شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"هددني القاضي ما لم أشهر إسلامي"... لا قانون ينصف الحقوق المدنية لإيزيديي سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 8 سبتمبر 202104:07 م

"رفض القاضي تسجيل زواجنا، ما لم أُشهر إسلامي، فاضطررت إلى قولها، لأقول من بعدها: ‘إذا طلعت من التم، وما طلعت من القلب، ماذا تستفيد؟’، فهددني بإلغاء الزواج. كان ذلك قبل عام تقريباً".

بهذه العبارات، تختصر ميديا فاطو، البالغة من العمر 28 عاماً، وهي إيزيدية من عفرين في ريف حلب الشمالي، مشكلةً ما زال أتباع الديانة الإيزيدية في سوريا، يعانون منها، من حيث غياب المواد القانونية التي تحفظ لهم خصوصيتهم الدينية، وحقوقهم المدنية.

عندما بدأت ميديا وزوجها، وهو قريب لها ينتمي إلى القرية نفسها، السير في معاملة تثبيت الزواج، تفاجأت بأن زوجها مسجل على أنه "مسلم"، بينما كُتب في قيد نفوسها أنها إيزيدية.

لم يُستحدث قانون خاص بأحوال الإيزيديين الشخصية في سوريا، فضلاً عن إلحاقهم عنوة بالدين الإسلامي.

تقول ميديا لرصيف22: "أنا إيزيدية أباً عن جد، ومكتوب في نفوسنا عند خانة الدين كلمة ‘إيزيدي’، بينما زوجي غيّر دينه في السجلات المدنية إلى الإسلام، مع أنه لم يُسلم لا هو، ولا أبوه. نحن إيزيديون، ولنا معتقداتنا، ومناسباتنا الخاصة". وتضيف متسائلةً: "كيف حصل ذلك، ونحن من عائلة واحدة؟ كنا نرغب بتصحيح نفوس زوجي، كما نصحنا أحد المحامين، إلا أن ذلك يتطلب فتح الكثير من الملفات، وهو أمر سيستغرق وقتاً طويلاً، وقد يواجه زوجي المتاعب، ويُتّهم بأنه ‘مرتد’، لذا آثرنا العمل بكلام القاضي الشرعي، أي أن أُشهر إسلامي، لأخرج ومعي عقد الزواج".


لا اعتراف بهم

يقطن الإيزيديون في مناطق متفرقة من محافظتي حلب والحسكة، في شمال سوريا، ولم تعترف الحكومة السورية بهم، كدين كامل الأركان إلى الآن، بل ألحقت سجلاتهم المدنية، وأمورهم القانونية، بالشريعة الإسلامية.

وفي شباط/ فبراير الفائت، صدر تعميم حمل الرقم (7)، ممهوراً بتوقيع وزير العدل السوري، يُخضع أحوالهم القانونية لقانون الأحوال الشخصية السوري، إذ تنص المادة 306 على "إخضاع السوريين جميعهم لقانون الأحوال الشخصية، على اختلاف ديانتهم ومذاهبهم، سوى ما تستثنيه المادة 307 المتعلقة بالطائفة الدرزية... والمادة 308 المتعلقة بالطوائف المسيحية واليهودية".

وتابعت وزارة العدل وفق التعميم: "يخضع المواطنون السوريون من الطائفة الإيزيدية في ما يتعلق بقضاياهم الشرعية، لقانون الأحوال الشخصية... وبذلك يغدو هو القانون الواجب التطبيق، في مسائل أحوالهم الشخصية، والمحكمة الشرعية هي صاحبة الاختصاص في رؤية قضاياهم الشرعية".

وعليه، لم يُستحدث قانون خاص بأحوال الإيزيديين الشخصية، أسوة بأبناء الأديان الأخرى، فضلاً عن إلحاقهم عنوة بالدين الإسلامي، وتالياً إجبارهم على تعلمه طوال المراحل الدراسية، ومنعهم من تأسيس الجمعيات الثقافية والدينية الخاصة بهم.


"لا مقررات أو مدارس خاصة بنا"

ما حصل لميديا، حصل لفيدان قسطل (48 عاماً)، وهي من إحدى قرى عفرين الإيزيدية، عندما دخلت المحكمة، وطالبها آنذاك القاضي بإشهار إسلامها، ليثبت زواجها، وذلك قبل عشرين عاماً.

"أنا ديانتي إيزيدية، وزوجي أيضاً، وعندما ذهبنا لتسجيل عقد الزواج في المحكمة الشرعية في حلب، تفاجأت بأن زوجي في القيود مسلم"، تقول السيدة في حديثها لرصيف22، وتضيف: "كان صعباً علي تقبّل تغيير ديانتي، ولو بالاسم، واستمر رفضي سنةً، على أمل إيجاد مخرج قانوني أحتفظ من خلاله بخانة ديانتي الإيزيدية، ولا أحولها إلى الإسلام، لكنه للأسف لم يحصل".

وتتأسف قسطل من أن ذلك جعل أولادها يتعلمون الدين الإسلامي، لعدم وجود مقررات، أو مدارس خاصة بهم، كحال الديانة المسيحية مثلاً، متمنيةً "أن تبقى كلمة إيزيدي إلى جانب أسمائنا، أنا وأولادي والإيزيديين كلهم، فنحن دين مسالم، ونؤمن بالإله الواحد. لم هذا الإجحاف في حقنا؟".

ويشير الباحث الآثاري المقيم في ألمانيا آزاد حموتو، في حديثه لرصيف22، إلى أن "الديانة الإيزيدية غير تبشيرية، وهي من المعتقدات الموغلة في القدم، في منطقة الشرق الأوسط، ولا زالت موجودة في مناطق متفرقة منه، وجوهرها الارتباط بالطبيعة، وقواها، وعناصرها الأساسية، وعلى رأسها الشمس، ولها جوانب اجتماعية، وروحية، وميثولوجية خاصة، ومميزة".

"كان صعباً علي تقبّل تغيير ديانتي، ولو بالاسم، واستمر رفضي سنةً، على أمل إيجاد مخرج قانوني أحتفظ من خلاله بخانة ديانتي الإيزيدية، ولا أحولها إلى الإسلام، لكنه للأسف لم يحصل"

"لم نعلم بالأمر"

نور الدين حسن، اسم مستعار لأحد وجهاء الإيزيديين في عفرين، وله من العمر 70 عاماً، يؤكد على أنه تم تغيير ديانتهم في السجلات المدنية، من دون معرفتهم بالأمر.

"في ستينيات القرن الماضي، عندما نُقلت السجلات المدنية من ناحية جنديرس، إلى عفرين، تم تغيير ديننا إلى الإسلام، ولم نعلم بذلك إلا عندما بدأنا نسجل أولادنا، ونثبّت عقود الزواج، لنكتشف أن التغيير بدأ بخانة والدي، لأن خانة جدي كانت ‘إيزيدي’، وعندما احتجينا، وحاولنا التصحيح، لم نلقَ آذاناً صاغية".

لم ييأس حسن، وغيره من إيزيديي عفرين، وكانت لهم محاولة للتواصل مع الحكومة في دمشق: "عام 2010، حاول بعض الوجهاء والمثقفين والحقوقيين، في عفرين وحلب، فتح قنوات تواصل مع دمشق، عبر دار الإفتاء، لبحث أوضاعنا، وتسوية شؤوننا المدنية، ولقينا تجاوباً من المفتي، وعلى أساسها كنا سنذهب إلى دمشق، إلا أن اندلاع أحداث 2011، أوقف كل شيء".

ويُرجع عضو الهيئة الإدارية لاتحاد إيزيديي سوريا مصطفى نبو، الأمر إلى أن الحكومات المتعاقبة على سوريا، لم تعترف بالإيزيدية كديانة قائمة بحد ذاتها، بل عدّوها طائفة إسلامية، مشيراً إلى تحويل قيود نفوس الإيزيديين، من دون علمهم، من قِبل العاملين في سجلات الأحوال المدنية السورية، ما نتج عنه مشكلات في الإرث والزواج.

"تم تغيير أكثر من نصف العائلات الإيزيدية إلى الإسلام، ومنذ ذلك الوقت يواجهون مشكلةً، كون أحد طرفي الزواج مسلماً، والآخر لا. وحسب الشريعة الإسلامية، المسلم الذي يريد الارتباط بإيزيدية، يُعدّ مرتداً. نتيجة لذلك، ومع مرور الوقت، ازداد عدد العائلات التي تغيرت ديانتها الأساسية"، كما يشير نبو في حديثه لرصيف22.

استمرار إخضاع الإيزيديين لأحكام الشريعة الإسلامية في معاملاتهم الخاصة بالأحوال المدنية، سيؤدي إلى ذوبانهم قيداً.

لكنه يؤكد أن بعضهم استطاع تصحيح خانة الدين، واسترجاع كلمة إيزيدي، وذلك بشكل فردي، ومن خلال دفع رشاوى، لكن المشكلة بشكل عام لا تزال قائمة.

والجدير بالذكر أنه، قبل عام 2011، لم تكن هناك أي جهة تمثل الشأن الإيزيدي، وتهتم به في سوريا، فالأمر لم يكن مسموحاً، و"مع تشكيل الإدارة الذاتية، جاء في العقد الاجتماعي لها، الاعتراف بالدين الإيزيدي، وحق أتباعه في إدارة شؤونهم، فتشكل اتحاد الإيزيديين عام 2019"، وفقاً لما يذكره نبو، والاتحاد مكوّن من 11 مؤسسة مهتمة بالشأن الإيزيدي، وموزعة بين سوريا وأوروبا.

ويشير نبو إلى توجيه الاتحاد رسائل إلى الأمم المتحدة، تتضمن مقترحات لضمان حقوق الإيزيديين، قانونياً ودستورياً، في سوريا المستقبل، "فالحكومة السورية لم تحاول التقرب منا، والتعرف إلى مشكلاتنا وحقوقنا، سواء قبل الحرب، أو بعدها، وحتى في الدستور الجديد، ليس هناك اعتراف بنا، ووزارة الأوقاف تسمينا طائفةً، وليس ديناً. من الضروري الاعتراف بنا كمكون ديني، وتصحيح حقل الدين الذي تم تغييره".


وجود مهدد

من جانبه، يقول المحامي ص. محمد لرصيف22: "في المستوى القانوني المنظور، وفي مقدمة الدستور السوري، لا يمكن الحصول على حقوق مستقلة للديانة الإيزيدية، كون الدستور أرجع ما لم ينص عليه القانون، كله، إلى الشريعة الإسلامية، التي لا تعترف بالديانة الإيزيدية أصلاً، وليست هنالك قوانين أخرى تتطرق إلى وضع هذه الأقلية الدينية في سوريا".

وعليه، يشير المحامي إلى أن تسجيل الإيزيديين في خانة الدين، كمسلمين، لم يكن بموجب أي قرار أو قانون، وبعض العائلات ما زالت قيودها إيزيدية، والتغيير حصل وفق أهواء بعض الموظفين، ما صعّب استرجاع القيود كما كانت.

وفيما إذا ناقشت الدولة السورية هذا الأمر معهم، يتابع محمد: "منذ الاستقلال وحتى اليوم، عدّت الدولة السورية وجود الإيزيديين أمراً واقعاً، ولم تناقشه مع أي جهة، أو شخصية اعتبارية، أو روحية". كما يتخوف من أن استمرار إخضاع أتباع هذه الديانة لأحكام الشريعة الإسلامية، في معاملاتهم الخاصة بالأحوال المدنية كافة، سيؤدي إلى ذوبانهم قيداً، إذ إن تعداد الإيزيديين في الواقع، يختلف عن التعداد في السجلات الرسمية.

ويشدد المحامي على ألا يوفر أبناء هذا الدين أي جهد، في سبيل الحفاظ على ما تبقى منهم في سوريا، "وُجدت سابقاً بعض المحاولات الخجولة، وغير المجدية، وكانت عبارة عن رسائل شفهية، وليست وثائق مقدمة إلى المؤسسات التشريعية والقانونية".

"في ستينيات القرن الماضي، عندما نُقلت السجلات المدنية إلى عفرين، تم تغيير ديننا إلى الإسلام، ولم نعلم بذلك إلا عندما بدأنا نسجل أولادنا، ونثبّت عقود الزواج، وعندما احتجينا، وحاولنا التصحيح، لم نلقَ آذاناً صاغية"

وفي تصريح للرئيس المشترك للبيت الإيزيدي فاروق توزو، لرصيف22، يشير إلى بقاء ما يتراوح بين ستة وسبعة آلاف إيزيدي في الجزيرة السورية، بعدما كان عددهم يتجاوز الـ30 ألف نسمة، في 48 قرية، بين عامودا، والحسكة، وتربسبي، ورأس العين، من دون أن تتوفر أرقام دقيقة، لغياب الإحصاءات الرسمية.

وفي منطقة عفرين، في ريف حلب الشمالي، كان هناك ما يقارب الـ25 ألف نسمة في 22 قرية إيزيدية، لكن مع احتلال تركيا المنطقة عام 2018، وممارسات الفصائل المسلحة، من اضطهاد، وقتل، وتدمير، وفرض الإسلام على الإيزيديين، لم يبقَ منهم سوى أربعة أو خمسة آلاف نسمة، وأغلبهم من كبار السن.

كما أن هجوم تنظيم الدولة الإسلامية، عام 2014، على منطقة شنكال التابعة لمحافظة نينوى العراقية على الحدود السورية، وهي موطن الحج والمزارات لأتباع الديانة الإيزيدية، وارتكابه مجازر راح ضحيتها الآلاف، بين قتل وخطف، بالإضافة إلى سبي آلاف الفتيات الإيزيديات، وبيعهن في أسواق النخاسة في الموصل العراقية، والرقة السورية، ذلك كله دفع بالمزيد من إيزيديي سوريا إلى الهجرة نحو أوروبا، ما يهدد وجودهم فيها بشكل حقيقي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard