شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"يا فرعون مين فرعنك؟"... غضب المصريين "يتراكم" ضد سياسات تنفّذ بـ"عصا الهيمنة الأمنية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 18 سبتمبر 202112:21 م

لم يكن المثل الشعبي المصري الشهير: "يا فرعون مين فرعنك؟ ملقتش حد يلمّني"، بعيداً عن تفسيرات عدم تخوف النظام المصري من اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة، أو حتى الإعلان عنها في مؤتمرات سياسية كبرى أو على الإعلام كـ"بالون اختبار" لمعرفة وقياس ردّ فعل المواطنين على تلك القرارات.

يكون النظام متأكداً من أن قراراته ستغضب الشعب، ولكن في الوقت عينه لا يتراجع أحياناً عن اتخاذها، وفي أحايين أخرى "يجمّدها" مؤقتاً حتى تمرّ عاصفة الغضب، وقد يجري تمريرها في ما بعد.

الحديث السابق يؤكده ما حدث مؤخراً في عدد من القوانين المتعلقة بالاقتصاد والسياسات التعليمية، فقد صارت السلطة على يقين من أن الغضب والاعتراضات على تلك القرارات ستترجَم على شكل منشورات قليلة على "السوشال ميديا"، سرعان ما "تبتلعها" ماكينة "التريندات" التي تدور سريعةً في قضايا خاصة بالفن والحوادث الكبرى المثيرة.

أما "المعارضة"، فتقريباً اختفت في ظروف غامضة بعد دخول غالبية الأحزاب السياسية، حتى الموالية منها، مرحلة "الموت الإكلينيكي"، في حين صارت وسائل الإعلام المصرية من صحف، فضائيات، إذاعات، ومواقع إلكترونية تسبّح بحمد النظام ومعجزاته وإنجازاته.

ثمة عدد من القرارات والقوانين التي تؤكد الحديث السابق، منها ما جرى تنفيذه بالفعل على الرغم من الغضب الشعبي ضدها، ومنها ما جرى الإعلان عنه ثم "تجميده" مؤقتاً، بعد وجود معلومات أو تقارير من "الجهات السيادية" تُحذر من إصدار تلك القرارات واعتمادها.

رغيف الخبز... "اللعب في قوت الغلابة"

في مطلع آب/ أغسطس الماضي، بدأ الحديث بقوة عن اتجاه الدولة إلى رفع سعر رغيف الخبز ("العيش"، باللهجة المصرية). جاء ذلك بعد حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أن "الوقت حان لرفع ثمن الخبز المدعوم لتوفير الأموال اللازمة لمنظومة التغذية المخصصة للمدارس وتبلغ قيمتها ثمانية مليارات جنيه مصري"، مطالباً المصريين بالمساهمة في تحمل الأعباء المالية وليس الحكومة وحدها، خاصة في ما يخص مسألة السلع المدعومة.

حاول السيسي أيضاً تبرير الاتجاه لرفع سعر رغيف الخبز بقوله: "لا يعقل أن يكون ثمن سيجارة واحدة يوازي ثمن 20 رغيفاً من الخبز"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يجب أن يتوقف.

وفي ما يشبه تحدي "غضبة الشعب" المتوقعة من تلك التصريحات التي تمس ملايين "الغلابة" في مصر، قال السيسي إنه أعلن هذا القرار حتى يتحمل مسؤوليته وحده، وليس الحكومة التي يقودها المهندس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري.

و"الخبز المدعوم" يُصرف لأصحاب البطاقات التموينية في مصر بحصة مقدارها خمسة "أرغفة" للفرد في اليوم، ويبلغ دعم السلع التموينية في موازنة العام المالي الحالي (2021-2022) 87 مليار جنيه منها 50.6 مليارات جنيه لدعم رغيف الخبز. ويبلغ عدد المستفيدين من دعم رغيف الخبز 72 مليون مواطن، في بلد يتجاوز عدد سكانه الـ100 مليون نسمة.

يُذكر أنَّ تاريخ مصر الحديث كان قد سجّل "انتفاضة الخبز"، وهي تظاهرات وأعمال شغب شعبية ضد الغلاء، جرت في أيام 18 و19 كانون الثاني/ يناير 1977 في عدة مدن مصرية، رفضاً لمشروع ميزانية ترفع أسعار العديد من المواد الأساسية، حتى استجابت الحكومة وتراجعت عن زيادة الأسعار.

والآن، يتردد في الأوساط السياسية وحتى على مواقع "السوشال ميديا" أنّه جرى "تجميد" قرار رفع سعر الخبز، بعد الغضب الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك بدفع مما حُكي عن وجود "تقارير سيادية" من أجهزة الدولة حذّرت من اتخاذ قرار رفع سعر "رغيف العيش".

"قانون السايس"

تكرر هذا السيناريو مع قانون تنظيم المركبات، المعروف باسم "قانون السايس"، والذي تسبب بحالة من الغضب على "السوشال ميديا" بين المواطنين مالكي السيارات وبين الذين اعتبروه نوعاً من "الجباية" و"تقنين البلطجة"، لا سيما بعد الحديث عن تحصيل اشتراك شهرى قدره 300 جنيه من المواطنين الراغبين في حجز أماكن خاصة لانتظار سياراتهم في الشارع أمام منازلهم.

وينظم قانون السايس الجديد رقم 150 لسنة 2020 انتظار السيارات في الشوارع الرئيسية والجانبية وأسفل العقارات، و"يهدف إلى القضاء على ظاهرة البلطجة وفرض الجباية على مالكي السيارات بشكل عشوائي وتنظيم هذه الأموال ودمج بعض الأنشطة غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي للدولة وحماية المواطنين من بعض الممارسات السلبية والمشكلات الخاصة بالسايس في الشارع".

لكن، وعلى الرغم من الحديث الواسع عن "قانون السايس" في وسائل الإعلام، وعلى "السوشال ميديا"، فإنَّ هذا القانون أحاطت به بعض المشكلات التي تحول دون تنفيذه، منها أن أغلب الأحياء على مستوى المحافظات المصرية لم تنتهِ حتى الآن من إعداد اللائحة التنفيذية للقانون، وتحديد ساحات الانتظار والشوارع والأماكن التي سيتم العمل بها، والتي تخضع لولاية المحافظات، فضلاً عن أنَّ وزارة التنمية المحلية لم تنتهِ من إعداد كراسة شروط ومواصفات نمطية موحدة لكل المحافظات لتعميم المنظومة، الأمر الذي أدى إلى تراجع رؤساء أحياء العديد من أحياء محافظتيْ القاهرة والجيزة عن التطبيق التجريبى لـ"قانون السايس" في الشوارع التي حددها القانون، بعد أن أظهرت التجربة وجود تباين كبير في فهم وتطبيق مسؤولي الأحياء للائحة التنفيذية للقانون، وما أثاره ذلك من ردود أفعال غاضبة وانتقادات عديدة.

قوانين وتعديلات "الثانوية العامة"

كما كانت القوانين وطرق التعليم والامتحانات الخاصة بالدراسة في الثانوية العامة (المرحلة ما قبل الجامعية في نظام التعليم المصري) من أكثر القرارات والتعديلات التي أثارت غضباً ضد النظام المصري، وضد وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، خاصةً بعد تدني مجاميع طلاب الثانوية العامة عن السابق بفارق كبير، ما أربك أولياء الأمور وجعلهم متخوفين على مستقبل أولادهم ودفعهم لإلقاء اللوم على الوزير، وفرضه نظاماً جديداً على الطلاب، بدون تدريبهم عليه بالقدر الكافي، ما أدى إلى تراجع في المجاميع النهائية.

استمرار العمل بقانون الطوارئ وزيادة الهيمنة الأمنية، وزيادة مستويات الخوف والترويع، كلها عوامل تجعل الناس لا تندفع في حركات احتجاجية "صِدامية" مع الدولة، ولكن تظهر معارضات صغيرة يمكن احتواؤها

ومنذ تعيينه وزيراً للتعليم، تُقابَل دائماً قرارات الوزير بغضب شعبي شديد من قبل أولياء الأمر، ومع ذلك يجري تنفيذ خططه التي تثير جدلاً في المجتمع المصري، ومن هذه القرارات: التحول نحو استخدام الأجهزة اللوحية عوضاً عن الكتب المدرسية التقليدية، وكذلك قرار التحول نحو التعليم عن بعد وعقد الامتحانات إلكترونياً بسبب التخوفات من انتشار فيروس كورونا بين الطلاب، وأخيراً التعديلات الأخيرة بنظام الدراسة في الثانوية العامة.

يستهدف مشروع القانون الجديد للثانوية العامة "تعديل أسلوب حساب نتائج إنهاء الدراسة الثانوية ليشمل ما يحصل عليه الطالب من درجات في نهاية كل سنة دراسية من السنوات الثلاث عوضاً عن احتساب نتيجة امتحان السنة النهائية منها فقط، كما يتيح مشروع التعديل للطالب إمكانية التقدم للامتحان أكثر من مرة في نهاية العام لكل سنة دراسية على أن تكون المرة الأولى فقط مجانيةً ويسدد رسوماً لباقي المحاولات، دون أن يحدد مشروع القانون قيمة الرسوم المقررة لدخول الامتحانات أكثر من مرة.

وقررت الحكومة سحب مشروع تعديل نظام الثانوية العامة من مجلس النواب بعد الجدل الواسع الذي أثاره في مجلس الشيوخ، مع وعد بتقديم مسودة جديدة قريباً.

وعلّق الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني على سحب مشروع القانون، قائلاً "إن التعديلات التي قدمت بها عشرات المواد، وما جرى تدوينه من ملاحظات لمجلس الشيوخ، هو تعديل بسيط في مادة واحدة لا علاقة لها بالتطوير الحالي ولا بالامتحانات المقبلة"، مضيفاً: "نحن آثرنا سحب مشروع التعديل حتى يتسنى لنا إضافة بعض الشروح والإضافات لاكتماله قبل إعادة عرضه على المجلس الموقر".

وأضاف وزير التعليم أن "القانون سارٍ وسلطات الوزير كما هي والامتحانات المقبلة إلكترونية كما وضحنا، ونظام الأسئلة الجديد كما هو ولا علاقة لهذا بالتعديلات المطلوبة من قريب أو بعيد".

قرارات مؤلمة "قصمت ظهر الشعب"

السنوات الماضية شهدت أيضاً اتخاذ قرارت وُصفت بـ"المؤلمة أو الصعبة" على الرغم من الغضب الشعبي منها، كان أهمها تحرير سعر صرف الجنيه المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، استجابةً لتعليمات صندوق النقد الدولي وشروطه من أجل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

وتسبب تحرير سعر صرف الجنيه في انخفاض قيمة مدخرات المصريين إلى النصف، فضلاً عن الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، كما شهدت أسعار الوقود والمحروقات سبع زيادات في سبع سنوات، بسبب القرارات الخاصة بـ"الإصلاح الاقتصادي".

كما شهدت "تذاكر المترو" أربع زيادات في أسعار خلال السنوات الأربع الأخيرة، بدءاً من منتصف آذار/ مارس 2017، حينما قررت الوزارة رفع التذكرة من 1 جنيه إلى جنيهيْن لكافة الخطوط، وصولاً إلى الزيادة الأخيرة في آب/ أغسطس 2020، حين وصلت تكلفة بعض الرحلات بالمترو إلى عشرة جنيهات.

هيمنة أمنية وسياسية وراء تمرير القرارات الصعبة

يقول رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المعارض مدحت الزاهد إنَّه "إلى حد ما، الهيمنة على المجال السياسي والهيمنة الأمنية تلعب دوراً في تمرير إجراءات وقرارات صعبة كان يمكن في ظروف مختلفة أن تفجر موجات من الغضب ضد النظام".

ويضيف لرصيف22 أنه يجب ملاحظة أنَّ هناك العديد من القرارات الصعبة تراجع عنها النظام، أو أصدرها رسمياً، ولكن بعد إجراء تعديلات عليها، مثل قوانين التصالح في مخالفات البناء، أو حتى قانون التعليم الجديد الذي رفضه مجلس الشيوخ، وعاد إلى الوزارة ثانيةً، منوهاً بأن هناك قوانين يُخشى أيضاً من إصدارها مثل "قانون الإيجار القديم" لأنه يمس ملايين.

الأجهزة الأمنية لا يمكن أن توافق بسهولة على القرارات الاقتصادية الصعبة، ولكنها تلعب أحياناً دوراً في "فرملة" تلك القرارات، لأنها هي التي ستدفع ثمن غضب الناس

وتكشف الإحصاءات الخاصة بقانون الإيجارات القديمة السكني وغير السكني، أن عدد الوحدات المؤجرة تصل إلى ثلاثة ملايين وحدة، والتعديلات المطروحة تدور حول "عودة المالك ليكون متصرفاً في ملكه خاصة أن بعض المستأجرين يؤجرون وحداتهم للغير دون العودة للمالك الأصلي"، علاوة على وجود عقارات في مناطق راقية تساوي الملايين والمالك الأصلي يحصل على مبالغ ضعيفة من العقار، بينما يستفيد المؤجّر أكثر من المالك.

ويتابع الزاهد أنه "يجب ملاحظة أنّ النظام في وقت ما يطلق ‘بالونات اختبار’ قبل إصدار قرارات أو اعتماد قوانين ذات صفة جماعية، أي تهم الملايين من الشعب، وبهذه البالونات يعرفون القرارات التي يمكن أن تُحدث توتراً لا يمكن احتواؤه، أو القرارات الصعبة التي يمكن أن تمر مع الصبر على الغضب الشعبي مثل تلك الخاصة بزيادة أسعار تذاكر المترو، زيادة أسعار المحروقات، أو حتى السياسات الجديدة في مجال التعليم".

وينوه الزاهد إلى أن هناك نقطة مهمة تغيب عن النظام وهي أن الاحتجاج ليس بالضرورة أن يكون مباشراً وفي وقت إصدار القرار أو اعتماد القانون الصعب على المواطنين، ولكن مع الوقت يحدث "مخزون غضب" يمكن أن ينفجر في وقت ما، كاشفاً عن أن النظام لا يمكن له أن يعرف كل أشكال التعبير عن "الاحتجاج".

ويؤكد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن الأجهزة الأمنية لا يمكن أن توافق بسهولة على القرارات الاقتصادية الصعبة، ولكنها تلعب أحياناً دوراً في "فرملة" تلك القرارات، لأنها هي التي ستدفع ثمن غضب الناس الذين يدفعون بدورهم ثمن القرارات والقوانين الصعبة من جيوبهم، منوهاً إلى أن كل الأنظمة تعلمت من احتجاجات غضب عام 1977 المعروفة باسم "انتفاضة الخبز" عندما اتّخذ الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مجموعة من القرارات الصعبة مرةً واحدةً.

مخزون الغضب يتراكم

برأي الزاهد، هناك حركات احتجاج اجتماعي متزايدة تظهر في المطالب الخاصة برفع الأجور، وتحسين الخدمات، وفي المقابل هناك نوع من تزييف الوعي وترويع الناس، لأنَّ الفكرة الأساسية أن الحكومات تستقر برضا المحكومين.

ويضيف: "في الآخر يبقى أن هناك مخزون غضب يتراكم ويمكن أن ينفجر في لحظات. الصعيد والريف المصري انفجر وحدثت صدامات بسبب قانون التصالح في مخالفات البناء، وهدم منازل، فحدث تراجع وتعديلات مؤقتة عنه".

وقانون التصالح في مخالفات البناء هو القانون رقم 17 لسنة 2019، المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2020، ويستهدف التصالح على مخالفات قانون البناء الموحد، وتقنين أوضاع المخالفات السابقة عليه، لضبط أوضاع البناء في مصر، وإعادة تنظيم الخريطة العمرانية، والعمل على تطوير منظومة المرافق والخدمات.

يقول الزاهد إن الفكرة الخطيرة عند النظام الحالي أنه يحدث هدر موارد هائل في الإنفاق على مشروعات أو خدمات ليست على رأس جدول المواطنين، ثم تعوض الحكومة هذه المليارات بأشكال من الجباية، ضارباً المثل بإنشاء جامع في العاصمة الإدارية بتكلفة 700 مليون جنيه، ويمكن أن يكون قد تكلّف أكثر، فضلاً عن أن مشروع العاصمة الإدارية أيضاً كان يمكن تأجيله.

ويتابع: "هناك اهتمام بالأشياء التي لها طابع ترفيهي في بلد نامٍ لا يحتمل هذه الأشياء، ويريد في الأصل تنمية القطاعات الإنتاجية التي هي أساس نهضته. حتى مشروع قناة السويس الجديدة الذي تكلف 60 مليار جنيه، النظام بدأ يعترف أنه أخطأ فيه، خاصة أنه كانت هناك تقديرات بحدوث كساد في التجارة العالمية قد يستمر حتى 2023، فضلاً عن أن السفن صاحبة العقود طويلة الأجل اتجهت إلى رأس الرجاء الصالح، لذلك يجب التوقف عن إهدار الموارد، والتوقف عن الاستدانة".

يشير الزاهد إلى أن استمرار العمل بقانون الطوارئ وزيادة الهيمنة الأمنية، وزيادة مستويات الخوف والترويع، كلها عوامل تجعل الناس لا تندفع في حركات احتجاجية "صِدامية" مع الدولة، ولكن تظهر معارضات صغيرة يمكن احتواؤها، "إلا أن هناك أثراً تراكمياً غير مباشر يمثل عبئاً على النظام في المستقبل، فالقرارات تمرّ بتكلفة عالية على الناس.. ومخزون الغضب سيكون قابلاً للانفجار، وهذا الأمر يجب أن يوضع في حسابات صانع القرار، ولا أن ينكر ذلك بفعل غطرسة القوة".

وفي 12 تموز/ يوليو 2021، وافق مجلس النواب المصري، على قرار الرئيس المصري بشأن تمديد حالة الطوارئ في البلاد، لمدة ثلاثة أشهر جديدة.

ويوضح الزاهد أن "هناك توجهاً عاماً موجوداً عند الجميع وعند مؤسسات الدولة، وهو إيقاف دعم الخدمات، وفتح المجال أمام المستثمرين ورجال الأعمال، وعملياً تكون هناك انحيازات لهؤلاء بحكم الانتماءات الاجتماعية لدوائر اختلاط العاملين في مؤسسات الحكم والمستشارين، وبالتالي هؤلاء المستشارون يخشون قول الحقيقة، ويجاملون الحكومة والرئيس، وينافقون النظام، وهذا يضرّ بأي مؤسسة حكم، بل أحياناً يلعب هؤلاء المستشارون دور المحرض على إصدار قرارات اقتصادية مؤلمة؛ لأنهم يعتقدون أنَّ أن هذا هو هوى الحاكم".

قرارات تحتاج إلى تمهيد... والناس "خايفة"

يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في "الجامعة الأمريكية" في القاهرة الدكتور سعيد صادق إنَّ أي قرارات تتعلق بالمواطنين وحياتهم تحتاج إلى تمهيد إعلامي خاصة إذا كانت من تلك القرارات الاقتصادية المؤلمة.

يستدلّ صادق على كلامه بأزمة جزيرتي تيران وصنافير، مشيراً إلى أنه لم يكن لها تمهيد إعلامي، لطرحها على الشعب، ولمحاولة امتصاص الغضب خطوة خطوة، ولذلك أثارت تلك الأزمة ضجة كبيرة، معلّقاً بسخرية: "كان يمكن أن تمهد وتكتب في الجرائد عن القضية دي".

ويضيف لرصيف22 أن المواطنين بطبعهم ينفرون من القرارات التي يعرفون أنها ستزيد الأعباء المادية عليهم، خاصة مع انتشار الفقر، فضلاً عن أنهم لا يجدون خدمة حقيقية بعد الدفع، مشيراً إلى أن النظام قد يلجأ إلى اتخاذ قرارات صعبة يعلم أنها ستغضب المواطنين، ولكنه في الوقت عينه هو متأكد من "أن الناس خايفة، والإعلام معه، والبرلمان معه، والأحزاب كذلك".

ويرى صادق أن المواطنين لم يعد لهم آلية للاعتراض إلا "الكلام على السوشال ميديا"، وهذا مجرد "تنفيس" لا يفيد، ولكن ما يهم في النهاية أن تلك القرارات والسياسات جرى تنفيذها.

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي أن أي نظام يمكن أن يستمر فترةً طويلةً في الحكم إذا كانت هناك "طبقة مستفيدة"، فهذه ستؤيده، وحتى المستشارين الذين قد تتم الاستعانة بهم من الممكن أن يطرحوا وينصحوا بعدم اتخاذ قرارات صعبة تثقل الأعباء المالية على المواطنين، ولكن في الوقت عينه، لا يتم الاستماع إليهم.

قرار رفع سعر الخبز لن "يُجمَّد"

يقول الخبير الاقتصادي المصري الدكتور وائل النحاس لرصيف22 إن هناك خطأ في الترويج وفي طرح الموضوعات الخاصة بالقرارات الاقتصادية المثيرة للجدل بين المواطنين، كاشفاً عن أنَّه في عهد الحزب الوطني الديمقراطي، أيام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، كانت توجد لجان لمراجعة كل معلومة في الخطابات الرئاسية، أو حتى كل معلومة خاصة بالقرارات الاقتصادية، "أقصد أنه كان هناك مطبخ لصناعة القرار".

ويضيف النحاس أن الرسام مصطفى حسين والكاتب الساخر أحمد رجب، كانا يقدمان وجبة صحافية من خلال الرسوم الكاريكاتورية المصحوبة بكلمات قليلة، وكانت تناقش تلك الرسوم القرارات الحكومية المختلفة، والناس "تقرأ وتضحك من الكلام الساخر"، وتخرج أحياناً شحنات الغضب ضد تلك القرارات، وفي النهاية القرارات كانت تُنفَّذ، يتابع، "كل هذا غير موجود حالياً".

ويُعَدّ الكاتب الساخر أحمد رجب (1928-2014) والرسام مصطفى حسين (1935-2014) أشهر ثنائي في الصحافة المصرية الساخرة.

برأي النحاس، كان هناك خطأ في ما يخص الطرح الخاص بـ"رغيف العيش"، وكان من الأولى الحديث عن تحسين جودة رغيف العيش، ويخرج المسؤولون ليقولوا إنَّ الرغيف الحالي لا يليق بالمواطن المصري، ولكن يجب أن يكون ذا قيمة غذائية، وبذلك يمكن أن تُصرف للفرد ثلاثة أرغفة بدل خمسة، ويعوَّض على المواطن بتحسين شكل وقيمة الرغيف.

ويكشف النحاس أن القرار الخاص برفع سعر الرغيف لن يجري "تجميده" كما يتردد الآن، لأنه بالفعل هناك تخفيض في أرقام الدعم الخاصة برغيف العيش في الموازنة الجديدة، ولذلك ليس من الطبيعي تجميد القرار في ظل الارتفاعات العالمية في سعر القمح.

ويتابع: "يكن رفع سعر الرغيف بعد وصول شحنات القمح الجديدة في شهر كانون الثاني/ يناير مثلاً، أو عند بداية المدارس"، مشيراً إلى أنَّ اللغط الخاص بهذا القرار مرَّ وحدث جدال وسجال عليه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard