شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لن تدفع وحدها الثمن... الأزمة الإثيوبية تهدد أمن القرن الإفريقي

لن تدفع وحدها الثمن... الأزمة الإثيوبية تهدد أمن القرن الإفريقي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 13 نوفمبر 202111:56 ص

تتصدر الحرب الحالية في إثيوبيا، العناوين الإخبارية في الصحف والمواقع العالمية، ويخشى كثيرون من تداعيات الصراع الإثيوبي على الدول المجاورة لها، وعلى علاقات الدول الإفريقية ودول العالم كافة، بها.

من الصعب الوقوف على أبعاد علاقات إثيوبيا الدولية، من دون الرجوع المباشر إلى التاريخ الإفريقي، وتحديداً التاريخ الحديث للدولة الإثيوبية التي تُعدّ دولةً محوريةً مهمةً في العلاقات الإقليمية، ليس في منطقتَي القرن الإفريقي وحوض النيل فحسب، بل في الشرق الأوسط برمته، سواء في تاريخها الحديث، أو المعاصر.

لمحة عن تاريخ إثيوبيا الحديثة

الثابت تاريخياً، أن الدولة الإثيوبية أثّرت بشكل فعّال في تاريخ المنطقة، وإستراتيجياتها، خلال حقبة التسعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، خاصةً بعد تنصيب الإمبراطور منليك الثاني (1889 – 1913)، "نجاش ناجوشت" (ملك الملوك)، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1889.

ارتبط تأسيس إثيوبيا الحديثة، كدولة موحدة ذات شأن، باسمه، فقد كانت الهضبة الإثيوبية، قبل اعتلائه عرش المملكة، تعجّ بالصراعات السياسية والحربية، بين أمراء قوميات الأمهرا، والتيغراي، والأورومو، للسيطرة على مقاليد الحكم، ولفرض سيطرة سياسية محتملة على الأراضي المحيطة بها.

كانت إثيوبيا خلال تلك الفترة، حبيسة الهضبة، ومعتمدةً في جانب كبير من اقتصادها على التجار الأجانب الذين يتاجرون بينها وبين سواحل البحر الأحمر، والسواحل الصومالية، وهي السواحل التي أضحت في أواخر ستينيات القرن التاسع عشر، تحت السيطرة التامة للإدارة المصرية، خلال فترة حكم الخديوي إسماعيل (1863-1879)"، ما شكّل ضغطاً اقتصادياً على الهضبة الإثيوبية، وما أدى إلى تزايد اشتعال الصراع بين الأمراء والقوّاد.

وضعُ الحكم داخل الهضبة الإثيوبية كان أشبه ما يكون بحكم الإقطاعيات، إذ كان كل جزء من أجزائها يحكمه إما أمير، أو ملك إثيوبي، أو أحد قواد "الشفتا"، وهي مجموعات ثورية، أو متمردة مسلحة، اصطُلح على عدّ المنضوين تحتها من قطاع الطرق، وكان نشاطها يتزايد خلال فترات الانهيار الاقتصادي، والجفاف تحديداً.

وإثيوبيا دولة منكوبة دائماً بموجات الجفاف، وما يتبعها من مجاعات، إذ شهدت المنطقة خلال كل عقد بين القرنين الـ15 والـ19، موجةً أو موجتين من الجفاف، طبقاً لبعض التسجيلات التي ترجع إلى القرن التاسع عشر، وأيضاً وفقاً لما استُخدم من تقنيات حديثة لإعادة بناء نسب هطول الأمطار، وتصوّرها، على مدار مئتي عام مضت.

أدّت تلك الظروف إلى تردّي الوضع السياسي داخل الهضبة. ويمكن أن نحصر الصراع على الحكم بالملوك، والأمراء الإقطاعيين، والقوّاد العسكريين الأكثر قوةً، وبمعنى آخر، فقد تركز صراع السلطة والحكم في إثيوبيا بين ثلاث قوميات، لعبت على مدار التاريخ السياسي والاجتماعي الحديث، أهم الأدوار فيها، ألا وهي قوميات التيغراي، والأمهرا، والأورومو، وهو ما يستمر حتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من أن أكبر هذه القوميات عدداً، هي قومية الأورومو؛ إذ تبلغ أكثر من 33% من التعداد السكاني لإثيوبيا، إلا أن أبناءها لم يستطيعوا الوصول بشكل مباشر إلى حكم إثيوبيا إلا مؤخراً، من خلال الانتخابات التي أوصلت أبي أحمد علي إلى رئاسة الوزراء، كثالث رئيس للجبهة الشعبية الثورية الإثيوبية، وذلك عام 2018.

الطريق إلى دكتاتورية منغستو

وشهدت إثيوبيا ثلاثة أنظمة سياسية خلال تاريخها المعاصر، بدءاً من النظام الإمبراطوري، مروراً بالنظام العسكري الشمولي، وأخيراً نظام الحكم الفيدرالي. في أيلول/ سبتمبر 1974، استطاع انقلاب بقيادة عسكرية من قوميتي التيغراي والأورومو، أن ينهي الحكم الإمبراطوري لدولة إثيوبيا، ويحوّل الحكم إلى عسكري مباشر، تحت قيادة مجلس عسكري مؤقت، عُرف باسم "الدِرج".

استهل نظام "الدِرج" حكمه لإثيوبيا بسلسلة اعتقالات، وبتنفيذ إعدامات في حق ما لا يقل عن 61 مسؤولاً حكومياً سابقاً، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1974، من دون محاكمات. وبزغ نجم القائد العسكري "منغستو هايلي مريم"، خلال تلك الفترة، إذ أصبح النائب الأول لرئيس اللجنة العسكرية الحاكمة لإثيوبيا. وبحلول عام 1977، استطاع مريم التخلّص من كبار القادة العسكريين كافة، ليصبح هو وحده القائد الأعلى للنظام العسكري، ومن ثم رئيساً للدولة في الوقت نفسه.

منغستو هايلي مريم

واتّسم نظام السلطة الإثيوبية تحت زعامة منغستو، بالحكم الشمولي، وقد استمر منذ عام 1977 إلى 1991. ولم تسلم في تلك الفترة القوميات الإثيوبية كافة من الاضطهاد، خاصةً خلال فترة الإرهاب الأحمر من 1976 إلى 1977، التي كانت فترة قمع سياسي وعسكري عنيف جداً، ضد الجماعات الماركسية في إريتريا (التي كانت إثيوبيا قد ضمّتها عام 1952)، كما لم تسلم الجماعات الماركسية، أو الليبرالية، المعارضة للحكم العسكري في إثيوبيا، سواء في إقليم التيغراي، أو في إقليم الأورومو، من القمع. وتشير تقديرات إلى أن ضحايا تلك الفترة بلغت نصف مليون شخص.

"تداعيات الأزمة الإثيوبية ستؤدي إلى زيادة المجاعات، وتردّي الأوضاع الإنسانية في المنطقة، وأيضاً إلى ازدياد أعداد اللاجئين إلى دول الجوار"

ودارت رحى حرب إثيوبية-صومالية في عامي 1977 و1978، على إقليم أوغادين، الذي كانت الصومال تسعى إلى ضمّه، وينتمي سكانه إلى القومية الصومالية، انتصر فيها الجانب الإثيوبي بعد تلقّيه دعماً عسكرياً مكثفاً من الاتحاد السوفياتي وكوبا.

ونظراً إلى اضطهاد المعارضة خلال فترة حكم نظام منغستو، لم يُسمح بتكوين أحزاب سياسية. غير أنه مع استمرار الضغط السوفياتي، الحليف الإستراتيجي للنظام الإثيوبي، اضطر منغستو عام 1984، إلى تكوين حزب العمال الإثيوبي الحاكم (WPE)، على النهج الماركسي اللينيني للاتحاد السوفياتي آنذاك.

وكنتيجة لقمع المعارضة والقوميات الإثيوبية، توحّدت جهود القوميات كافة للنضال، بدءاً من عام 1979 خلال المؤتمر الأول الذي عقدته جبهة تحرير شعب التيغراي (TPLF)، والتي كانت قد تأسست في عام 1975.

الطريق إلى أبي أحمد

وخلال الفترة من 1979 إلى 1983، وهو العام الذى شهد جفافاً ومجاعةً استمرت حتى عام 1985، وأودت بحياة أكثر من 400 ألف شخص، تكاتفت جبهات النضال الثوري ضد الحكم العسكري، تحت راية قيادات من قومية التيغراي وزعامتها، ليظهر التحالف في شكله الرسمي عام 1988، باسم الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (EPRDF)، تحت قيادة موحدة لـ"ملس زيناوي"، الذى كان ينتمي إلى قومية التيغراي، وكان رئيس جبهة تحرير شعبها.

وخلال الفترة من 1988 إلى 1991، خاضت الجبهة الديمقراطية الشعبية حروباً كثيرةً في شتى بقاع إثيوبيا، ما أدّى إلى سقوط نظام منغستو، وهروبه من البلاد إلى دولة زمبابوي في 21 أيار/ مايو 1991.

وفي 28 أيار/ مايو 1991، انتُخب ملس زيناوي رئيساً لإثيوبيا حتى عام 1995، ثم شغل منصب رئيس الوزراء من 22 آب/ أغسطس 1995، وحتى وفاته في 20 آب/ أغسطس 2012.

غير أن أجواء التوتر بين كلٍ من الجبهة التيغرانية، وجبهة تحرير أوروميا، كانت قد تصاعدت خلال أواخر الثمانينيات، ما حدا إلى تأسيس المنظمة الديمقراطية لشعوب الأورومو (OPDO)، المعروفة حالياً باسم حزب الأورومو الديمقراطي (ODP)، عام 1990.

"إثيوبيا دولة منكوبة دائماً بموجات الجفاف، وما يتبعها من مجاعات، إذ شهدت المنطقة خلال كل عقد بين القرنين الـ15 والـ19، موجةً أو موجتين منه"

اعتمد هذا التأسيس على ضم جنود أوروميين إلى جيش النظام الإثيوبي، ممن كانوا أسرى حرب، أو استسلموا خلال المعارك في إقليم التيغراي، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الأورومية التي كانت قد هاجرت إما إلى أوروبا، أو إلى أمريكا. وكان أبي أحمد عضواً في حزب الأورومو الديمقراطي، منذ سن الرابعة عشر، وانتُخب عام 2018 كثالث رئيس للجبهة الشعبية الثورية الإثيوبية، ومن ثم أضحى رئيساً لوزراء إثيوبيا، ليكون أول أورومي يصل إلى سدة الحكم في إثيوبيا.

صدام مع التيغراي

ما أقدم عليه أبي أحمد، من تأسيس حزب الازدهار الإثيوبي في كانون الأول/ ديسمبر 2019، كحزب واحد حاكم، مستبعداً الغالبية العظمى من قيادات قومية التيغراي، كان بمثابة ضرب نهج السياسة الفيدرالية الإثيوبية بعرض الحائط، خاصةً مع تمديده فترة حكمه خمس سنوات، من خلال إلغاء الانتخابات في البلاد، جرّاء جائحة كورونا، الأمر الذي رفضته قومية التيغراي، وعدّته نكثاً للعهد.

هكذا، بدأ الصراع الحالي بالتمرد المسلح في إقليم التيغراي، إذ تطمح جبهة تحرير التيغراى إلى الانفصال، وكذا الحال بالنسبة إلى قادة الجناح العسكري لجبهة تحرير أوروميا. الاشتراك في الهدف أسفر عن تعاونٍ بين الطرفين لم تتضح سماته بعد.

وترددت أنباء سيطرة مناهضي السلطة من التيغراي والأورومو، على الطرق والمدن الإستراتيجية في إثيوبيا، الموصلة إلى العاصمة أديس أبابا، ما قد يؤدّي إلى سقوطها المحتمل، وتالياً سقوط حكومة أبي أحمد.

خطر على أمن القرن الإفريقي

تُعَدّ إثيوبيا نقطة ارتكاز مهمة لضمان أمن منطقة القرن الإفريقي، واستقرارها، على الصعيدين الإقليمي والعالمي، لذا لا بد أن القوى والمنظمات الإقليمية والدولية على حد سواء، ستسعى إلى الوساطة، من أجل احتواء الصراع الإثيوبي الداخلي، فمن الضروري اللجوء إلى طاولة المفاوضات، لتسوية الأزمة، خاصةً وأن تداعياتها سترمي بظلالها على دول الجوار، ما سيؤثر على مصالح اقتصادية وسياسية إقليمية وعالمية، سواء في إثيوبيا نفسها، أو في ما يجاورها من دول.

وتهدد الأزمة الإثيوبية مصالح بعض الدول العربية، اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً أيضاً، في كلٍ من جيبوتي، وإريتريا، والصومال، وهي مصالح تم تدعيمها بين تلك الدول، وبين كلٍ من دولتي الإمارات العربية والسعودية، خاصةً منذ اشتعال الحرب في دولة اليمن عام 2015.

وتؤثّر سيطرة قوات التيغراي على الطريق البري، وأيضاً على خط السكك الحديدية الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا، على دولة جيبوتي. وستولد أزمات اقتصادية واجتماعية جرّاء الصراع الذي طال المنطقة العفارية (ولاية عفر، موطن قومية العفر)، التي يقع شطر كبير منها في جيبوتي.

أما إريتريا، فإن ما انخرط فيه نظام رئيسها أسياس أفورقي، من دعمٍ لحكومة أبي أحمد، خلال حربه في إقليم التيغراي، من المحتمل أن يعرّض كلَيْ البلدين لعقوبات دولية.

وفى الصومال، سيكون انعكاس الأزمة الإثيوبية أخطر، خاصةً مع سحب قوات الجيش الإثيوبي من إقليم أوغادين، وما سوف يتبعه من احتمال زيادة نشاط حركة الشباب الجهادية، ليس في الإقليم أو في الصومال فحسب، بل في منطقة القرن الإفريقي عموماً.

أما إقليمياً، فقطعاً ستتأثر إستراتيجيات القوى الكبرى، ذلك أن احتمال تجاوز الأزمة الإثيوبية للحدود واردٌ، لتتحول إلى حرب إقليمية تهدد أمن دول المنطقة كلها، واستقرارها، ومن ورائها الاقتصاديات العالمية.

أخيراً، إن تداعيات الأزمة الإثيوبية ستؤدي إلى زيادة المجاعات، وتردّي الأوضاع الإنسانية في المنطقة، وأيضاً إلى ازدياد أعداد اللاجئين إلى دول الجوار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard