شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
يتحايلن على الحرّ بالبطيخ والملابس الداخلية ويحتالون على الحكومة بـ

يتحايلن على الحرّ بالبطيخ والملابس الداخلية ويحتالون على الحكومة بـ"سرقة" الكهرباء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 22 أغسطس 202106:39 م

"استر يا اللي بتستر"، تمتمت ندى لنفسها وهي تسمع طرقات الباب العنيفة، وترى فزع أطفالها الثلاث.

كانت ندى، الساكنة في حي أرض اللواء الشعبي بمحافظة الجيزة المصرية، تجلس مع أطفالها في حجرة النوم، حيث يوجد مكيفهم الصغير والوحيد، عندما فجأها طرق عنيف على الباب، وكان الطارق هو محصل فواتير الكهرباء، و3 أفراد من مباحث الكهرباء.

طلب المحصّل من ندى سداد 1900 جنيه (121 دولار) قيمة فواتير الكهرباء للشهور الثلاث الأخيرة، وطلبت منه السداد لاحقاً، فهو لم يمر بهم خلال الشهور الماضية، كما أنها لا تملك هذا المبلغ.

"أولادي كانوا واقفين وخايفين".

تقول ندى لرصيف22: "أولادي كانوا واقفين وخايفين، والمحصل وواحد من المباحث بيتكلموا بطريقة وحشة جداً، هنفصل عنكم الكهرباء، وهنشيل العداد، ولازم تدفعي حالاً، وأنا فعلاً مش معايا فلوس... الولاد بدأوا يعيطوا، وهما بيزودوا ضغط وكلام سخيف".

تتابع ندى: "كنت حزينة وغضبانة عشان ولادي، بعد ما كنت باقول إديني فرصة أستلف وأدفع، قلت لهم اعملوا اللي تعملوه، ودخلت وقفلت الباب، وفصلوا الكهرباء فعلاً، ومشوا".

تدخل أحد جيران ندى، وسدد فاتورة واحدة من الثلاث، على أن تسدد البقية خلال أيام، فقبل رجال الكهرباء، وأعادوا التيار، وتطوع أحدهم بالقول: "عشان خاطر الولاد ميقعدوش في الحر بس".

يعمل زوج ندى، مراقب جودة بأحد مصانع الملابس، ويتقاضى 3500 جنيهاً (222 دولار)، أما ندى، ففقدت عملها بعد زواجها، فصاحب الصيدلية التي كانت تعمل بها كمساعدة صيدلي أخبرها بأنه "مبيشغلش مدامات".

كما فقدت عملها الثاني بعد إنجاب طفلها الأول، لرفض صاحب شركة السياحة التي عملت بها منحها إجازة وضع، وكانت ضمن مجموعة من العاملين غير المؤمن عليهم اجتماعياً، لذا تم التخلص منها في المرتين دون أي حقوق.

"التلاعب في العداد لتخفيض الاستهلاك لا يجوز شرعاً"، "في ناس بيقولوا حرام دول شيوخ الحكومة، لا مش حرام طبعاً، الكهرباء زي المية والهوا بتاعتنا كلنا، والحكومة بتحط أسعار مبالغ فيها"

فقدت أسرة ندى، نصف دخلها بعد فقدان وظيفتها، ومع التعثر المتكرر لمحاولات حصولها على وظيفة جديدة، بالكاد يكفي راتب الزوج لتوفير إيجار المسكن، واحتياجات الأسرة من الطعام والدواء ومستلزمات النظافة، وغيرها من احتياجات الصغار المتعددة، كما تلجأ ندى أو زوجها في شهور كثيرة للاقتراض من معارفهم، لذا تضطر الأسرة الصغيرة لتأجيل دفع الفواتير بشكل متكرر.

حصلت ندى، على التكييف كهدية من أسرتها عند زواجها، ولكنها قررت التوقف عن تشغيله، وربما بيعه لاحقاً، بعد الزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء، وزيادة الفاتورة الأخيرة لأكثر من الثلث.

"مفتاح التكييف... ممنوع الاقتراب"

ألِفَت أسرة إنجي في أيام القيظ الشديد المكوث في غرفة المعيشة، حيث يوجد المكيف الوحيد بالمنزل، والذي لا يتم تشغيله باستمرار تجنباً لارتفاع قيمة فواتير الكهرباء.

مرت مصر بأزمة انقطاع الكهرباء بدأت في عام 2010، وشهدت ذروتها عام 2013، وهو ما أثار استياء أسرة إنجي، مثل معظم المصريين المتضررين من الانقطاع المتكرر للتيار في ذلك الوقت، ولكن ذلك لم يوقف تجمعهم في الأيام الحارة مع مشروبات باردة أو مثلجات يستمتعون بها بحضرة الموجات الباردة للمكيف.

انحلت أزمة انقطاع الكهرباء لاحقاً، حتى بات انقطاعها نادراً، ولكن بدأت معها خطة رفع الدعم، وزيادة أسعار الكهرباء.

فوجئت إنجي، تسكن في حلوان بالقاهرة، وتعمل موظفة في خدمة العملاء بشركة خاصة، قبل عدة أعوام بعد عودتها من عملها في يوم شديد الحرارة، وعقب واحدة من موجات زيادة أسعار الكهرباء، بوجود لاصق طبي على زر تشغيل المكيف.

تقول إنجي لرصيف22: "اعتقدت أن التكييف عطلان أو بيكهرب، لكن البيت كله كان متوتر وغضبان، وماما أعلنت الفرمان (الأوامر العليا) مفيش تكييف خلاص، مش هيشتغل، وكان السبب فاتورة بـ 800 جنيه (50 دولار) بعد الزيادات المتكررة لأسعار الكهرباء".

توقفت تجمعات الأسرة المنعشة في الأيام الحارة، ولم تقبل الأم بأي تراجع عن قرارها، خاصة بعد أن سمعت في الأخبار، أن رفع الدعم عن الكهرباء سيستمر، وأن الزيادة التي طالت فاتورتهم ضمن فواتير المصريين لن تكون الأخيرة، وهو ما لا يحتمله معاش الزوج (راتب التقاعد).

اقترح شقيق إنجي على والدته أن يقوم صديقه الكهربائي بتحويل استهلاك المكيف بعيداً عن عدَّاد الكهرباء، وهو ما يقوم به بالفعل عدد من أصدقائه، ولكن الوالدة رفضت، معتقدة أن ذلك قد يعرضهم للمُساءلة القانونية إذا تم اكتشاف أمرهم، كما قد يكون غير جائز شرعاً.

نشرت دار الإفتاء المصرية، قبيل أيام من تطبيق الزيادة الجديدة على فواتير الكهرباء، رد الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، على سؤال لسيدة عن "حكم التلاعب في عدادات الكهرباء لخفض قيمة الفواتير؟ علماً بأن الفواتير تكون عالية أكثر من قيمة استهلاكنا، وبتوصل ١٥٠٠ جنيه (100 دولار)، وكل النفقة التي نحصل عليها من والدي ٤٥٠ جنيهاً (28 دولار)".

وقال عاشور، إن التلاعب في العداد لتخفيض الاستهلاك لا يجوز شرعاً، وشدد على ضرورة التخلص مما وصفه بـ "ثقافة الاستسهال"، والمحافظة على المال العام، لأنه ملك للجميع، ويحاسب الشخص يوم القيامة عن استغلاله دون حق، لذا لا يجب التعامل في المال العام إلا بالطرق الشرعية القانونية.

مضيفاً أن شركات الكهرباء ليس لها مصلحة في زيادة فواتير الكهرباء أو نسبة الاستهلاك على المواطنين، ولذا يجب التعامل مع تلك المشكلة بالشكوى في شركة الكهرباء مرة واثنتين وثلاث.

"سرقة الكهرباء مش حرام"

يستأجر حسن، محلاً صغيراً في منطقة تجارية بالقاهرة لبيع الملابس، ويقوم بتوصيل المكيف الموجود بمحله "من ورا العداد"، استعان بعامل "فني كهرباء" ليقوم بتوصيل الكهرباء للمكيف دون أن يسجل العداد استهلاكها.

يقول حسن (36 عاماً)، أن إيجار المحل المرتفع، وراتب العامل الذي يساعده، وتكاليف النقل وغيرها من النفقات، مع ضعف إقبال الزبائن على الشراء، لا تتناسب مع العائد الذي يخرج من مشروعه، وبالكاد تكفي الإنفاق على زوجته وطفليه، لذا يقوم بسحب الكهرباء بهذه الطريقة لتوفير قيمة الفاتورة.

يضيف حسن: "في ناس بيقولوا حرام دول شيوخ الحكومة، بس لا مش حرام طبعاً، الكهرباء زي المية والهوا بتاعتنا كلنا، وأنا مابضرش حد، والحكومة بتحط أسعار مبالغ فيها، وشرايح ووجع دماغ، أنا مضطر أعمل كده، وبعدين ده مكيف واحد في مكان أكل عيش، أدفع ليه ألف جنيه وأكتر في الكهرباء".

لا يعبأ حسن كثيراً بقرار زيادة أسعار الكهرباء، والذي يتم تطبيقه مطلع تموز/ يوليو من كل عام منذ 2014، ولكنه ارتعب مما سمعه عن سعي شركة الكهرباء لتطبيق تقنية جديدة تمكّنها من ضبط المتلاعبين بالعدادات.

قررت عائشة مقاومة حر الصيف بالملابس الداخلية، طفلتاها لا ترتديان سوى ملابسهن الداخلية، وهي مثلهنّ، وزوجها يستلقي وقت راحته بالفانلة والبوكسر، ويحرص الجميع على تناول البطيخ كثيراً

أعلنت وزارة الكهرباء، في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي عن حملة مكثفة على مستوى الجمهورية للقضاء على سرقات الكهرباء، مُهدّدة بتنفيذ العقوبات التي حددها قانون الكهرباء، وتتضمن عقوبة سرقة التيار الكهربائي الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه (636 دولار) ولا تزيد عن مئة ألف جنيه (6393 دولار) أو بإحدى العقوبتين.

وفي حال تكررت السرقة تزيد العقوبة للحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه (1273 دولار) ولا تزيد عن مائتي ألف جنيه (12739 دولار) أو بإحدى العقوبتين.

وتلزم المحكمة المحكوم عليه برد قيمة مثلي الاستهلاك الذي استولى عليه، وتنقضي الدعوى الجنائية إذا تم التصالح قبل إحالة الدعوى الجنائية للمحاكمة.

يفكر حسن بإغلاق محله، والبحث عن عمل آخر تجنباً للمخاطرة، ولكنه في الوقت ذاته ليس مستعداً لدفع الفواتير بقيمتها الحقيقية، قائلاً: "كده هاشتغل عشان أدفع الإيجار والكهرباء، ومش هلاقي أَأَكل عيالي.. أنا بافكر أقفل المحل لإن اختياراتي دلوقتي إني أتحبس أو أجوّع عيالي".

مقاومة الحر بالبطيخ

أسرة عائشة، أرقّ حالاً من سابقيها، فزوجها يعمل سائق "توك توك" وهي لا تعمل، لذا قررت مقاومة حر الصيف بالملابس الداخلية، طفلتاها لا ترتديان سوى ملابسهما الداخلية، وكذلك زوجها يستلقي وقت راحته بالفانلة والبوكسر، وهي مثلهم ترتدي قمصاناً منزلية قطنية.

تقول عائشة (27 عاماً): "شغل التوك توك مش مستقر، موسم شغال وموسم مش قوي، فلازم نحافظ على مصاريفنا، وفواتير الكهرباء والمية والغاز كله زاد، وكل حاجة بقت غالية، لو وفرنا أكلنا وشربنا وما استلفناش يبقى الحمد لله".

"حمام السباحة بتاع الغلابة".

تتبع عائشة، استراتيجيات مدروسة لمقاومة الحر، فجلد طفلتيها يلتهب مع الحر، وتظهر عليه بثور صغيرة مع ارتفاع الحرارة، لذا ترفع الأم المفروشات عن الأرض، ويجلسن جميعاً بملابسهن الداخلية في غرفة واحدة، حيث توجد المروحة الوحيدة، ولا تمانع أن تترك الطفلتين تلعبان بالمياه التي تضعها في طبق كبير مخصص لغسل الملابس، تضيف: "حمام السباحة بتاع الغلابة".

يعرف زوج عائشة، أن شقتهم القابعة بالدور الأخير بأحد أحياء الإسكندرية، يشتعل سقفها من حرارة الشمس، لذا يحرص إن حصل على إكرامية (عطاء مالي) من أحد الزبائن، أو قضى مشاوير أكثر من المعتاد، أن يشتري البطيخ الذي تحبه طفلتاه، وتثلجه زوجته لتخفف عنهم شدة الحر.

تزايدت فاتورة الكهرباء، التي تدفعها أسرة عائشة، رغم عدم استخدامهم لأي أجهزة كمالية، واكتفائهم بتشغيل الأجهزة الضرورية فقط، ولكن فاتورتهم كثيراً ما تتجاوز ثلاثمائة جنيه (19 دولار)، ليبلغ إجمالي قيمة الخدمات التي تدفعها حوالي 500 جنيه شهرياً (31 دولار)، تضطر كثيراً لتأجيلها لشهور أخرى، تكون أحوالهم المادية فيها أكثر يسراً.

غالباً ستضطر ندى لبيع مكيفها الصغير، ولن تنزع والدة إنجي الشريط اللاصق عن مفتاح تشغيل مكيفهم، وسيضطر حسن لإغلاق محله، وستواصل عائشة وطفلتاها مقاومة الحر بالملابس الداخلية والبطيخ، فخطة وزارة الكهرباء التي بدأت في العام 2014/2015 لرفع الدعم عن أسعار الكهرباء، والتي تزايدت أسعارها لثماني مرات منذ بدء تنفيذها، لن تنتهي بزيادة العام الجاري 2021، والتي تم تطبيقها قبل أيام في شهر آب/ أغسطس، فمن المقرر أن تستمر حتى العام المالي 2024/2025.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard