شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"الجنس أحلى... بالعربي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 2 سبتمبر 202105:35 م

"حبني... إلمسني... أكتر... ما توقف..."، هذه بعض العبارات الجنسية التي يريدني أن أتفوّه بها خلال العلاقة الجنسية. يقول لي: "السكس أحلى بالعربي"، لكنني لست معتادة على التحدث باللغة العربية أثناء اللحظات الحميمة. لا أعلم. ربما لا أجد الكلمات. إنني بالكاد أجد كلماتي حتّى باللغة الإنكليزية، وأحياناً أدير وجهي وأخجل من الكلام".

بهذه الكلمات بدأت روى، السيدة الثلاثينية، جلستها النفسية، معتبرة أن شريكها يطلب منها المستحيل، بينما هي ترى في الأمر غرابة وربما قرفاً.

تعاني روى من برودة جنسية لا تعلم سببها. تعبّر عن مشاكل في التعامل مع جسدها ورغباتها، وهي اليوم في علاقة مع شريك يريد منها انفتاحاً وراحة لا تملكهما.

روى، ومثلها الكثير من السيدات والرجال، تعتبر أن اللغة العربية لا تصلح لأن تُستعمل في السرير، بدعوى أنهاTurn Off أي قاتلة للشهوة الجنسية، وتفضل التخاطب بلغات أجنبية أو عدم التكلم بالأصل أثناء ممارسة الجنس.

البعض يعترف أنه فاقد للمفردات والتعابير ذات المحتوى الجنسي بالعربية، والبعض الآخر يعمّم أن اللغة العربية فيها محرمات تتعلق بمسائل اللذة والنشوة وكل ما هو متعلّق بشهوات الجسد، لذلك فاللغات الأخرى أسهل للتعبير.

هل التحدث عن الجنس باللغة العربية هو عيب وحرام، أم ببساطة "تقيل عالسمع"؟

موسوعة "جوامع اللذّة "... الجنسانية بلا حياء

الجنس هو هبة الله للبشرية ومن المفترض أن نستمتع بها، فكيف نستمتع بشيء لا نفهمه؟

هذه رسالة الكاتب نجم الدين الكاتبي القزويني، الذي كتب موسوعة "جوامع اللذة" المؤلفة من 43 فصلاً، في بغداد في القرن العاشر، والتي ضمت مواضيع متعددة عن الجنسانية، من قواعد النكاح إلى آداب المحادثة والقبل وأوقات الباءة ( أي الجماع ) وصولاً لمساحة الذكر والفرج وغيرها من المسائل المتعلقة بالحياة الجنسية.

ففي أحد النصوص، يتكلّم القزويني عن النشوة النسائية وجرأة المرأة في الحديث الجنسي، ويعبّر عن شوق امرأة لحبيبها الذي لاقاها بعد حين: "ثم ودّعتها وخرجت، وعاودتها بعد أيام شوقاً إليها، فبركت تحتي وقالت لي: أكثِر الّريق وبالغ في الإيلاج واعلم ما تعمل، وعليك بالرهز الصلب، والدفق الشديد... ثم تفجَّجَ، وريقته وأولجته في إستها، فكأنه وقع في حريق وخرج منها مخصوباً إلى أصله...".

وإن كنتم/نّ مثلي لا تعرفون/ن معنى كلمة "رهز"، فهي تعني حركة الجنس أو هزة الجماع التي يعتبرها البعض المرحلة الأخيرة من العلاقة الجنسية، بينما هي قد تكون خطوة تسبق الجماع أو تكون أحياناً كافية لتفريغ الطاقة الجنسية لدى الثنائي.

"حبني... إلمسني... أكتر... ما توقف..."، هذه بعض العبارات الجنسية التي يريدني أن أتفوّه بها خلال العلاقة الجنسية. يقول لي: "السكس أحلى بالعربي"، لكنني لست معتادة على التحدث باللغة العربية أثناء اللحظات الحميمة"

وفي نص آخر، عرّف نجم الدين "الرهز" قائلاً: "فأما الرهز فمنه تهييج الغلمة للرجل ونشاط له وشحذ لقلبه وإثارة شهوته، وجلباً للنيك وفضول إلى قضاء النهمة، كما أن السفن تسرع الجري في الأنهار وتقطع الطريق البعيدة بشدة الحذف. وكذلك الأير يسرع عمله بالرهز والسحق والحك واللمس والعصر. والنيك يطيب بالغمز وكثرة الرفع واخفض والنصب والقبض، والتقديم والتأخير والهمهمة والصهیل والنخير والحمحمة ومداومة الصفق...".

ومن الملاحظ أن الكاتب أعطى صوتاً لرغبات المرأة التي لا تخجل من التعبير الجنسي ولا من إرشاد شريكها إلى مكامن اللذة في جسدها ولا إلى الوضعيات التي تُشعرها بالنشوة.

وقد تناول القزويني مسألة تعديل المزاج الجنسي بالأطعمة الطبيعية والمشروبات، فينصح من أسماهم "أصحاب المزاج الحار اليابس" بتناول البطيخ والسمك الطري والاغتسال بالماء البارد أو الفاتر، بغية حفظهم من أن تشتعل بهم الحرارة الغريزية، أما "أصحاب المزاج البارد اليابس"، فنصحهم بأغذية تساهم في رفع حرارة البدن، كالخبز ولحوم الحملان، وربط في كل ما سبق بين الأطعمة والشهوة الجنسية مع سرد العلاجات الطبيعية لكل مشكلة جنسية.

إضافة إلى ذلك، تطرق الكاتب إلى مسألة أخرى بالغة الأهمية هي المحادثة والقبل، علماً أن العديد من الأشخاص – خصوصاً النساء – يعانين من الجفاف أثناء العلاقة الحميمة، ما يسبب لهنّ الألم وفقدان اللذة وانعدام الوصول إلى النشوة وذلك، كما يراه أطباء الجنس، نتيجة عدم إعطاء المداعبة وقتاً كافياً أثناء اللحظات الحميمة.

وقد استشهد الكاتبي بقول لسقراط الذي ميّز بين الجماع لدى البشر وبين البهائم قائلاً: "الجماع بغير مؤانسة من الجفاء، لأنه يجب أن يكون بين الإنسان الناطق وبين ما هو غير ناطق من الحيوان فضيلة... و لو لم يكن في المحادثة والمزاج إلّا هذه الفضيلة لوجب استعمالها. فكيف وهما يزيلان الحشمة ويبسطان بشرة الوجه، ويوطئان الأنس، وينفيان الانقباض...".

وأسهب شارحاً أن الغزل والمحادثة يجب أن يستمرا بعد انتهاء الجماع، فلا يشعر أحد الطرفين أن الآخر نادم أو بائس أو غير مكتفٍ، فأضاف قائلاً في بيت شعر:

" استرحنا من الخجل/ وفرغنا من العمل

ذهبت حشمة الغزال/ من الجمش والقبل".

غنية تلك الموسوعة، نقرأ فيها فنزداد يقيناً أن العرب لا تنقصهم المعلومات ولا حتى اللغة، لا تنقصهم أيضاً البحوث ولا العلم، فالعصر العباسي، الذي كتبت خلاله تلك الموسوعة، اشتهر بإنجازات عديدة سجّلت للإنسانية جمعاء: من تشييد المكتبات وحركات الترجمة والتدوين، إلى ازدهار الصناعات كصناعة الأقمشة والسجاد والزخرفة، إلى التخطيط العمراني والمدني، حتى أن في ذلك العصر تم رسم أول خريطة للعالم بأسره على يد الإدريسي، مؤسس علم الجغرافيا.

لماذا إذن استيراد لغات أخرى لفهم الجنس أو الحديث عنه؟ لماذا يهاجم أطباء الجنس العرب ويُتّهموا بقلّة الحياء في حال تحدثوا عن الجنس باللغة العربية؟

الجنس المستورد واللغة المنقرضة

في مكتباتنا وعلى صفحات الإنترنت كتب ومراجع عديدة حول كيفية الاستمتاع الجنسي، غالبيتها باللغتين الفرنسية والإنجليزية، أما المراجع المكتوبة باللغة العربية فإما تكتسب طابعاً دينياً أو تكون ممزوجة بكلام إباحي يشعر القرّاء بالذنب لمجرد اللجوء إليها.

ما يدفع للسؤال البديهي حول خلفية ذلك: لماذا الجنس باللغة الأجنبية مسألة طبية وشرعية وعلمية، أما بالعربية فيصبح "تابو"؟ لماذا يتم مزجه، مباشرة أو غير مباشرة، بالدين عبر استعمال مصطلحات اجتماعية تحدد صلاحياته بالمتزوجين حصراً، وتحديداً زواج الرجل بالمرأة؟ ألا يحق للمرأة العزباء الاستمناء؟ ماذا عن مسائل النشوة لدى المثليين/ات؟ ماذا عن المداعبة الجنسية باللغة العربية؟ هل الجنس بالعربي خطيئة؟ هل يُدخلنا النار؟ لما كل هذا التزمت حين يتعلق الموضوع بالمتعة الجنسية؟

هل التحدث عن الجنس باللغة العربية هو عيب وحرام، أم ببساطة "تقيل عالسمع"؟

في الجلسات التحضيرية للزواج المسيحي، يتعيّن على الشريكين حضور ما يسمّى بجلسات تحضير للزواج، تضم مواضيع عن العائلة وكيفية الاهتمام بالشريك/ة، والحوار بين الطرفين وغيرها... الملفت هو التطرق للعلاقة الجنسية كوسيلة للإنجاب فقط، بحيث لا يتطرّق الكاهن إلى مسألة المتعة، وبالطبع لا المدرسة ولا الأهل أيضاً، بينما يختلف الموضوع في الإسلام، حيث ذكرت آداب الزواج ولم تذكر وسائل للمتعة.

الدين إذن يركز على بناء الأسرة كهدف أساسي في العلاقة الجنسية.

في مكان آخر مختلف، مواقع إباحية أجنبية متاحة للمشاهد العربي. هناك لا محظورات ولا زواج ولا أديان.

هناك مفهوم آخر عن المتعة الجنسية. تسجل تلك المواقع نسب مشاهدة عالية لدى العرب، إشارة إلى أن غالبية المحتوى باللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية، فهل نقلّد في السرير ما نشاهد ونسمع خلف الشاشات؟

مسألة أخرى مهمة تجدر الإشارة لها، هي غياب التوعية الجنسية في البلاد العربية، أو اقتصارها على مواضيع مثل الحماية من التحرش الجنسي أو التوعية الجنسية للشابات اللواتي هنّ على مشارف مرحلة البلوغ.

من خلال تلك الوقائع نفهم لماذا تبقى اللغة العربية مغيّبة في الحديث الجنسي لحساب السياسة والدين، المواضيع التي يتكلم فيها الإنسان العربي بانسياب لا مثيل له.

 لماذا الجنس باللغة الأجنبية مسألة طبية وشرعية وعلمية، أما بالعربية فيصبح "تابو"؟  ماذا عن المداعبة الجنسية باللغة العربية؟ هل الجنس بالعربي خطيئة؟ هل يُدخلنا النار؟ لما كل هذا التزمت حين يتعلق الموضوع بالمتعة الجنسية؟

يبقى السؤال هنا: ما فائدة استعمال اللغة العربية للحديث في الجنس؟

يجمع العلماء على تأثير الكلام على تحفيز المخيلة الجنسية وزيادة اللذة خلال العلاقة الجنسية.

في بحث عن الربط بين القراءة والخيال الجنسي، ينقل الكاتب الجنس من الواجب الإنساني إلى مكان آخر من الاكتشافات والخيالات واللذات اللامتناهية، ويشدد على أهمية القراءة في مساعدتنا على فك القيود الاجتماعية والجسدية التي قد نكون أسرى لها، والتي تحدّ من لذّتنا أو تجعل العلاقة الجنسية مملة بعد حين. قراءة الكتب الجنسية، قصص الحب، الأبحاث والكتب تساعد على فهم أجسادنا.

لا شك أن معرفة الجسد وإدراك مكامن اللذة فيه يبقى الباب الأول والأساسي لمشاركته مع الآخر.

الوصول إلى هذا الإدراك يعني أننا كسرنا حصار الفكر واللذة الذي تفرضه علينا مجتمعاتنا الدينية، وبالتالي التجرؤ على تحرير لغتنا الأم، ومعها أجسادنا، من مواضيع الواجب والضرورة، واستخدامها جسر عبور إلى عالم اللذات اللامتناهية.

في الختام، لا بدّ من التذكير بأن الجنس ليس وظيفة ولا واجباً، إنما هو تعبير عن شبق، عن حب وعن لذة... لما لا نجنّد لغتنا بما نحب إذن؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard