شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الضحايا ليسوا

الضحايا ليسوا "مجانين" يا أستاذ لبكي... وعدم الاعتراف يقتلهم مرّتين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 9 نوفمبر 202104:52 م

مبروك للسيدة سيليست عقيقي، ابنة أخت منصور لبكي، التي ادّعت عليه بجرم التحرش الجنسي بها. مبروك لماريلين غانم، وميرنا عازار، وكريستيان بولس، وماريو عقيقي. مبروك أيضاً لروزين بارو، وبيار بومتيم، ودومينك كولاس، وغيرهم.

هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم ما يقارب الأربعين، على مختلف جنسياتهم، من لبنانيين، وفرنسيين، وإيطاليين، اتُّهموا بالجنون، واختلاق تهم التحرّش والاغتصاب بحق المونسينيور اللبناني الأب منصور لبكي. هؤلاء تعرّضوا للتهديد والمضايقات، هم وأهاليهم، من أجل إسقاط الدعوات، وتلف القضية، وقد رُفعت بحقهم دعاوى قضائية من قبل محامي لبكي، الأستاذ أنطوان عقل.

"إحدى الضحايا حاولت الانتحار مرات عدّة، وأخرى عانت من فقدان الشهية العصابي، والاكتئاب. بينما اضطرت الثالثة إلى العيش في المنفى، واتُّهمت بالجنون"

أما محكمة الجنايات في كاين، غرب فرنسا، فكان لها رأي آخر. رأي لا يستند إلى المشاعر والحسابات الطائفية الضيّقة، ولا إلى "الوضع الصحي" الذي تحجج به لبكي، ممتنعاً عن التعاون مع المحكمة، بعد إصدار مذكرة التوقيف بحقه، في العام 2016.

وقد أصدرت المحكمة الفرنسية عقوبة السجن مدة 15 عاماً، مساء البارحة الإثنين، بتهمة اغتصاب أطفال، والاعتداء الجنسي عليهم. تم ذلك بغياب لبكي، المقيم في لبنان، بعد رفض بيروت تسليمه إلى السلطات الفرنسية.

الأثر النفسي على الضحايا

شددت المحامية عن الضحايا، في مستهلّ مرافعتها، إلى أن "إحدى الضحايا حاولت الانتحار مرات عدّة، وأخرى عانت من فقدان الشهية العصابي، والاكتئاب. بينما اضطرت الثالثة إلى العيش في المنفى، واتُّهمت بالجنون، وتم فصل شقيقتين عن بعضهما". أما سيليست عقيقي، الذي يكون لبكي خالها، فقد قدِمت خصيصاً من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى فرنسا، لتشهد، وقد أشارت إلى أن "الإدانة سوف تشكل اعترافاً ببراءة الضحايا، وهو أمر أساسي لالتئام الجروح".

ربما تكون سيليست عقيقي أكثر ارتياحاً، بعدما أثبتت المحكمة أنها ليست مجنونةً، وأن خالها تحرّش بها فعلاً. لكن ماذا عن تداعيات التحرش النفسية على الضحية؟

تقول لارا، صبية عشرينية وصلها الخبر: "يذكّرني لبكي بالناطور الذي تحرّش بي قبل 15 عاماً، وهو ما زال يتجرأ على اتّهامي بالهذيان، وينكر ما حصل. أهلي يخشون العار والفضيحة".

هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم ما يقارب الأربعين، على مختلف جنسياتهم، اتُّهموا بالجنون، واختلاق تهم التحرّش والاغتصاب بحق المونسينيور اللبناني الأب منصور لبكي. هؤلاء تعرّضوا للتهديد والمضايقات، هم وأهاليهم، من أجل إسقاط الدعوات، وتلف القضية

تعيش لارا في ستوديو صغير، بعد أن غادرت منزل العائلة منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي طلب فيه منها أبوها السكوت، ومراعاة الظروف. بقي المتحرش حرّاً طليقاً، أمّا هي، بالإضافة إلى المشكلات الصحية العديدة، أصبحت لا تثق بأي شخص، ولا بأي علاقة، وتقول إن حياتها عبارة عن خيبات متتالية.

لم يعترف لبكي بجرائمه، ويبدو أنه لن يعترف، وبذلك يكون قد نجح في قتل الضحية مرّتين، لولا اعتراف أتى من مصدر آخر: المحكمة.

لكن الضحية ما زالت في حاجة إلى أن تنظر في عيني لبكي، وترى اعترافاً، وندماً، أو أقلّه عقاباً وألماً، عساه يعوّض المشاعر السلبية التي تطوّرت مع مرور السنين.

الاعتراف ركن أساسي في التعافي، فهو يعني تصديق ما حصل، وخلق ذكرى وصورة، والعمل على تنقية الصورة من مشاعر الذنب، والخوف، التي قد تشعر بها الضحية. ومعروف أن الطفل، حسب علم النفس، يميل إلى الشعور بأنه مذنب، وأنه أغوى المتحرّش، وذلك لعدم امتلاكه وسائل نفسية دفاعية، ما يسهّل عملية الاستغلال. الغضب مرحلة أساسية أيضاً.

يحق لسيليست وبقية الضحايا الصراخ، والكلام، والشكوى، ويحق لهم أيضاً مواجهة المرتكب، والنظر إليه، واتهامه بشكل مباشر.

لم يتجرأ أحد على التعامل مع القضية من الناحية النفسية، ولا النظر إلى آلام الضحايا، ربما لأن المعتدي كاهن، لا بل مونسينيور، والحديث في أمور كتلك محرّم في المجتمعات الطائفية

الصمت شرعية لجرائم جديدة

ينقسم الشارع اللبناني بين مؤيدٍ لذلك الحكم، ومعارضٍ له. يرى المعارضون، ومثلهم منصور لبكي، أن الكنيسة ضحية مؤامرة تهدف إلى تدميرها، وأن الشيطان خلف ذلك، وأن صليب لبكي كبير، ويجب الصلاة من أجله، حتى ذهب البعض منهم إلى التشكيك بنزاهة القضاء الفرنسي، مبررين عدم موافقة لبنان على تسليم الكاهن إلى الدولة الفرنسية.

يُنقل عن الإعلام اللبناني الحذر جداً في التعامل مع قضية لبكي، مع أنه في قضايا تحرّش وفقر واعتداء تراه يشرّع الباب أمام الضحايا، طبعاً من أجل "سكوب" إعلامي، وبعض اللايكات.

لم يتجرأ أحد على التعامل مع القضية من الناحية النفسية، ولا النظر إلى آلام الضحايا، ربما لأن المعتدي كاهن، لا بل مونسينيور، والحديث في أمور كتلك محرّم في المجتمعات الطائفية.

هذا التحريم لا يعفي المجرم من العقاب فحسب، بل يوفّر الأرض الخصبة لمزيد من جرائم التحرش، والاغتصاب، وأشكال العنف ضد الأطفال والفتيات والنساء، كلها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard