شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
المثلية الجنسية حين تسللت سرّاً إلى الشاشة العربية

المثلية الجنسية حين تسللت سرّاً إلى الشاشة العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 11 نوفمبر 202103:58 م

تندرج هذه المقالة ضمن مشروع "رصيف بالألوان"، وهي مساحة مخصّصة لناشطين وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمين لهم/نّ، للتحدّث بحرية ودون أي قيود عن مختلف التوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، للمساهمة في نشر الوعي العلمي والثقافي بقضايا النوع الاجتماعي، بمقاربات مبتكرة وشاملة في آن معاً.

"+18"؛ عندما نقرأ هذا الرقم في بداية أي عمل سينمائي أو تلفزيوني في العالم العربي، نتوقع مباشرةً أن العمل سيحتوي على مشاهد جريئة، أو ساخنة، وقد يحمل لقطات تتسم بالعنف، والدماء، والمخدرات، أو ربما يتناول قضايا تُصنَّف "تابوهات"، يحاول بعض الفنانين/ ات كسرها منذ عقود، ولا ندري لماذا لما تُكسَر بعد؟

حتى المشاهد الساخنة، أو المبتذلة أحياناً، وقضايا الفساد والعصابات والمرتزقة، كلها باتت مكررةً، بحجة أنها واقعية، وتعالج ما يحدث في الشارع العربي، علماً أنها تعمل على تطبيع المُشاهدين/ ات لها، وتقبلهم/ نّ الشخصيات السلبية على أنهم "أبطال".

ولكن، حين يتناول العمل المثلية الجنسية، بمختلف مواضيعها وفرضياتها، "يتشنج" بعض المشاهدين/ ات، ويرفض العديد من الفنانين/ ات تجسيد هذه الفكرة، وتفور عاداتهم/ نّ ومعتقداتهم/ نّ الدينية، وقيمهم/ نّ، وكأن هذا الموضوع غير واقعي، لا بل كأن هذه الفئة تعيش على كوكب آخر، والحديث عنها في عمل فني يجعله "خيالاً علمياً"، لا أكثر، ليصبح الجميع ليس كالنعامة التي تخبّئ رأسها فحسب، بل كالذي يحاول إخفاء الشمس بغربال، ظناً منه أنه سيفلح في حجبها، أو إلغاء وجودها وحقيقتها.

وعلى الرغم من ذلك، تناولت بعض الأعمال الفنية قصص المثلية الجنسية، علناً أو ترميزاً، بسطحية أو بواقعية، سواء أكان ذلك للاستعراض، أو لخدمة الدراما.

نعم... صارت معي

منذ ستينيات القرن الماضي، قدّمت السينما المصرية شخصيات مثلية في أفلامها، ضمن خطوط رئيسية أو فرعية، استطاعت تشريح ما يحدث في المجتمع المصري، كفيلم "حمام الملاطيلي" الذي عَرَض في العام 1973، شخصية رسّام مثلي الجنس، لعب دوره الفنان يوسف شعبان، ويعيش في حمام شعبي ليهرب من واقعه، ملمّحاً إلى أنه ضحية تربية والدته، وحبها الزائد له.

وعليه، جاءت المعالجة خجولة، وغير مستندة إلى أسس علمية ومنطقية، وكأن دلال الأسرة يخلق المثلية الجنسية عند الأبناء.

حين يتناول العمل المثلية الجنسية، "يتشنج" بعض المشاهدين/ ات، ويرفض العديد من الفنانين/ ات تجسيد هذه الفكرة، وتفور عاداتهم/ نّ ومعتقداتهم/ نّ الدينية، وقيمهم/ نّ، وكأن هذا الموضوع غير واقعي، لا بل كأن هذه الفئة تعيش على كوكب آخر، والحديث عنها في عمل فني يجعله "خيالاً علمياً"

هذه الفكرة غير مقبولة، ولا يمكن تعميمها، خصوصاً أن الفيلم لم يغُص في التفاصيل الاجتماعية التي تُبرر ما آلت إليه تصرفات هذه الشخصية، على عكس ما قدّمه فيلم "عمارة يعقوبيان"، في العام 2006، من نموذج واقعي استطاع إحداث صفعة لكل المشاهدين/ ات، من خلال شخصية الصحافي حاتم رشيد (خالد الصاوي)، الذي كان إنساناً ناجحاً لائقاً يتعرّف إلى رجل قادم من الصعيد (باسم سمرة)، ويحاول إغراءه بالمال، حتى ينتهي الأمر به إلى أن يموت على يد شاب أقام معه علاقةً وهميةً، بغرض قتله، وسرقة أمواله.

وقد عكس الفيلم ما يعانيه العديد من المثليين/ ات من الابتزاز، والخداع في العالم العربي، على حساب مشاعرهم/ نّ الخاصة.

حياة المثليات

لم تكتفِ الشاشة الكبيرة، ولا الصغيرة، بعرض شخصيات المثليين فحسب، بل تناولت حياة المثليات، ولكن ضمن معالجات مختلفة.

على سبيل المثال، قدّم فيلم "حين ميسرة"، في العام 2007، شخصية ناهد (سمية الخشاب)، التي تتعرض للاغتصاب والحمل غير الشرعي، ومن ثم تجد قوّادة مثليةً (غادة عبد الرازق)، تحاول استغلالها، والتحرش بها، حتى تجنّدها للعمل كراقصة في الكباريه، وإلى وعاء لإفراغ شهوات الزبائن.

ربما تكون الفرضية واقعيةً، وكثيراً ما نسمع قصصاً مشابهة في مصر، ولكن المشكلة تكمن في أن التوظيف لم يحمل أسباباً لسلوك الشخصية المثلية، أو لانعكاساته لاحقاً، بل اكتُفي بمشهد التحرش الذي جمعهما.

وعلى الرغم من تفضيل الدراما التلفزيونية في مصر، الابتعاد بعض الشيء عن هذه المواضيع، تناولت الدراما الكويتية قصة فتاة مثلية الجنس، في مسلسل "عديل الروح"، عام 2005، وقدّمته الممثلة شجون الهاجري بجرأة كبيرة، في مجتمع محافظ هاجم العمل، وعدّه ترويجاً "للانحراف".

أما المسلسل اللبناني-السوري "سنعود بعد قليل"، في العام 2013، فقد عرض قصةً مختلفة، لكونها عالجت التفاصيل اليومية لحياة نادين (سينتيا كرم)، التي تحب صديقتها المغايرة ميرا، وتحاول إبعاد كل شاب يحاول التقرب من حبيبتها، حتى تأتي لحظة الذروة التي ترفع فيها سكيناً في وجه حبيب ميرا الذي حاول الاعتداء عليها.

هذه القصص، وغيرها، عرضت نماذج يومية وواقعية تمثّل قصص أفراد مثليين، قد يقولون عندما يشاهدون مثل هذه الأفلام: "نعم... صارت معي".

حول معالجة مواضيع المثلية الجنسية في الدراما العربية، قال الصحافي الفني أنس فرج، لرصيف22: "لم تنصف الدراما قضايا المثلية الجنسية من ناحية دراسة الحالة من الألف إلى الياء، من تشكّل الميول ربما، وحتى الصراعات الداخلية التي يعيشها، ونتائج صراع المجتمع، وفي الغالب يكون الطرح حول عقاب المجتمع له، ونبذه، والاستهزاء به".

البيوت أسرار

قد تخفي الصورة الخارجية، وما يراه الناس، أو ما ترغب العائلة في تصديره، حقائق كثيرة تفضّل الأسرة إخفاءها أكثر من معالجتها، ظناً منها أنها حين تتجاهل الواقع، يمكن أن تلغيه، كمن يكذب الكذبة، ويصدّقها.

يحكي فيلم "قط على نار"، في العام 1977، قصة أمين (نور الشريف)، وهو شاب يعيش مع زوجته في منزل أبيه، على الرغم من علاقته العاطفية مع صديقه عزت، التي أودت إلى شكوك كثيرة جعلت زوجته تهجر المنزل، وتعكّر صفو تلك العلاقة، مما أودى بعزت إلى الانتحار هرباً من تلك السعادة المزيفة.

وفي بعض الأحيان، نقلت بعض المسلسلات كيف تدفع الصورة الاجتماعية المفترضة، ورفض العائلة، الأبناء المثليين إلى الانتحار، كما حدث مع نورس (مصطفى سعد الدين)، الذي حاول إخفاء حقيقة ميوله عن محيطه، في المسلسل السوري "قلم حمرة"، في العام 2014.

أما نديم (جو صادر)، في المسلسل اللبناني "عشق النساء"، فقد نجح في الانتحار عبر تناوله سمّاً للجرذان، وذلك بعد أن رفضت والدته ميوله، وبقيت كلماتها تتردد في ذهنه: "أنا بكرهك وبقرف منك... هيدا شذوذ، وأنت لست ابني".

هذا الخوف الذي قد يرافق المثليين/ ات طوال حياتهم/ نّ، من اللحظة التي يكشفون/ ن فيها عن هويتهم/ نّ، وميولهم/ نّ الجنسية، رافق فؤاد (شادي ريشا)، في المسلسل اللبناني "قلبي دق"، في العام 2015، الذي قرر السفر أو الهروب من أسئلة أهله والأقرباء حول أسباب العزوف عن الزواج.

ومع ذلك، لم تكن الأعمال الفنية اللبنانية التي تحدثت عن المثلية كثيرةً، والسبب حسب أنس فرج، يعود إلى أن السينما اللبنانية في الغالب، مشاريعها مستقلة، وليست سينما "شبّاك تذاكر": "إنها محكومة بجهة تمويل تفرض مواضيع محددة، وفي ما يخص التلفزيون، القنوات المحلية تصل إلى الشارع اللبناني كله، بتداخلاته الفكرية والدينية كلها، لذا من الصعب طرحها عبر التلفزيون، كما حصل في مسلسل "عشق النساء"، لكن ربما أعمال المنصّات المحددة الوصول، والخاصة، قد يكون الطرح فيها أجرأ".

معالجة ناقصة

لم تتطرق الأعمال الفنية العربية إلى قضية التحرش الجنسي بالأطفال كثيراً، ولكن المسلسل السوري "ما ملكت أيمانكم"، عام 2010، طرح تلك القضية من خلال قصة الشاب المدلل "ابن البابا المسؤول" الذي يتحرش بابن أخته الصغير، فتكتشف أخته الحقيقة، وتهتز صورة العائلة المثالية. وعلى الرغم من الجرأة في عرض القصة، لم يذكر العمل سبب سلوك الشاب، وخلفيته، أو الحلول التي وصلت إليها العائلة في التعامل معه.

في حين عدّ فيلم "أسرار عائلية"، في العام 2013، أن الدين هو الحل لتجاوز المثلية: مروان (محمد مهران)، شاب مثلي يتعرض للتحرش من أخيه في طفولته، ويكبر من دون أن يكشف عن ميوله، حتى تعلم أخته، ووالدته، وتقومان بمعالجته دينياً، والمفاجأة أنهما تفلحان في ذلك، ويعود ليحب الفتيات كبقية إخوته، وهي قصة شبيهة بقصة نضال (سلافة معمار)، في المسلسل السوري "أشواك ناعمة"، عام 2006، الذي يظهرها فتاةً تتشبّه بالرجال، وترغب في العبور الجنسي، وحين تقابل شاباً، تتحول فجأةً إلى فتاة رقيقة، وتعود لتتصرف كبقية زميلاتها.

هذه الأعمال، وغيرها، بأدوارها الاجتماعية النمطية، تعتمد على النهايات "الكرتونية" غير المستندة إلى أي وقائع حقيقية، أو علمية، فتزرع جهلاً إضافياً عند المشاهدين/ ات.

وقد يكون استعراض المشاهد المثلية، لإثارة الجدل فحسب، وهذا ما شاهدناه في العديد من الأفلام، مثل "بدون رقابة"، عام 2009، الذي تحدّث عن قصة شيري (علا غانم)، المثلية التي تقيم علاقة مدفوعة التكاليف مع فتاة راقصة، لتكون هذه الأعمال كمن طرح القضية، وأوصلها إلى "نصّ البير" (منتصف البئر)، وقطع الحبل في النهاية.

"الظرافة" تزيد الطين بلّةً

تختار بعض الأعمال الكوميدية إضافة شخصيات مثلية، تضعها جميعاً في قالب واحد من ناحية الشكل، والتصرفات، على أساس أنها دائمة البحث عن أشخاص لإقامة علاقات جنسية معهم.

ولعلّ عادل إمام، هو واحد من أبرز من روّجوا لصور نمطية عن المثليين، وتحديداً "الدراغ كوين"، من خلال بعض أفلامه، مثل: الإرهاب والكباب، والتجربة الدنماركية، وهللو أمريكا، التي تقصّد فيها إقحام مشهد شخص مثلي يحاول التحرّش به.

واللافت أن بعض الممثلين تمرّسوا في لعب تلك الشخصيات في الأعمال الكوميدية، مثل الفنان فاروق فلوكس في أفلام مثل الراقصة والسياسي، وضرب الهوى، وغيرها، علماً أن القصص كانت غايتها التندّر، ولكنها ظهرت على حساب مشاعر البعض الآخر.

لا يمكن في أي حالٍ من الأحوال، التغاضي عن وجود المثليين/ ات في المجتمع، ولا بد من تناول قصصهم/ نّ في الدراما العربية، خاصةً بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرتهم/ نّ على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وتكوين مجتمعات خاصة بهم/ نّ، وتشريع زواجهم/ نّ، وعلاقاتهم/ نّ، في أكثر دول العالم تقدّماً، ومحاولات كسر هذا "التابو" عربياً

ولا يمكن إلقاء اللوم على التجربة المصرية فحسب، في تعزيز الصور النمطية، بل تُستذكر سكيتشات "مجدي ووجدي"، في البرنامج الكوميدي الساخر "ما في متلو"، حتى بات أي مثليّ يصادفه الناس في الشارع اللبناني، يُلقَّب بمجدي، أو بوجدي.

وكذلك عرضت التجربة السورية نماذج كوميدية كثيرة عن المثليين، من خلال سلسلة "بقعة ضوء"، ومنها لوحة "زبيدة خانم" التي ظهرت في إحدى مشاهدها، ثنائية مشابهة لصديقين مثليين يريدان السفر إلى الخارج، لتقول لهم زبيدة خانم (أمل عرفة)، بصيغة المؤنث: "يا قطة... رح ابعتكم على السويد، وهنيك بيحسّوا فيكن، وبوضعكن"، في إشارة واضحة إلى تسخيف قضية لجوء المثليين/ ات العرب إلى أوروبا.

هذه المعالجات الكوميدية عدّها الصحافي أنس فرج، تستغلّ موضوع المثلية، للاستهزاء بموضوعٍ مَثار سخرية عند الشارع، وخصوصاً بشخصيات ترتدي ملابس محددة، أو تتحدث بطريقة معيّنة، مما ساهم في تنميط المثليين على أن صورتهم تختلف عن الصورة النمطية للرجل الشرقي.

لا يمكن في أي حالٍ من الأحوال، التغاضي عن وجود المثليين/ ات في المجتمع، ولا بد من تناول قصصهم/ نّ في الدراما العربية، خاصةً بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرتهم/ نّ على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وتكوين مجتمعات خاصة بهم/ نّ، وتشريع زواجهم/ نّ، وعلاقاتهم/ نّ، في أكثر دول العالم تقدّماً، ومحاولات كسر هذا "التابو" عربياً، سبقتنا إليه الأعمال الأجنبية قبل سنين طويلة، حتى باتت تُذكر الشخصية المثلية، ليس كخط درامي، أو قضية للمعالجة، بل كشخصية موجودة في صلب حياتنا اليومية، كالمسلسل الأمريكي الأشهر Friends، الذي عرض شخصيات مثلية تعيش مع شخصيات مغايرة، من دون استغراب أو مواربة، على الرغم من عدم معالجتها بموضوعية دوماً، وهذا ما يحدث في العالم العربي اليوم.

ولكن، عندما يصرّح بعض الفنانين/ ات المحترفين/ ات، بأنهم/ نّ يرفضون/ ن تأدية شخصيات من صميم مجتمع الميم-عين، كيف يمكن بعدها أن نلوم الجمهور، أو على الأقل بعض الأفراد الذين ينظرون بريبة إلى المواضيع المتعلقة بالمثلية الجنسية، تحت مجهر الدراما العربية؟

هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة AFE وبدعم من سفارة مملكة هولندا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard