شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الخطاب الديني متحيّز إلى الرجل"... معلَّقات بحرينيات ينتظرن الإنصاف من المحاكم الجعفرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 30 سبتمبر 202101:09 م

"منذ ثلاث سنوات، وأنا في المحكمة أطالب بتطليقي. طالبَ بألفَي دينار، على الرغم من أن مهري كان 14 ديناراً، ثم زادها إلى ثلاثة آلاف، ثم طلب خمسة آلاف، وحضانة الطفلة، واليوم يرفض تطليقي، ويريد إعادتي إلى بيت الزوجية. أي ذل هذا؟ وأي استخفاف بحياتي وحريتي". هذا ما قالته البحرينية زهرة عوض، في حديث لرصيف22، هي المتزوجة منذ الـ2016، وتطلب الطلاق منذ الـ2018، بسبب العنف الجسدي الذي لم يطَلها وحدها، بل طال ابنتها أيضاً، التي لم تتجاوز العام الواحد.

وتواصل: "المحكمة ترى تعنّته، ولا تفعل شيئاً. طلب مني رئيس القضاة شهوداً، فقدّمتهم إلى المحكمة، ولم تأخذ بشهاداتهم. لا أفهم السبب الذي يمنعني من حقي في الحصول على حريتي. ثلاث سنوات هي أسوأ أيام حياتي، بين المحاكم، ومراكز الشرطة. ليس هناك ما ينصفنا، مذلولات لهم، أعيش رعباً، لأني اعرف أن لا شيء ينصفني".

أما إيمان الماجد، المتزوجة منذ 14 عاماً، وتقف في المحكمة الشرعية الجعفرية منذ العام 2016، مطالبةً بالطلاق، من دون أن تحصل عليه أيضاً، فتقول: "تعرضت للعنف الجسدي مرات عدة، ودخلت على إثره المستشفى. لدي ابنان، والعلاقة مليئة بالإهانات، والضرب، والانتقاص. يعاملني كعبدة لديه، عليّ أن أنظّف، وأغسل، وأطبخ، وأهتم بالأبناء. حتى في الفراش، كانت العلاقة كالحيوانات. تقدّمت ببلاغات إلى مركز الشرطة، وصدر حكم جنائي ضده، واعترف داخل المحكمة بضربي، ولكن المحكمة لم تأخذ بهذا الاعتراف، مع وجود الآثار الجسدية والتقارير الطبية، إلا أن المحكمة ترى أن الأدلة غير كافية لتطليقي، كما أنها رفضت الخلع، لرفض الزوج تطليقي، فهو رافض تطليقي بالإحسان، ورافض أن أخلع نفسي. إلى متى سأظل معلّقة؟"، تساءلت الماجد في حديثها لرصيف22.

هاتان قصتان من مئات قصص النساء "المعلَّقات"، في المحكمة الشرعية الجعفرية في البحرين، لأن القانون يسمح للرجل، في العلاقة الزوجية، بأن يرفض التطليق، أو أن يطلب مقابلاً مادياً تعجيزياً لا تستطيع الزوجة تقديمه، أو يساوم على حضانة الأطفال. لذلك أطلق مركز تفوق الاستشاري للتنمية، مؤخراً، حملة لتسليط الضوء على هذه القضية، وإثارة الرأي العام، بعنوان: "معلَّقات ينتظرن الإنصاف"، بغية إحداث تغيير لصالح هؤلاء النساء.

تعديل المادة

في حديث لرصيف22، مع مديرة "مركز تفوق الاستشاري للتنمية" مريم الرويعي، قالت: "عقدنا حلقة حوارية حضرَتها المتضررات، للتعريف بالقضية، وطرحها أمام الرأي العام، ثم أطلقنا حملة إلكترونية وإعلامية، ونجحنا في استقطاب التعاطف، وتبني بعض أعضاء البرلمان لتعديل المادة المتعلقة بهذا الشأن، في قانون الأسرة البحريني، وأيضاً تشجعت أعداد أكبر من المتضررات، للحديث عن معاناتهن".

وطالبت الرويعي، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة منذ عقود، بتعديل المادة 2/95أ من قانون الأسرة، بأن تُلغى عبارة ورضا الزوج، لتصبح: "للمرأة طلب الخلع ببذل منها، على أن يكون البذل في حدود ما دفعه الزوج من مهر".

جاءت حملة "معلَّقات ينتظرن الإنصاف" لتسليط الضوء على معاناة بحرينيات في المحاكم الشعرية الجعفرية، والظلم الذي يتعرضن له، وذلك لأن القانون يسمح للرجل في العلاقة الزوجية بأن يرفض التطليق، أو أن يطلب مقابلاً مادياً تعجيزياً لا تستطيع الزوجة تقديمه، أو يساوم على حضانة الأطفال

مواد سيئة

وأكدت رئيسة الاتحاد النسائي البحريني، بدرية المرزوق، أن ملف قانون الأسرة هو من أهم الملفات التي ينظر فيها الاتحاد، وسعى إليها منذ سنوات، حتى قبل تأسيسه، إذ اجتمعت الجمعيات النسائية في لجان للعمل على هذا القانون منذ 1982، "وفي ذلك الوقت، وحتى مطلع الألفية الثانية، رفض علماء الدين الشيعة تحديداً القانون، ولكن بمحاولات متكررة، وعمل دؤوب مع مختلف الجهات التشريعية، وكذلك مع المجلس الأعلى للمرأة، صدر القانون في العام 2017، غير موحَّد، وهذا بخلاف طموحاتنا، كما أن القانون الصادر لا يلبي الطموح، وتقدمنا بملاحظاتنا عليه، وأشرنا إلى النواقص والعيوب فيه، ومن ضمنها هذه المواد السيئة الموجودة في القانون، بشقه الجعفري، والتي تؤدي إلى ظاهرة المعلَّقات التي تسمح للزوج بالتعنّت، ورفض التطليق، وهي أفضل بقليل في القانون بشقّه السني".

تغلغل الفكر الأبوي

وترى الكاتبة والأكاديمية النسوية، ظبية الرفاعي، أن ظاهرة المعلَّقات، "تعكس مدى تغلغل الفكر الأبوي في الدولة والمجتمع، والذي في مثل هذه القضايا يتم تبريره وشرعنته من خلال الخطاب الديني المتحيّز إلى الرجل".

وتتابع في حديث لرصيف22: "حسب الفكر النسوي الإسلامي، تحيز الخطاب الديني إلى الرجل، سببه إقصاء النساء من مجالات الفقه، والتفسير، والإفتاء، منذ الأزل وإلى اليوم، والذي ترتّب عليه تطبيع التمييز ضد المرأة المسلمة، وتسليم مصيرها إلى أيدي رجال الدين، ومن ينوب عنهم من رجال العائلة. فطالما يُعد الخطاب الديني بصورته الحالية، مبجّلاً، وفوق النقد، ستظل الحركات الاجتماعية النسائية تصطدم بالسلطات الدينية والرسمية التي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الخطاب العام حول قضية تعليق النساء وغيرها من قضايا الأسرة، وتسييره".

وتشير الرفاعي إلى أهمية أن تكثّف الحركات النسوية جهودها في نشر الوعي المجتمعي حول ماهية قضية المعلّقات، وتأثيرها على حياة العديد من النساء، وفي الوقت نفسه، فإنه يجب على أفراد المجتمع، والرجال تحديداً، ألا يعتبروا من المسلمات، ما تعلموه كله، من الصغر، عن دور المرأة في الأسرة والمجتمع، ومكانتها، والذي ليس إلا نتاج تلقين مستمر من آليات المنظومة الأبوية، عبر قنواتها المتعددة، كالمدرسة، والمسجد، والإعلام المحلي.

نص القانون

يتضمن قانون أحكام الأسرة الموحد رقم 19 لسنة 2017 المادة (81)، ما يلي: تقع الفرقة بين الزوجين: أ) ‌بإرادة الزوج، وتسمى طلاقاً. ب) بطلب من الزوجة، وموافقة من الزوج مع بذل العوض، وتُسمى مخالعة. ج) بحكم القضاء، وتسمى تطليقاً، أو فسخاً، أو تفريقاً، حسب الحال.

أما المادة (95)، فتتناول الخلع، وهو طلب الزوجة إنهاء عقد الزواج، بعوض تبذله للزوج، وهنا يحدث الاختلاف، إذ وفقاً للفقه السني: أ) للزوجين أن يتراضيا على إنهاء عقد الزواج بالخلع. ب) استثناءً من أحكام البند (أ) من الفقرة (1) من هذه المادة، إذا كان رفض الزوج تعنّتاً، وخيف ألا يقيما حدود الله، حكم القاضي بالمخالعة، مقابل بدل مناسب لا يزيد على المهر. ج) يكون الخلع بعوض تبذله الزوجة، على أن يكون في حدود ما أعطاه الزوج من مهر. د) يعتبر الخلع فسخاً، ويوقعه القاضي بلفظ الخلع، لا بلفظ الطلاق.

أما وفقاً للفقه الجعفري: أ) للزوجة أن تطلب إنهاء عقد الزواج بالخلع، ببذل منها ورضى من الزوج. ب) يُشترط في الخلع تحقق الكراهة من الزوجة خاصة. ج) كل ما صح مهراً صح بذلاً، ولا بد من تحديده وتعيينه، وإذا كانت الكراهة من الزوجين معاً، فلا يصح أن يطلب الزوج بذلاً زائداً على الصداق. د) يعتبر الخلع طلاقاً بائناً، ويقع بلفظ الخلع، أو بلفظ الطلاق. ه) إذا رجعت المختلعة في البذل في أثناء العدة، صار الطلاق رجعياً.

"حسب الفكر النسوي الإسلامي، تحيز الخطاب الديني إلى الرجل، سببه إقصاء النساء من مجالات الفقه، والتفسير، والإفتاء، منذ الأزل وإلى اليوم، والذي ترتّب عليه تطبيع التمييز ضد المرأة المسلمة، وتسليم مصيرها إلى أيدي رجال الدين، ومن ينوب عنهم من رجال العائلة"

وسيلة إكراه وإذلال

وتوضح المحامية يارا الأحمدي، الناشطة في مجال حقوق المرأة، تداعيات هذا الاختلاف: "يتضح من خلال الفقهين، أنه يحق للزوجة أن تتقدم بطلب من المحكمة، لتطلب المخالعة، أي إنهاء عقد الزواج. ولكن، ليُستجاب طلب المرأة، يُشترط أن تتحقق الكراهة، والحصول على موافقة الزوج، وبذل العوض. وفي حين أنني أرى إجحافاً في حق المرأة، في هذا الشأن من قبل الفقهَين الجعفري والسني، حسب ما هو منصوص عليه في المادة 95، إلا أن ما يميز الفقه السني، في هذا الشأن، أنه في حال ثبت أمام المحكمة السنية الأسرية، تعنّت الزوج، وعدم منحه الموافقة اللازمة للمخالعة، فيجوز لقاضي المحكمة أن يحكم بها مقابل بذل مناسب، ولا يتعدى هذا البذل في الفقه السني في الحالات جميعها، المهر المسجل للمرأة في عقد الزواج".

وتضيف الأحمدي: "المشكلة التي نشهدها اليوم، والتي من رحمها انبثقت حركة ‘معلقات ينتظرن الإنصاف’، هو ما نص عليه في الجزء الثاني من المادة 95 الخاصة بالفقه الجعفري، إذ إنه، خلافاً لما هو وارد في الفقه السني، لم يحدد سقفاً للبذل المادي، كما أنه لا يمنح القاضي الحق في الحكم بالمخالعة، إذا اتضح للأخير تعسف الزوج، وبسببه تعاني العديد من النساء اليوم من تعليق قضاياهن، وهو ما وصفته العديد من النساء المعلّقات بأنه وسيلة إكراه، وإذلال، ومحاولة للاستفادة المادية من معاناة الزوجة".

وتشير المحامية يارا، إلى أن العديد من قصص المعلّقات المتداولة اليوم، يصح أن يطبّق عليه حكم التطليق لضرر، من قبل قاضي محكمة الأسرة، وتختم: "حيث أنهن يتعرضن للأذى الجسدي، والنفسي، والهجران من أزواجهن، إلا أنه ولصعوبة إثبات هذه الأضرار في بعض الأحيان، لا خيار للنساء إلا بطلب المخالعة، وعندما يسلكن هذا الطريق لا يجدن من يُنصفهن، ويُجبَرن على دفع مبالغ مالية طائلة، مقابل حريتهن، وهو أمر لا يتماشى لا مع القانون، ولا مع الدين".

قانون مدني

وتشير رئيسة الاتحاد النسائي، بدرية المرزوق، إلى أن وجود قانون مدني سيكون بالأكيد أفضل، "لأنه يقوم على المساواة وحقوق الإنسان، ولكن هذا المطلب أمامه الكثير من الصعوبات في مجتمع إسلامي لا زال يختلف، ويرفض قانون أحكام أسرة موحَّد، فما بالك بقانون مدني؟ لذلك، مرحلياً، نطلب المساواة والعدالة في تطبيق القانون الحالي، وتعديل بعض بنوده التي تكبّل المرأة، وتعيق وجود تناغم وسلام داخل الأسرة الواحدة".

أما الناشطة الرويعي، فبيّنت أنه في إطار التحالف الإقليمي لقانون الأحوال الشخصية العربي المدني، طرح مركز تفوق مقترح القانون الذي أعدّه التحالف، للنقاش، على مجموعة من المحامين البحرينيين، لوضع الملاحظات عليه، ولا يزال العمل عليه جارياً من قبل التحالف، لتقديمه إلى جامعة الدول العربية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard