأحوال المادية. يقول: "المتاجر المحلية التي وضعت الأضواء والأشجار أعادت استخدام ما كانت تملكه من العام الماضي. أما المتاجر الكبير والمحال التي تحتوي على الماركات العالمية، والتي باتت قليلة بعد إقفال أغلب فروعها، فقد تمكّنت من إبراز أجواء الاحتفالات. لكنّها استثناء".

 "المنطقة فقدت الكثير بعد الانفجار وتغيّرت هويتها. لم تعد صاخبة وصار روادها يلتزمون بساعات الكهرباء المتوفرة التي تحدّد سهرتهم. طبعاً هناك الوضع الاقتصادي الذي يؤثّر على الجميع. كل هذه العوامل تؤثّر على موسم الأعياد وطقوسه".

في محل الألبسة المجاور لمحل العمري، تقول نادين مظلوم إنّ أجواء الأعياد بدأت بالظهور. لكنّ العديد من الوجوه التي كانت تقصد المتّجر غابت هذا العام بسبب الأزمة، كما أن زينة الميلاد أصبحت محدودة. تشرح: "الزينة كما كل أمر آخر تعكس وضع البلد. في العادة كنّا نضيء الواجهة الزجاجية ونضع الأشجار الصغيرة حول المانيكان. هذا الموسم تخلّينا عن الإضاءة الكثيفة التي كنّا نعتمدها بسبب عدم توفّر الكهرباء وضعف قدرة المولّد الكهربائي على الاحتمال. لذلك اعتمدنا الزينة البسيطة التي كنا نملكه، فالأسعار الجنونية منعتنا من ابتياع كل ما هو جديد". وتختم: "طلع مهضوم المحل. مش أحلى سنة هيدي. بس زينتنا بتشبه وضع البلد".

الطعام أهم من الزينة

يصرّح رئيس لجنة تجار منطقة الرميل في بيروت إيلي شويتي لرصيف22 أن اللجنة هذا العام قرّرت التخلّي عن الزينة واستثمار كل ما تحصّله من أموال لدى أكثر العائلات عوزاً. يقول: "الزينة موجودة وجميلة جداً لكن عملية تركيبها وصيانتها ستكلّف حوالى أربعة آلاف دولار أمريكي أي ما يعادل 92 مليون ليرة لبنانية بحسب سعر الصرف الحالي، وهذا المبلغ غير متوفّر حالياً".

ويؤكّد أن العادة جرت أن تتكفّل بلدية بيروت تغطية حوالى 70% من تكلفة الزينة كل عام وتتولى اللجنة تغطية الباقي. لكن هذا العام لم تقدر البلدية التي يصفها بأنها الأغنى في لبنان على تحمّل النفقات. ويتابع: " لا أفهم ما يحدث فعلياً. غياب أجواء الميلاد عن الشوارع يجلب الحزن. لكنّنا قرّرنا أن الطعام أهم من الزينة خصوصاً أن هنالك عائلات لا تتمكّن من تأمين قوتها اليومي. في ظل الانهيار تبدلت الأولويات".

ويلفت شويتي إلى مبادرة محافظ بيروت الذي فرض على أصحاب مولّدات الكهرباء (الموتورات) إضاءة الشوارع برغم انقطاع التيار الكهربائي الدائم. ويختم: "هذه المبادرة الأساسية هي الأهم في الوقت الحالي إذ إن الناس يحتاجون إلى النور".

زاوية الشجرة والفرحة المتأخرة

تعتبر السيدة تقلا بخعازي أن موسم الأعياد هذا العام في لبنان يرسّخ الحزن، وأن حلوله سيذكّر الشعب بكل ما لا يملكه من بهجة وقدرة على الاحتفال. وتقول أثناء جلوسها في أحد مقاهي درج مار نقولا في منطقة الجميزة: "أنظر إلى الشارع ولا أرى سوى الموت، لا أرى ولادة المسيح ولا أرى الخلاص. من الجيد أن الشوارع خالية من الزينة لأن وجودها سيكون كذبة".

وتذكر أنها في العادة تستقبل موسم الأعياد بحماسة إذ كانت تستعد هي وعائلتها للاجتماع والاحتفال. لكنها تشعر منذ تفشّى وباء كورونا أن وهج العيد اختفى. تضيف: "في العام 2019 احتفلنا، وكان ذلك الاحتفال الحقيقي الأخير الذي عشناه ما قبل الانهيار الاقتصادي وما قبل انفجار مرفأ بيروت. حين قصدت سوبرماركت "سبينيس" في نهاية الشهر الماضي من أجل شراء شجرة جديدة وجدت أن أرخص شجرة يتخطّى سعرها المليون ليرة (43 دولاراً)، وأن الأضواء وحدها تكلّف حوالى 200 ألف (تسعة دولارات). لذلك لم أشترِ شيئاً وقرّرت استخدام الزينة التي أملكها منذ العام 2018 ".

وتكمل: "فنجان القهوة اللي عم بشربه هلّق بحسب حسابه. صرنا فقراء. إذا مش فقراء بالمصاري، فقراء برغبتنا بالاحتفال وبالحياة".

"في العادة تقوم بلدية بيروت بتزيين الشارع الرئيسي وتتولّى لجنة تجار الحمراء تزيين الشوارع الفرعية، ومنها شارع المقدسي. لكن هذا العام غابت الزينة والأضواء بسبب الأزمة الحادّة وعدم توفّر الكهرباء وصعوبة الأحوال المادية"

في منطقة الجمّيزة أيضاً ينشغل إيلي ا. داخل المقهى الذي يديره بإعطاء التوجيهات للفريق الذي يهتم بنشر زينة الميلاد. يجيب عن سؤال واحد ثمّ يعتذر ويذهب ليحدّد المكان الذي سيعلّق فيه الغزال الخشبي. يقول إن فرحتهم حلّت متأخرة هذا العام إذ لم يباشروا تزيين المقهى في تشرين الثاني/نوفمبر كما جرت العادة. ويشرح: "غاب العيد عن كل الشارع هذا العام أو برز بأسلوب عادي جداً. 40 في المئة من المحال فقط تحتفل بالموسم، وربّما لهذا السبب أجّلنا نشر الزينة. فالفضاء العام والمزاج المعتكر بسبب أوضاعنا المزرية لم يفرضا علينا وضعها".

ويتابع: "المنطقة فقدت الكثير بعد الانفجار وتغيّرت هويتها. لم تعد صاخبة وصار روادها يلتزمون بساعات الكهرباء المتوفرة التي تحدّد سهرتهم، فإما ترحّب بهم أو تطردهم. طبعاً هناك الوضع الاقتصادي الذي يؤثّر على الجميع. كل هذه العوامل تؤثّر على موسم الأعياد وطقوسه".

ويروي إيلي أن إدارة المحل كانت قد قرّرت شراء زينة جديدة، لكّن بعد البحث تبيّن أن التكلفة نحو 20 مليون ليرة، إذ ذاك تم التراجع عن القرار واستُخدمت الزينة المتوفّرة. ويختم: "على الرغم من كل الصعوبات، يحتفل الناس بالعيد كما كانوا يفعلون كل عام، وأبوابنا ستكون مفتوحة أمامهم لنتشارك وإياهم بهجة العيد. والمعوقات الوحيدة التي سنواجهها هي تلك التي فرضت أو ستفرض علينا".

في بيروت، لم ترتدِ غالبية المحال حلّة الميلاد بعد، وبعضها لم يشترِها إلى الساعة. الشوارع ملأى بالمباني التي تُرمم والفاقدة روح العيد. وفي ظل غياب دور مؤسسات الدولة تجاه الناس، صار المواطن مسؤولاً عن تطييب المزاج العام. لذلك لا تزال حاضرةً الفرحةُ العامّة التي كانت تشهدها المناطق السكنية والشوارع الحيوية كل عام. لكنّها فرحة مشوبة بحزن وفقر وقلق الناس الذين يحاولون قدر الإمكان الاستفادة من موسم الأعياد لعل ذلك ينسيهم تبعات الأزمة الاقتصادية المستفحلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard