شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
إنها قصة حبّ وحرب... أحمد شاه مسعود كما روته زوجته

إنها قصة حبّ وحرب... أحمد شاه مسعود كما روته زوجته

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 18 أغسطس 202104:54 م

"لا أعرف من أين أبدأ لفرط ما أحبّ أن أتحدث عنه؛ هذا الرجل المميز، الراقي، الفاضل، والعاشق للأدب والتاريخ؛ البطل في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي والمقاومة أمام طالبان، الذي تزوج من فتاة بسيطة ذات السابعة عشرة مثلي، وبذل الحبّ لها هو أحمد شاه مسعود. ولكي تعرفوا لماذا أنا وهو، علي أن أبدأ بالقصة منذ بدايتها. لا أدعي أنني أروي التاريخ الواسع والمهم لبلدي، بل أريد فقط أن أبقى في مكاني بكل تواضع؛ المكان الذي كنت عليه برفقة زوجي. ما أريد أن أرويه هو قصة حب، بالإضافة إلى أنه قصة حياتي كامرأة أفغانية مقيمة في وادي (بَنجشير)، وعاشت الحربَ لأربعة وعشرين عاماً."

بهذه الكلمات تبدأ صديقة مسعود، زوجة البطل الأفغاني ووزير الدفاع، أحمد شاه مسعود، الذي قتل عام 2001، حديثها عن زوجها في الكتاب الذي يتطرق إلى حياته وشخصيته عبر حديث الزوجة إلى المراسلة الفرنسية، ماري فرانسواز كولومباني، ومترجمتها شكيبا هاشمي، مديرة مؤسسة "أفغانستان آزاد" (أفغانستان الحرة) غير الحكومية. وقد صدر الكتاب بالفرنسية عام 2005، تحت عنوان (Sadiqa Massoud Pour l’amour de Massoud) وتمت ترجمته إلى الفارسية عام 2009. وقد حاز الكتاب عام 2005 على جائزة "verite" للصحافة.




فضلاً عن أن الكتاب يتحدث عن جوانب حياة أحمد شاه مسعود الشخصية، كونه أباً لستة أطفال وزوجاً، ميزة الكتاب أنه يفتح نافذة مباشرة نحو العالم الأفغاني من منظور امرأة.

يحتوي الكتاب على مقدمة للكاتبتين، بالإضافة إلى نص لأحمد ولي مسعود، أخ أحمد شاه، والذي ينهي نصه بمقطع شعر كان يحبّه أحمد شاه، هو العاشق للكتب والشعر الفارسي، ولا سيما حافظ الشيرازي،  وجلال الدين الرومي، والشاعرة الإيرانية سيمين بِهبهاني:

"حين يتناثر الغبار من قبري إلى الهواء

سأكون حياً من الحبّ وقلبي يخفق".

وينتهي الكتاب بصور لمسعود مع أبنائه. وبين هذا التقديم وتلك الصور، يتضمن الكتاب 15 فصلاً، تبدأ بحياة الزوجة قبل زواجها من مسعود، لتتواصل حكايات وذكريات حياتهما الزوجية.

پَري گُل أو صديقة… الزوجة العاشقة

پِري گُل (ويعني في الفارسية الملاك-الزهرة)، التي كان يناديها مسعود "پري"، وعند زواجها اختير اسم "صديقة" لها وفق التقاليد العائلية، تقول في بداية الكتاب إنها ولدت في قرية "بازارَك" بالقرب من نهر "بَنجشير"، على بعد مئة كيلومتر من كابول، وتصف مسقط رأسها: "إن تخيلتم أكثر أماكن الدنيا هدوءً، فعند ذلك يمكنكم تصور المكان الذي ولدتُ فيه."

في المرة الثانية، حين تقول له ماري فرانسواز إن أم أبنائه امرأة خارقة، وشجاعة، وذكية، "تتهادى ابتسامة إلى فم (أسد بَنجشير) لتنير محيّاه، وتترك عشرات التجاعيد حول عينيه اللوزتين."

كانت پَري طفلة حين وجدت بلدها محتلاً من قبل الاتحاد السوفيتي، وهدفاً للنار والرصاص والقنابل والانقلاب، فتروي خلال الكتاب هروب أسرتها من مكان إلى آخر سعياً للبقاء أحياء، وفقدانها كثيراً من أقاربها خلال عمليات القصف، ومشاهدتها لجثثهم المتحولة إلى شظايا، بكاءها عليهم، والعيش بخوف من أن تفقد أباها الذي كان قائداً في حركة أحمد شاه. الحرب ضد الاحتلال السوفيتي كانت قد شردت العوائل والناس العزّل وحرمت الأطفال من الذهاب إلى المدارس، ومن بينهم صديقة.

كانت صديقة في السابعة عشرة من عمرها حين تزوجت من أحمد شاه الذي كان يكبرها بسبعة عشر عاماً. يسمع أحمد شاه ذات ليلة حديثاً لصديقيه عن پَري وخصالها الحميدة وجمالها، فيسارع لأبيها ليطلب يدها. يقول له الأب "إنك تحتاج إلى امرأة ناضجة"، لكنه يقنعه في النهاية، ويطلب منه أن يسألها رأيها في الأمر، وفي النهاية تقبل الفتاة، فيتمّ الزواج سرّاً.

تذكر پَري گُل أنها منذ الطفولة كانت تعرف أحمد شاه او كما كانوا يسمّونه "أمير صاحب"، وحين كانت برفقة عائلتها المناضلة في "بنجشير"، كانت تحبّ النظر إليه؛ "كان أبي يزورنا بين الحين والآخر، برفقة أمير صاحب، فيستقرّ الأخير في خيمتنا. كنت أحب أن أنظر إلى أمير صاحب. إنه كان مسرحاً لوحده. كان يسير على طول الأرض وعرضها بخطوات كبيرة، بينما كان غارقاً في أفكاره. " وتواصل: "لا تسألوني بماذا كنت أفكر حينذاك وأنا أنظر إليه، فلم أكن سوى طفلة، بعيدة بآلاف الفراسخ من تصور ما كان سيحدث في ما بعد."

وحين يلتقيان لأول مرة ليسألها أحمد شاه عن رأيه في الزواج منه، تخبئ رأسها خجلاً خلف كتف أمها. يسألها مسعود إن كانت مهيأة للزواج منه، وتحمل العبء الثقيل الذي يحمله على عاتقيه. "لا أريد أن أكفر! ولكن تراءى لي كأن الله كان على الأرض ويحدثني. التفتُّ نحو أمي، وقلت: نعم."

لقاء پَري گُل

تقول ماري فرانسواز إنهما جاءتا عام 2001 بطائرة مروحية من طاجيسكتان، حيث قاعدة مسعود العسكرية الأساسية خارج البلاد، إلى أفغانستان. "إن لم يكن صوت الصواريخ التي كانت تُطلق بين حين وآخر وتُسمع من البعيد، كان من الممكن الظنّ بأن أفغانستان تعيش بسلام وأمان." إلا أن "طالبان كانوا على بعد خمسين كيلومتراً من الوادي، ويزيد غضبهم بعد أن تمّ الترحيب بمسعود في شباط/فبراير الماضي (2001) في أوروبا."

كانت شكيبا قد التقت مسعود من قبل لعدة مرات من أجل المحادثات حول وضع النساء في أفغانستان، إلا أنهما (هي وماري فرانسواز) التقتا مسعود مرتين؛ مرة من أجل أن تطلبا منه السماح بالحديث إلى زوجته ولقائها، والمرة الثانية من أجل تقديم الشكر له. في المرة الثانية، حين تقول له ماري فرانسواز إن أم أبنائه امرأة خارقة، وشجاعة، وذكية، "تتهادى ابتسامة إلى فم (أسد بَنجشير) لتنير محيّاه، وتترك عشرات التجاعيد حول عينيه اللوزتين."

بعد مرور ثلاثة أسابيع على هذا اللقاء، في 9 أيلول/سبتمبر 2001، "تمّ قتل مسعود على يد الذين فجروا ناطحتي السحاب في نيويورك بعد يومين على قتله؛ مثلما كان قد تكهن من قبل في باريس، وستراسبورغ، والبرلمان الأوروبي، ولم يُسمع كلامه: (الإرهاب قد تجاوز المناطق العشائرية في باكستان، وسوف يستولي على العالم)."

بعد رحيل مسعود واصلت المحاورتان لقاء صديقة؛ "عندما التقينا صديقة مسعود في المرة المقبلة، وصفنا لابتسامة القائد مسعود حين تحدثنا له عن زوجته، كان أجمل هدية منا لتلك المرأة ذات الرابعة والثلاثين، التي أضناها رحيل زوجها."



وتواصل الكاتبتان أنه خلال هذا اللقاء قبلت صديقة تأليف كتاب عن زوجها؛ "أن يطلب القائد منها التجشم للقائنا، وإبداء آرائها لمجلة (إل)، كان أمراً غير مسبوق. هي سمحت لنا أن ندخل فضاءها الخاص."

كونت السيدتان صداقة مع الزوجة، فالتقين عدة مرات ولساعات طويلة في "بَنجشير"، ثم تجري لقاءاتهن في إيران، حيث انتقلت صديقة مع أبنائها بعد رحيل مسعود.

أحمد شاه مسعود... من طالب الهندسة المعمارية إلى وزير الدفاع

تتداول مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام أغنية تنادي كلماتها المناضل الأيقونة أحمد شاه مسعود: "أين أنت يا مسعود؟ إنهم احتلّوا بَدَخشان". البطل الأفغاني الذي لا يريد الكتاب التركيز على بسالته خلال الحرب وجهوده من أجل النجاة ببلده، بل إسدال الستار عن وجهه العاطفي والعائلي.

"حين كان ينزل الدرجات، لم يرفع عينه مني. هبط بهدوء من الدرجات التي تمرّ من بين الحديقة، وفي كل درجة كان يلتفت نحوي، وهناك توادعنا مرة أخرى بالنظرات."

الرجل الذي يستغيث به أبناء شعبه اليوم، ولد سبعة عشر عاماً قبل زوجته، في وادي "بَنجشير" أيضاً، وبقرية قريبة من مسقط رأسها. حين كان طالباً في فرع الهندسة المعمارية في كابول، دبّر "داود خان" انقلاباً ضد ابن عمّه "ظاهر شاه"، ما أدى إلى استيلاء الشيوعيين على البلد. بعد عامين، أي في 1975، قام مسعود وأصدقاؤه الذين كانوا طلاباً ذوي انتماءات إسلامية، بانقلاب، آل بالفشل، وتم ملاحقتهم، فتحول مسعود الشاب والطالب إلى مناضل ميليشيا، كما انتقل منزله إلى الجبال والوديان.

ناضل مسعود لسنوات ضد الاحتلال السوفيتي، وأصبح بطلاً ذا هيبة ومقدرة، إلى أن تراجع الروس عام 1989، بعد كثير من المعارك. في عام 1992، تسلم رباني رئاسة البلد وأصبح مسعود وزيراً للدفاع، إلا أن الحرب الأهلية بدأت في أفغانستان إثر زلات نائب رباني في الحكم، صبغة الله مجددي.

تذكر الزوجة أنه في تلك الليالي كان يذرف الدموع إلى جانبها، ويقول: "قتال الأفغاني ضد أخيه، أشدّ وطأة من القتال ضد الجيش السوفيتي." كان يحاول مسعود تهدئة الوضع، وإعادة السلام إلى أفغانستان وإن كان ثمنه حياته.

حينذاك كان بعض طلاب العلوم الدينية في باكستان، والذين أسموا أنفسهم "طالبان" يحاولون تقوية حركتهم، ولم ينتبه أحد لهم. وعام 1994 حين ذاع صيتهم مع أعمالهم الإجرامية كان الوقت قد تأخر على استدراكهم. إنهم اغتنموا الفرصة ليأتوا إلى أفغانستان، ويسيطروا على كثير من مناطقها، فبدأت معركة مسعود ثانية، وهذه المرة ضد طالبان، ومن قاعدته في "بنجشير".

بعد سنوات ذهب مسعود إلى أوروبا لينبّه العالم من خلال حديثه في الاتحاد الأوروبي بخطرهم المتزايد، إلا أن نداءاته تحولت إلى حقد انفجر في وجهه عام 2001، ثم إلى تفجير 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة.

من الأرجوحة إلى الموت

تذكر پَري في نهايات الكتاب أنهم كانوا يصورون على الأرجوحة في البيت مع أطفالهما، في نهايات صيف 2001: "صوّرنا تحت الأشجار. كان الطقس رائعاً. كان الصيف على وشك انتهائه وحياته أيضاً."

وبعد أن سمعتْ خبر رحيله من التلفزيون، "ذهبتُ كعادتي لأستند إلى درابزين الدرج. حين كان ينزل الدرجات، لم يرفع عينه مني. هبط بهدوء من الدرجات التي تمرّ من بين الحديقة، وفي كل درجة كان يلتفت نحوي، وهناك توادعنا مرة أخرى بالنظرات."

بعد موته، كان من المقرر أن يؤتى بجثمانه إلى البيت، "إلا أن آلافاً من الناس كانوا ينتظرونه... كانوا يلطمون حوله على رؤوسهم وصدورهم، يلقون بأنفسهم على الأرض، ويصرخون... هناك عرفتُ إلى أي درجة ليس مسعود لي!"


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard