شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"هاي البلد عم تخنقنا"… الدنمارك تضيّق على اللاجئين من خلفية "غير غربية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 17 سبتمبر 202103:22 م

في خطوة جديدة تضاف إلى قيودها على اللاجئين والمهاجرين، تسعى الحكومة الدنماركية إلى ربط إعانات الرعاية الاجتماعية بعمل اللاجئين، لا سيّما الذين هم من خلفيات "غير غربية" كما تصف الدنمارك المهاجرين من دول شرق أوسطية، 37 ساعة أسبوعياً كحد أدنى.

بررت الدنمارك الخطوة التي تتطلب موافقة البرلمان قبل سريانها، بأنها ترغب في أن يكون اللاجئون "مفيدين" ضمن خطة مزعومة لـ"دمج اللاجئين" في المجتمع، كجزء من سياستها المنشودة "صفر طلبات لجوء"، والتي وضعتها الحكومة الحالية على قائمة أولوياتها منذ تشكيلها عام 2019.

لكن ناشطين وناشطات ومنظمات معنية بحقوق الإنسان اعتبروا أن في ذلك مساساً بالحقوق المشروعة للاجئين، وتحويلها إلى امتيازات مشروطة، قائلين إن ذلك لا يسهل "الاندماج" وإنما قد يعوقه خاصةً بالنسبة للاجئات العربيات اللواتي يجدن صعوبة مضاعفة في التكيف مع سوق العمل الدنماركي.

"تنظيف الشواطئ"

الأسبوع الماضي، قالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن للصحافيين: "نريد اعتماد منطق جديد للعمل، يقع على عاتق الناس فيه واجب المساهمة وأن يكونوا ‘مفيدين‘، وإذا لم يتمكنوا من الحصول على وظيفة نظامية، فعليهم العمل مقابل الحصول على رواتب"، مستنكرةً أنه "لسنوات عديدة أسأنا للكثير من الناس بعدم طلب أي شيء منهم".

وفق خطتها المزعومة، سيشمل شرط العمل اللاجئين المستفيدين من الإعانات منذ ثلاث إلى أربع سنوات، علاوة على أولئك الذين لا يتمتعون بمستوى معين من التعليم والإلمام باللغة الدنماركية، ولن تقل ساعات العمل عن 37 ساعة أسبوعياً.

والهدف المعلن هو إدماج 20 ألف شخص بدفعهم للحصول على عمل ما، من خلال مكاتب الحكومة المحلية. و"ربما يكون هذا العمل تنظيف الشاطئ من أعقاب السجائر والبلاستيك أو المساعدة في مختلف المهام في شركة ما"، وفق وزير العمل الدنماركي بيتر هوملغارد.

ويبدو أن الخطة الدنماركية تستهدف اللاجئات "من خلفية غير غربية" على وجه التحديد إذ استند الإعلان إلى إحصاء رسمي بأن ستاً من كل عشرة لاجئات "من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا" لسن فاعلات في سوق العمل.

"ضغط إضافي على اللاجئين" و"نشر أفكار خاطئة وتمييزية ضدهم"... الحكومة الدنماركية تحاول ربط المساعدات الاجتماعية بعمل إلزامي للاجئين/ ات، وحقوقيون ينتقدون "تحويل الحقوق المشروعة إلى امتيازات مشروطة"

تجربة لاجئة عربية في الدنمارك

"هاي البلد عم تمشي لورا. عم تخنقنا نحنا اللاجئين والأجانب بشكل عام. عاصرت كل مراحل التدرج في قوانين الهجرة بالدنمارك من لمّا حصلت على الإقامة عام 2012 وحتى الآن. عم تصعب سنة ورا سنة. أنا نموذج، كلما حان موعد حصولي على الإقامة الدائمة تتغير الحكومة وتتعدل القوانين فانحرم منها"، هكذا قالت لرصيف22 ابتسام سعيد (اسم مستعار بناءً على رغبتها)، وهي لاجئة وناشطة في الدفاع عن حقوق اللاجئين بالدنمارك.

ويمثل المهاجرون 11% من سكان الدنمارك البالغ عددهم 5.8 مليون نسمة، 58% منهم من خلفيات تصفها كوبنهاغن بـ"غير غربية". ويشكل اللاجئون السوريون وحدهم في الدنمارك 19700 شخص، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، وهو ما يجعلهم من أكثر الفئات عرضة للضرر من سياسات الهجرة الدنماركية التي تتباهى كوبنهاغن بأنها "الأشد صرامة في أوروبا" بينما يصفها حقوقيون بأنها "غير إنسانية وعديمة الضمير".

ويتخذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري الحاكم في الدولة الاسكندنافية موقفاً مناهضاً للهجرة. لكن حتى الحكومة السابقة كانت لها مواقف عنصرية ضد المهاجرين، من بينها عزل اللاجئين غير الشرعيين في جزيرة "ليندهولم" غير المأهولة سوى من بعض الحيوانات ومركز أبحاث للأمراض الحيوانيّة المعديّة كطاعون الخنازير وداء الكَلَب، "ليشعر اللاجئون غير الشرعيين بأنهم غير مرغوب فيهم"، حسبما صرّحت وزيرة الهجرة الدنماركية السابقة إينغر ستويبر عام 2018.

وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الدنمارك اعتبار مناطق سورية خاضعة لنظام الرئيس بشار الأسد، منها العاصمة دمشق وريف دمشق، مناطق "آمنة" ولا يستحق اللاجئون المنحدرون منها "الحماية" وتصاريح الإقامة المؤقتة، ما يمهد لإعادة ترحيلهم إليها في خطوة دانتها منظمات حقوق الإنسان بشدة. وصف مكتب منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة القرار الدنماركي آنذاك بأنه "مروّع" ويمثل "انتهاكاً طائشاً لواجب الدنمارك في توفير اللجوء".

من الأمور المزعجة في التعامل مع اللاجئين هناك، أشارت ابتسام إلى وضع معسكر استقبال اللاجئين قرب ثكنة عسكرية لتدريب الجنود في تجاهل تام لمعاناة اللاجئين وهروبهم من الحرب والقصف.

تعتبر ابتسام أن تجربتها مختلفة كلياً عن الكثير من اللاجئات العربيات لأنها متزوجة من دنماركي، قالت إن ذلك سهّل عليها بعض الأمور وبخاصة التكيّف مع المجتمع لكن لم يمنحها أي امتياز من قبل السلطات. وتستدرك: "فعلياً، أنا هنا منذ تسع سنوات. زوجي دنماركي. لكن حتى الآن لم أحصل على الجنسية ولم أحظ بأي امتياز بخلاف ما يحدث في أي بلد أوروبي آخر".

رفضت السلطات الدنماركية بقاء ابتسام مع زوجها في منزله فور وصولها البلاد وقضت بضعة أشهر في معسكر لجوء حتى حُكم لصالحها بالانضمام لزوجها وعائلته. وأكدت أن الحصول على عمل كان صعباً للغاية رغم إجادتها للغة الإنكليزية وسرعة تعلمها الدنماركية، ومؤهلها التعليمي العالي.

"ليس من السهل الحصول على وظيفة لائقة للاجئين" هناك... ناشطون يفندون مزاعم الدنمارك ويؤكدون لرصيف22 أنها تحاول تشغيل اللاجئين/ ات في المهن المتواضعة التي لا يقبل عليها الدنماركيون بغض النظر عن خلفياتهم التعليمية وخبراتهم العملية

مع ذلك، تعترف بأنها كانت محظوظة نسبياً مقارنة بلاجئات أخريات عاصرت معاملتهن بـ"عنصرية" أو "طريقة غير ودودة" لأنهن مثلاً محجبات أو غير متقنات للغة أجنبية أو ليس لديهن معارف في الدنمارك. تقول: "حين وصلت الدنمارك، كانت معي صبية محجبة وأنا غير محجبة. كلتانا تتحدث الإنكليزية. حين أتى دوري، تم التعامل معي بطريقة ألطف إذ كان زوجي واقفاً إلى جواري وواضح أنه أجنبي ويحكي دنماركي. أتى دور الصبية بعدي ولم تكن تؤخذ بجدية. شاهدت العديد من اللاجئات لا تؤخذ طلباتهن/ شكواهن بجدية حتى في ما يتعلق بالحالات الصحية والألم".

وقالت الناشطة إن أحد الأبحاث الميدانية عن الطلاق والعنف في أوساط اللاجئين، والذي شاركت فيه عام 2019، جعلها تتعرف على معاناة العديد من اللاجئات السوريات بسبب قوانين الهجرة التي عرقلت استكمال دراستهن، ما اضطرهن إلى البقاء في زيجات مع أشخاص مسيئين ليتمكنوا من استئناف دراستهن العليا أملاً في الحصول على عمل والاستقرار اقتصادياً.

بالعودة إلى الخطة الدنماركية الجديدة، أوضحت ابتسام: "أنا مع المبادرات التي تبحث في أساس المشكلة وتسعى للوصول إلى حلول جذرية وواقعية لها. كيف يمكن دمج اللاجئين وسط الرسائل الرسمية السلبية المتكررة التي تضغطهم وتشعرهم بأنهم غير مرحب بهم. الحل ليس إجبارهم على ‘حيالله شغل‘".

وتابعت: "أرفض القرار لأنه منطلق من فرضية أن اللاجئين لا يعملون لأنهم ما بدهم. معقولة الستة من عشرة لاجئات اللي ما عم يشتغلوا كلن متكاسلين؟ ولّا مثلاً واحدة من هيدول ما عم تشتغل لأنو ما قادرة تكفي جامعة، وواحدة تانية عم تربي أطفال صغار، وثالثة مش عم تلاقي شغل يناسب مؤهلها وخبرتها، ورابعة عندها وضع صحي، وخامسة جوزها ما عم يسمح لها تشتغل!".

ثم أردفت: "من الشفافية أن نعترف أن هناك قسم (من اللاجئين/ ات) متكاسل عن العمل. لكن مهم نعرف السبب في ذلك وكم نسبته. أؤكد أن هؤلاء ‘قلال جداً‘ ويوجد مثلهم من جميع الجنسيات وحتى الدنماركيين".

عوامل تصعّب عمل اللاجئات

ولا تتوفر عبر الإنترنت دراسات حول عمل اللاجئات في الدنمارك. لكن دراسة حديثة في ألمانيا أشارت إلى معوقات إضافية تصعّب نزول اللاجئات سوق العمل مقارنة بالرجال، علماً أن المجتمع الألماني أكثر تقبلاً للاجئين/ ات من نظيره الدنماركي.

من الأسباب التي ساقها معهد أبحاث التوظيف (IAB) في ألمانيا لزيادة معدلات عمل اللاجئين الرجال مقارنة بالنساء اضطرار النساء إلى رعاية الأبناء لا سيّما دون الثالثة، وعدم الاعتراف بمؤهلات اللاجئات وخبراتهن في بلد اللجوء مع عمل الكثيرات منهن في التعليم والصحة مقارنة بعمل الرجال في المجالات الصناعية، وميل النساء إلى العمل بدوام جزئي في حين أن الرجال يشغلون وظائف بدوام كامل غالباً، والتجارب المؤلمة قبل الوصول إلى بلد الهجرة التي تكون أشد في حالة النساء، وشمول دورات اللغة والاندماج للرجال أكثر من النساء.

"هاي البلد عم تمشي لورا. عم تخنقنا نحنا اللاجئين والأجانب بشكل عام. عاصرت كل مراحل التدرج في قوانين الهجرة بالدنمارك… عم تصعب سنة ورا سنة"... لاجئة عربية في الدنمارك تحكي لرصيف22 معاناتها مع سياسات الهجرة الدنماركية "غير الإنسانية"

نقض أكذوبة الدمج

وقال عاصم سويد، عضو مجلس إدارة منظمة فنجان المدافعة عن حقوق اللاجئين لا سيّما السوريين منهم في كوبنهاغن، لرصيف22، إن القرار الجديد "تمييز واضح ضد اللاجئين في الدنمارك"، مضيفاً أن الأحزاب الداعمة للحكومة "ضد القرار بشكل كامل".

وأكد عاصم أنه "ليس من السهل الحصول على وظيفة لائقة للاجئين في الدنمارك بل تسعى مراكز التوظيف التابعة للبلديات إلى دفع اللاجئين عموماً إلى الالتحاق بوظائف متواضعة وأعمال يدوية لا يقبل عليها الدنماركيون، وهم يحاولون سد هذا النقص باللاجئين بغض النظر عن خلفياتهم التعليمية وخبراتهم العملية السابقة".

كما شدد على أن الأعمال التي تنطوي عليها هذه الخطة "لا تؤدي إلى الاندماج ولا تعلم لغة ولا تكوين صداقات أو روابط اجتماعية، فأغلبها أعمال يدوية وفردية لا يتواصل فيها الشخص مع الكثيرين وربما ليس مع أحد خلال اليوم".

وفيما أوضح أنه لا توجد إحصائيات توضح مدى مشاركة اللاجئات العربيات بشكل عام في سوق العمل الدنماركي، قال إن إحصاءً حديثاً كشف أن 40% من اللاجئات السوريات يعملن بالفعل، مرجحاً زيادة النسبة لوجود نحو 12% منهن في مراحل التعليم وقد ينخرطن بسوق العمل في المستقبل القريب.

وختم عاصم بالتحذير من الخطوة الدنماركية التي هي بمثابة "ضغط إضافي على اللاجئين وإرسال رسالة لمن يرغب باللجوء إلى الدنمارك بأن لا يأتي".

"نشر أفكار خاطئة وتمييزية حول اللاجئين"

والخميس 16 أيلول/ سبتمبر، حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أن الخطة الدنماركية المزعومة "تنشر أفكاراً خاطئة وتمييزية حول اللاجئين وتحوّل حقوقهم المشروعة إلى امتيازات يحتاجون إلى كسبها واستحقاقها".

"كيف يمكن دمج اللاجئين وسط الرسائل الرسمية السلبية المتكررة التي تضغطهم وتشعرهم بأنهم غير مرحب بهم. الحل ليس إجبارهم على ‘حيالله شغل‘".

وأضاف بيان المرصد: "يبدو أن هذا الاقتراح غارق في سوء التقدير والتمييز حتى بالنسبة لبلد يضم هجرة قاسية. من المؤكد أن إدراج المهاجرين واللاجئين في سوق العمل في البلد المضيف أمر أساسي لدعم اندماجهم، لكن هذا يجب أن يستلزم احترام خبراتهم ومهاراتهم وإمكاناتهم".

ونقل البيان عن ميشيلا بوغليزي، باحثة الهجرة واللجوء في المرصد، قولها إن "هذا الاقتراح يروج لفكرة أن اللجوء والاستقبال، فضلاً عن مزايا الرعاية الاجتماعية، ينبغي أن تكون كلها لخدمة الدولة المضيفة بدلاً من كونها حقوقاً مشروعة".

كما اعتبرت أنها تنشر "الانطباع بأن المهاجرات لا يرغبن في الاندماج أو العمل، في حين أن العديد منهن يبحثن دوماً عن عمل ويُرفضن بشكل مستمر"، مبرزةً أن الوظائف المتاحة في البلاد "ليست كافية للدنماركيين".

ودعا المرصد إلى معالجة القيود المفروضة على طالبي اللجوء وتوفير العمل اللائق بالقضاء على الأسباب التي تجعل العمال المهاجرين، وخاصة النساء منهم، غير جذابين لأصحاب العمل الدنماركيين.

ويتضح أثر السياسات الدنماركية للهجرة على أعداد طالبي اللجوء إليها إذ منذ بداية العام حتى نهاية تموز/ يوليو الفائت 851 طلباً فقط مقارنة بـ1475 طلباً العام الماضي.

ولا يعوّل على البرلمان الدنماركي لرفض الخطة الحكومية وهو الذي تبنى، في حزيران/ يونيو الماضي، مشروع قانون يتيح للسلطات إرسال طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة، خارج الاتحاد الأوروبي، ريثما يتم النظر في طلب اللجوء الخاص به. وقوبل التحرك الدنماركي برفض واسع بما في ذلك من الشركاء الأوروبيين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard