شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قصتا ريهام وياسمين غيض من فيض...

قصتا ريهام وياسمين غيض من فيض... "بيت العيلة" وتغذية العنف الأسري في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 29 يوليو 202108:16 م

شغلت العديد من حوادث العنف الأسري، وتحديداً قتل الأزواج، المجتمع المصري في الأيام الماضية، ولفت الكثيرين منهم قاسم مشترك في أشهر حادثتين، هو "بيت العيلة" الذي عدّوه سبباً شائعاً لاضطراب الزيجات وفشلها، وحوادث الضرب والقتل في نطاق الأسرة.

ومن الشائع في المناطق الريفية، والشعبية، وفي زيجات الأقارب في مصر، أن يسكن الأشخاص عقب زواجهم، في منزل العائلة لاعتبارات بينها "العزوة"، و"التعاضد"، سيّما وأن رب العائلة في هذه المناطق هو، عادةً، من يقدّم الدعم المادي للأبناء في تأسيس مسكن الزوجية.

لكن، كثيراً ما اقترن مفهوم "بيت العيلة"، بالتدخل في شؤون الزوجين، وعدم احترام خصوصيتهما، وإذكاء الخلافات بينهما، بسبب الغيرة، والمقارنة بين الأشقاء، والزوجات، وما شابه. ومع الربط بين "بيت العيلة"، وحادثتي قتل طبيبة أسنان على يدي زوجها، ومقتل محاسب على أيدي زوجته، خلال الأيام الفائتة، علت الدعوات إلى إنهاء هذا التقليد.

وقتل محمود مجدي (29 عاماً)، طبيب أسنان، زوجته طبيبة الأسنان ياسمين حسن (26 عاماً) بـ11 طعنة نافذة، وقال في اعترافاته أمام النيابة المصرية إن الضحية "شتمتني وشتمت أهلي"، في أجندة يومياتها التي وقعت في يده عرضاً، ليواجهها بما كتبت، وتحدث بينهما مشادة انتهت بطعنه لها.

كما أنهت طعنة سكين، حياة محاسب شاب يدعى محمد عبد الحفيظ على أيدي زوجته ريهام سعيد، في إحدى قرى محافظة القليوبية (شمال مصر). وقالت الزوجة إنها كانت تدافع عن نفسها، بعدما ضربها الزوج القتيل ضرباً مبرحاً، وحاول خنقها، لتلجأ إلى سكين لإخافته، وإبعاده عنها، لكنه انغرس في صدره، وفشلت محاولات إسعافه.

لاحظ معلقون كثر من تصريحات أهل الزوج، عقب الجريمة، أنهم يحقدون على الزوجة لحب زوجها لها. وقال أصدقاء الزوجة، وجيرانها، إن قصة حب قوية جمعتها بالراحل، لكن تحريض أم الزوج ابنها على زوجته، دفعه للاعتداء عليها يوم الحادثة.

وعلى مدار السنوات الماضية، تكررت بانتظام الجرائم التي يلقى باللوم فيها على أهل أحد الزوجين بالتحريض.

"المفتاح في الباب"

التجارب السلبية مع "بيت العيلة"، لا تقتصر على العنف الجسدي، والقتل. ابتسام سعدون (36 عاماً)، اسم مستعار، تزوجت في "بيت عيلة"، في منطقة ريفية في محافظة الغربية (شمال مصر)، قبل 18 عاماً. قالت لرصيف22 إنها كانت "مرفهة" في منزل أهلها، وفُجعت بالحياة وسط عائلة مكونة من 25 فرداً، بعد الزواج.

زوجات مصريات يروين لرصيف22 تجاربهن المريرة في "بيت العيلة"، وخبيرة تؤكد: "السكن مع الأهل ليس خطأ في ذاته، وإنما الأزمة في طبيعة الشخصيات؛ إصرار الأهل على التدخل، وضعف الزوج والزوجة، وسماحهما بهذا"

قالت: "قبل الزواج، كان كلامهم (الزوج وأهله)، معسولاً؛ لن تخدم إلا نفسها وزوجها، حياتنا مرتبة من دونها، ولن نحتاج إليها… إلخ". لكن ما حدث كان مغايراً تماماً، إذ وجدت نفسها مطالبة بتعويض "سلفتها"، زوجة شقيق زوجها، عن فترة خدمتها للعائلة قبل زواجها، بما في ذلك تنظيف الغرف، وغسل الملابس، والطهي لخمس أسر فرعية -زوج وزوجة وأطفال- ضمن "العيلة" الكبرى.

علاوة على يومها الشاق في خدمة "العيلة"، من الرابعة فجراً، وحتى العاشرة مساءً، بشكل يومي، قالت ابتسام إنها لم تتمتع بأي قسط من الخصوصية، أو الحرية، في اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها الشخصية، أو الزوجية.

شرحت قائلةً: "من قوانين ‘العيلة‘ التي تزوجت فيها، أن مفتاح شقتي في الباب الخارجي باستمرار، ليتمكن أي شخص من الدخول، والخروج، واستخدام أجهزتي، وملابسي، من دون استئذان. وإذا مرضت، أنزل، كما هو معتاد، إلى ‘بيت العيلة‘، وأرقد فيه لإثبات أنني لا أتهرب من الخدمة. ممنوع أن أطلب من زوجي أي شيء، من حماتي فحسب، وأن أخبره بأي شيء حدث في غيابه، أو أن أشكو إليه، وإلا أكون، بذلك، ساعية لإفساد علاقته بأهله، ما يستوجب العقاب والنبذ".

وأضافت أنه كان ممنوعاً عليها استخدام الهاتف طوال تواجدها في "بيت العيلة"، ومسموحاً لها بزيارة أهلها "مرة واحدة فقط كل شهرين"، وعليها أن تقوم بإعداد الطعام، وتنظيف المنزل، قبل المغادرة. "كنت بروح أنام عند أهلي من التعب. ولازم أرجع قبل ما حماتي تنام عشان تشوف راجعة معايا إيه. كان ممنوع آخذ أي أكل، أو حلويات، من أهلي بدون ما أسيب الجزء الأكبر منه تحت… ‘نصيب العيلة‘".

على الرغم من أن الأوضاع تغيرت قبل عامين بوفاة الحماة، وتحول كل أسرة فرعية إلى الاستقلال نسبياً، في المأكل، والمشرب، وإدارة شؤونها مالياً، قالت ابتسام إن "بعض تحكمات بيت العيلة بقيت"، مستدركةً بالقول: "لسّا لازم نتجمع في المناسبات زي أول يوم رمضان والعيد، ولازم جوزي يعرّف إخواته قبل أي مشروع أو قرار مهم في حياتنا".

وعن أثر هذا النمط من الحياة على علاقتها ومشاعرها تجاه زوجها، أوضحت: "لم نتزوج عن حب، لكن كنت أعتقد أن علاقتنا ستكون أفضل من ذلك. بعد ما عشته في هذه الزيجة كله، لا أكن لزوجي أي مشاعر إيجابية، وأندم في كل يوم على القبول بهذا كله من البداية. لو لم يكن شخصاً ضعيفاً، لما سمح بأن أعاني هكذا".

"عُقدة"

حنان معاطي (48 عاماً)، اسم مستعار، تزوجت بعد قصة حب تنازلت لأجلها، ووافقت على العيش في شقة واحدة، مع والدة الزوج، وشقيقه الشاب، مع وعد بسرعة تأسيس شقة سكنية منفصلة لهما، أعلى شقة الحماة. لم يسعف القدر حنان لتعيش بحرية مع زوجها، إذ توفي في حادث قطار، بعد عام واحد، لتكمل حياتها من دون أن تتزوج ثانية، بسبب "عقدتها"، و"معاناتها"، في "بيت العيلة".

"من قوانين ‘العيلة‘ التي تزوجت فيها، أن مفتاح شقتي في الباب الخارجي باستمرار، ليتمكن أي شخص من الدخول، والخروج، واستخدام أجهزتي، وملابسي، من دون استئذان. وإذا مرضت، أنزل كما هو معتاد، وأرقد في ‘بيت العيلة‘، لإثبات أنني لا أتهرب من الخدمة"

وقالت حنان لرصيف22: "كنّا (هي وزوجها) نحب بعضنا إلى درجة لا توصف. وافقت على السكن مع والدته، لنجتمع سوياً ظناً أنها فترة قصيرة، وتهون. تفاجأت بأن حماتي متسلطة للغاية، وكانت تتدخل في شؤوننا كلها، ولا تستأذن، حتى قبل دخول غرفة نومنا المجاورة لغرفتها".

وأضافت: "كانت حماتي الآمرة الناهية في كل شيء، وكانت مصابة بمرض الغيرة، فلا يمكن أن يدللني زوجي أمامها، ولو بعبارة شكر على الطعام. زيادة على ذلك، كانت تقص لابنتها المتزوجة، تفاصيل حياتنا اليومية كلها. شعرت أنني أعيش في الشارع".

"حين توفي زوجي، استولت حماتي على منقولاتي الزوجية، وعدّتها حقاً مكتسباً لها. غادرت إلى منزل والدي، وأقسمت ألا أتزوج أبداً، على الرغم من أنني كنت صغيرة، 26 عاماً. ‘اتعقّدت من الجواز‘، واعتقدت أن أهل الزوج جميعهم بهذا السوء، أردفت.

وعلى الرغم من أنها تقول إنها لا تزال تكن "كل الحب" لزوجها الراحل، إلا أن حنان أكدت أنها "تلومه في نفسها كثيراً"، لأنه لم يحاول وقف تدخلات أهله، خشية إغضابهم.

"الطلاق مصير محتوم"

تزوجت عايدة صبري (32 عاماً)، اسم مستعار، في منزل مستقل يبعد شارعين عن منزل أهل زوجها. لكن، ومن دون اتفاق مسبق قبل الزواج، أمرها الزوج بأن تذهب يومياً إلى منزل أهله، لـ"تقضي طلبات والدته"، حتى يعود من عمله. قالت إنه في البداية تذرع بأن هذا لأنه يخشى عليها من البقاء بمفردها، ثم تحول إلى مصارحتها بأنه تزوجها لتخدم والدته، وأشقاءه الثلاثة.

قالت عايدة لرصيف22: "لم أمانع في رعاية والدته في أمور الغسيل والطعام. لكن طلبت منه مراراً أن أذهب إليها ساعتين يومياً، فأقضي احتياجاتها، وأعود إلى شقتي. لم أحظَ بأي قدر من الحرية في وجود أشقائه الشبان. اقترح الأمر على والدته التي نهرته بشدة، وقالت له إنه ‘مش راجل عشان يمشي كلمتي عليهم’".

وأردفت بالقول: "تشاجرنا ليل نهار، منذ الشهر الثاني من الزواج. بعد أن يئست من حدوث أي تغيير، طلبت الطلاق في العام الثاني، وانتقلت إلى بيت أهلي… كان الطلاق مصيراً محتوماً مهما حاولت ‘أستحمل وأعيش‘". وتنتظر عايدة حكماً في قضية الطلاق التي رفعتها، بعد أن فشلت المساعي كلها لإنهاء الزيجة ودياً.

مفهوم "بيت العيلة" أوسع

من وجهة نظره التي شاركها مع رصيف22، لا يعتقد أستاذ علم الاجتماع المصري سعيد صادق أن "بيت العيلة" في حد ذاته سبب لانهيار الزيجات، وحدوث العنف الأسري. قال: "هناك كثر يسكنون في ‘بيت عيلة‘، ولا تقع جرائم كالتي حدثت أخيراً".

وبينما نوّه إلى أن 90% من العنف الأسري يقع من الزوج ضد الزوجة، أشار إلى أسباب عديدة لذلك، بينها ميل المعتدي إلى العنف، وتنشئته على التطبيع مع الاعتداء الجسدي، و"التراكمات" للخلافات التي يخفيها الزوج، أو الزوجة، واختلاف التوقعات عن الحقيقة التي يعيشها الشريكان بعد الزواج، ما يؤدي إلى عدم التوافق بينهما، لافتاً إلى أن هذا كله قد يتطور إلى عنف مادي في نطاق الأسرة، وبخاصة إذا كان الطلاق خياراً غير مقبول، أو متاح.

تتفق معه أستاذة علم النفس السلوكي رحاب العوضي التي بيّنت أن مفهوم "بيت العيلة"، ليس مرتبطاً بالقرب المكاني فحسب، وإنما بتدخل أهل الزوج، أو الزوجة، في شؤون الزوجين بشكل عام.

وقالت العوضي لرصيف22: "قد يكون الزوجان في منزل واحد مع العائلة، لكن لديهما خصوصية كاملة في إدارة شؤون حياتهما. وفي حالات أخرى، يعيش الزوجان في منزل، أو محافظة بعيدة، لكن الأهل يستمرون في التدخل، والتحكم بتفاصيل حياتهما كافة، عبر الهاتف، أو الزيارات وما شابه".

في حوادث قتل الأزواج الأخيرة بـ #مصر... "القاتل والقتيل هما في الحقيقة ضحية. وهذا وضع إنساني مؤلم نتج عن صراعات فرض السيطرة بين الزوجة، وأهل الزوج، وتطور إلى أسوأ نتيجة بسبب ضعف شخصية الزوج"

وشددت على أنه "يخطئ الأهل حين لا يمنحون الزوجين فرصة لاتخاذ القرارات التي تخص حياتهما بمفردهما، ويسعون بدلاً من ذلك إلى فرض وصايتهم، وإجبار الزوجين على تصرفات معينة، أو نمط حياة بعينه"، مبينةً أن "السكن مع الأهل ليس خطأ في ذاته، وإنما الأزمة في طبيعة الشخصيات؛ إصرار الأهل على التدخل، وضعف الزوج والزوجة، وسماحهما بهذا".

ورأت العوضي أن أزمات تدخل الأهل في شؤون الزوجين، أو إجبار الزوجة على خدمة أهل الزوج، أو إرغام الزوج على العيش قريباً من أهل الزوجة، جميعها مرتبطة بضعف شخصية الزوج و/ أو الزوجة، وعدم حدوث "فطام اجتماعي ونفسي" لهما، بمعنى الحصول على فرصة للنضج، وتحمل المسؤولية، ما يجعلهما يلجآن باستمرار إلى الأهل، ويشركانهم في التفاصيل كافة.

بالنظر إلى قصتي ياسمين وريهام، قالت العوضي إن "القاتل والقتيل هما في الحقيقة ضحية. وهذا وضع إنساني مؤلم نتج عن صراعات فرض السيطرة بين الزوجة، وأهل الزوج، وتطور إلى أسوأ نتيجة بسبب ضعف شخصية الزوج".

ضعوا حدوداً لـ"بيت العيلة"

وفي حين يعتقد د. سعيد صادق أن اندثار "بيت العيلة"، كعرف اجتماعي شائع، أمر غير محتمل، ويقول إن بعض التدابير قد تمنع حدوث المشكلات الزوجية المرتبطة بالسكن المشترك مع عائلة أحد الزوجين.

وفي هذا السياق، ينصح بدراسة عائلة الشريك جيداً، والتأكد من أنها سهلة المعشر، وتخلو من آفات مثل الغيرة والمقارنات والتحريض، مع وضع حدود لتدخلات الأهل، واحترام خصوصية الزوجين.

أما رحاب العوضي، فتوصي بأن يأخذ الشريكان فرصة لفهم بعضهما جيداً، واختبار تحديات الزواج قبل الإقدام على خطوة الإنجاب، مشيرةً إلى ملاحظتها سرعة الإنجاب وكثرته، في حالتي ياسمين (ثلاثة أطفال في غضون أربع سنوات)، وريهام (طفلان خلال نحو الثلاث سنوات).

وبينما نهت الزوجات عن "استساغة الإهانة والتعنيف"، والخضوع لمبدأ "استحملي وعيشي"، ذكّرت بأن العنف الأسري كان متكرراً مع ياسمين وريهام، وحثت على ضرورة تأهيل الشريكين قبل الزواج، وتدريبهما على تحمل المسؤولية.

وشددت الخبيرة النفسية على أن "الاحترام المتبادل في وجود الناس، وعدم وجودهم"، و"الاتفاق على الخصوصية التامة"، و"اتخاذ القرارات معاً فحسب"، و"عدم النظر إلى، أو المقارنة، بالغير"، و"وضع حدود ومسافة واحدة للأهل من الطرفين"، و"الوضوح والصراحة في الاتفاقات كافة، قبل وبعد الزواج"، و"البعد عن الرومانسية الحالمة التي تشاهد في الدراما"، وهذه جميعها عوامل لا غنى عنها لدى الارتباط، للتخلص من أي مشكلات محتملة يسببها "بيت العيلة"، بمفهوميه المكاني والكيفي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard