شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الجامعة اللبنانية تُنازع للبقاء... 93 ألف طالب مهددون بضياع سنتهم الدراسية

الجامعة اللبنانية تُنازع للبقاء... 93 ألف طالب مهددون بضياع سنتهم الدراسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 11 نوفمبر 202105:34 م

تصاب سينتيا جوهرجي "بالهلع" كلّما فكّرت في أنّها تقدّمت بطلب دخول إلى الجامعة اللبنانية. "يُصيبني الهلع كلّما تذكّرت أن كلّ أصدقائي المسجّلين في جامعات خاصة قد بدأت صفوفهم، فيما أنا لا أزال في البيت ولا أقوم بشيء"، تقول، مضيفةً "لذلك أفضّل ألّا أفكّر في الجامعة".

نجحت الشابة البالغة من العمر 17 عاماً في امتحان دخول اختصاص الترجمة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية التي تقدّمت بطلب دخول إليها بعدما نصحها الكثيرون بأنها الخيار الأفضل لاختصاص الترجمة، إلى أن "سمعت أن الجامعة قد لا تفتح أبوابها هذا العام".

"عندما انتشرت أخبار إضراب أساتذة الجامعة (عن العمل) وتأخر بدء العام الجامعي، فكّرت في التسجيل بجامعة أخرى لئلّا أخسر عاماً من حياتي. غير أن الوضع الاقتصادي في البلد لم يُساعدني" تقول.

لم تفتح أي من كليات الجامعة اللبنانية أبوابها بعد، رغم بدء العام الدراسي في غالبية الجامعات الخاصة في البلاد، إذ ينفذ الأساتذة المتفرغون والمتعاقدون في الجامعة إضراباً مفتوحاً عن التدريس منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر. وكانت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة قد أعلنت في بيان أن "لا عودة إلى التدريس إلا بعد نيل المطالب، وتأمين ظروف العودة المناسبة للأساتذة والموظفين والطلاب، حرصاً على جامعتنا ومستقبل طلابنا".

لطالما عانت الجامعة اللبنانية - وهي الجامعة الرسمية الوحيدة في لبنان - من إهمال الحكومات المتعاقبة والفساد المؤسساتي والمحاصصة، ما دفع بالأساتذة إلى النضال سنوات طويلة في سبيل تحصيل حقوقهم المادية والمعنوية.

يشكلّ طلّاب الجامعة اللبنانية الذين قارب عددهم الـ80 ألفاً العام الماضي نسبة 35,7% من إجمالي طلاب التعليم العالي في لبنان. ولكن يتوقع أن يصل هذا العدد إلى 93 ألفاً هذا العام في ظلّ نزوح كبير نحو الجامعة بدأ قبل عدة سنوات وتفاقم مع الأزمة الاقتصادية الحالية التي حالت دون قدرة الكثيرين على التسجيل في جامعات خاصة أو السفر للدراسة خارجاً.

“يصيبني الهلع كلما فكرت بالموضوع”… طلاب الجامعة اللبنانية يخشون أن يضيع عامهم الدراسي

اختارت تيريزا حجّار الجامعة اللبنانية لدراسة الحقوق بعد تدهور الظروف المعيشية، وهي تبحث عن وظيفة تتّكئ عليها لتأمين مصروف شهري يتيح لها إكمال دراستها. تقول "أشعر باستمرار بأن ليس بيدي حيلة، حتى صرت أشعر أنّني غير موجودة".

يعتبر أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية والناشط باسل صالح أنه "يستحيل أن يبدأ العام الجامعي الآن، وإن بالحدّ الأدنى". يقول لرصيف22: "لطالما كانت الجامعة اللبنانية تنزف، إلّا أنها وصلت اليوم إلى مستويات أخرى من الانهيار".

ويضيف: "راتب أستاذ الجامعة اللبنانية المتفرّغ، الذي كان لا يقلّ قبل بدء الأزمة الاقتصادية عن 2500 دولار أمريكي، بالكاد يساوي اليوم 220 دولاراً. أما الأستاذ المساعد، الذي كان يتقاضى نحو 56 دولاراً لكلّ ساعة تعليم قبل عام 2019، أصبحت قيمة الساعة اليوم أربعة دولارات".

يرى صالح أن انهيار قيمة الرواتب أدّى إلى "زوال الأمن الاجتماعي والأمان الصحي" لدى أساتذة الجامعة، ويعلّق على "تصوّر صندوق الدولي عن ترشيق القطاع العام وتقليصه" بأنه "مسّ مباشر بتأدية وظائفهم".


"لا إمكانات على مختلف المستويات"

ينتظر جوزف شدياق انطلاق العام الدراسي لإتمام سنته الثالثة والأخيرة في اختصاص علم النفس في الجامعة اللبنانية. يقول: "لا يمكنني رؤية الضوء في نهاية النفق".

لا تقتصر مخاوف الطالب البالغ من العمر 21 عاماً على ما إذا كانت الجامعة ستفتح أبوابها أو لا، لأنه يفكر أيضاً بكيف سيؤمن تنقله من الجامعة وإليها.

يُساوي الاشتراك الشهري بمولّد (الكهرباء) نصف راتبي. هذا الهمّ مثلاً سيأتي على حساب الإنتاج العلمي والبحثي

يخشى الذهاب إلى الجامعة في الباص بسبب جائحة كوفيد-19، مع أن الباص وسيلة النقل الأوفر مادياً. "ولكن حتى أسعار الرحلات في الباص تتغير باستمرار بسبب غلاء المحروقات، لذا لا أعرف كم من المال سأترك جانباً للمواصلات شهرياً" يقول. ثم يضيف: "وإذا اعتبرنا أنني أفضّل الدروس عن بعد في هذه الحالة، فإن التيار الكهربائي ينقطع في منطقتنا أكثر من 12 ساعة يومياً. كيف أدرس إذاً؟"

يجزم باسل صالح أيضاً أن "لا إمكانات على مختلف المستويات" لدى الأساتذة ولدى الطلاب. "سأدفع أكثر من نصف راتبي لتغطية تكاليف الوقود الشهرية للذهاب إلى الكلية ثلاث مرّات أسبوعياً، كوني أسكن منطقة الشوف ولكنني أدرّس في صيدا" يقول.


أزمة بنيوية

يشرح صالح لرصيف22 أن مشاكل الجامعة اللبنانية ليست بجديدة. يذكر المشاكل المتعلّقة بتفرّغ الأساتذة المتعاقدين وإدخال الأساتذة المتفرّغين إلى الملاك، بالإضافة إلى المشاكل المستمرّة المتعلّقة بموازنة الجامعة، فضلاً عن مشاكل "من نوع آخر" مثل "التدخل السياسي واستباحة الجامعة من قبل القوى السياسية والمحاصصة والطائفية والمذهبية بالتعاقد والتفريغ والإدخال إلى الملاك".

استمر مثلاً إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية أكثر من 50 يوماً في فصل الربيع من العام الجامعي 2018-2019، وعُلّق الإضراب على أساس تعهّدات أعطاها وزير التربية والتعليم العالي السابق أكرم شهيّب، إلّا أن "شيئاً من مطالب الأساتذة لم يتحقق منذ ذلك الحين".

لطالما عانت الجامعة اللبنانية - وهي الجامعة الرسمية الوحيدة في لبنان - من إهمال الحكومات المتعاقبة والفساد المؤسساتي والمحاصصة... اليوم لا إمكانات على مختلف المستويات لدى الأساتذة ولدى الطلاب

وكان هدف إضراب العام 2019 تحقيق المطالب المتراكمة وانجاز الملفات العالقة للأساتذة، منها إدخال المتعاقدين إلى التفرغ وإدخال المتفرّغين إلى الملاك وحماية صندوق التعاضد لأساتذة الجامعة اللبنانية وعدم دمجه وزيادة موازنة الجامعة وقانون الخمس سنوات التي تضاف تلقائياً إلى مدة خدمة الأستاذ عملاً بمبدأ المساواة مع باقي موظفي الدولة، والنظر بمسألة الـ68 سنة كسنّ التقاعد بدلاً عن الـ64 لمن يرغب.

ويعتقد صالح أنه، في ظلّ انهيار سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار، "لا قيمة على الإطلاق لموازنة الجامعة التي كانت أصلًا تُقضم عاماً بعد عام"، وأن الأساتذة الذين ينتجون بحثاً علمياً "لم يعودوا يتمتّعون بالهدوء والاطمئنان من أجل إنتاج البحوث". ويوضح: "يُساوي الاشتراك الشهري بمولّد (الكهرباء) نصف راتبي. هذا الهمّ مثلاً سيأتي على حساب الإنتاج العلمي والبحثي".

لا إمكانية فعلية للأساتذة بأن يبقوا في الجامعة أو أن يعودوا للتعليم، بحسب صالح. عجزُ الأساتذة هذا يدفع الكثيرين منهم إلى البحث عن أي فرصة لمغادرة البلاد. بحسب المستشار في شؤون العلوم التربويّة في معهد عصام فارس، عدنان الأمين، تراوح هجرة الأساتذة "بين 10% و30% حسب الجامعة والاختصاص، ووصلت في بعض الحالات إلى 80%، بعدما اقتنصت بعض الجامعات الخليجيّة الفرصة وغذّت أقسامها من أساتذة من لبنان".

ويختم صالح: "نُحمَّل نحن الأساتذة مسؤولية الإضراب كلّ عام. أمّا فعلياً، فسؤال مصير الجامعة اللبنانية يجب أن يوجّه إلى السلطة التي عليها أن تقوم بواجبها وليس إلى الأساتذة".


أنجزت هذه المادة ضمن مشروع "شباب22"، برنامج تدريبي لموقع رصيف22 يرعاه مشروع دي- جيل D-Jil، بالاعتماد على منحة من الاتحاد الأوروبي تشرف عليها CFI.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard