شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"حشيشة الكيف" من عماد حمدي إلى إنستغرام... حقب "الحشيش" الخمس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 27 نوفمبر 202111:55 ص

نباتات الجنة المقدّسة


حتى الأول ثانوي، كنت أظن بأن مستنبِت "حشيشة الكيف" هو الممثل عماد حمدي، بالتواطؤ مع نجيب محفوظ، وأن مزرعتها كانت "العوّامة". العوّامة التي تسترخي على ثرثرات النيل، لتوترنا نحن اليساريين الحائرين ما بين الرفيق ماو تسي تونغ، القادم من وراء سد الصين العظيم، والرفيق نيكيتا خروتشوف، وقد علا صوته على أذن جوزيف ستالين المسجّى، وكان يصرخ:  "مات الطاغية... مات الطاغية"، دون نسيان الموقف الثوري الهائل لخروتشوف وهو يدق حذاءه على المقعد السوفييتي بهيئة الأمم المتحدة، مستبدلاً النشيد الأممي بدقات الحذاء.

مع النضج المعرفي، وكان ذلك ماقبل غوغل ربما بالكثير من العقود، أحلنا "الاستنبات" إلى ناديا الجندي. لقد كانت شاشة مثيرة، مساحة أنثوية، تربة هائلة لزراعة الخيال، كان هذا ماقبل اجتياح "البورنو" لدفاترنا المدرسية، وأشرطة الفيديو التي نتناولها كما لو منشور سري يخلو من "عاشت الصداقة العربية السوفيتية" التي احتمى تحت ظلالها خالد بكداش.

أقول دفاترنا المدرسية، ولم تكن صورة حافظ الأسد معتمدة بعد، لتلصق في وجوهنا مع وظيفة النحو التي تحتّم علينا التعرف عن كثب على "أخوات كان"، و"أخوات إن"، وكل البنات اللواتي يتحتم علينا التسلل إلى ماتحت تنانيرهن بعد التأكيد على الأخوّة الراسخة التي تتمطى في حقول الاختبار.

تلك حقبة حشيشة الكيف الأولى، القادمة من الشاشات، فتلفزيون الأبيض والأسود طالما لعب وظيفة الفاتح في عوالم مغلقة، أعظم وسيلة مواصلات فيها ظهور الحمير بعد أن تقطّعت سبل ظهور الجياد. كان تلفزيون "الأبيض والأسود" هو جنكيزخاننا، "جنكيزنا" الذي نعلو ظهره دون أن نسرجه كما لو جواد.

الحقبة الثانية من حشيشة الكيف

حقبة "حشيشة الكيف الثانية"، ابتدأت مع الحرب الأهلية اللبنانية، وكنا نحفظها صمّاً تلك الأغنية التي تبتدئ بـ "دوّرها دوّر دوّر واعطيني شفطة". دون نسيان رشقات الرصاص التي تترامى من الأوزاعي حتى الشياح لتتواصل من الشرقية إلى الغربية، حيث اليمين واليسار اللبنانيان وما بينهما أبو عمار و"فتح لاند"، مروراً بالكثير من مستوطنات الضالين، من مثل "حيّ الوطى"، ذاك الذي يهذّبون هذيانات اسمه باستيراد تسمية "الكولا"، وهو حي يقبع تحت "مخلّفات مدينة"، ليكون العراء في العراء، متسللاً إلى أنوفنا، لا بسحب الدخان الأبيض القادم من حقول حشيش بعلبك التي يسيطر عليها نوح زعيتر، بل بروائح النفايات التي "تدوّرنا"، تماماً كما لو آتين من عوامة عماد حمدي المرمية على كتف النيل، بفارق أن العوّامة لبشر "البورجوازية الصغيرة" التي ينعتها نجيب محفوظ بالثرثرة، فيما مزبلتنا مشغولة من بشر يلتهمون اليأس مع الرصاص، لتضاف اليها أبخرة "غاز ثاني أوكسيد الميتان"، تلك التي تشارك "حشيشة الكيف" في توليد فعل الهذيان.

في "حي الوطى"، ثمة ناديا الجندي، بل "ناديات"، عرايا سوى من جلد الجسد الذي يطلق آخر صيحات الموضة. نساء يتجولن بين رجال، كذلك يرتدون جلودهم، مع فارق في جغرافيا العظام، ليتحالف غاز الميتان مع "أقليات"، لم يكونوا قد تعرفوا على "استراتيجيا حلف الأقليات بعد"، فلحيّ الوطى نكهات تذوب في غاز "الميتان": دروز، أكراد، شيعة، اسماعيليون، علويون، حتى بوسعك أن تعثر بينهم على الصابئة، أولئك البشر الذين يعيرون احتراماً مبالغاً فيه لمجاري المياه، ولا بأس أن تعثر في "حي الوطى" على أزيديين، للدائرة في ثقافتهم فعل السجن والسجان. كل ماعليك أن تحيط واحدهم بالدائرة، ليرجوك أن تفتح له خطاً في تلك المحفورة بالرمال ليخرج من سجنه، متمتماً شيء ما عن "الملك طاووس".

حتى الأول ثانوي، كنت أظن بأن مستنبِت "حشيشة الكيف" هو الممثل عماد حمدي، بالتواطؤ مع نجيب محفوظ، وأن مزرعتها كانت "العوّامة"... مجاز في رصيف22

في حي الوطى، تتسلل حشيشة الكيف لاثنين فقط: أولهما نزيه البيطار (وليس لكنيته أية صلة بصلاح البيطار الذي اغتيل في باريس بسيارة طائشة، ربما بعد أيام من حرب لبنان). كل "قوام" نزيه البيطار أنه وريث أعظم بلطجي في كازينو لبنان (الخواجا متري)، مع صفة مضافة هي "كان يسرق كلاب سيدات مترفات كرهائن ويعيدها إليهن بعد أن يمشّط فراء الكلاب، ويرشقه بعطور من تلك التي يثابر أئمة المساجد على اقتنائها، وبعدها (يرتزق) بالإفراج عن تلك الكلاب".

وثانيهما "عطر الشام"، المرأة الموسومة بردفيها والتي يُحكى أنها وزّعت نثرات جسدها على كل المقاتلين وعلى كل المتاريس والجبهات... كتائب، تقدمي اشتراكي، فتح أبو عمار، وربما وصلت مفاعيلها إلى كريم بقرادوني وأبو نضال، فكانت المرأة التسوية، في حرب أنهكت كل المقاتلين.

وحدها قطفت مزايا الهدنة من المتحاربين.

الحقبة الثالثة لحشيشة الكيف

هي الحقبة "الفلسفية" إن شئت، فلليسار القابع ماتحت (سيف) دكتاتورية السلطات، أو ماتحت (إبط دكتاتورية السلطات)، كان عليه أن يتجاوز "الهر دوهرنج" ووصفة "رأس المال"، وكذا يتجاوز  "البيان الشيوعي"، و"ما العمل" تبع لينين، ليجتاز الفاصل ما بين الحركات الثورية اليوم وتلك القادمة من أقاصي التاريخ، وكانت المحاكاة أولاً لـ "حركة الحشاشين"، وقد أنشد لها اليسار الجديد الكثير من الأحلام، دون أية ضرورة لتتبع مؤسسها ومطلقها حسن الصباح، وهي حركة قيل فيها وعنها الكثير.

أطلقوا عليها نعت "بقعة في التاريخ الإسلامي"، فيما اعتبرها برنارد لويس "فرقة ثورية في تاريخ الإسلام"، ثم جاء محمد عثمان الخشت ليصفها بأنها "أخطر فرقة سرية في الإسلام"، ثم كبرنا لنتعرف و"مع الحشيش" أنها حركة أطلقت عام 148 للهجرة، بعد أن توفي جعفر الصادق، الإمام السادس لدى الشيعة، وكان جعفر الصادق قد  عهد بالإمامة إلى ابنه الأكبر، إسماعيل، بيد أن الأخير توفي في حياة أبيه، فاختلف الشيعة بذلك في تحديد الشخص الأحق بالإمامة، وكان التنازع "على من يملك السلطة لا على من يوحّد الله"، وقد امتد الاقتتال إلى اليوم. اقتتال على السطح... على الشاشات، لا كما أسست له "حركة الحشاشين"، وكان قادتها بعد وفاة إسماعيل قد اختبؤوا تحت الأرض لما يزيد عن مئة وخمسين عاماً، وظل الأئمة الإسماعيليون مخبوئين، لا يُعرَف عن نشاط دعاتهم أو تعاليمهم إلا القليل.

ليست حشيشاً، ومع ذلك أطلقوا عليها تسمية "حركة الحشاشين"، كما لو أن "الحشيش" والاعتراض توأمان، وقد يكون في الأمر وجهة نظر... وجهة نظر ما.

ما الذي يدعونا لقول ذلك؟

ذلك لأن الاعتراض كما الأنهار لايتغير سوى بـ "آلة الخيال"، ولو لم يكن الأمر كذلك  فكيف لأديسون أن يكتشف المصباح الكهربائي" أو كيف لـ "غاليلو أن يخبط الأرض ليقول لنا: "إنها تدور"؟

تكسير العالم يستلزم الخيال، وكذلك جمعه.

كيف للبرغل أن يحدث تلك السحابة التي تستعصي على التسمية والتي تنتجها حشيشة الكيف؟

مع تلك السحابة، سحابة الكيف، بوسع خالد (على سبيل الحصر لا المثال)، أن يعاني آلام "الحيض"، ويختبر "الأمومة"، ليشارك المرأة أتعاب حَبَلها، ثم يصحى من الحشيش ليسود عليها كما جاء في تعاليم "سفر التكوين".

هذا خالد، أول من أطلق شعار "يسقط جنس العائلة"، مبرراً حركته الوليدة بـ "جنس العائلة هو جنس تكاثر بلا خيال"، فيما الخيال هو "الجنس الحرام"، رعونة البشري، إطلاق كائنات من كائن واحد هو كائن الخيال، كائن بلا مرجعيات، كائن الغربة الباحثة عن الغيبوبة في غياب أسباب الحياة، وكل ما على الحشيشة فعله هو  أن تنصت للتجربة.

ومن بعدها تطلق لآلئها في دوامة المكان / الزمان.

تفعل في الزمان والمكان؟

لم لا؟ بالإحالة إلى "القاهرة"، تلك الساحرة بناها "حشاش"، نجح عام 969 للميلاد ببنائها، ولابد أنه كان من الفاطميين وأعلاهم شأناً في الميراث الديني،  الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، الشخصية لانهائية التضاد:

يحرّم على المصريين الجنس لسبع سنوات.

يبيح الجنس لسبع سنوات.

يمنع الرعية من ارتداء الأحذية لسبع سنوات لتحفر الأرض بأقدام المتسكعين في الطرقات.

يركب حماره بالمقلوب متجولاً في حي "الجمالية" المصري، الحي المزيّن بأروع العمارات.

ثم ينتهي إلى السرداب، وسط جموع مازالت بانتظار عودته من "الغيبة"، ليقيم ميزان العدل ويعمل سيف القصاص.

هو "الحشيش"، ولّاد الغيبة والغياب. لولاه لما انتظر اللاهوتيون المسيحيون "ماشيحهم"، ولما لطم الشيعة غيبة الإمام، بانتظار من "ذهب كيلا يعود".

الحقبة الرابعة لحشيشة الكيف

هي حقبة المخبريين الأنذال، وفيها شروحات مستفيضة عن "حشيشة الكيف"، فهو: نبتة لها مفعول مخدّر، ولها تأثيرات على الجسم، وتَعدّ من أكثر أنواع المخدرات استعمالا في العالم.

وببلاهة يصورون الحشيش، لابخيال مايكل آنجلو، ولا بسوريالية سلفادور دالي، ولا بشفافية رينوار، يصورونه بعين الكاميرا، وبحيادية الكاميرا، تلك الآلة التي تشتغل على تثبيت الوجوه، لا على هدير الأمعاء والدماء.

هو "الحشيش"، ولّاد الغيبة والغياب. لولاه لما انتظر اللاهوتيون المسيحيون "ماشيحهم"، ولما لطم الشيعة غيبة الإمام، بانتظار من "ذهب كيلا يعود"... مجاز في رصيف22

هؤلاء يصفون حشيشة الكيف، وكما جاء عن ربهم "غوغل" بـ "تنتمي منتجات القنب إلى أقدم المخدرات المعروفة، والقنب هو اسم النبات، أما الماريغوانا فهي الأوراق والأزهار والسيقان والبذور المجففة من نبات القنب، أما الحشيش فهو منتج آخر من نبات القنب يحتوي على صمغ (resin) ينتجه النبات.

ثم يدخلون متعاطي حشيشة الكيف المشرحة: "فعندما يدخن الشخص الماريغوانا أو الحشيش تمر مادة THC بسرعة من الرئتين إلى مجرى الدم الذي يحملها إلى الدماغ والأعضاء الأخرى في جميع أنحاء الجسم".

حسناً وبعد؟

وبعد، يعمل THC على مستقبلات خلايا دماغية معينة تتفاعل عادة مع المواد الكيميائية الطبيعية المشابهة للـ THC. تلعب هذه المواد الكيميائية الطبيعية دوراً في نمو الدماغ الطبيعي ووظيفته.

شكراً "غوغل"، مع ذلك ثمة حديقة خلفية إلى جوار منزلي المتفرع من "فراكفورتا آليه" في برلين، يباع فيه الـ (50 غرام) من الماريوانا، العشبة الأم لحشيشة الكيف، العشبة التي لم تدخل "معجن" الإنسان، ليعجن زيتها بالسللوز، يبيعونها بـ (50) يورو، وبوسع البائع المغربي أن يمحو من ذاكرتك تلك الـ THC، فالغناء المغربي في حديقة "ساماريتا" هو المقطع الغنائي المأخوذ من حشيشة الكيف:

آه ياناري من الأشواق واللى عملاه فيا....

سي خطّاب، الذي يبيعك الحشيشة، يبيعها ليشتري قبّعة، فيعود بعد ارتدائها طفلاً يحبو على بوابة الفطام.

البوليس الألماني يغض النظر عن خطّاب، فحشيشة الكيف، هي "بساط الفقراء". للأثرياء سجّاد عجمي، مشغول غرزة غرزة، وبأصابع خبيرة، أصابع مخبرية تشتغل على "الكبتاغون"، الـ "ال. اس. دي"، ولصالات المرايا سيكون "الكوكائين"، ربع غرام منه يساوي "أوقة" حشيش.

الحشيش نصير الفقراء، وهو العشبة التي طالما ناصرت الفقراء في صراعهم الطبقي، حتى بات كارل ماركس أقل  نصرة لهم من "لفافة حشيش".

خطّاب، سيمنحك 50 غرام حشيش، وسيغيب مع سحابتك أنت، أنت الذي تبحث عن الوسيلة التي ابتكر فيها الإنسان أحمر الشفاه، أو ذاك الابتكار العجيب الذي يعني "ماري أنطوانيت" المتكررة في بنات حديقة "ساماريتا"، بنات يطلين سيقانهن بأحمر الشفاه، لايعانين من سطوة رأس المال، شعارهن: كلوا "الحشيش" أيها السادة.

وكل الفارق ما بينهن وبين ماري أنطوانيت، أنها دعت الجائعين لتناول "الكاتو" بديلاً عن الطحين، بناتنا في حديقة "ساماريتا" يدعونك لتناول الحشيش.

الحقبة الخامسة لحشيشة الكيف

رواية يتيمة كتبها جيروم ديفيد سالنجر، كان عنوانها مترجماً للعربية "الحارس في حقل الشوفان". رواية واحدة حصد منها ملايين الدولارات، ربما لأنه "محظوظ"، وربما لأنه تنبأ بما يفتح نوافذ للخيال، بما جعل روايته من مشتقات الحشيش.

الفارق ما بين "خطّاب" المغربي، والأمريكاني "سالنجر"، أن الأول يبيعك الخيال بوحدة قياسها هي الـ"غرام"، فيما الثاني يبيعك خيالاً آخر، بوحدات قياس أخرى، هي: اللغة.

سالنجر إياه، رفع جداراً هائلاً في مبناه السكني يحول ما بينه وبين بقية البشرية، لا لشيء، سوى: كيلا يشاركه أحد خيالاته، مع أنه توقف عن كتابة الرواية، فأين سيصرف ما سيأتيه من خيال؟

الروائي، هو "طبّاخ خيال"، من يقول بغير ذلك؟

هذا حال غابرييل غارسيا ماركيز، كما جورج أمادو، ولو لم يكن الأمر كذلك لما طبخ ماركيز الغراب، ولما عاش "كان كان العوام مرتين"، ولما رسم سلمان رشدي خيالاً سادياً عن الرسول.

في المرحلة الخامسة، نافس "فيسبوك" كما "إنستغرام" الحشيش، كيف لا ومليارات المتنافسين يبحثون عن "لايك"، "لايك" يرسم نجماً بإبهام منتصب،  وقد كانت قاعدة إنستغرام: يتيح إنستغرام لكل ساكن في هذا الكوكب أن يعيش الشهرة لمدة (15) ساعة في حياته.

الحشيش نصير الفقراء، وهو العشبة التي طالما ناصرت الفقراء في صراعهم الطبقي، حتى بات كارل ماركس أقل  نصرة لهم من "لفافة حشيش"... مجاز في رصيف22

الشهرة؟

سلطة إنستغرام تنافس سلطة السلاح في تغوّلها، كما تنافس سلطة المال، وغالباً ما تخسر في المعركتين، ليسقط ضحاياها ضحايا الانتحار.

نقول ضحايا الانتحار؟

هو الأمر كذلك، وبالوسع تصور أن في ألمانيا تبلغ نسبة المنتحرين 19,7 من كل عشرة آلاف ذكر، و 6,6 أنثى.

الرقم مهول، ولكنه ليس صورة يمكن رؤيتها من خارج الإطار، هو الرقم الذي ينبئ بالكثير: ينبئ بفتيان شجعان وبنات شجاعات، كما ينبئ بالسؤال الممتد من "هل الله موجود" أم "مخلوق" من عنديات بشر يحلو لهم طحن الطين، ليستولدوا هذا الكائن المشوي ما اصطلح على تسميته بـ"إنسان"؟

روزالين، بنت في الثانية عشر من عمرها، يمكن وصفها بـ "الجمهورية السادسة لفرنسا العظيمة"، انتحرت منذ أيام، ذلك أن عدد متابعيها على إنستغرام لم يتجاوز 12 ألف متابع، فإنستغرام هويتها، هو "الأم" المشتهاة، وهو النافذة، وهو "الخيال".

"روزالين" انتحرت لقصور خيالات متابعيها، ولو لم يكن لهم قصور في الخيال، لبلغ متابعوها الملايين، أقله لأنها "سوبر بنت"، مجرد التأمل في سحنتها تشقك إلى نصفين، وهاهي اليوم وحيدة تذهب لمقابلة نفسها بالموت.

"روزالين"، تذهب في خيالها بالموت لمقابلة نفسها، فيما المؤمنون بالله، يذهبون بالموت لمقابلة الله، والفارق ما بينهما (روزالين والمؤمنين الصالحين) أن روزالين هي "الله" فيما المؤمنون هم "عبيد الله"، وربما خدم الله، وربما حرّاس الله، وربما متسولي الله.

الحقبة الخامسة لحشيشة الكيف، هي الحقبة الأعلى صراخاً وضجيجاً، هي الحقبة التي يتكور في بطنها مجموع الحقب السابقة: الأزمنة السابقة، الأسئلة السابقة، الأوجاع السابقة، الولادات السابقة، الميتات السابقة، وكل العصور بدءاً من البرونزي إلى زمن "صناعة الزمن".

الزمن؟ متى ولد الزمن؟

الخيال وحده يطرح من مثل هذا السؤال، وهذا يستوجب تلك النبتة (حشيشة الكيف)، أو مايوازيها، كما في حقبتنا: فيسبوك، إنستغرام، ومئات ملايين المفردات التي تلتهمها أزرار الكيبورد في بحث الإنسان المغترب عن نافذة يمد منها رأسه في سرد شخصي لاختبار وجوده الشخصي.

وجود ليس محسوساً كما سنبلة قمح، كما جريان نهر، كما لو خرية غراب.

لا شرفة تطل على ميناء.

شعور يتعاظم بالألم.

وفوق ذلك يأتي المخبريون السفهاء ليحدثونك عن مخاطر نبتة الحشيش.

ما بعد الحقبة الخامسة

عزيزي خطّاب، هل مازلت ترتدي قبعتك لتركب رأسك في حديقة "سارماريتا"؟

من الصعب أن تكون أمّاً ووليداً في ذات الوقت. سيسهّل عليك الحشيش ما سيبدو عصياً على صحو الحياة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard