شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الديمقراطية في التصريحات وللقنوات الإغلاق… ضربة جزائرية للإعلام بدعوى مخالفة المهنية

الديمقراطية في التصريحات وللقنوات الإغلاق… ضربة جزائرية للإعلام بدعوى مخالفة المهنية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 24 أغسطس 202105:47 م

في الوقت الذي كان فيه الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون يتحدث إلى وزير الاتصالات بلحمير، في أثناء اجتماع مجلس الوزراء، في الثاني والعشرين من آب/ أغسطس الجاري، موصياً إياه بـ"التعجيل في إصلاح الإطار التشريعي للإعلام، مع احترام الحريات الأساسية، ومتطلبات التسيير الديمقراطي للمجتمع"، حسب تعبيره، كانت هناك مذبحة حقيقية تُنفَّذ في حق القنوات التلفزيونية الجزائرية!

مذبحة طالت ثلاث قنوات تلفزيونية، تقرر إغلاقها، أو إيقافها عن البث، ويبدو أن الأمور تسير نحو ما هو أسوأ في الجزائر، في ما يتعلق بملف الإعلام.

أسبوع سحق القنوات الجزائرية

في أسبوع واحد، أطاحت السلطات الجزائرية بثلاث قنوات فضائية، بدأتها بقناة ليناTV، إذ أعلنت وزارة الاتصال الجزائرية في بيان لها، يوم الإثنين 16 آب/ أغسطس، أن نشاط قناة ليناtv، يحدث خارج الأطر القانونية المعتمدة، وهو ما يقتضي إغلاقها نهائياً، وفوراً، مشيرة إلى أن السلطة تسجل، مرة جديدة، سقطاتٍ مهنية خطيرة تقترفها هذه القناة، وقد تؤدي إلى تأجيج الوضع في مثل هذه الظروف الحساسة.

ضيق النظام الجزائري بالإعلام، لم يقتصر على المحلي منه، بل امتدت نيرانه لتطال المحطات الدولية العاملة في الجزائر، والتي أصبحت السلطات تنظر إليها بعين الريبة

وفي أقل من أسبوع، تقرر تعليق العمل في قناة البلادtv، أيضاً، بسبب ارتكابها خروقات تتعلق بعدم احترامها للتوصيات الخاصة بحماية الأطفال والأحداث، وفقاً لبيان الوزارة.

ولم تمضِ ثلاث دقائق على قرار إغلاق قناة لينا، حتى صدر قرار إغلاق قناة "الجزائرية وان"، نهائياً وفوراً أيضاً، بسبب خرق أحد شركاء القناة، قانون النشاط السمعي البصري الجزائري.

ردود أفعال غاضبة

أدى قرار إغلاق القنوات هذا، إلى خلق حالة من القلق، والتخوف، عند المهتمين بالشأن العام الجزائري، فضلاً عن العاملين في الحقل الإعلامي، الذي وصفه البعض بأنه يشهد عملية تطهير، في حين طالب البعض الآخر الدولة بالعمل على الارتقاء بالمشهد الإعلامي، لا خنقه.

حالة التضامن مع القنوات التي أُغلقت، بالتتالي، تجاوزت الإعلاميين إلى منظمات المجتمع المدني، إذ أصدرت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، بياناً قالت فيه: في هذا الوقت العسير، نحن في حاجة إلى تشجيع الإعلام ومرافقته، والإغلاق في هذا الوقت بالذات لا يخدمنا.

القنوات الدولية في الجزائر قد تواجه المصير نفسه

ضيق النظام الجزائري بالإعلام، لم يقتصر على المحلي منه، بل امتدت نيرانه لتطال المحطات الدولية العاملة في الجزائر، والتي أصبحت السلطات تنظر إليها بعين الريبة، متهمةً إياها بنقل الجزء المظلم والسلبي للحراك الذي لم يعد يمثل أطياف المجتمع كافة، حسب تعبير الرئيس تبون.

وعليه، قررت وزارة الاتصال الجزائرية، في شهر حزيران/ يونيو الماضي، سحب الاعتماد من قناة فرانس 24 الفرنسية، مرجعةً قرارها إلى ما وصفته بـ"العداء الجلي والمتكرر لهذه القناة، إزاء الجزائر ومؤسساتها، وممارستها التضليل الإعلامي والتلاعب".

المصير نفسه واجهته قناة العربية، عندما تقرر سحب اعتمادها للعمل في الجزائر، في شهر تموز/ يوليو الماضي، بسبب "عدم احترامها لقواعد أخلاقيات المهنة، وممارستها التضليل الإعلامي والتلاعب"، أيضاً، حسب بيان الوزارة.

أستاذ الإعلام في جامعة الجزائر حكيم بوغرارة، عقّب في حديثه مع رصيف22، على قرار سحب اعتماد القنوات والمكاتب الأجنبية، بقوله: القرار سيادي يخضع لعوامل عدة، ولذلك يجب أن يُدرس في سياقات متعددة، فالقضية تنظر إليها السلطة من زاوية أخرى تتعلق بالمؤامرة، بعيداً عن المراسلين، ومكاتبهم. من هذا المنطق، بات الأمر سياسياً، إذ تعمل كل دولة على محاولة توجيه الإعلام بما يخدم مصالحها.

ويختم بوغرارة حديثه قائلاً: أرى أن الأمر يتطلب تشريعا مرناً، يراعي الاتفاقيات الدولية، والتشريعات الوطنية، لتمكين مراسلي القنوات الأجنبية في الجزائر، من إطار قانوني يعزز حقوقهم، ويوضح الخطوط التي تتعارض مع المصالح الداخلية.

"في الجزائر، نظرية المؤامرة عقيدة، وليست مجرد فكرة. فكلما شعرت السلطة بخطر يهددها، تلجأ إلى فكرة الخطر الداهم، والمجهول"

"نظرية المؤامرة نظرية قديمة، لطالما استعملتها أنظمة سياسية عدة، لكسب تعاطف الرأي العام الداخلي، والخارجي". هكذا يستهل المدير العام السابق لجريدة الخبر علي جري، حديثه مع رصيف22، ويضيف: في الجزائر، نظرية المؤامرة عقيدة، وليست مجرد فكرة. فكلما شعرت السلطة بخطر يهددها، تلجأ إلى فكرة الخطر الداهم، والمجهول. النظام الحالي، يرى أن مهمة الصحافة الترويج لأطروحاته، والدعاية لها، ولمواقفه، تحت مبرر المصلحة العليا للوطن. ولهذه الأسباب، ترفض السلطة إعادة ترتيب المشهد الإعلامي في الجزائر، من خلال تسوية وضعية القنوات التلفزيونية، لأن هذا سيمنحها أدواتٍ قانونية لاستقلاليتها، بعيداً عن التضييق، والرقابة، تحت غطاء نظريات المؤامرة".

في الجهة المقابلة، يرى البعض من متابعي الأحداث في الجزائر، أن البلد يتعرض لمؤامرة حقيقية، عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ويستدلون على ذلك بالهجمات المتتالية التي يتعرض لها، عبر هذه الوسائط، لإسقاطه، وذلك في ظل وضع إقليمي متأزم، ومليء بالمشكلات.

فوضى الإعلام الجزائري

على الرغم من تصريحات السلطة المتكررة، عن تحركها نحو الانفتاح الإعلامي، الذي كان يستحوذ عليه التلفزيون الرسمي، بعد نصف قرن من الاستقلال، إلا أن هذا الانفتاح لم يكن وفق الأسس السليمة، ولم يكن مخططاً له، بقدر ما حتمته الظروف السياسية، والأمنية، في تلك الحقبة، تحت ضغط موجة الربيع العربي، التي مست الجارتين تونس، وليبيا، ودولاً عربية أخرى.

وضعت السلطات في الجزائر القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، في 24 شباط/ فبراير 2014، إلا أنه لم يُطبّق على أرض الواقع، وواصلت القنوات الخاصة العمل كمكاتب أجنبية، وهو ما دفع الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، إلى الإعلان، في مؤتمر صحافي، عن اتخاذ الحكومة قرار إغلاق القنوات غير المعتمدة من طرف الدولة، كلها، في أقرب وقت.

ويعلّق الصحافي صالح بوتعريشت على الفوضى السائدة في قطاع الإعلام في الجزائر، قائلاً: "السلطة الحالية ورثت قطاعاً تسوده حالة كبيرة من الفوضى، بسبب عدم وضع النظام السابق قوانين واضحة لتنظيمه، كما أن امتلاك بعض رجال الأعمال المحسوبين على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لبعض القنوات، دفع المسؤولين الحاليين إلى إغلاقها، فالدولة تريد تصفية قطاع الإعلام، ثم تنظيمه، بطريقة تساعدها على تطبيق أجندتها".

إزاء الفوضى العارمة في قطاع الإعلام في الجزائر، والإغلاق المتتالي لقنوات عدة، يواجه الصحافيون مصيراً مجهولاً، إذ سيحالون قسراً على البطالة، ويصبحون بين ليلة وضحاها، بلا دخل

مصير مجهول ينتظر الصحافيين

إزاء الفوضى العارمة في قطاع الإعلام في الجزائر، والإغلاق المتتالي لقنوات عدة، يواجه الصحافيون مصيراً مجهولاً، إذ سيحالون قسراً على البطالة، ويصبحون بين ليلة وضحاها، بلا دخل، وهم الذين يعانون أصلاً من مشكلات عدة، مثل التأخر في الحصول على الرواتب، وعدم التأمين، من دون نسيان المصاعب الجمة التي تضعها أمامهم السلطات، عند تأديتهم مهامهم، وما يتضمن ذلك من تضييق على حرية التعبير، الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد الاعتقال، والمكوث في غياهب السجون.

وحسب دراسة أجراها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، فإن أزمة فيروس كورونا، تسببت في فقدان 150 ألف وظيفة، سيضاف إلى فاقديها مئات الصحافيين، الذين فقدوا مناصبهم، بسبب إغلاق الحكومة الجزائرية قنواتهم، من دون إيجاد خطة بديلة تسمح لهم بالاحتفاظ بمناصبهم، والنجاة من شبح البطالة، الذي وجدوا أنفسهم فيه، بسبب مشكلات هم ليسوا طرفاً فيها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard