شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"المرأة غير 'نجسة' في أيام دورتها الشهرية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 27 يوليو 202103:14 م

- "لم يقدّم لي الأطباء أي تفسير للآلام التي أمرّ بها". (رملة حداد، الإمارات)

- "في المرة الأولى، نشرت أمي الخبر لكل أفراد العائلة، اعتقدت أنه أمر عادي لو أشاركه أنا أيضاً، اكتشفت أنه لا يمكنني، 'لأنه عيب'". (سلمي ساحلي، الأردن)

- "علاقتي مع الدورة الشهرية تغيّرت كلياً بعدما بدأت رحلتي مع ممارسة اليوغا، لديّ مفهوم آخر للدورة رغم الآلام التي ما زلت أشعر بها، نظرتي للألم تغيرت. أهيئ جسدي شهرياً لاستقبال الدورة، أنظر إليها كنعمة، فالمرأة تعطي حياة... ". (جنى بو كرّوم، لبنان)

- "ذهبتُ إلى أمي مسرعةً، قلت لها: 'أنا حامل وعم سقّط'". (يارا ورد، لبنان)

- "قالت لي والدتي إنني كبرت الآن وإن الله سيحاسبني، ألم يكن يحاسبني؟" (نيرة أسامة، مصر)

- "شرحت لي أمي عن الدورة الشهرية مسبقاً. قالت: لو شفتيه (الدم)، اِعرفي أنه شيء قذر جداً. لم تعلمني عنه بطريقة إيجابية". (آمنة علي، صومال/اليمن)

- "قيل لي: 'ما بتيجيكي يعني أنتِ رجّال' بسبب تأخر دورتي الشهرية. جاءت المرة الأولى وأنا في عمر الـ16 ثم انقطعت حتى سنّ الـ18". (روان المصري، سوريا)

- "أول ما تعلمناه في المدرسة أن هذا الدمّ نجس ومقرف ومؤذٍ. لا يجوز لمس القرآن بسببه، ولا دخول المسجد، لأنكِ غير طاهرة… الفوط الصحية المصنوعة من قماش غيّرت نظرتي للدورة الشهرية. أثناء ورشة حضرتها مع صديقتي، أدركت أن القماش يعني أني عليّ غسله، وأني سألمس الدم وأتعامل معه، أثارتني الفكرة، أردت أن أجربها. أردت أن أوفّر بعض المال أيضاً…". (نهال عبد اللطيف، السودان)


هذا بعض ما قالته ثماني فتيات شاركن قصصهن ضمن "بودكاست دمّ"، الذي يعرّف عن نفسه بأنه "مساحة آمنة للاحتفاء بالدورة الشهرية وأجساد وحقوق النساء، عبر سرد تجارب فتيات من مختلف الأعمار والجنسيات العربية، وزرع أهمية السيطرة على رواية تجاربنا الخاصة بأمان". 

"بودكاست دمّ" هو توسّع لمشروع وثائقي قصير نفٰذته المخرجة والمؤسسة السودانية رزان محمد والمؤسسة المشاركة اللبنانية ياسمين نقاش في الجامعة الأمريكية في دبي. هدفَ الفيلم إلى محو وصمة الخزي عن الدورة الشهرية، وتوثيق تجارب شخصية عن آلامها، والجهل والتعتيم في ما يخص الأمر وجميع أبعاده. ومن هنا انطلق البودكاست.

نقل مشروع "دمّ" أن فتاة واحدة من كل خمس فتيات لم تكن تعلم ما هي الدورة الشهرية عندما جاءتها المرّة الأولى، ولفت إلى أن ما نتعلمه في المدارس التقليدية هو اختصار الحيض في فترة نزول الدم، إلا أننا نعيش بصورة مستمرة في مراحل مختلفة، من الإباضة إلى الحيض وفترة ما قبل الإباضة وبعدها. 

ومن الإحصاءات التي أشار إليها "دمّ" هي أن 4% فقط من الدعم المادي لتمويل الدراسات العلمية معني بدراسة الصحة النسائية. على سبيل المثال، أخذت "بطانة الرحم المهاجرة" التي تعانيها واحدة من كل عشر فتيات نحو سبع سنوات ونصف للتشخيص. 

"تغيير الجهل يبدأ بالحديث عنه"

ويقول "دمّ" إن الكثير من النساء يبتعدن عن زيارة الأطباء لعدة أسباب، منها أن الأطباء لا يأخذون الآلام بصورة جدية، أو "ينصحون بالزواج (ممارسة الجنس) كأنه تذكرة عبور لصحة جسدية مثالية" أو لا يوفرون إجابات وافية. 

ويشير المشروع إلى أن "تغيير الجهل يبدأ بالحديث عنه، والتساؤل وإيجاد الإجابات".

"ما تقولي لحدا"

في الوثائقي، قالت رزان إنها في عمر الـ14، أخبرت صديقها أنها متعبة بسبب الدورة الشهرية، ردّ عليها: "أنا صديقك وأتفهم، بس ما تقولي لحدا تاني عشان ما يفكرك مش كويسة". 

تعلّق: "رزان الحالية ممكن تقول له: 'مع نفسك' (أي لا يهمني تعليقك)، أما رزان ابنة الـ14 عاماً، فاعتذرت ولامت نفسها على قول ما قالته كي لا يعتقد أنها 'مش كويسة'"، "لكن ما تعريف البنت المش كويسة؟"، تتساءل رزان اليوم.

تقول إن الفتيات لم يعتدن لمس الدم باعتبار أنه "نجس وفاسد"، وأنه حتى في الإعلانات الدعائية لا يرينه، بل يرين مجرد سائل أزرق، ويتوهمن أن المرأة تصبح واثقة من نفسها حالما تضع فوطة صحية. "لماذا تُحمَّل المرأة هذا العبء؟  هل يجب عليها تجاهل الآلام وممارسة حياتها بشكل طبيعي؟"، تتساءل رزان.

ملّ البعض؟

في حوار مع رصيف22، تقول رزان رداً على من ملّ الحديث عن الدورة الشهرية: "نحن في الأصل لم نبدأ بالتحدث عن الدورة الشهرية بشكل كافٍ ليملّه البعض. الفئة التي ملّت، هي الفئة التي هي في الغالب مثقفة ولديها حرية الوصول إلى منصات معيّنة تتكلم عن الدورة، لكن الحديث عن الدورة الشهرية لم يصل لقنوات التلفاز التي يشاهدها عامة الشعب، ولم يصل المدارس بصورة كافية ولا الشوارع. بالعكس، نحن بعيدون عن فكرة أن يكون قد مل البعض". 

وشددت على أنه من المهم ألا نتوقف عن الحديث عنها "لأن هذا الموضوع ليس مناسبة عرضية تمس المرأة، وإنما تمتد معها إلى سنوات كثيرة. عدم حديثنا عن الموضوع فيه إجحاف بسبب أهميته". 

وترى رزان أن نفسية المرأة تدور حول دورتها الشهرية وصحّتها. وتضيف:  "هناك من تتوقف حياتها بسبب دورتها الشهرية إن لم تكن لديها إمكانية شراء مستلزمات الدورة أو إن لم تكن لديها القدرة على العلاج عندما يكون الألم كبيراً. والنظام الصحي لا يوفر أجوبة، عليك أن تزوري طبيباً واثنين وثلاثة". وتعتقد أن "أول خطواتنا لتقبّل الدورة الشهرية، هو أن نغير فكرنا نحن تجاه الدم 'النجس'". 

"نحن في الأصل لم نبدأ بالتحدث عن الدورة الشهرية بشكل كافٍ ليملّه البعض. الحديث عنها لم يصل لقنوات التلفاز التي يشاهدها عامة الشعب، ولم يصل المدارس بصورة كافية ولا الشوارع"

ليست قضية شخصية

"من حقي عندما أشعر بالتعب أن أعبر عن مشاعري دون خزي وعار. ولست محتاجة لإجابة تبرر تعبي". 

هذا ما تقوله رزان، موضحة أن مشروعها بدأ من معاناة شخصية. كانت تتساءل دائماً: "إلى متى سأظل متألمة بهذا الشكل؟". قررتْ آنذاك أن تأخذ دورة تعليمية لتفهم جسدها، وفكّرتْ أن تصوّر رحلتها في إيجاد إجابات لآلام الدورة الشهرية، ومن ثم توسعت الفكرة وضمّت قصص نساء أخريات كون القضية ليست شخصية فقط.

تقول: "قصصنا لا متناهية، وجميعها تستحق أن تُسمع، وهذه أول خطوة لنتقبلها، كنت دائماً أشعر أني وحيدة، ولكن حديثي مع الفتيات خلق مساحة آمنة تزيد الوعي بهذا الموضوع. أول أشكال التغيير هو الحديث أو إدراك أنه من الضروري أن نبوح". وأشارت إلى أن الموسم الثاني من البودكاست سيكون ذا نهج مختلف.

"ألوم المنظومة كلها"

على من يقع لوم الجهل الذي يحيا كثيرون وكثيرات به؟

تجيب رزان: "ألوم المنظومة كلها، التعليم، النظام الذكوري الأبوي. كل هذا يصنع نظرتنا للأشياء. الدين يؤثر على الموضوع أيضاً، ألوم الجهل، ألوم المجتمع نفسه وتفكيره وكيف تمشي هذه المنظومة".

"هذا الدم معناه أن الجسد كان بانتظار جنين ولكن هذا لم يحصل، فنزل الدم، وهو دم عادي جداً. لا نجاسة فيه ولا عدم طهارة، وفكرة أن المرأة غير طاهرة أثناء دورتها الشهرية يجب أن تُمحى"

ولمن يعتبر أن هناك ما هو "أهم" ليُحكى عنه، تقول: "فكرة  ما هو 'أهم' سخيفة. كل القضايا تستحق تسليط الضوء عليها دون تحديد ما الموضوع الأهم أو غير المهم. الدورة الشهرية تؤثر علينا من كل الجهات، هل فكرنا كيف تتعامل فتيات المخيمات والمشردات معها؟

هناك جهل مصاحب للدورة الشهرية، في إقليم دارفور في السودان مثلاً، ثمة منظمات توزع منتجات حيض على نازحات، والنازحات يبعنها لأن الطعام بالنسبة لهن أهم ولظنّهن أن الفوط الصحية قد تتسبب بعقمهن. حينما يكون الجهل متأصلاً لهذه الدرجة، كيف يمكنك ألا تساهم في معالجة المشكلة؟".

وتضيف: "مشاكلنا ليست مقتصرة على المخيمات، الأمثلة قريبة جداً منا. المرأة غير نجسة في أيام دورتها الشهرية! دم الدورة ليس دماً فاسداً، بالعكس، هذا الدم معناه أن الجسد كان بانتظار جنين ولكن هذا لم يحصل، فنزل الدم، وهو دم عادي جداً. لا نجاسة فيه ولا عدم طهارة، وفكرة أن المرأة غير طاهرة أثناء دورتها الشهرية يجب أن تُمحى". 

وتختم: "البودكاست حل، والفيلم حل، وحديثنا عن الموضوع في مختلف المنصات حل. تغيير نظرتنا للدورة الشهرية حل... إنها فترة خاصة بالمرأة لتزهر فيها من جديد، تحتاج فيها حباً أكثر". 

"هناك جهل مصاحب للدورة الشهرية، في إقليم دارفور في السودان مثلاً، ثمة منظمات توزع منتجات حيض على نازحات، والنازحات يبعنها لأن الطعام بالنسبة لهن أهم ولظنّهن أن الفوط الصحية قد تتسبب بعقمهن"

التغيير الفردي

أما ياسيمن دكّاش، المؤسسة المشاركة للمشروع، فتقول لرصيف22 إنها تشعر بغضب تجاه "المنع" من الحديث عن الدورة الشهرية، وكيف يعتبر البعض أن المرأة "تبالغ" حين تتحدث عمّا تشعر به. ونقلت عن بروفيسورة في الجامعة الأمريكية في دبي قولها: "إذا أردتم تغيير شيء، لا تتحدثن مع من هن أكبر سناً، بل مع من هن في عمرنا وأصغر". وتلفت ياسمين إلى أن أقل ما يمكن فعله هو التغيير على المستوى الفردي. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard