شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
حكايات شعبية ومخلوقات تثير الرعب في قلوب المغاربة

حكايات شعبية ومخلوقات تثير الرعب في قلوب المغاربة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 22 أكتوبر 202101:32 م

ما زالت الحكايات الشفوية تكتسب في بلدان المغرب العربي أهمية كبيرة رغم أن واقع الحال قد يبدي عكس ذلك. فانصراف الأجيال الجديدة إلى الشاشات بأنواعها لم يمحُ تلك الحكايات من الذاكرة، إذ هي متسربة فيما قد نسميه "اللاوعي الجمعي" وممتدة إلى أبسط تفاصيلنا اليومية.

لك في المطبخ أن تتذكر/ي في إحدى الليالي الشتوية في تونس حكايات عن "جن المطبخ" أو "جن الخزانة"، ولم تكن تلك المخلوقات سوى من صنع الحاجة، لجأ إليها الأجداد القدامى كنوع من التحذير، أو الحبوب المنوّمة، أو الوسيلة التربوية، لمنع الأطفال من التسرب إلى المطبخ ليلاً، أو من امتداد أيادي البعض الآخر للخزانة التي قد تحتوي على ما لا ينبغي المساس به.

هي حكايات لم تسلم من وحوش كابوسية دميمة في جلها، حتى الحكايات التي نخالها سليمة نجدها ببعض التأمل تحتوي على مشاهد مخيفةً ودموية.

فـ"أم السيسي"، الحكاية الحنونة في ظاهرها والأكثر شيوعاً في تونس والتي ما زال الكبار يترنمون بها على مسامع أطفالهم، ورغم أسلوبها الطريف ولازمتها المتكررة التي اُسْتُنْبِطَتْ في بادئ الأمر كمنوّم لا تسلم من دموية، فالسيدة "أم سيسي" اضطرت إلى قطع ذيل القط! وهل من السهل قطع ذيل قط؟ ليدخل القط بعدها في متاهة خرافية لا تكاد تنتهي من أجل استرجاع ذلك الحق الطبيعي الذي هو ببساطة: ذيله.

فمن "الغول" المخلوق العجيب والضخم ساكن الجبال والذي كان الأجداد ومازالوا يعتمدون عليه لتهدئة روع أطفالهم ذوي الطاقة الهائلة، ولهذا الغول زملاء وزميلات في حكايات المغرب العربي ومنهم:

"العبيثة" المرأة القبيحة والشريرة ذات حوافر الماعز أو الحمار شمالاً، والجَمَل جنوباً، والتي تروع الناس باعتمادها على دغدغة كل من يعترضها فيموت ويلفظ أنفاسه من الضحك، و"بوشكارة" الشرير الحامل لكيس على ظهره، الذي تسلل في ساعات الحر ليختطف الأطفال إن لم يناموا باكراً أو لم يشربوا حليبهم في تونس، وبوشكارة الاسم الذي يطلقه الجزائريون على كل من كان يقوم بدور المُخبر لدى السلطات الاستعمارية الفرنسية، وكان يضع على رأسه كيساً من الخيش -ومن ذلك جاءت التسمية- حتى تغطي وجهه بالكامل فلا ينكشف سره بين بني وطنه.

ما زالت الحكايات الشفوية تكتسب في بلدان المغرب العربي أهمية كبيرة رغم أن واقع الحال قد يبدي عكس ذلك. فانصراف الأجيال الجديدة إلى الشاشات بأنواعها لم يمحُ تلك الحكايات من الذاكرة، إذ هي متسربة فيما قد نسميه "اللاوعي الجمعي" وممتدة إلى أبسط تفاصيلنا اليومية

نجد أيضاً "عجوز الستوت" ذات الوجه المرعب والأسنان المتساقطة –زوجة الشيطان- التي لا تمر ساعة دون أن تكون لها مهمة شريرة لتقوم بها، كأن تبث الفتنة بين الزوجين المتحابين، وقد ذهبت "عزوزة الستوت" مثلاً في المنطوق الشفوي المغاربي وراحت الكلمة تبدر إلى أذهاننا ما إن تبدي إحدى العجائز سلوكاً غير سوي، فنقول "عزوزة الستوت لا يرحمْهَا نَهَار اللي تُمُوتْ!".

العبيثة التونسية

هي امرأة مسنة تنام على حصير من الحلفاء. تخرج بانتظام للصيد. لا يحبها الأطفال لقبحها الذي يبعث الرعب في نفوسهم: فحاجباها كثّان ومقوّسان، وعيناه مقلوبتان لا يرى منهما عدا الأبيض، وأسنانها مصفرّة ومكسورة وحادة، شعرها مجعّد وميّال إلى الحمرة، وهي قصيرة القامة، تمشي بصعوبة بظهرها المقوّس، ترتعش أطرافها.

تخير العبيثة الأطفال الصغار الذين يراقبون مرورهما من ثقب الباب... في يوم من الأيام خرج طفل منهم قاصداً أباه الذي يشتغل بأرضه، لمحته العبيثة وقالت في نفسها: "يا سعدي بهذا الوليد سيحلو العيد..."، ثم توجهت إليه وسألته عن وجهته، لم يجبها.

أخافته وقالت: "أنا العبيثة برجليْكَ جئت إلي، وإنك أحلى هدية"، لكن الطفل كان شجاعاً ولم يحرك ساكناً رغم رؤية دمامتها، ولم يركض هارباً. الأمر الذي حير العبيثة فحاولت إخافته وفعلت كل ما في وسعها، إلا أن طفلنا كان يقابل ذلك بالضحكات والقهقهات، وقفز فوق إحدى الأسوار قائلاً: "إذا كنتِ عبيثة فأنا من نسل الجن، هيا حاولي التسلق إلي!" فلم تجد العبيثة حينئذ غير التراجع سبيلاً، واختفت إلى غير رجعة، وهكذا تغلبت الشجاعة على كابوس التونسيين الذي هو "العبيثة".

لك في المطبخ أن تتذكر/ي في إحدى الليالي الشتوية في تونس حكايات عن "جن المطبخ" أو "جن الخزانة"، ولم تكن تلك المخلوقات سوى من صنع الحاجة، لجأ إليها الأجداد القدامى كنوع من التحذير أو كوسيلة تربوية لمنع الأطفال من التسرب إلى المطبخ ليلاً

عيشة القنديشة المغربية مغتصبة الرجال

 هي الشخصية المرعبة الأكثر شعبية في التراث الشفوي المغربي، حولها تدور الحكايات والأغاني الشعبية أيضاً، وهي امرأة عجوز شمطاء ومؤذية. لها القدرة على اتخاذ هيئة امرأة حسناء، تتمثل مهمتها في استدراج الرجال إلى وكرها لتمارس معهم الجنس، ثم تذبحهم وتتغذى على دمائهم وأجسادهم.

لهذا الكائن الخرافي نقطة ضعفه ككل الكائنات الخرافية الأخرى وتتمثل في النار. وقد تغلب عليها رجال إحدى القرى المغربية بأن أشعلوا عماماتهم أمامها بعد أن شكوا في أمرها. يطلق على عيشة القنديشة عدة أسماء أخرى ومنها "بغلة المقبرة" و"سيدة المستنقعات"، وتشبه العبيثة التونسية إلى حد بعيد على مستوى الخلقة، إذ لها على سبيل المثال حافرا ماعز أو جمل أو بغل، بحسب المنطقة المغربية وما يشيع فيها من حيوانات.

النعوشة: طائر الأماسي التونسية المرعبة 

كانت النعوشة في الأصل امرأة، وكانت متزوجة بمزارع قاس معها، وكان يجبرها على أعمال شاقة تفوق ما تحتمله بنيتها الجسدية الهشة، إلى حد أنها كانت في كل مرة تُجهض جنينها. وحصل أن نجا ذات مرة جنين بعد عناء، فرحت به امرأتنا هذه فرحاً كبيراً ودربته على أعمال عدة حتى تستعين به على عنائها، وفي يوم من الأيام أرسلته إلى بيت الجيران كي يجلب لها غربالاً، ولما خرج لجلبه عثر في الطريق على أطفال في عمره، فما كان منه إلا أن انهمك في اللعب معهم ونسي المهمة الموكلة إليه...

"العبيثة" امرأة قبيحة شريرة ذات حوافر ماعز أو حمار  تروع الناس باعتمادها على دغدغة كل من يعترضها فيموت ويلفظ أنفاسه من الضحك

احتارت الأم وظلت تقطع الطريق إلى دار الجيران ذهاباً وإياباً. بلغ الغضب منها مبلغاً كبيراً ولم تعد قادرة على السيطرة على أعصابها، حل المساء فخافت أن تعاقب عند عودة زوجها فيضربها كما هو متعود. عاد الطفل منهكاً بعد وقت طويل من الانتظار، فاندفعت نحوه وانهالت عليه ضرباً إلى أن مات. مُسخت المرأة إلى طائر قبيح يشبه بالبومة وله صوت موحش يخافه الكبار والصغار. وما إن تسمعه الأمهات حتى يخفينَ صغارهن ويظللن ينتظرن المصيبة التي ستحل بهن.

البوتليس التونسي وما جاوره في بلدان المغرب العربي

 البوتليس كابوس النيام، ويسمى "الجاثوم" أيضاً لأنه يجثم بثقله على جسم النائم أو النائمة، فيصبح عاجزاً عن الإتيان بحركة أو الصراخ طلباً للنجدة، بل وحتى عن التنفس. وتحدد التأويلات الشعبية بوتليسنا المرعب هذا على أنه من نسل العفاريت، ويطلقون عليه أسماء تختلف باختلاف اللهجات، ومنها "بو براك" في شمال غرب البلاد.

لهذا الجاثوم ما يقابله في بقية البلدان المغاربية فيسمى "البوغطاط"، ولعل الكلمة تنبع من "غط في نوم عميق". ويحددون مجيئه بين الصحوة والنوم ولا يرون بديلاً عن المعوذتيْنِ كنجاة منه.

"بوشكارة" شرير الحامل لكيس على ظهره يتسلل في ساعات الحر ليختطف الأطفال إن لم يناموا باكراً أو إن لم يشربوا حليبهم في تونس

وقد اتضحت تلك الظاهرة "البوتليسية" علمياً وأصبحت تسمى اليوم "شلل النوم"، كما تحددت أسبابه وعلاجاته غير أن ذلك المخلوق الخرافي المرعب ظل صامداً يلعنه كل من تعرض لثقله على صدره. هذا لأن الحكاية الشعبية لم تكن في يوم مجرد ملهاة لتمضية الوقت وإنما تحتوي على رؤية تلك الشعوب إلى العالم.     

غابات ومنازل مغاربية ملعونة

لا يقتصر الرعب الشعبي على شخصياته العديدة بل يتجاوز ذلك إلى الحيوانات والطيور، فمن النعوشة التونسية إلى الأفعى ذات الرؤوس السبعة التي لا يكاد يسلم منها قطر مغاربي واضح، ولعل الامتداد الصحراوي وراء تشكل هذا الكائن الخرافي المرعب إلى جانب عدة كائنات أخرى تحتاج بحثاً مطولاً.

كما يمتد هذا الرعب ليسكن أو ليحل كلعنة على المكان. فتكثر بالمدى المغاربي مساكن عامرة بالجن تصل إلى حد هجرها، وغابات ما تزال من عشرات السنين عصية على أشد القلوب شجاعة.

"عجوز الستوت" ذات وجه المرعب وأسنان متساقطة –زوجة الشيطان- لا تمر ساعة دون أن تكون لها مهمة شريرة تقوم بها، كأن تبث الفتنة بين الزوجين المتحابين

غابة شحات الليبية

هي غابة تقع بالجبل الأخضر وتعرف بآثارها الإغريقية الهامة، بين تلك الآثار مذبح قديم. ما زالت القصص تروي إلى اليوم عن عملاق يمسك فأساً ويضع خوذة حديدية تخفي ملامحه بالكامل، بينما يمسك باليد الأخرى رأس زائر من زوار تلك الآثار.

  وحول الغابة ذاتها تنسج حكايات أخرى كثيرة، ومنها حكاية حول عائلة التجأت إلى كوخ يتوسط الغابة لتقضي ليلتها فيه. سمع أفراد تلك العائلة نحيب امرأة عند الفجر، فقصدوا مكان الصوت ليجدوا امرأة تضع مولودها بيمناها وتحرك الطعام على نار موقدة بيسراها، ولما رأتهم ألقت بالرضيع في القدر وصرخت لتختفي إلى غير رجعة.

ويروي ليبيون أنهم كلما مروا من تلك الغابة سمعوا أصوات دق طبول وصليل سيوف، ولعل ذلك في إشارة إلى حربهم مع إيطاليا التي أثقلت القطر الليبي باستعمارها لعقود.

تتردد القصص ذاتها حول منازل مسكونة في أحياء كثيرة من الجزائر، فلا يكف العابرون عن سماع تردد أصوات أقدام فوق السطوح وطرقات على النوافذ وأبواب تُغلق وتُفتح من تلقاء نفسها.

تطال السكنى اللعينة نفسها عمارات بأكملها وحتى فنادق في الجزائر، مثل فندق "دينيغوسيون"، فنرى الستائر تتحرك وأمتعة الزبائن تغير أماكنها ولنا أن نجد شهادات حية عن ذلك.

الأمر لا يعدو أن يكون لعبة تجارية، كما يتحدث البعض. فما نشر إشاعة اللعنة إلا من أجل أن يتجنبها كل من يقصد كراءها أو شراءها. تستطيع أن تجد منازل موصدة في شوارع الأحياء السكنية في تونس العاصمة يتفادى المارة الاقتراب منها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard