شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
خلعت الحجاب عن شعري... فقط

خلعت الحجاب عن شعري... فقط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 24 سبتمبر 202105:53 م

"أعرف أن القصاص آتٍ لا محال، أعرف أن أمي لن ترضى عليّ أبداً، لكنني لم أعد أحتمل ارتداء الحجاب".

بهذه الكلمات بدأت حلا حديثها لرصيف22، مشيرة إلى أنها ظنّت أنه بخلعها الحجاب سوف تتحرّر من خجل الجسد ومخاوف الجنس التي زُرعت فيها منذ أن بدأ جسدها يعبّر عن حاجاته الطبيعية.

لكن الواقع أنها منذ أن قررت خلع حجابها، باتت ترافقها مشاعر سلبية تلتهم صفاءها الذهني كلما جلست أمام المرآة تسرّح شعرها. مشاعر تأتي على شكل تساؤلات عمّا إذا كانت والدتها سوف ترضى عليها، وإن كانت صديقاتها المحجبات سوف يشعرنها بالذنب وبأنه غير مرغوب فيها ضمن المجموعة، هذه التساؤلات بدأت تلاحظها منذ فترة، وقد انعكست سلباً على صحتها النفسية وعلى علاقتها بشريكها، فرغباتها الجنسية تلاشت ومعها الجرأة التي كانت تتمتع بها لما قررت الخروج عارية الرأس.

حلا وغيرها الكثير من النساء اللواتي قررن خلع الحجاب، يعانين من التنمّر والرفض من قبل المقربين والمجتمع. تتنوّع الانتقادات من الاتهام بالكفر أو الفجور وصولاً إلى التهديد بالحرمان من العائلة والزعم بأن الجحيم سيكون مصيراً محتماً كنوع من القصاص المستحق.

حرب نفسية لا بدّ من خوضها إن كان المجتمع غير متقبل لهذه الخطوة. معركة شرسة أداتها الأساسية هو الذنب وتصوير المرأة التي قررت خلع الحجاب بصورة سلبية، وإغراقها بشتّى التهم والنوايا السلبية لمحاولة ثنيها عن ما يعتبره البعض "معصية" بحق الله.

الحرمان من اللذة

أُرغمت حلا على ارتداء الحجاب وهي في سن الحادية عشر، أي عندما أصبحت في مرحلة البلوغ.

وفي هذا الصدد، تذكر مشهد والدتها عندما دخلت غرفتها وفي يدها منديل باللون الأزرق الداكن، فقالت لها في ذلك الوقت: "بلغتي يا بنتي، صرتي مرأة... صار لازم تنتبهي. البسي هالحجاب وتعي تعلمك الصلاة".

ومنذ ذلك الحين ارتدت حلا بالفعل الحجاب، وهي لا تفهم لماذا يتعيّن عليها كبت أنوثتها، ولا تفهم أيضاً لماذا لا تستطيع الإنصات إلى جسدها ورغباته.

في الواقع، كانت هذه الشابة تشعر بحاجة ماسة للمس جسدها وتحسّس مناطق اللذة فيه، بالأخص أمام بعض المشاهد المثيرة التي تعرض على التلفاز، غير أن هذه المقاطع المصورة ليست سوى لحظات عابرة قبل أن يسرع والدها لتغيير المحطة، فعندها تدخل غرفتها، تطفئ النور وتمارس الاستمناء.

على الرغم من الحب والتفاهم العاطفي والجنسي مع شريكها الذي رافقها في "حرب" الخلع ومواجهة الأهل، إلا أن حلا تعاني من انعدام الرغبة الجنسية وبالتالي عدم القدرة على الوصول إلى الرعشة الجنسية. يذكرها ذلك بدموعها بعد الاستمناء، وتبرر ذلك دينياً بأن الله قد عاقبها بحرمانها من الاستمتاع بالحياة الجنسية

بالرغم من أنها سمعت من والدتها ان العادة السرية قد "تقتلها"، إلا أنها لم تتوقف عن ذلك مع أنها كانت تبكي وتشعر بالذنب أحياناً كثيرة، فتختلط دموع الندم مع النشوة.

هكذا يمكن وصف علاقة حلا مع جسدها، علاقة اتّسمت بالتناقض دوماً. فقد خاضت معارك لا تعد ولا تحصى مع أهلها للسماح لها بارتداء "المايوه" على غرار صديقاتها، لكنهم لم يسمحوا لها بذلك، فكانت تذهب من دون علمهم.

أما بالنسبة إلى العلاقات الخاصة، فلم يُسمح لها الخروج مع صديقها، إلا بمرافقة أحد أفراد العائلة، لأن حجابها وقواعد العائلة تفرض ذلك.

هذه الحياة لم تردها حلا ولم تقتنع بها يوماً. كانت تعرف أن خلع الحجاب سيكلّفها كثيراً. صحيح أنها سوف تتحرر بعض الشيء، لكنها لن تسلم من الذنب الذي بدأ يؤثر عليها بالفعل.

على الرغم من الحب والتفاهم العاطفي والجنسي مع شريكها الذي رافقها في "حرب" الخلع ومواجهة الأهل، إلا أن حلا تعاني من انعدام الرغبة الجنسية وبالتالي عدم القدرة على الوصول إلى الرعشة الجنسية. يذكرها ذلك بدموعها بعد الاستمناء، وتبرر ذلك دينياً بأن الله قد عاقبها بحرمانها من الاستمتاع بالحياة الجنسية.

إضافة إلى ذلك، تشعر حلا أنها مراقبة حيثما ذهبت، ما يسبب لها شعوراً بعدم الارتياح، على الرغم من أنها ابتاعت منذ فترة قمصاناً ملونة وتنانير قصيرة، كانت متشوقة لارتدائها، غير أن هذه القطع لا تزال قابعة في الخزانة، وحتى لو تجرأت وقامت بارتدائها فيصاحبها الشعور بالخوف والذنب.

حاول صديقها مساعدتها للوصول إلى النشوة معه، من خلال الاستعانة بألعاب جنسية وكريمات تسهل عملية الإدخال، لكن كل ذلك لم ينفع، وعوضاً أن ترتاح من فكرة خلع الحجاب وتعيش رغباتها من دون خوف، أصبحت تشعر بالذنب كلما وجدت نفسها عارية أمام الرجل الذي تحبه.

ثمن باهظ

اضطرت منال لمغادرة منزل العائلة، لأن والدها هددها بالقتل ومنعها من التحدث إلى أفراد عائلتها بسبب خلع الحجاب.

تعترف هذه الشابة الثلاثينية أن الثمن الذي تدفعه باهظ، لا سيما وأنها مشتاقة للتواجد مع العائلة ومتعطشة للأحاديث والمشاجرات الناجمة عن آرائها في السياسة والدين والأمور الاجتماعية المختلفة، لكنها لم تعد تتحمل أن يُفرض عليها أي شيء.

وتعليقاً عن هذه النقطة، تقول لرصيف22: "كل عمري بحس إني مخنوقة... بدي حب الله بحرية. بدي صلّي من قلبي، مش من منطلق واجب أو فرض. بدي عيش رغباتي ومشاعري بلا خوف".

لكن في الواقع، وعلى بعد مسافات كبيرة عن العائلة، تعيش منال وحيدة في شقة صغيرة لا يدخلها النور، تُغرق نفسها في العمل لساعات طويلة، وترفض خوض غمار أي علاقات اجتماعية أو عاطفية، بالأخص بعدما انفصلت عن شريكتها بسبب الغيرة المستمرة والشك المرضي الذي تعترف بأنه خارج عن سيطرتها، لكنها في المقابل تشعر أن صورتها الذاتية مدمرة ولا رغبة لها في القيام بأي شيء.

تمارس هذه الشابة العقاب الذاتي كلما شعرت بحاجة عاطفة أو جنسية، وذلك من خلال إيذاء جسدها مستخدمة شفرة تجرح نفسها بها.

هذا وتحاول منال التوسّط مع بعض الأصدقاء بهدف إيصال رسائل إلى والدتها عبرهم، وكأنها لا تزال تنتظر "بركة" والدتها كي تسمح لنفسها بأن تنعم بالحرية التي دفعت ثمنها سلفاً.

صورة ذاتية مشوّهة

بعدما تزوجت ابنتهما، حاول زوج ضحى أن يفرض عليها ارتداء الحجاب، على اعتبار أنه ضرورة دينية واجتماعية، لكنها فضلت الطلاق حتى لا تشعر بأنها مسلوبة الحرية.

نشأت ضحى في عائلة متحررة نسبياً، عانت من التهجير جرّاء الأزمات والحروب في سوريا، كاشفة أن الرقص كان هوايتها وما زال متنفسها الوحيد الذي يحميها من آثار الصدمات النفسية التي عاشتها وعائلتها، فهي معلمة رقص في أحد المراكز.

وعن تبعات الطلاق مقابل سعيها الدائم وراء الحرية، تقول لرصيف22: "كيف أرقص وهناك منديل يكبّلني؟ لا أشبه ذلك المنديل... خسارتي كبيرة. حرمني من الكثير... لكن حريتي أهم وأنا لست نادمة".

المفارقة أن ضحى ومنذ انفصالها عن زوجها، لم ترقص ولم تعد تهتم بجسدها وبرشاقتها، حتى أنها بدأت تعاني من الشهية المفرطة التي تؤثر على صورتها الذاتية التي تصفها بالمشوّهة.

يبدو أن السيدات الثلاث يجتمعن على ذنب كبير يغفو ويصحو معهنّ كل يوم. ليس نتيجة قرار خلع الحجاب، بل لأن العلاقة مع أحبائهنّ ساءت وهنّ كنّ مدركات لذلك.

واللافت أنه وبعد التجارب الحياتية الصعبة وما رافقها ويرافقها من آثار نفسية، تخوض كل من حلا ومنال وضحى حرباً مزدوجة مع الخارج، مع العلم بأن المعركة الأصعب هي الحرب الداخلية التي تنطوي على تحمّل مسؤولية قرار خلع الحجاب واستحقاق الفرح والحب من الذات والآخر.

الذنب ومرارة العيش

لا شك أن إقدام المرأة على خلع الحجاب في ظل المجتمعات التقليدية ليس بالأمر السهل، كما أن المشاعر الإيجابية كلها "يتناتشها" الذنب، فهو كالسرطان الخبيث، يتغلغل في صمت في الروح ويعطّل النشاط والوظائف الجسدية شيئاً فشيئاً، بحيث يتحول النوم إلى حرب شرسة مع الكوابيس، ويصبح العمل اليومي مثقوباً باتصالات عنوانها التراجع والتوبة، وبالنسبة إلى العلاقات العاطفية، فإما يسكنها التنمّر أو تساهم المرأة عن غير إدراك بإفشالها، لظنها أنها لا تستحق الحب بعد أن تخلّى عنها أعز الناس.

كل ذلك بالطبع له نتائج وآثار سلبية على مفهوم التحرر الذي جاء نتيجة القرار الجريء في الأساس وهو خلع الحجاب، فلا تحرر جنسي بل عقاب ذاتي، لا نشوة بل دموع، لا استمرارية بل شخص يشعر في اللاوعي أنه لا يستحق الخير فيدمّر كل ما هو جميل في حياته.

الذنب لا يأتي وحيداً. بالرغم من أن له دلالات إيجابية بأن الشخص يكترث لمشاعر الآخر، لكنه في أحيان كثيرة مضر ويترافق مع مشاعر سلبية أخرى.

بحسب الدراسات، فإن الذنب والعار هما عبارة عن مشاعر مترابطة. عار الوجود خارج القواعد الاجتماعية والقوانين التي يتربى عليها الشخص بمعزل عن مدى قناعة الشخص بها. لكن غسل الدماغ بها يومياً يضع الشخص في أسر فكري يصعب الخروج منه دون ذنب وعار.

تتربى المرأة التي قرّرت خلع الحجاب على الشعور بالذنب لكونها خالفت التقاليد، لكن وبحسب علم النفس، فإن الحكمة تكمن في كيفية التعامل مع ذلك الشعور، من دون إنكاره أو إخفائه. فإما أن يكون عدواً صامتاً يدمر أي شعور جميل، وإما أن يكون رفيقاً "تقيل الدم" لكنه حتمي

هذا الشعور طبيعي خصوصاً في المجتمعات الدينية المبنية أساساً على مسألة الثواب والعقاب. نتيجة ذلك تصبح المرأة غير مدركة لمشاعرها الذاتية وتركز على ردود أفعال الآخرين تجاه ما تفعل، كالطفل الذي يرغب دوماً بالحصول على تصفيق الأهل على ما يقوم به.

إذن، تتربى المرأة التي قرّرت خلع الحجاب على الشعور بالذنب لكونها خالفت التقاليد، لكن وبحسب علم النفس، فإن الحكمة تكمن في كيفية التعامل مع ذلك الشعور، من دون إنكاره أو إخفائه. فإما أن يكون عدواً صامتاً يدمر أي شعور جميل، وإما أن يكون رفيقاً "تقيل الدم" لكنه حتمي.

وعليه، فإن إدراك الشعور خطوة أولى وأساسية لوضع حدّ للشعور بالذنب ومنعه من سحق اللحظة الحاضرة، وإن كانت خارج القواعد التربوية التي تربى عليها الشخص.

وهكذا يصبح خلع الحجاب عن الرغبات الجنسية المكبوتة والصورة الذاتية المشوهة المشروطة بقبول الآخر، وليس فقط خلع النقاب عن بعض تفاصيل الجسد والشكل الخارجي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard