شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كيف زُجّ انتصار الحجاب في فوز فريال

كيف زُجّ انتصار الحجاب في فوز فريال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 18 أغسطس 202101:47 م
عندما أُعلن عن فوز اللاعبة فريال أشرف، وحصولها على الميدالية الذهبية في الكاراتيه ضمن أولمبياد طوكيو 2020، بكيت من السعادة، وتمنيت لو رأيت ابنتي، وهي مثلها، في يوم من الأيام. فهي أول سيدة تتمكن من تحقيق ذهبية لمصر على مدار التاريخ. وهي أيضاً، أول ميدالية تحصل عليها مصر منذ أولمبياد أثينا عام 2004. لكن البعض عدّ نجاحها انتصاراً للحجاب، بل استخدم الحدث لمهاجمة النساء المدافعات عن حقوق المرأة، والعلمانيات. لماذا؟

ازددت إعجاباً بهذه الفتاة، عندما شاهدت حشداً كبير من أهالي حي المطرية البسطاء، يستقبلونها بحفاوة أمام منزلها، يباركون فوزها، وينشرون البهجة في الشوارع من أجلها، كأنما رأيت بصيصاً من الأمل في تغيير الموروثات الثقافية عند الناس، وإعادة المفاهيم المغلوطة عن المرأة بأنها عورة، خاصةً أن هذه المنطقة أصابها إعياء فكري بسبب المتشددين والمتطرفين الذين بثوا فيها سمومهم.

لم يشغلني إن كانت فريال بحجاب، أو من دونه، فليس من حقي التعليق على ما لا يخصني. ثيابها جزء من اختياراتها الشخصية التي تخصها وحدها، ومسألة لصق نجاحها بالحجاب، تقدير سطحي لا داعي له. لقد أثار تعجبي استغلال الداعية الإسلامي عبد الله رشدي الحدث، بهدف الدفاع عن الحجاب، عادّاً أن كون اللاعبات المصريات الفائزات في أولمبياد طوكيو محجبات، مرتبط بتفوقهن. هو يريد بهذا إفهام مريديه من المراهقين، أنه لا ينام، من أجل الدفاع عن ثوابت الإسلام، وفرائضه، وأن النساء الداعيات للحريات، والمدافعات عن حقوق المرأة، "منفلتات"، في نظره، ويسعَين إلى هدم ثوابت الدين، والدين في نظره: "المرأة والحجاب".

لكن، ألم يتساءل هؤلاء المريدون، أو المنصتون للشيخ، لماذا لا يتحدث عن الظلم الذي تتعرض له المرأة داخل المجتمعات العربية كل يوم؟ لماذا لا يدعو أنصاره إلى غض البصر، وكف الأذى، عن النساء، وعدم التحرش بهن؟

أثار تعجبي استغلال الداعية الإسلامي عبد الله رشدي الحدث، بهدف الدفاع عن الحجاب، عادّاً أن كون اللاعبات المصريات الفائزات في أولمبياد طوكيو محجبات، مرتبط بتفوقهن

بعض رجال الدين، ويمكنني وصفهم بتجار الدين، الذين لا يعلمون عن الله شيئاً، ويستخدمون اسمه للتربّح، يحاولون أن يشيعوا بين عامة الناس، أن النساء المدافعات عن حقوق المرأة، والعلمانيات، والعلمانيين، هن أعداء الإسلام، لأن النسويات يحاولن تشجيع المرأة على العيش بحُرية، وأخذ حقوقها كلها في الحياة، وعلى الوقوف على قدميها، وعلى ألا تعيش مكسورة ذليلة تحت شفقة الذكورية المجتمعية ذات الغلاف الديني الذي جعلها ناقصة عقل، وناقصة دين، وحولها من إنسان حر إلى أَمَةٍ للرجل. لكن ألا يعلم هؤلاء أن النساء الناشطات في قضايا المرأة، لا يدعين إلى ارتداء الحجاب، أو تركه من الأساس. بل يدافعن عن المرأة، وحقوقها، مهما كانت هويتها الدينية، لكي تواجه الظلم الذي تتعرض له في أي مجتمع تعيش فيه.

منذ فترة قصيرة، انتشرت واقعة فتاة الفستان؛ الطالبة التي تعرضت للتنمر في جامعة طنطا، بسبب ارتدائها فستاناً، عند ذهابها لأداء امتحانات نهاية العام الدراسي، وقامت المراقبات بسؤالها عن ديانتها، بل قمن بوصفها بأوصاف غير لائقة، بسبب خلعها الحجاب، ما دفع الفتاة لتحكي عما حدث معها عبر حسابها على فيسبوك. ولما أصبحت قصة هذه الفتاة قضية الرأي العام المصري، وردت في تصريحات إعلامية، على لسان رئيس الجامعة، نتائج الفتاة في نهاية العام الدراسي، لتشير إلى رسوبها في الكثير من المواد. منذ متى والإعلام ينشر نتائج الطلاب على ألسنة رؤساء الجامعات؟ هل وصل ترك الفتاة الحجاب، وارتداؤها فستاناً، إلى حد تضييع مستقبلها؟ ظهرت تعليقات غريبة من البعض تقول إن عدم التزام الفتاة بالحجاب، جعلها فتاة فاشلة، ما دفع أحد رجال الأعمال المعروفين في مصر ليعلن عن استعداده لمساعدة الفتاة في الالتحاق بأي جامعة ترغب في الالتحاق بها.

عندما أرادت الأجهزة الأمنية في مصر، بعد عهد جمال عبد الناصر، أن يترك المواطنون تقديس عبد الناصر، والفكر الناصري، جعلوا الناس تدمن الدين. فسمحوا للمضللين أن يتكلموا بلسان الله، وأن يحاسبوا العباد بدلاً منه، فأصبح الحجاب رمزاً من الرموز الدينية التي يُعد "خلعها" حرباً على الإسلام.

من يريد إفهام عامة الشعب المصري، وخاصةً متوسطي الثقافة، ومحدوديها، ومدمني الدين، أن محاربة الإسلام جارية على قدم وساق، هو نفسه من يستخدمهم لتنفيذ أجندات سياسية بغطاء ديني، مثل السلفيين، وجماعة الإخوان المحظورة. هؤلاء هم المستفيدون من العبث في عقول البسطاء، من خلال بث القصص المزيفة.

من يريد إفهام عامة الشعب المصري، وخاصةً متوسطي الثقافة، ومحدوديها، ومدمني الدين، أن محاربة الإسلام جارية على قدم وساق، هو نفسه من يستخدمهم لتنفيذ أجندات سياسية بغطاء ديني، مثل السلفيين، وجماعة الإخوان المحظورة

قبل بضعة أسابيع، ادّعت سيدة أنها مُنعت من الدخول إلى أحد المقاهي الراقية، بسبب ارتدائها "عباءة". وقامت بنشر فيديو، هي الأخرى، تشكو فيه إدارة المقهى، وسوء تعاملهم معها. بينما يُظهر ما رصدته كاميرات المراقبة، أن ما جرى كان عكس ما ادّعت. أصدر المسؤولون عن المقهى بياناً يوضح حقيقة ما زعمته، وأنهم سيقومون بإجراء قانوني ضدها، ويتهمونها بالتشهير. بعد نشر الفيديو، سارعت صديقة لي تعمل في إحدى الصحف المصرية، إلى الذهاب إلى المقهى، وهي ترتدي عباءة، لكن لم يحدث معها أي شيء على الإطلاق. لماذا ينتشر هذا النوع من القصص؟ لأن هناك من هو معني بأجندات سياسية، لإفهام البسطاء أنه تتم محاربة الإسلام في مصر من قبل التنويريين. لذا يحاولون إذاعة أن المرأة المحجبة مقهورة، ولا تحظى بالفرص، مثل المرأة غير المحجبة.

نذكر أيضاً قصة الأم التي قامت بدهس ابنتها، على الطريق الدائري في الإسماعيلية، خلال الأيام الماضية، بعد أن نشبت بينهما مشادة كلامية حادة، وذلك بسبب رغبة الفتاة في ترك الحجاب، وإيمانها بحقها في الحياة، وحقها في حرية الاختيار. لكن والدتها، مثل الكثيرات من الأمهات اللواتي شربن سمّ رجال الدين، واندفعن لإجبار بناتهن على الفضيلة المزيفة. لم يتبقَ أمام الفتاة إلا حماية نفسها بكتابة تدوينة على مواقع التواصل، تستغيث فيها. وهذا نموذج آخر تظهر فيه النتيجة الواضحة لما استطاع أن يفعله تجار الدين بالأهالي، حتى تخطّى إدمان الدين حاجز الإنسانية والحريات.

سُعدت من قلبي كله، بفوز فريال، والبطلات المصريات الفائزات كلهن. لا يشغلني دينهن، وشكل لبساهن. يهمني أنهن حققن نجاحاً باهراً فحسب، وأصبحن بذلك قدوة لغيرهن من الفتيات. هنيئاً لجميعهن، وهنيئاً لمن شاركهن لحظات النجاح كلهم، من دون أن يستغل ملابسهن، للدفع بقضايا وهمية إلى الرأي العام.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard