شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الجنس كمتعة واكتشاف... كيف نتحرّر من

الجنس كمتعة واكتشاف... كيف نتحرّر من "العيب" ونتحدّث عن تفضيلاتنا بحرية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 15 يوليو 202105:24 م

لسنين طويلة، كان الحديث عن الجنس من الأمور المحظورة في العديد من الثقافات، وبالرغم من الاستمرار في اعتباره "تابو" في بعض المجتمعات التقليدية، إلا أنه في السنوات الأخيرة، أصبح هناك جزء كبير من المجتمع يقبل الجنس كحاجة بشرية ومصدر لذة، بعيداً عن حصره في موضوع الإنجاب فقط، وينظر إلى الرغبة الجنسية على أنها جزء طبيعي من حياة الإنسان.

وبالتالي، من الملاحظ أن الحديث عن الجنس بات، في وقتنا الراهن، أكثر قبولاً، بعد أن تلاشت بعض التابوهات المحيطة بالجنس، وأصبحت فوائد العملية الجنسية، على المستويين الجسدي والنفسي، معروفة أكثر، الأمر الذي يصب في خانة الإيجابية الجنسية.

الجنس ليس تابو

تستند الإيجابية الجنسية، التي تحدث عنها في عشرينيات القرن الماضي، المحلل النفسي الشهير فيلهلم رايتش، إلى ضرورة النظر إلى العملية الجنسية كمسألة إيجابية وصحية بعيداً عن الشعور بالإحراج.

فالجنس، وفق رايتش، ليس أمراً خاطئاً يستدعي الشعور بالخجل، بل هو حاجة بشرية ونشاط طبيعي يتطلب احترام التفضيلات والسلوكيات الجنسية للآخرين والشعور بالراحة تجاه الهوية الجنسية والجندرية.

وقد شدد فيلهلم رايتش، وهو تلميذ سيغموند فرويد، على أن تبنّي نهج إيجابي تجاه الجنس يمكن أن يعالج بالفعل الكثير من أمراضنا، فالجنس لا يجب أن يكون محصوراً فقط بالإنجاب، بخاصة بعدما اتضح أن الصحة الجنسية والصحة العامة متلازمان.

الإيجابية الجنسية ليست مجرد "ترند"، بل هي مجموعة من القيم التي تعمل على تعزيز الحياة الجنسية الخاصة بنا وبالآخرين، من خلال دحض المفاهيم الخاطئة حول الجنسانية وإزالة وصمة العار المرتبطة بالجنس وتمكين جميع الأفراد من عيش حياتهم الجنسية بحرية ومن دون خوف أو خجل

في هذا الصدد، أوضح الأخصائي في العلاقات الجنسية أنطوني حكيم، لرصيف22، أن الجنس الإيجابي يعني "النظرة الإيجابية تجاه الجنس بالتراضي والرغبة في اكتشاف أنماط وممارسات جنسية جديدة".

وأشار حكيم إلى أن هذا النهج يقوم على ضرورة تعزيز التواصل الجيّد والصريح بين الشريكين، وتقبّل التفضيلات الجنسية للآخر من دون أحكام مسبقة، بالإضافة إلى اعتبار أن الرغبة الجنسية هي حاجة فيزيولوجية ومصدر لذة وإثارة.

واعتبر أنطوني أنه من خلال تقبّل حاجات الآخر الجنسية، يصبح لدى الشخص تقبّل إيجابي لجسده بعيداً عن الخجل، منوهاً بأن الجنس الإيجابي يفتح المجال أمام الطرفين للتحدث بحرية عن المسائل الجنسية، ما يقلّل احتمال حدوث مشاكل جنسية في وقت لاحق: "عندما يكون هناك جوّ من الإيجابية في التعاطي مع المسائل الجنسية، تنخفض مستويات القلق التي قد تدور حول الأداء الجنسي والنظرة السلبية إلى الجسد، ويكون هناك تشجيع على الاكتشافات الجنسية، بشرط أن تتم هذه الممارسات بالتراضي المسبق بين الشريكين".

via GIPHY

هذا وأكد حكيم أن الهدف من الجنس الإيجابي هو الوصول إلى حياة جنسية صحية وممتعة في الوقت نفسه: "في بعض الأحيان، قد يعتبر البعض أن هذا النهج يشجّع على تعدد العلاقات الجنسية وممارسة الجنس بشكل مفرط، ولكن هذا الاعتقاد خاطىء، فالجنس الإيجابي لا يقوم فقط على الموافقة غير المشروطة، بل يتيح للمرء إمكانية قول لا عندما تكون التجربة الجنسية غير مناسبة له".

وبدورها، عرّفت الأخصائية في علم الجنس، كارول كوين، الجنس الإيجابي، بأنه "تأكيد بسيط، لكنه متشدّد، بأن كلاً منا ينمّي شغفه الخاص به في بيئة فريدة مختلفة، تقود إلى ملايين الأنواع من الميول الجنسية، وليس إلى اثنين أو ثلاثة أو حتى نصف دزينة كما هو مُعتقد تقليدياً"، مشيرة إلى أن الجنس الإيجابي يحترم سماتنا الجنسية المميزة، حتى مع الاعتراف بأن بعضنا قد تضرر بثقافة تحاول القضاء على الإمكانيات والاختلافات الجنسانية.

وبالتالي، يمكن القول إن الإيجابية الجنسية تعني تحرير الجنس من جميع القيود التي قد تؤدي إلى سلوكيات مضطربة، واتخاذ موقف إيجابي من النشاط الجنسي البشري الذي يعتبر جميع الأنشطة التي تحدث بالتراضي صحية وممتعة بشكل أساسي.

كيف يمكن الانتماء إلى حركة الجنس الإيجابي؟

تحدث موقع Flo عن عدة أمثلة تدور في فلك الإيجابية الجنسية والمعايير التي تنطوي عليها هذه النظرية:

-أن يكون المرء منفتحاً لمناقشة التفضيلات الجنسية والأمور التي لا يحبها مع شريكه/ته.

-أن يتفهم المرء حقيقة أن الطرف الآخر قد لا يرغب في ممارسة الجنس في الوقت الذي يريده.

-إجراء اختبار للأمراض المنقولة جنسياً كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

-ممارسة الجنس الآمن واستخدام الواقي الذكري وغيره من الطرق لتحديد النسل عند الضرورة.

-قبول الممارسات الجنسية المختلفة بشرط أن تتم العملية الجنسية بالتراضي مع الشريك/ة.

-أن يحاول المرء فهم جسمه واحتياجات شريكه وجميع الجوانب الجسدية والعاطفية والنفسية المرتبطة بالعلاقة الحميمة.

-اكتشاف نقاط اللذة والإثارة والانفتاح على تجربة أشياء جديدة متعلقة بالنشاط الجنسي.

-تطوير مهارات الاتصال بين الشريكين، ما يضمن الحصول على أقصى تجربة ممتعة من الجنس.

-دعم التربية الجنسية الشاملة لتعزيز الجنس الآمن وما تعنيه الموافقة.

إذن، تشمل حركة الجنس الإيجابية جميع الأفراد الذين يؤمنون بالإيجابية الجنسية التي تشجع على الأنشطة الجنسية الآمنة وممارسة الجنس التراضي، بعيداً عن الإكراه، كما يُنظر إلى تفضيلات كل شخص على أنها خيار شخصي دون إطلاق الأحكام، في سياق ما يشبه قول فولتير: "أنا لا أوافق على ما تقوله، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول ما تريد".

هذا ويعتبر التثقيف الجنسي عاملاً رئيسياً آخر في الحركة الإيجابية للجنس، إذ يحتاج كل فرد إلى تلقي تعليم جنسي شامل حتى يتمكن من استكشاف الجنس بأمان، كما تعتبر التربية الجنسية وسيلة لتقليل التابوهات التي لا تزال تحيط بالجنس في ثقافات ومناطق معينة.

لماذا يتم الحديث عن الإيجابية الجنسية بشكل كبير مؤخراً؟

لا شك أن الحركة الإيجابية للجنس تطورت بشكل كبير بفضل منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديثة.

ففي الماضي، كان يُنظر إلى الجنس على أنه موضوع مخجل والحديث عنه محرج، لكن في السنوات الأخيرة، تم الاعتراف بالجنس باعتباره جزءاً طبيعياً من الحياة، يجب التحدث عنه ومناقشته علانية.

وقد ساعدت هذه المواقف أيضاً في تشجيع ممارسة الجنس الآمن، خاصة بعد أن أصبح فيروس نقص المناعة البشرية والوقاية منه جزءاً من الثقافة اليومية في التسعينيات.

ومع مرور الوقت، اتضح أن الإيجابية الجنسية ليست مجرد مفهوم يتبناه بعض الناس، بل هو عبارة عن حركة اجتماعية وفلسفية قائمة بحدّ ذاتها.

وتعليقاً على هذه النقطة، قال الأخصائي في علم النفس تيو بيرنز، لموقع Health، إن الحركة انطلقت بعد أن لاحظت أن الجنس غالباً ما يتم الحديث عنه على أساس أنه أمر "سرّي"، "مخزٍ" و"غير صحي"، وعليه جاءت هذه الحركة لتؤكد بأن الجنس هو جزء من التطور المقياسي، وإجراء مثل هذه المحادثات، والقيام بالاستكشافات الجنسية ما هي إلا جزء من العملية الجنسية، وليست سلوكيات خاطئة أو غير صحية.

via GIPHY

وشدّد بيرنز على أن اعتماد الإيجابية الجنسية لا يعني بالضرورة الإفراط في السلوك الجنسي أو في اللقاءات الجنسية، إنما التحدث عن الجنس من دون قيود والانفتاح على الآخرين الذين يتحدثون بشفافية عن تجاربهم الجنسية.

وفي حين أن هذه الحركة موجودة منذ فترة طويلة، لكن في الآونة الأخيرة، أثار مشاهير، بخاصة في العالم الغربي، مثل ليدي غاغا، أمبر روز، جيسيكا بيل وكاميرون دياز، مزيداً من المحادثات حول الإيجابية الجنسية بعد التحدث علناً عن تجاربهم/نّ مع الجنس وقبول الجسد والصحة الجنسية.

"قد يعتبر البعض أن هذا النهج يشجّع على تعدد العلاقات الجنسية وممارسة الجنس بشكل مفرط، ولكن هذا الاعتقاد خاطىء، فالجنس الإيجابي لا يقوم فقط على الموافقة غير المشروطة، بل يتيح للمرء إمكانية قول لا عندما تكون التجربة الجنسية غير مناسبة له"

واللافت أن منظمة الصحة العالمية نفسها شددت على أن النهج الإيجابي في العلاقات الجنسية هو أمر بالغ الأهمية لتعزيز الصحة الجنسية، وفق تأكيد تيو: "بالنسبة للكثيرين، فإن التمتع بالصحة الجنسية يشمل الشعور بالراحة تجاه الحياة الجنسية واتخاذ القرارات المتعلقة بها، والحصول على الرعاية الصحية (بما في ذلك رعاية الصحة الإنجابية)، والحصول على مهارات اتصال أفضل مع شركائنا حتى نتمكن من الحصول على ما نريده ونحتاجه، ومعرفة كيفية تجنّب الحمل غير المقصود وتقليل مخاطر العدوى المنقولة جنسياً والحصول على العلاج إذا لزم الأمر".

هذا وشدّد تيو بيرنز على أن اتباع نهج الجنس الإيجابي من شأنه تحسين الصحة النفسية أيضاً من خلال تقليل الشعور بالعزلة والاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى تقليل الشعور بالعار والوصمة، ما قد يؤدي إلى بناء المرونة.

باختصار، إن الإيجابية الجنسية ليست مجرد "ترند"، بل هي مجموعة من القيم التي تعمل على تعزيز الحياة الجنسية الخاصة بنا وبالآخرين، من خلال دحض المفاهيم الخاطئة حول الجنسانية وإزالة وصمة العار المرتبطة بالجنس وتمكين جميع الأفراد من عيش حياتهم الجنسية بحرية ومن دون خوف أو خجل، انطلاقاً من حق كل شخص في اتخاذ خياراته الخاصة بشأن حياته الجنسية.

وطالما أن النشاط الجنسي مبني على التراضي والاحترام المتبادل بين الشريكين، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ممارسة الجنس الآمن وإضافة المزيد من المتعة على حياة الثنائي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard