شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أهدف إلى البحث عن حلول عملية"... مصممة مصرية تصنع ملابس للمرضى والجرحى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 24 يوليو 202102:24 م

فتحات وجيوب تسهل الارتداء، بدلاً من الاضطرار إلى قص الملابس لتتلاءم مع المعدات الطبية. ثياب مخصصة للأطفال، لحمل أنابيب التغذية الوعائية، وأخرى لمن أجروا عمليات جراحية، مزودة بجيوب لحمل أنابيب القسطرة، وثالثة بتصميم يتيح الكشف على الجروح، والتغيير لها، وغيرها، تناسب الأمهات المرضعات في الأماكن العامة.

هو خط إنتاج مصري انطلق منذ نحو عام، متخصص في تصميم ملابس للمرضى، وأصحاب الجروح، والكسور، والمصابين في أي جزء من جسدهم.

"الفكرة جاءت محاولة مني لحل المشكلات التي يتعرض لها من يصاب بجروح، أو كسور، أو يخضع لعملية جراحية"، تقول شيماء النجار، وهي صاحبة المشروع الذي يحمل اسم "أدابت"، شارحةً في لقاء مع رصيف22 أنه عندما يصاب أحد بكسر في يده على سبيل المثال، فقد يضطر إلى تمزيق كم القميص الذي يلبسه، كي يستطيع الأطباء وضع الجبيرة، والأمر نفسه مع من يخضعون لعملية جراحية، فهم يواجهون مشاكل كثيرة في ارتداء الملابس.

انطلق مشروع "أدابت" منذ عام، وهو متخصص في تصميم ملابس للمرضى، وأصحاب الجروح، والكسور.

وتضيف الشابة ذات الستة وثلاثين عاماً: "صناعة الملابس هي مجال عمل عائلتي منذ أكثر من خمسين عاماً. كُرمت والدتي، وهي فاطمة خاطر، خلال احتفالية المرأة المصرية الأخيرة، كواحدة من أكبر رواد الصناعة في الشرق الأوسط. على الرغم من دراستي بقسم العمارة في كلية الهندسة، فضّلت العمل في مجال العائلة الذي أعرفه منذ طفولتي، فخبرتي فيه كانت أحد أهم الأسباب التي ساعدت في تنفيذ فكرة أدابت، ونجاحها".

حاجة عامة

التسهيل على المرضى، والمصابين، كان نقطة الانطلاق التي حددتها شيماء النجار لتبدأ مشروعها. بدأت فكرتها تقريباً منذ ثماني سنوات، عندما خضع زوجها لعملية جراحية في كتفه، واحتاج إلى شيء مناسب يرتديه، فصنعت له والدتها قميصاً قطنياً بشكل معين، حتى لا يضايقه، ولا يؤذي الجرح، واستمرت الفكرة على نطاق ضيق في محيط العائلة والأصدقاء، فمن يحتاج إلى تصميم معين يناسبه خلال إصابته، تصنعه له، حتى قررت أن تفيد أكبر عدد من الناس، ولا يقتصر الأمر على المعارف فحسب، لأنه حاجة عامة، ومهمة، وضرورية.

ست سنوات كانت فترة التحضير للمشروع، جربت شيماء فيها الخامات والمقاسات كلها، واستعانت بكثير من الأطباء حتى تصل إلى التصميم الصحيح، وحتى بعد إطلاق أول مجموعة، بحثت أكثر كي تطورها، وتقول: "جلست مع العديد من الأطباء كي أعرف عن طبيعة الجراحات، واحتياجات المرضى. منهم المتخصصون بجراحات القلب، وآخرون بجراحات الثدي، وغيرها، كما أستعين دائماً باستشاري جراحة عامة كي يشرح لي المشاكل التي تواجه المصابين بكسور، وأماكن جراحات البطن، وأماكن الخراطيم الطبية التي يتم توصيلها للمرضى".

بالإضافة إلى ذلك، تتواصل المصممة مع المؤسسات الطبية والمستشفيات الكبرى، مثل مؤسسة مجدي يعقوب لجراحات القلب، ومستشفى بهية الخاصة بكشف سرطان الثدي وعلاجه، حتى تشرح لهم فكرتها، وترى من قرب ما يعيشه المرضى، لتتمكن من الوصول إلى تصميمات مناسبة. "عند زيارتي للمؤسسة الأولى، شرح لي أحد الأطباء عن الفتحات التي يحتاج إليها في الملابس، لتسهل مهمته في الكشف والتعامل مع الجرح، وبدأت في إجراء تعديلات تناسب هذه الاحتياجات".

أول مجموعة أطلقتها شيماء كانت للجبس، وهي عبارة عن بناطيل وقمصان فيها "كباسين"، وسحابات، وأزرار، كي يستطيع الطبيب الوصول إلى الجزء المصاب بسهولة من دون اللجوء إلى تعرية المريض، أو تمزيق ملابسه. وأضافت: "اكتشفت أن صلاحية تصميمات الملابس تنفع لأكثر من استخدام، فمجموعة الكسور تصلح للمرضى الذين يخضعون لجلسات علاج طبيعي، فأصبح الشخص غير مضطر إلى خلع ملابسه عند إجراء الجلسة، أيضاً عالجت مشكلة ‘الجاون’، وهو الروب الأخضر أو الأزرق الذي يرتديه الشخص بدلاً من ملابسه قبل دخوله غرفة العمليات، والمعروف أنه مفتوح من الظهر، وذلك يعرّض المريض للحرج، لذلك أغلقته بعدد من ‘الكباسين’"

إحدى الفتيات كانت تضطر إلى الذهاب إلى العمل، وهي تضع الدرنقة في كيس بلاستيكي، وهذا ما يسبب لها حرجاً كبيراً، وصعوبة في الحركة، وقد تخلصت من هذا الأمر عندما وجدت الملابس المصممة بجيوب خفية داخلية، توضع الدرنقة فيها، فلا تظهر، ولا تحتاج إلى حملها أثناء الحركة

شهور من العمل الشاق

الموضوع لم يكن سهلاً وفق ما تقول شيماء، وتطلّب شهوراً من العمل الشاق، واجتماعات مع الأطباء.

"كنت أشتري الأدوات الطبية، كالقسطرة والدرنقة، وهي أنبوب تصريف الدم والسوائل بعد العمليات الجراحية، كي أعرف مقاساتها حتى أصنع جيوباً تسعها. أيضاً جربت أنواعاً كثيرة من الأقمشة للوصول إلى الخامة المناسبة، لأن ملابس المرضى لها وضع خاص، فيجب أن تتحمل درجات الحرارة، وتكون مريحة، وتمتص العرق، وتكون بخامات طبيعية كالقطن، مع الأخذ في الحسبان الاختلافات التي يجب مراعاتها حسب حالة المريض، فمن أصيب بالكسر، ويرقد في السرير لا يتحرك، غير الذي يتحرك؛ فالأول يحتاج إلى قماش أكثر نعومة، ويمتص العرق، ومضاد للبكتيريا لأنه لا يتحرك".

منذ إطلاق خط الملابس "أدابت"، وتسويقه داخل مصر، وخارجها على مواقع التواصل، وأيضاً من خلال التواصل مع المراكز والمؤسسات الطبية، تلقت شيماء الكثير من الرسائل الداعمة والمشجعة، البعض يشكرها، والبعض الآخر يحكي قصته، وكيف وجد حلاً لمشكلته. تحكي إحدى الفتيات أنها تضطر إلى الذهاب إلى العمل، وهي تضع الدرنقة في كيس بلاستيكي، وهذا ما يسبب لها حرجاً كبيراً، وصعوبة في الحركة، وقد تخلصت من هذا الأمر عندما وجدت الملابس المصممة بجيوب خفية داخلية، توضع الدرنقة فيها، فلا تظهر، ولا تحتاج إلى حملها أثناء الحركة.

فتاة أخرى عادت إلى ارتداء الفساتين، بعدما كانت تواجه صعوبة في ذلك بسبب تركيبها مضخة أنسولين، وآخرون أصبحوا قادرين على الحركة، خاصةً خارج المنزل، بعدما كان الأمر شبه مستحيل بسبب تركيبهم للقسطرة.


ردود الأفعال بوصلة المصمم

تقول شيماء إنها سعيدة بردود الأفعال التي تلقتها منذ بداية مشروعها، خاصةً من الأشخاص الذين عانوا سنوات طويلة من دون وجود حل، فحالات مثل الكسور، والحروق، والعمليات الجراحية، قد تستغرق في شفائها وقتاً طويلاً، لكنها في نهاية المطاف موقتة، ناهيك عن أولئك الذين يحملون أجهزة دائمة، فهناك إعاقات جسدية تستلزم أجهزة ومعدات يعيشون بها طوال حياتهم.

تضيف في حديثها: "ردود الأفعال هي بمثابة البوصلة التي أستطيع من خلالها معرفة ما إذا كان المنتَج يحتاج إلى تعديلات، أو تطوير، أم لا"، وتحكي عن أحد المواقف التي أثّرت فيها، حين تواصل معها والد أحد المرضى، ليخبرها أنه اشترى لابنه الذي خضع لعملية جراحية، قميصاً من مجموعتها، لكنه رفض ارتداءه، إذ لم يعجبه شكله.

"العامل النفسي أحد أهم الأشياء التي أتداركها في التعامل مع المرضى. المصاب عندما تتأثر صحته، يصبح أكثر حساسية، وارتداؤه لملابس مختلفة عن العادي يزيد من شعوره بالضيق، لذلك أطور التصميم ليتماشى مع الموضة، فتكون الملابس جميلة، وفي الوقت نفسه تفي بالغرض"

"العامل النفسي أحد أهم الأشياء التي أتداركها في التعامل مع المرضى. المصاب عندما تتأثر صحته، ينتابه شعور سيئ بالعجز، ويصبح أكثر حساسية، وارتداؤه لملابس مختلفة عن العادي يزيد من شعوره بالضيق، لذلك كانت تلك المكالمة وغيرها، سبباً في أن أطور التصميم الذي أضعه بنفسي، ليتماشى مع الموضة، وأن أجعل الفتحات، والسحابات، والأزرار، مخفية، فتكون الملابس جميلة، وفي الوقت نفسه تفي بالغرض منها".

المشروع غير هادف للربح، كما توضح شيماء، لذلك تواجه صعوبة في المحافظة على فكرتها من الاستغلال التجاري، وترفض أن تتعامل مع وكيل يزيد نسبة مكسبه على السعر الأصلي للقطع، فهدفها الأساسي تقديم خدمة للمرضى بسعر التكلفة فحسب، وهو سعر معتدل يلائم فئات كثيرة من المرضى، لأنه، بحسب وصفها، يكفي ما صرفوه على العلاج، فلا تريد أن ينفقوا أموالاً إضافية على الملابس. ترسل القطع المطلوبة مع شركة الشحن، وتتحمل هي تكاليف التوصيل، وتتعامل مع شركة معروفة حتى تتلافى الأخطاء، ولكي يكون الوصول إلى الأماكن كلها، داخل مصر وخارجها، متاحاً. أيضاً تتواصل مع المؤسسات الطبية، والأطباء، لتوفير القطع لأكبر عدد من المحتاجين إليها، وتطمح لإقامة مقر خاص بعلامتها التجارية أدابت، كي يصبح الوصول إلى المنتجات سهلاً.

"تعرفت على حالات كثيرة لم أسمع عنها من قبل، ولم أكن أتخيل يوماً أنني سوف أواجهها، لذلك كان دافعي في البحث عن حلول لتلك الحالات، والتخفيف عن المرضى، أكبر من أن أسعى إلى الربح"، تختم شيماء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard