شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مسرحية

مسرحية "بضاض"..."ميوزيك هول" عن الحب في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 13 أكتوبر 202104:50 م

على إيقاعات موسيقية، وعزف وغناء فوق الخشبة، يتسلّل الممثلون الأربعة من بين الجمهور، ويتوجهون إلى الخشبة، في نوع من الحبور والفرح باللقاء الذي طال أمده، بسبب وباء كورونا، قبل أن يشهروا في وجه الجمهور سؤالاً كبيراً وعريضاً: ما هو الحب؟

"بضاض"، أو "تايري"، كلمات تحيل على الحب بالأمازيغية، وتحمل أكثر من دلالة ومعنى، لكن "بضاض" المُمسرح مع المخرج المغربي الشاب أمين ناسور، شيء آخر.

أمام دهشة الجمهور من هذا السؤال الذي قد يبدو للبعض سهلاً، لكنه أصعب مما قد نعتقد، ينبري الممثّلان في نوع من التنافس بتقديم أجوبة نابعة من الوسط الثقافي المغربي، ومن المخزون الذي يحكم العلاقات الإنسانية، وخاصةً تلك التي تربط الرجل بالمرأة، لتردّ الممثلتان بالسخرية منهما، وتثيرا كمّاً من التناقضات، والأسئلة المقلقة، حول موضوع الحب، داعيَتَين الجمهور إلى التفكير فيها بكل عمق. فالحب، إن كان فعلاً محرّكاً للوجدان، ولكيان الإنسان، يظل الموضوع المسكوت عنه، على الرغم من أن له اجتراحات عديدة في مسارات كل واحد منّا.

حب مغربي

الحب، والعشق، والوله، والدنف، والهيام، والغرام، والهوى، وغيرها من المرادفات العربية المعبّرة عن حالات الحب، كان من الممكن أن يتم اختيارها كعنوان للمسرحية الجديدة لفرقة "سينيرجيا"، لكنها أبت إلا أن تختار عنواناً مغربياً أصيلاً يحيل على الثقافة الأمازيغية المغربية، وهذه الحضارة ذات الجذور العميقة في التربة والتاريخ المغربيَين، وهو "بضاض".

"بضاض"، أو "تايري"، كلمات تحيل على الحب بالأمازيغية، وتحمل أكثر من دلالة ومعنى، تغنّى بها الشعراء والفنانون الأمازيغ، ونقلوا عبرها أجمل الأحاسيس الإنسانية، وأنبلها، في تماهٍ كبير مع الطبيعة، والخلق، والوجود عموماً، لكن "بضاض" المُمسرح مع المخرج المغربي الشاب أمين ناسور، شيء آخر.


يكشف بضاض المغربي عن أعطاب هذا الحب المغربي، وعن المشكلات التي تعترضه، منذ بداية تشكّل العلاقة بين الرجل والمرأة، إذ لكل واحد حساباته، وخططه، وألاعيبه، لإسقاط الغريم في شرك مؤسسة الزواج. ولا تتردد المسرحية في قلب المعايير بسخرية فريدة. فبعد اجتياز المرأة امتحان العذرية، الشهادة التي تُشتَرط لعقد القران في المغرب للعازبات، تطلب المرأة بدورها في المسرحية، "شهادة الكفاءة" بالنسبة إلى الرجل، كمقابلٍ لشهادة العذرية بالنسبة إليها. سخرية يحضر فيها رمز "القفل والمفتاح"، في مجتمع يطلب من المرأة أن تظل محصنةً، وعفيفةً، في حين يحق للرجل عيش المغامرات العاطفية، من دون أي حسيب أو رقيب، وأن يكون فاشلاً وغير كفؤٍ، ويداري عيوبه كلها، حتى بعد الزواج، حينما يتعلق الأمر بعسر الإنجاب، وعدم قبول الرجل القيام باختبار الخصوبة، لأن العقم، أو ضعف الخصوبة، مرتبط دائماً بالمرأة.

تريد المسرحية أن تذهب أعمق، لتسأل المغاربة هل يعرفون بضاض، أو الحب؟ هل يحسنونه، ويعيشونه؟ أم هم فارغون عاطفياً، وأسرى معتقدات وتقاليد اجتماعية تنسف كل ما هو جميل في الحب والسكينة حتى النهاية؟

وهذا بالفعل ما تنقله المسرحية "على مدى ساعة ونصف الساعة، في قالب كوميدي موسيقي يعتمد على الميوزيك هول، ويمزج بين الرقص، والغناء، والأداء الرائع للممثلين: كمال كاظمي، وخديجة زروال، وعبد النبي البنيوي، ومهى البخاري، إلى جانب التشخيص الغنائي لحنان أمجد، والعزف الموسيقي على الخشبة ليوسف العبدلاوي، وسينوغرافيا طارق الربح. لقد استطاع المخرج أمين ناسور، بتعاون كبير مع مُعِدّ دراماتورجيا هذا العمل الكاتب المسرحي عصام اليوسفي، أن يقدّم كوميديا غنائية ساخرة، عن موضوع مركّب وشائك تقوم عليه العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ولا نوليه اهتماماً كبيراً، ولا نتناوله بالشكل المطلوب في ما بيننا، على الرغم من أنه هو السبب الرئيسي في شقاء المغربي، وإخفاقه في العلاقة الزوجية.

يكشف بضاض المغربي عن أعطاب هذا الحب المغربي، وعن المشكلات التي تعترضه، منذ بداية تشكّل العلاقة بين الرجل والمرأة، إذ لكل واحد حساباته، وخططه، وألاعيبه، لإسقاط الغريم في شرك مؤسسة الزواج. 

وقد رسمت "بضاض"، في خط تصاعدي، العلاقات منذ بداية التعارف، إلى الزواج، وطقوس حفل الزفاف الذي يكبّل المرأة والرجل معاً، ويجعلهما مشلولَين أمام أعراف وتقاليد بالية، تهوي بهما إلى سحيق العلاقات الحميمية، التي تُنسَف تدريجياً بتدخل أهل الطرفين. وتؤدي إلى الانفصال النهائي، أو اللجوء إلى الطلاق الصامت، إذ لا يتم الالتفات إلى أهمية الحب، ودوره في الحياة، إلاّ حينما يصل المرء إلى أرذل العمر، حيث لا يصبح للكلام أي معنى، ويتم الإنصات إلى الصوت الداخلي لكلي الطرفين، وينزوي كل واحد إلى ركنه، في ما يشبه الصمت الذي يخيّم على المسرحية، في نهاية العرض.

ورشات عن الحب

لم يغلب الجانب الموسيقي الغنائي على العرض المسرحي، فقد أُعطيَ للموضوع حقه. تمكّنت مسرحية "بضاض" من تحقيق فرجة ممتعة تحضر فيها التوابل الممكنة كلها، لتأثيث العرض المسرحي الجيّد، ولعل هذا هو ثمرة اشتغال عميق تعود فكرته الأولى إلى العام 2019، للمبدع زكرياء لحلو، مدير فرقة "سينيرجيا"، الذي سهر على تخصيص ورشة للكتابة عن الحب، ساهمت فيها الفنانة جليلة التلمسي، والسيناريست عبد الله العبداوي، بتأطير من أستاذ المسرح عصام اليوسفي، الذي رافق فريق مسار مَسْرَحَة هذا الموضوع الغني الذي استثمر جزءاً يسيراً مما أُنتِج على مستوى الورشة، ليصبح عملاً مسرحياً قائماً بذاته.


وعن العمل الدراماتورجي لهذا العرض المسرحي، قال اليوسفي لرصيف22: "إنها تجربة ممتعة، ومرافقة فنية على مستوى الكتابة والعرض لعمل عرف تحولاتٍ وتغييراتٍ بسبب ظروف جائحة كوفيد19. هذا العمل الذي حصل على دعم مسرح محمد الخامس الوطني، كان من المفترض أن يُعرض في شهر آذار/ مارس عام 2020، وبأداء ممثلين آخرين. ولكن لما تأجّل العرض بسبب الجائحة، وانشغل بعض الفنانين بأعمال أخرى، غيّر المخرج الفنانين، واشتغل على العمل من جديد، بنفسٍ آخر".

وأشار اليوسفي إلى أنه أشرف على ورشة الكتابة التي جُمعت خلالها مادة كبيرة، لكنه لجأ إلى الحذف، والإضافة، وتنظيم الأحداث، وبناء العرض المسرحي، بشكل يتوافق مع رؤية المخرج أمين ناسور، الذي ترك له الحرية في تقديم الرؤية الإخراجية للعمل. ويرى الكاتب أن مقاربة المخرج "كانت موفقةً، لأنه حرص على ألا يكون الجانب الفرجوي الموسيقي هو الغالب، بل يحضر النص بحمولته، وتساؤلاته الوجودية، وببعده التأملي، الذي أضفى عليه النهل من ‘الريبرتوار’ الموسيقي المغربي، ومن أغاني الشيخات، وحميد الزاهر، وحتى ‘الريبرتوار’ العربي، والغربي الرومانسي، مسحةً جماليةً رائعة، تماهى معها الجمهور في أثناء العرض، وتوفّق فيها، وفي جانبها الاستعراضي، المخرج أمين ناسور".

"ميوزيك هول" لأجل الحب

بالنسبة إلى مخرج المسرحية أمين ناسور، الذي حقق في السنوات الأخيرة نجاحاً جماهيرياً في مجموعة من عروضه التجريبية، فإنه يفضّل أن يرافقه في العمل المسرحي مكلَّف بالدراماتورجيا، بدلاً من المؤلف، لأن "دوره مهم ومحوري في التأطير النظري والفني للعمل، حتى على مستوى الخشبة، وهو ما تحقق لي مع الأستاذ عصام اليوسفي ذي الخبرة الكبيرة في المجال المسرحي، والاسم الكبير الذي لا يمكن إنكار فضله الكبير على نجاح هذا العمل، وتقبّله من قِبل الجمهور".

وأضاف المخرج في تصريح لرصيف22، أن رهانه في هذا العرض المسرحي هو على "خلخلة السائد، وإماطة اللثام عن موضوع يخاف المغاربة من الحديث عنه، ألا وهو الحب. هذا مع العلم أنه سبّب الكثير من المشكلات التي تؤرقنا، وهو السبب المباشر للعنف المستشري في مجتمعنا. للأسف لا نعرف كيف نحب بعضنا، ولا نعرف قيمة الحب، إلا عندما يفوت الأوان، ونتقدّم في العمر".


الممثل كمال كاظيمي

ولأن العروض المسرحية المعتمدة على "الميوزيك هول"، المسرح المتخصص في مجال الترفيه، قليلة في المغرب، ولا تتوفر إلا في بعض الفضاءات الخاصة جداً في مدينة الدار البيضاء، فإن أمين ناسور أنزله على خشبة المسرح، بلمسات وتوابل مغربية.

وأوضح ناسور أن لجوءه إلى أسلوب "الميوزيك هول"، كشكلٍ فنّي للعرض، بدأت إرهاصاته الأولى في عرضه المسرحي السابق "نايضة تو"، وهو نابع حسب قوله، من رغبته في "تقديم عرض فني فرجوي متكامل للجمهور المغربي، حيث لا تمكن مقاربة موضوع اجتماعي مركب، وصعب، وثقيل، بشكل مسرحي، من دون الفرجة التي استأنس بها المغاربة منذ القدم".

وأشار ناسور إلى أن رهانه هو على تقديم عرض مسرحي ممتع، ومفيد للجمهور، بأسلوب فني راقٍ، يتمكن من تنويع جمهور المسرح المتعدد، ومصالحة العديد من الناس مع المسارح.

وبحكم أنه لا يؤمن بالنجم الواحد في العمل المسرحي، فإنه في مختلف عروضه المسرحية يعمل على جعل العرض عموماً، هو النجم، فنجاح العرض هو نجاح فريق العمل بأكمله، كما أن انتصاره للعمل المسرحي يجعله يناضل ويقاوم، على الرغم من الإكراهات المثبطة كلها، لأن إيمانه بالمسرح المغربي كبير جداً.

لهذا السبب، اختار ممثلين متعددي المواهب، يتمتعون بالرشاقة، والطراوة الجسدية، ويتقنون الرقص، والغناء، والعزف أحياناً، كما هو الحال مع الفنان كمال كاظيمي، الذي برع في العزف، والغناء، والتمثيل، وحاله كحال الفنان عبد النبي البنيوي.

وقال الفنان كمال كاظيمي، المعروف بأدائه شخصية "حديدان"، في مسلسل تلفزيوني مغربي استمر منذ عام 2008، إلى الآن، وحقق نجاحاً استثنائياً لدى الجمهور المغربي، إن علاقته بالتمثيل والرقص قديمة جداً، وإن حلمه هو تقديم مسرحية غنائية استعراضية على شاكلة مسرحية "بضاض"، تعمل على تقريب المواضيع الشائكة التي تمسنا في العمق، مثل موضوع الحب، إلى الجمهور المغربي.

وأضاف كاظيمي، لرصيف22، أن دور الفن هو الاقتراب من الجمهور المغربي، ولهذا "على التجارب المسرحية الجديدة أن تعمل على مواضيع آنية، ومعاصرة، تمس الإنسان المغربي في العمق، بدل اجترار مواضيع قديمة، لأن المسرح عموماً يجب أن يمثلنا، ويخلخل الساكن فينا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard