شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
اتّحاد كتّاب مصر يثير الجدل بـ

اتّحاد كتّاب مصر يثير الجدل بـ"ميثاق الشرف الثقافي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 16 يوليو 202102:58 م

لا تزال النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، برئاسة علاء عبد الهادي، تُنشد الصخب فيما تتخذه من إجراءات وممارسات وأنشطة، حيث وصفت "ميثاق الشرف الثقافي والأدبي" الذي أطلقته مؤخراً بأنه فعلٌ يحدث للمرة الأولى في تاريخ الثقافة المصرية المعاصرة، مشدّدة على دور هذا الميثاق في حماية أصحاب الأقلام واستعادة الكتابة كمهنة إبداعية ورسالة جمالية.

وبعيداً عن انتهاج أسلوب "الضجّة الإعلامية" في الإعلان عن صدور الميثاق، ربما للتغطية على مشكلات وأزمات كثيرة متراكمة تخصّ اتحاد الكتّاب، فإن الميثاق ذاته يحمل في طيّاته طبيعة حماسية مفرطة، إلى جانب اشتمال مواده وبنوده على تناقضات وإشكاليات جدلية، إذ يبدو من جهة مناصراً للكتّاب، ومن جهة أخرى هو يضع "مسؤولية الكلمة"، بالمعنى الهلامي، خطّاً أحمر أمام حرية التعبير، ويطالب بمعاقبة من يتخطّاه.

لم تبرد بعد أروقة اتحاد كتاب مصر من نيران المعارك والموجات الانتقادية السابقة، الناجمة عن استغراقه في صراعات انتخابية، وانخراطه في انقسامات ونزاعات إدارية وطعون قانونية في شرعية رئاسته ومجلس إدارته، فضلاً عن الاتهامات الموجهة إليه، لاسيما من "جبهة الإصلاح" بالجمعية العمومية، لتقاعسه عن القيام بمهامّه الفنية والاجتماعية والصحية إزاء أعضائه، ومنحه عضويته وجوائزه لأسماء لا ترقى إلى المأمول، وتورطه في وقائع سرقات إبداعية فجّة لشعراء نالوا عضوية الاتحاد عن أعمال منتحلة، إلى جانب تحويل منتقدي سياسات الاتحاد وممارساته إلى التحقيق واللجان التأديبية، في إجراءات بدت عنيفة وتعسفية، وبعيدة عن الروح الديمقراطية في الإدارة.

تناقضات بالغة في "ميثاق الشرف الثقافي" الذي يحرّم المساس بأمن الكاتب والاعتداء عليه بسبب آرائه ومعتقداته، ويدعو في الوقت نفسه لفرض عقوبات على الكتّاب المخالفين لموادّه الإشكالية

وفي خضمّ هذه الأجواء الساخنة والأدخنة المتصاعدة، أصدرت النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر "ميثاق الشرف الثقافي والأدبي" في 25 بنداً، مع الترويج له كحدث فريد من نوعه، فهل تعكس مواده وبنوده أموراً قابلة للتطبيق في الحالة المصرية الراهنة، أم أنه في مجمله ميثاق شعاري يجافي الحقيقة تماماً، ويتحدث عن كتّاب آخرين في عوالم أخرى؟ وهل يهدف إلى مؤازرة الكتّاب بالفعل وكفالة استقلاليتهم واستغنائهم، أم أنه يقود، من باب خفيّ، إلى ترهيبهم وفرض قيود جديدة عليهم وملاحقتهم قانونياً وأمنياً؟ وهل يتأتى لجهة تفتقد الديمقراطية تنظيم ممارسة الديمقراطية فكراً وكتابة وسلوكاً لدى أعضاء الاتحاد؟

لغة خطابية مثالية

ينقسم "ميثاق الشرف الثقافي والأدبي" إلى: ثلاثة محاور: المبادئ العامة (12 بنداً)، حقوق الكاتب (6 بنود)، واجبات الكاتب والتزاماته (7 بنود). وهي كلها، والديباجة الافتتاحية أيضاً، ذات لغة خطابية وخيال مثالي في رسم صورة للواقع تبتعد عما هو كائن على الأرض، خصوصاً ما يتعلق بضمانات حقوق الكتّاب وحرية الفكر والإبداع وحماية المؤلفين واحترام الآخر وصون الملكية الفكرية.

ويعاني المشهد المصري تراجعاً حاداً في حيّز الحريات، ومنعاً للأصوات المعارضة وتهميشها، أو ملاحقتها وتجريمها وتخوينها، وتمثّل حالات صنع الله إبراهيم وعلاء الأسواني والراحلة نوال السعداوي والإعلامي أيمن منصور ندا وغيرهم، نماذج لعدم تقبّل الثقافة الرسمية السلطوية وجود الآخر المختلف. كذلك، فقد بلغ انتهاك حقوق الملكية وتزوير الكتب الحدّ الأقصى في الآونة الأخيرة، ما دفع الناشرين والمؤلفين إلى تكرار المطالبة بتشريعات رادعة للمنتهكين.

يعاني المشهد المصري تراجعاً حاداً في حيّز الحريات، ومنعاً للأصوات المعارضة وتهميشها، أو ملاحقتها وتجريمها وتخوينها

على الرغم من ذلك، يتمادى "ميثاق الشرف"، الذي يشمل كافة المنتمين إلى مهنة الكتابة، في وصف ما يفتقر إليه الواقع، باعتباره حقيقة كائنة من قبيل: ضمان حرية الكاتب كمكون أصيل من حرية الوطن، واحتـرام الآخر وفتح طرائق للحوار الإيجابي المثمر معه، وصون حقوق الملكية الفكرية وعدم جواز انتهاكها، والامتناع عن جميع أشكال التجريح الشخصي أو الإساءة المعنوية أو الأدبية أو المادية للكتّاب، أو أية ممارسة يكون من شأنها إهدار الحقوق الثابتة لهم بأسمائهم أو بصفاتهم، فضلاً عن كل ما يخالف الضمير المهني.

ويُسهب "ميثاق الشرف الثقافي والأدبي" في إبراز استناده إلى مواد دستورية، مؤكداً أنها هي الحاكمة للحاضر الأدبي الراهن في مصر، ومتغافلاً عن أن وجود مواد في الدستور أو في الميثاق شيء، وتفعيل هذه المواد بشكل عمليّ شيء آخر تماماً، وإلا بقيت المواد والبنود أحلاماً معلقة في الفضاء، كما هو الحال بشأن "كليشيهات" من قبيل: لا يجوز أن يُمَسّ أمن الكاتب بسبب رأي أبداه، أو معتقد اعتنقه، ولا يجوز تهديد الكاتب أو ابتزازه أو إجباره على كتابة ما يخالف ضميره المهني، ولا يجوز التسامح في جريمة إهانة الكاتب أو الاعتداء عليه بسبب مهنته، وأن ضمان أمن الكاتب من الجهات المعنية عنصر لرقي الثقافة وضمان لحرية الكلمة، وأنه يجب صون الحقوق الدستورية لكل كاتب والالتزام بما قرّره الدستور من كون الثقافة حقّاً أصيلاً لكل مواطن، إلى آخر هذه الديباجات المنمّقة.

بنود "ميثاق الشرف الثقافي والأدبي"تتسم بالدعائية الصاخبة والخيال المثالي في رسم صورة للواقع مجافية للحقيقة، خصوصاً ما يتعلق بضمانات حقوق الكتّاب وحرية الفكر والإبداع وحماية المؤلفين واحترام الآخر وصون الملكية الفكرية

فخاخ خفيّة

وفي حين يمضي "ميثاق الشرف الثقافي والأدبي" في نبرته الطنانة، التي ربما لا تضيف جديداً لما هو مثبت في الدستور ومعروف بالضرورة حول حرية الإبداع وحقوق الكتّاب وحماية الملكية الفكرية، فإنه ينطوي على الكثير من المواد والبنود الأخرى التي تبدو بمثابة تضييق على الكتّاب وتهديد لهم حال "انفلاتهم" من هذا الميثاق، الذي دعا اتحاد كتاب مصر جميع النقابات والجمعيات والمؤسسات الثقافية والقانونية إلى تبنّيه وتطبيقه وتنفيذ نصوصه ولوائحه.

يمتلئ ميثاق الشرف الثقافي بالكثير من المحاذير والممنوعات الفضفاضة، التي إذا خالفها كاتب فإنه وفق الميثاق يصير عرضة "للعقوبات المنصوص عليها، قانوناً أو لائحيّاً أو عرفياً". ومن هذه الفخاخ أو الاتهامات المسبقة التي يصف بها ميثاق الشرف الكتّاب المخالفين، تحت دعوى إهدار مسؤولية الكلمة: انتهاك قيم المجتمع أو ثوابت الضمير الثقافي العربي، عدم الالتزام بالأمانة والصدق إزاء المجتمع وقيمه وحقوق المواطنـين، الدعوة إلى العنصرية أو التعصّب أو ازدراء الأديان أو التمـييز بين فئات المجتمع أو تحقـير أيّ من طوائفه، وغيرها من المواد الملتبسة الشائكة المشهرة ضد حرية التعبير.

إن ما يحتاجه المشهد الثقافي والأدبي، ببساطة، هو تفعيل لحقوق الكاتب الدستورية، بوصفه مواطناً في الأساس، وهذا يتأتى بممارسات وإجراءات يتعطش الجميع إلى تطبيقها، وليس بميثاق لغوي، ينطوي على اجترار لعناوين برّاقة من جهة، وعلى قائمة اتهامات للكتّاب المعارضين من جهة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard