شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"العشاق لا يكوّنون أسرة"... حكايات الحب "الناجح" تغزو وجدان اليمنيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 4 نوفمبر 202101:54 م

"والحب كله عطر، لكن حبنا عطره فريد، يأتي من الجنة، ومايصلحش إلا عطر عيد"، على أنغام الفنان أيوب طارش كان الشاب شوقي يقضي معظم أوقاته، يختبر فنياً ما عاشه مع زميلته الجامعية في كلية التجارة بجامعة صنعاء.

بعد أربع سنوات من الحب، وبعد تخرجهما من الجامعة، أراد شوقي تتويج علاقته بالزواج، وأخبر أهله بأنه يعتزم على الزواج بزميلة له في الكلية، لكنه فوجىء بمعارضتهم فكرة زواجه دون إبداء سبب.

يقول شوقي غانم، اسم مستعار (32 عاماً): "رفض أهلي رفضاً قاطعاً فكرة الزواج بزميلتي، كانوا يقولون لي كيف تتزوج بفتاة لا نعرفها، ولا يعرفها أحد من أهلنا، ولا يعرفون شيئاً عن حياتها، ولا عن أهلها".

وخيّره أهله بين بنات العائلة فقط، وهدده أبوه بمقاطعة مراسم الزفاف، ولكنه في النهاية تزوج زميلته.

"رفض الزواج بسبب الحب"

ينظر المجتمع اليمني إلى زواج الحب بعيون الريبة، خصوصاً في المناطق الريفية إذ يُعتبر الحب فيها من الأمور المخلة بالأعراف، وذلك يعود إلى العادات والتقاليد والتنشئة المجتمعية القائمة على رفض إقامة العلاقات بين الفتيات والشباب، قبل الزواج أو تحت أي مسمى.

وفي ظل العادات والتقاليد هذه، لا يزال الآباء، خاصة في مناطق ريفية، يمنعون فتياتهم من التواصل مع عريس الغد أثناء فترة الخطبة، وخلال أيام ما قبل الزواج.

تماماً مثلما حدث لشوقي، إذ رفضت عائلة الشابة خلود زواجها من زميلها، الذي أحبها خلال فترة دراستهما الجامعية في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين منذ خريف 2014.

عاشت خلود عادل (31 عاماً) تجربة حب مع زميلها خلال فترة الدراسة، بدأت في السنة الأولى من التحاقهما بكلية الإعلام، نظرات من بعيد، وتطورت العلاقة بينهما وكانا يتبادلان الرسائل، وعندما تعمقت العلاقة اتفقا على الزواج، لكنهما لم يتمكنا من الزواج بسبب رفض أهلهما "زواج الحب".

"حكايات الحب والزواج (في اليمن) تكون بين شاب وفتاة غير مسؤولين، ولا يعرفان معنى تكوين أسرة"، هل تتفقون مع هذه الفكرة؟ وهل تثمنون تلك العاطفة كدافع إلى الارتباط؟

تقول خلود: "تقدم زميلي لخطبتي ونحن في المستوى الثالث في الجامعة، لكن أبي رفض ذلك. وأعاد الكرة أكثر من مرة، بعد تخرجنا، لكن دون جدوى".

وعلى عكس علاقة شوقي، لم تتوج العلاقة بالزواج، رفضت خلود الزواج من أشخاص كثر، تقدموا لخطبتها، ولم تتزوج حتى اللحظة، لافتة إلى أن زميلها هو الآخر رفض الزواج من أخريات.

"زواج محفوف بالمخاطر"

ويرى رجال في اليمن زواج الحب بعيون منتقدة، إذ يصف حمود حسن، يعمل في المجال التربوي، بلغة شائعة: "زواج الحب زواج فاشل، وعقلية الرجل بطبيعتها تميل إلى الشك والغيرة، وإن كان متعلماً".

يقول لرصيف22: "زواج الحب يحدث فيه الكثير من المشاكل. غالبية حكايات الحب والزواج تكون بين شاب وفتاة غير مسؤولين، ولا يعرفان معنى تكوين أسرة، ولذلك تكثر حالات الطلاق في المجتمع".

ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور محمود البكاري أن"المجتمع في اليمن ينظر إلى الزواج القائم على الحب بأنه زواج محفوف بالمخاطر، وأحياناً يكرر الشاب مشاعر الحب مع أخريات، وتكون الفتاة هي الضحية"ب.

واعتبر البكاري أن "نظرة المجتمع اليمني للحب هي تعبير عن طبيعة مجتمع محافظ يمتلك منظومة من العادات والتقاليد الرافضة لإقامة علاقة أو تعارف بين الشاب والفتاه قبل الزواج، وفي الغالب لا يسمح للشاب أن ينظر إلى الفتاة إلا بعد عقد القران".

وتنتقد ياسين نظرة المجتمع تلك، وتصمها بـ"السطحية" والمغلوطة بسبب الجهل وغياب الوعي، خاصة في الريف، تقول: "الرفض قد يكون بسبب مفهوم الحب الذي بالنسبة للكثيرين يتعلق بالقلب والعاطفة وليس مبنياً على اختيار عقلي".

الشاب العشريني معتصم، طالب في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، يعيش تجربة حب مع زميلته الجامعية، يقول: "علاقة الحب غيّرت حياتي وجعلتني إنساناً آخر، أكثر سعادة وأكثر حباً للحياة وللعلم ومواصلة التعليم الجامعي، على الرغم من تدهور العملية التعليمية بفعل استمرار الحرب في اليمن للعام السابع على التوالي".

ويحكي معتصم واصفاً أجمل اللحظات الغرامية: "من أجل رؤية حبيبتي، أشتاق إلى الصباح والذهاب للجامعة، وخلال فترة أيام الدراسة أستيقظ وفي قلبي فرحة كبيرة تغمر حياتي. أحببت الجامعة فعلاً، خاصة عندما أتبادل وحبيبتي النظرات من مسافات بعيدة".

يلفت معتصم إلى وجود علاقات حب كثيرة بين فتيات وشباب يدرسون في الجامعة، ويعانون من تضييق مستمر من قبل ما يسمى "الملتقى الطلابي" التابع للحوثيين في الجامعة.

وأخيراً فرضت إدارة جامعة صنعاء التابعة للحوثيين إجراءات مشددة على الطلاب والطالبات، ومنعت إقامة الاحتفالات الطلابية، وورشات العمل، بذريعة "منع الاختلاط" على حد زعمهم.

تستمع ياسمين هذه الأيام لقصص الحب الناجحة، المتوجة بالزواج، وتشعر بالسعادة لأن المجتمع اليمني بدأ يستسيغ تلك العاطفة، التي تسمى "الحب"

وتكرر الاعتداء على الطلاب في ساحة الحرم الجامعي، وتعرض بعضهم للضزب والإهانة والتوبيخ، بسبب تبادل الحديث مع زميلاتهم.

ولم تكن حكايات الحب مقتصرة على شباب وفتيات الجامعات في المدن فحسب، ففي الريف أيضاً هناك العديد من القصص والحكايات للحب وزواج الحب، خصوصاً مع وصول خدمات الإنترنت لمناطق كثيرة، بالإضافة إلى تأثير المسلسلات الهندية والتركية.

عمر وسلوى، اسمان مستعاران، من ريف محافظة إب، أحب أحدهما الآخر ستة أعوام، لكن والد سلوى رفض زواج ابنته بعد معرفته بعلاقة الحب التي تجمعها وعمر.

يحكي عمر (27 عاماً) لرصيف22: "لأن سلوى كانت تحبني مثلما أنا أحبها، رفضت الزواج من شاب تقدم لها من قرية أخرى على الرغم من موافقة أهلها. فسخت الخطبة قبل أن يأتي أهله لإتمام عقد القران".

تمكن عمر من الزواج بحبيبته، ولكنه لا يزال يحاول التأقلم والصمود في مواجهة نظرة المجتمع السلبية.

"تجربة زواج ناحجة"

تعيش سحر (اسم مستعار) حياة مستقرة مع زوجها بعد علاقة حب جمعتهما، خلال فترة دراستهما في كلية الآداب بجامعة "إب" اليمنية. تقول مدافعة عن قدرة الحب على خلق أسرة إن زواج الحب يعتبر تجربة ناجحة بالنسبة لها، لأنها تعيش حياة كريمة مع زوجها الذي يعمل في الترجمة مع إحدى المنظمات الدولية العاملة في المحافظة.

وتضيف: "أنجبت ثلاثة أولاد، ويوفر زوجي لنا كافة الاحتياجات المنزلية، ونعيش برفاهية، واستقرار، بعكس ما يتخوف المجتمع من حدوث المشاكل الأسرية، وعدم استمرار زواج الحب لفترة طويلة".

في ظل نجاح العديد من تجارب زواج الحب في اليمن، يقول الدكتور محمود البكاري: "لا يمكن أن تستقيم الحياة بدون الحب".

وتتفق ياسمين مع تشديد الدكتور البكاري على أهمية وجود الحب في العلاقات الأسرية وتماسكها، وترجع ذلك إلى أنه ناجم عن اختيار للشريك، مما يحفز العلاقة على الاستمرار.

وتستمع ياسمين هذه الأيام لقصص الحب الناجحة، المتوجة بالزواج، وتشعر بالسعادة لأن المجتمع بدأ يستسيغ رويداً رويداً تلك العاطفة، التي تسمى "الحب".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard