شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ظننت أنني المثلي الوحيد في العالم"... ناشر أول مجلة كويرية في الأردن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 24 سبتمبر 202101:31 م

"يعكس محتوى مجلتنا الآراء غير المسموعة والمهمشة والأصوات غير الخاضعة للرقابة والمواقف اللامبالية، ويسعى لتمكين الشباب من تحدّي ثنائية الجندر السائدة في العالم العربي". هذا ما سنجده حين نبحث عن تعريف لمجلة "ماي كالي" My Kali التي يقرأها جمهور أكبر من الذي يُجاهر بمتابعتها.

وهي من أوائل المجلات الإلكترونية في الشرق الأوسط التي تُعنى بشؤون المثليين والعابرين جنسياً. تأسست على يد خالد عبد الهادي، سنة 2007 في الأردن، "إلا إنها ليست أردنية"، كما يقول. فريق تحريرها مزيج من مختلف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى المغتربين.

كان خالد فتى يبحث عن منفذ للتعبير عن آرائه وهواجسه، ويشعر بأنه المثلي الوحيد في العالم، مختلف ومنبوذ، حين قرّر الخوض في هذه المغامرة التي كانت محفوفة بالهجوم الضاري، وقدّم المجلة على أنها "كويرية نسوية تقاطعية وشاملة"، تحارب المعيارية وتقدّم مساحة مفتوحة لكل أفراد المجتمع بغض النظر عن هوياتهم. ورغم الإعلان عن حجب ماي كالي في 29 يوليو 2017، أي بعد عشر سنوات من انطلاقها، إلا أنها لا تزال تجترح الحلول للاستمرار والوصول إلى شرائح مختلفة من القراء

خالد عبد الهادي بعدسة عبد الله دجاني

مجلة "ماي كالي" My Kali هي من أوائل المجلات الإلكترونية في الشرق الأوسط التي تُعنى بشؤون المثليين والعابرين جنسياً. تأسست على يد خالد عبد الهادي، سنة 2007 في الأردن، يعكس محتواها الآراء غير المسموعة والمهمشة والأصوات غير الخاضعة للرقابة

صحيح أن المحتوى كان يميل إلى السطحية في السنوات الأولى ويعتمد لغة غير دقيقة، لكن المجلة أصبحت أكثر وعياً بضرورة مخاطبة المجتمع بصورة عامة، والخوض في مواضيع تهم الجميع، مثل الفن البديل والقضايا النسوية، لذلك نراها تستضيف شخصيات عامة وفنية مختلفة، مثل اللبنانية ياسمين حمدان والسعودي الإيراني علاء وردي والأردني عزيز مرقة.

في ست نقاط تعبيرية: من أنت خالد عبد الهادي؟ حدثنا عن تحدّي استمرار مجلة كويرية ناطقة بالعربية في ظل الحجب؟ وهل نجحت المنصة في إبراز التنوع الجندري وإيجاد مقاربات جديدة لقضايا مجتمع الميم-عين؟

في البدء كان القلق

عمل فني لياسمين دياز

بدأت ماي كالي كمساحة شخصية على شبكة الإنترنت، أوثق فيها اللحظات والتجارب التي أمرّ بها كفرد من مجتمع الميم، كنت أتعامل معها كمجلة مطبوعة أو كمذكرة. وكمراهق، كان من الصعب أن تمنحني عائلتي الخصوصية والاستقلالية التي كنت أطمح إليها، لكن حاجتي للتعبير عن ذاتي دفعتني لخلق مساحة "ماي كالي" خِفيةً، والتعاون مع مجتمع الميم-عين الناشط.

لم يكن الغرض من إنشاء ماي كالي إيصال صوتي وحسب، بل توثيق قصص مجتمع الميم-العين الذي كان يواجه نفس الصعوبات. أردت أن أحمي قصصهم وتجاربهم كيلا تتلاشى وتصبح هباء، وكنت خائفاً ألا ينصفنا التاريخ والحاضر الأبوي.

كالي أو Kali هو اختصار لاسم خالد. غالباً ما سبب لي سماع اسمي القلق، وكنت أشعر مباشرة بأنني في مشكلة أو في ورطة حين يناديني أحدهم. لذلك جاء اختيار العنوان كمحاولة لتقبل اسمي وذاتي، وخلق شيء أنسبه إلي. ثم أن الاسم مرتبط بالخلود، وأردت إعطاء بُعد آخر للمجلة، يوحي بالاستمرارية والبقاء.  

الخطاب الذي تتبناه مجلة "ماي كالي" My Kali هو خطاب كويري نسوي تقاطعي، يتطلع إلى مخاطبة الجميع، لأنه  من المهم بالنسبة للمجلة اختراق شرائح المجتمع المختلفة وعدم تداول المعلومات في أوساط مجتمع الميم-عين ومجتمع النشطاء فقط

المختلف مُدان

أن تكون مختلفاً في مجتمعاتنا هي مجازفة، ولكنها لا تنطبق على أفراد مجتمع الميم-عين فقط، وإنما على أي فرد عكس "التيار". وهو مصطلح إشكالي بالنسبة لي، فمعنى التيار هو أن هناك خطاً واحداً هو الصحيح، وما عداه شاذ وخاطئ. وأنا شخصياً أراه مفروضاً علينا شئنا أم أبينا. بنظري التحدي هو تقبّل كل ما هو مختلف عنك.

من مقال: ملكات في عالم جديد

مع أني كنت قد أفصحت عن ميولي في وسط العائلة والأصدقاء في سن مبكرة، إلا أن تجربتي كانت قاسية مع الصحافة تحديداً. أرادت صحافة الإثارة وصمي في مجتمعنا، والإعلان عن مثليتي من غير موافقتي واستغلال صغر سني وعدم قدرتي على الدفاع عن نفسي. حاولت الصحافة غير المهنية الضغط عليّ من خلال التشهير بي كفرد من مجتمع الميم-عين، ومحرر لمجلة إلكترونية "شاذة" كـ"ماي كالي"، ولكن النتيجة كانت عكسية.

كنت واعياً بالنمط الذي تتبعه تلك الصحافة؛ وهو إدراج أفراد مجتمع الميم-عين كدخلاء على المجتمع، تضليل صورهم وتضبيبها، ووصمهم وربطهم بقضايا مثل عبدة الشياطين، وعمالة الجنس وغيرها من الأمور، والتضحية بهم وشيطنتهم لتحقيق مشاهدات وتبرير تعنيفهم! لكنني رفضت أن أقع في خانة الضحية، وأصررت على إكمال عملي ودراستي رغم الضغوطات القادمة من شتى الأماكن، سواء من البيت أو المدرسة، أو المجتمع والصحافة.

الفنان المغربي الكويري مهدي بحمد

في الأردن ، تم حجب المجلة حالما باشرت النشر باللغة العربية، قد تعود أسباب ذلك إلى قيامها بنشر عدد من المقالات والمقابلات المثيرة للجدل: مثل مقال "السِّتّ: أم كلثوم في القضية الجندرية" ومقابلة "من رجل دين متزوج في الأردن، الى لاجئ مثلي مهدد بالقتل"

من زاوية أخرى، وللأسف، لفترة طويلة ارتبطت المجلة بي كشخص وتلاشت هويتي الفردية نوعاً ما. كان لدي أحساس أن كل ما أقوم به مُراقب ومدروس ويؤثر بشكل مباشر على المجلة وسمعتها، أي على مجتمع الميم-عين ككل. دفعني ذلك للنضوج بسرعة، ولم أعش سنّي بالشكل الذي كنت أتمنى أن أعيشه كمراهق. ولكني سعيد بقراراتي.

عشر سنوات: ما الذي تغير على مستوى الخطاب؟

تطور محتوى المجلة مع الوقت لتصبح شاملة لقضايا تقاطعية ونسوية. حاولنا التجديد من خلال تعاون مؤثر مع منصات ومجلات إقليمية مختلفة وطلاّب وفنانين تجريبيين وكتاب ومدونين. ومع تطور المجلة، تطور قرّاؤنا وتفاوتت اختلافاتهم.

ونحن على تواصل دائم معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تصلنا ردود أفعالهم من تعليقات وتوجيهات ورسائل. صحيح أن المنصة كويرية نسوية الطبيعة، إلا إننا كفريق لا نؤمن ببناء الحواجز بيننا وبين بقية مكوّنات المجتمع؛ لا نؤمن بأن محتوى مجلتنا يجب أن يُعاد تدويره في ذات الأوساط الضيقة.

"وجهك ليس أنت" تصوير هبة نابلسي

الخطاب الذي تتبناه المجلة هو خطاب كويري نسوي تقاطعي، يتطلع إلى مخاطبة الجميع، لأنه من المهم اختراق شرائح المجتمع المختلفة وعدم تداول المعلومات في أوساط مجتمع الميم-عين ومجتمع النشطاء فقط. من المهم عدم وضع تلك الحواجز، وخصوصاً في عملنا، إذ نود أن يصل الجميع إلى محتوانا ويساهموا في التغيير وإضافة وجهات نظر جديدة. في النهاية، مصاعب مجتمع الميم-عين غير منفصلة عن مشاكل ومصاعب مجتمعية أخرى، وعلينا النظر إليها دائماً من هذه الزاوية.

المصورة والفنانة المغربية ريم بطال في عدد "الزواج والأعراس"

متاعب الحجب

كنا نتوقع ردود أفعال عنيفة تجاه محتوانا العربي ولكننا لم نتخيل أن يصل الأمر إلى الحجب. في الأردن تحديداً، تم حجب المجلة حالما باشرنا النشر باللغة العربية، قد تعود الأسباب إلى قيامنا بنشر عدد من المقالات والمقابلات المثيرة للجدل: مثل مقال "السِّتّ: أم كلثوم في القضية الجندرية" ومقابلة "من رجل دين متزوج في الأردن، الى لاجئ مثلي مهدد بالقتل".

ولكن ليس لدينا أي تأكيد على ارتباط تلك المقالات بالحجب. وتم تصعيد الأمر من قبل إعلام الإثارة المحلي الأردني بتاريخ 14 يوليو 2016، وذلك من خلال نشر خبر غير صحيح يفيد بأننا "مجلة مسجلة ومرخصة ومطبوعة"، وتوجيه أصابع الاتهام لهيئة الإعلام المرئي والمسموع في الأردن. وجاء الرد من قبل مدير عام هيئة الإعلام آنذاك بتأكيد عدم صحة هذه الأخبار.

لكن المجلة حُجبت إثر ذلك بالتعاون مع شبكات اتصالات إقليمية وعالمية، ولم تعلن الهيئة في تلك السنة عن الحجب. لم تتواصل معنا أي جهة رسمية ولم يصلنا أي تفسير أو بيان.

هل ترى صوتي؟ تصوير: هبة نابلسي

جاء ردنا بعدها بيومين من خلال بيان قمنا بنشره عبر موقعنا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، واكتفينا بتوجيه الإعلام نحو الحقيقة وعدم التعليق أو لفت الانتباه لموضوع الحجب، خصوصاً وأن الأردن كان موضع إدانة في قضايا حرية التعبير والإعلام، بعد قيام الحكومة الأردنية بمنع حفلة "مشروع ليلى"، وتهافتت الصحف الغربية لتأخذ منا تعليقاً يؤكد على تقييد الأردن لحريتنا كأفراد من مجتمع الميم-عين وكمنصة كويرية.

لذلك قررنا تفادي الموضوع وعدم التعليق والبحث عن طرق أخرى لنشر محتوانا (ونجحنا بالقيام بذلك)، إلى أن جاءت السنة التي تليها، حيث عند أعلن عضو في البرلمان الأردني، وبدعم من هيئة الإعلام، عن حجب موقع ماي كالي، لكن كيف يمكن حجب موقع محجوب أصلاً؟

الكوير جمالياً

الناشطة والراقصة الجزائرية حبيبتش لعدد "يا ليل يا عين"

من طبيعة عملنا التطلع لمستقبل أفضل لمجتمع الميم-عين، وتوفير فضاءات إلكترونية آمنة في منطقتنا، وذلك باستخدام التجارب والقصص والفن كوسيلة للتوثيق، وتأريخ حاضرنا وماضينا لحماية تلك التجارب والآراء والقصص من الضياع.

تتصدر الغلاف الممثلة الأردنية رنيم داوود

لا يمكن أن نهمل البعد الفني للمنصة، فهي تخصص مساحة للفنانين التجريبيين وفناني الإندرغراوند من خلال مقابلات مكتوبة، وفيديوهات وأغلفة إلكترونية باتت تعد جزءاً أساسياً من هويتها البصرية.

نظرياً، لا تحتاج مجلة ماي كالي إلى واجهات أو أغلفة، لأنها غير مطبوعة، ولا تعتمد على إعلانات. لكننا اعتمدنا هوية المجلة المطبوعة، كي نعبر عن تقديرنا للفنانين وقصصهم التي تلهمنا وتدفعنا نحو تغيير إيجابي، وأردنا أن نكون جزءاً من حكايتهم الشخصية ومغامرتهم في عالم الفن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard