شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"البيت الوقف"... كيف نضع حداً للطلاق المنفرد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 22 أغسطس 202110:52 ص

ربما شاهد البعض الفيلم الذي أُنتج في ثمانينيات القرن الماضي، بعنوان "آسفة أرفض الطلاق"، والذي يحكي قصة زوجة ترفض الاستيقاظ فجأة على خبر طلاقها، بدون استئذانها، بل وبدون علمها أيضاً.

ربما أراد الفيلم فضح التناقض الرهيب بين حق الرجل في إيقاع الطلاق في أي وقت، وبأية طريقة، بينما لا تملك المرأة أية حقوق موازية لتقرير مصيرها.

لكن مَن يدري؟ ربما جاء العمل الفني كذلك ليطلب، أو لنقل ليستشرف، واقعاً أكثر عدالة، لا تكون فيه المرأة مفعولاً به، بل فاعلاً أساسياً، بيده ذات الأدوات التي يمتلكها الرجل.

فكما نعرف جميعاً، يمثّل الفقه مرجعية لقوانين الأحوال الشخصية في العديد من البلدان العربية، وبينما يَلزم الزواج الإيجاب والقبول بين الزوجين، نجد أن الطلاق يتم بلفظ يتفوه به الزوج.

لذلك، يبقى الطلاق مجرد أداة خاضعة لأهواء الرجل، يستخدمها كتهديد للزوجة، أو لهدم الأسرة بالكامل، فنجده يلوّح بلفظ الطلاق بمناسبة ومن غير مناسبة، كنوع من فرض السيطرة، ليس إلا.

أما المرأة التي تريد الطلاق، فغالباً ما تضطر للسير في العديد من الإجراءات القانونية، وانتظار قول الفصل من المحكمة بعد شهور أو سنين من بداية القضية، وتبقى في حالة "لا معلّقة ولا مطلّقة"، أو كـ"البيت الوقف"، كما يُقال.

الطلاق الشفهي

تتعرض النساء للعديد من المشاكل حينما يردن الطلاق. تشير الأستاذة عتيبة مرعبي، المحامية وإحدى مؤسسي مركز سبوتلايت للقانون وحقوق الإنسان في لبنان، إلى أن سلطة الرجل في إيقاع الطلاق بإرادة منفردة يعرّض المرأة لمشاكل عدة، فمثلاً إذا سافر الزوج أو اختفى، أو قُتل، أو تزوج من أخرى وانتقل إلى مكان آخر، وهذه حالات واقعية حدثت خلال الحرب السورية، تبقى المرأة على ذمته لسنوات، ولا تستطيع تطليق نفسها لأن الطلاق للغيبة أو الهجر يحتاج إلى دعوى وإجراءات طويلة وقاسية.

وتضيف لرصيف22 أنه لا يزال يُعتَدّ بالطلاق الشفهي في لبنان، وفي هذه الحالة، على الزوجة اللجوء إلى المحكمة لرفع دعوى حقوق مَهرية، وهو ما يحتاج إلى دفع رسوم تفرضها الدولة على المطالبات المالية، وفي معظم الحالات تحتاج إلى محام وهذا أيضاً مكلف.

والطلاق الشفهي لا يزال معمولاً به حتى الآن في عدد من الدول العربية، ويضيع الوقت والجهد والمال ووقت المحاكم ودور الإفتاء في محاولة إثبات أو نفي وقوعه.

وفقاً للإحصاءات، يُعرض على دار الإفتاء المصرية نحو 3200 فتوى شهرياً، حول الطلاق، وكذا بلغ عدد الأسئلة الخاصة بالطلاق التي ترد إلى دائرة الإفتاء العام بالأردن نحو 15.3% من مجمل الأسئلة.

وفي محاولة للبحث في البدائل، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد دعا إلى تنظيم الطلاق الشفوي في وقت سابق. وبعد ترحيب هيئة كبار العلماء في الأزهر بدايةً بالبحث في الموضوع، إلا أنها رفضته بعد ذلك.

"نطمح إلى إصلاح شامل، ينهي مركزية الطلاق من طرف واحد، بحيث لا يتم الطلاق إلا في المحكمة، ولا يقع إلا بعد دفع المستحقات المالية..."

وفي بيان لها، أقرت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف وقوع الطلاق الشفوي الصادر عن الزوج الواعي بالألفاظ الشرعية للطلاق، مستندة إلى فعل المسلمين منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام، دون إشهاد على الطلاق أو توثيق له. ولكن على المُطلِّق أن يبادر بتوثيق الطلاق، ليحافظ على حقوق طليقته وأبنائه، ولولي الأمر أن يسنّ تشريعات تضع عقوبة تعزيرية تردع مَن يمتنع عن التوثيق.

لا أدري لماذا يضع ولي الأمر العقوبات التعزيرية لمَن يمتنع عن التوثيق، بينما يمكنه جعل التوثيق إلزامياً، وجعل الطلاق لا يقع إلا في المحكمة، حسماً للأمر وحفظاً للحقوق.

وهنا، يرى الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن "الطلاق الشفوي لا يقع ولا قيمة له في ظل العصر الحالي"، مشيراً إلى أن الله تعالى أمرنا بكتابة الدين، فكيف لا نكتب ما يوثق الأعراض؟

وفي ذات السياق، أكد مفتي الجمهورية المصرية شوقي علام أن "عقد الزواج وُجِدَ بيقين وذلك بحضور الأهل والمأذون والشهود والناس، وهذا العقد لا يُرفع إلا بيقين بمعنى أنه يجب أن نتيقن أن هذا الزوج قد تلفظ بالطلاق، وهو قاصد إنهاء العلاقة الزوجية".

ولكن في الواقع، نرى أن عقد الزواج يتم بيقين، بحضور الشهود والناس، ويُرفع بـ"يقين" مختلف، وهو رأي الزوج فقط! ماذا لو كان الزوج يكذب ليتهرب من مسؤولياته المادية؟ كيف نضع مصير الأسرة بكل أفرادها رهن ضمير أحد أفرادها فقط، وقد يكون فاسد الذمة؟

الطلاق وقت الغضب والحلقة المفرغة

على نفس المنوال، يلجأ بعض الرجال للمماطلة من خلال الادّعاء بأن لفظة الطلاق قد خرجت وقت الغضب، ومن ثم يشككون في وقوعه. ويتم تقسيم الغضب فقهياً في هذه الحالة إلى ثلاثة مستويات:

ـ الغضب الشديد الذي يزول معه العقل والإرادة، وبالتالي لا يقع الطلاق.

ـ الغضب البسيط الذي لا يؤثر في العقل أو الإرادة، وهو ما يقع فيه الطلاق.

ـ الغضب المتوسط، وهو من ناحية لا يؤدي إلى فقدان الوعي أو الإدراك بالكلية، لكنه يؤدي إلى حدوث بعض الخلل في سلوك الإنسان، وهنا اختلف الأئمة، فرأى الجمهور وقوع الطلاق بينما رجّح ابن تيمية وابن قيم الجوزية من الحنابلة، وابن عابدين من الحنفية، عدم وقوع الطلاق خلال هذا النوع من الغضب.

هذا ما جاء كإجابة عن سؤال ورد إلى المجلس الإسلامي للإفتاء، في بيت المقدس.

"يبقى الطلاق مجرد أداة خاضعة لأهواء الرجل، يستخدمها كتهديد للزوجة، أو لهدم الأسرة بالكامل، فنجده يلوّح بلفظ الطلاق بمناسبة ومن غير مناسبة، كنوع من فرض السيطرة، ليس إلا"

وبهذا تكتمل أمامنا أركان الخطة المحكمة، والحلقة المفرغة التي تدور فيها الزوجة بلا طائل: يبدأ الرجل بالإنكار، فإنْ تأكد ذلك عن طريق شهود أو غيره، يدعي بأنه طلق في لحظة غضب!

خطة مضمونة، تجعل عائلات بالكامل على المحك، ونساء يمضين أعمارهنّ لا هن متزوجات ولا مطلقات، مسلوبات الإرادة والتصرف.

ما هذا؟ حقاً ما هذا؟

هل هذا هو مراد رب العالمين؟

وإذا كانت بعض القوانين تعطي سلطة كهذه للزوج، فلمَ لا تعاقبه إنْ أساء استخدامها أو ماطل في إيقاع الطلاق؟

لماذا لا يوجد أي نوع من العقاب على الرجل الذي يمسك زوجته ضراراً، مع أن هذه الحالة بالذات وردت بشأنها عدة نصوص قرآنية، ولا تحتاج إلى اجتهاد فقهي.

يقول طاهر فاروق، الباحث الشرعي في دار الإفتاء المصرية لرصيف22: "يحرّم شرعاً على الزوج أن يترك زوجته معلقة دون فرقة مع استحالة الحياة الزوجية بينهما، وذلك لأن الإسلام ينظر إلى منظومة الزواج على أنها قائمة على ‘الفضل والمعروف’ في حالة الاستمرار وكذلك في حالة الفرقة".

ويضيف: "يجوز للقاضي إذا رُفعت إليه دعوى طلاق، أن يُوقع الطلاق وأن يُفرّق بين الزوجين دون حتى حضور الزوج، والقاضي هنا، بناء على منظومة الفقه الإسلامي، نائب عن الإمام أو ولي الأمر وفي الدولة الحديثة عن رئيس الجمهورية، في تنفيذ المنازعات، فيوقع هو الطلاق".

وتكون الزوجة في هذه الحالة مطلّقة طلقة بائنة لا يجوز لزوجها في هذه الحالة أن يُرجعها إلى عصمته، "إلا برضاها بعقد ومهر جديدين".

إصلاحات لا غنى عنها

ما يجعلنا نتمسك بالأمل هو وجود دول في المنطقة قامت بإصلاحات هامة في قوانين الطلاق، أدّت إلى تفادي أهم المشكلات التي يحدثها الطلاق المنفرد من قبل الزوج، وحافظت على حقوق الرجل والمرأة معاً.

 هذه الإصلاحات جاءت كلها بالبناء على اجتهادات فقهية، سنذكر ثلاثة منها فقط:

1ـ المملكة العربية السعودية: أعلنت أنه سيكون توثيق فسخ عقد الزواج (الطلاق) أمام المحكمة، إلزامياً للزوجين، وكذا إقرار الحقوق المترتبة على الطلاق من حضانة ونفقة وغيرها، وذلك بعد قرار وزير العدل السعودي، بأنه "لا طلاق إلا بحضور الطرفين أمام المحكمة"، مما ينهي مماطلة الأزواج، وما يترتب على ذلك من عدم استطاعة الزوجة مباشرة حياتها أو الزواج مرة أخرى، أو عمل أي إجراء يتطلب توقيع الزوج. كما قرر وزير العدل تنظيم دعاوى الفرقة، إما بالصلح أو بالقضاء خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من الجلسة الأولى.

2ـ تونس: يجب أن يتم إنهاء الزواج في المحكمة. ومن حق الأزواج والزوجات على حد سواء، تحديد أسباب إنهاء الزواج، ولا يتم الاعتراف بالطلاق الذي يحدث من طرف الزوج فقط.

3ـ المغرب: تعطي مدونة الأسرة للزوجة حق التطليق إذا نصت على ذلك في عقد الزواج، كما تنص على أن حقوق المرأة المطلقة يجب أن تُكفل قبل الإذن بالطلاق. كذلك يمكن للرجال والنساء على حد سواء طلب الطلاق عن طريق المحكمة بسبب الشقاق، مع وضع الحد الأقصى للحصول على الطلاق بستة أشهر، مما يضمن حياة طبيعية للطرفين، بلا استنزاف لطاقتهم أو مواردهم. كما استجابت المدونة لمشاكل النفقة، فنصت على توفير سكن لائق للمحضون، كواجب مستقل عن بقية عناصر النفقة، مع الإسراع بالبت في قضايا النفقة في مدة أقصاها شهر واحد.

كما نرى، حاولت هذه الإصلاحات الجزئية تحقيق العدل، بحيث يكون طلب الطلاق مكفول للزوجين، وكذا وضعت إطاراً زمنياً لعملية الطلاق وما يترتب عليها.

ولكن لا يمكننا غض الطرف عن حقيقة أن وضع النساء أصعب من وضع الرجال بشكل عام، من حيث طلب الطلاق، كما قد يتعرضن للتمييز في الأنظمة القانونية التي يهيمن عليها الرجال، حيث غالبية القضاة والمحامين من الرجال.

لذلك نطمح إلى إصلاح شامل، ينهي مركزية الطلاق من طرف واحد، بحيث لا يتم الطلاق إلا في المحكمة، ولا يقع إلا بعد دفع المستحقات المالية، كما يتم منع رد الزوجة خلال فترة العدة، من طرف واحد. هذه بعض الإصلاحات الجوهرية والضرورية، التي طال انتظارها لتكفل التعامل مع المرأة ككائن كامل الأهلية يستحق الإنصاف والكرامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard