شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"مخاطر حتى الموت"... سائقات جزائريات في شوارع الذكور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 9 يوليو 202103:46 م

في محاولة لكسر "التابوهات" واحتكار الذكور مهنة قيادة سيارات الأجرة في الجزائر، أطلق في نيسان/ إبريل 2021 مشروع سيارات الأجرة الوردية الخاصة بالنساء في محافظة البليدة أو مدينة الورود، وغرناطة أفريقيا، والوريدة، كما يطلق عليها، وتقع على بعد 50 كلم جنوب غربي العاصمة، مع توقعات بالفشل أسوة بدول عربية أخرى.

تلخصت فكرة المشروع، بحسب تصريحات مسيّرة مؤسسة "التاكسي الوردي"، ليليا زورال، في تأهيل عدد من السيدات لقيادة السيارات العمومية، من أجل توفير خدمة تليق بالزبونات.

"تقتصر خدمة المشروع على النساء فقط"، تضيف زورال مستدركة "ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ، بسبب عدم الحصول على رخص سيارة الأجرة لدى المتعامل، صاحب الشركة المشغلة لهذه الخدمة، والتي تعتبر الأولى من نوعها في الجزائر.

وفي انتظار دخول "التاكسي" الذي صمم باللون الوردي، الحميمي لدى الجزائريات، عكس سيارة الأجرة ذات اللون الأصفر الفاقع، أثيرت تساؤلات حول إمكانية نجاح هذا المشروع ، خاصة أن هذه الفكرة جديدة على المجتمع، وصادمة.

مشروع فاشل

"ابتكار مستوحى من وهم ولن يكلل بالنجاح"، تعلق أحلام، طبيبة في العقد الرابع من عمرها، وترجع إحساسها بفشل المشروع إلى "تكريس التميز للمرأة في مجتمع الرجال، أي أن هذه السيارة مخصصة للنساء فقط دون الرجال، في وقت لا تزال المرأة الجزائرية في بعض المدن لا تخرج بمفردها، ولا يزال الرجل سواء كان زوجها أو شقيقها أو والدها، يرافقها أينما حلت وارتحلت".

وتقول أحلام، ذات الوجه الأسمر البشوش، لرصيف22: "هذه الفكرة يمكن أن تحقق نجاحاً باهراً، وتلقى رواجاً كبيراً في بلد آخر غير الجزائر، بسبب انتشار ظاهرة العنف ضد النساء".

وتساءلت: "كيف بإمكان هذه السيارة الفاخرة التجول في شوارع تنتشر فيها العصابات؟ وأيضاً كيف يمكن لسائقة سيارة الأجرة التعامل مع توقف محرك السيارة في أماكن معزولة؟".

كيف يمكن لسائقة امرأة التعامل مع توقف مفاجئ لمحرك السيارة في أماكن معزولة؟ كيف تقود سيارتها في شوارع مليئة بالمجرمين الذكور؟ كيف تواجه زبائنها حتى الإناث اللواتي لا يحترمن النساء السائقات؟

من ناحية أخرى، رأت أحلام في هذه المبادرة خطوة جريئة لتجاوز الأعراف والتقاليد، ومحاولة تحرير المرأة من الأعباء، والضغوط الحياتية، والاجتماعية، وكسر جريء للروتين اليومي.

مهنة المخاطر

تتفق مع أحلام سائقة سيارة أجرة خاصة بمنطقة أم الذروع في محافظة الشلف (تقع على بعد 200 كلم غرب العاصمة الجزائر)، فاطمة الزهراء القرشي، في العقد الرابع من عمرها، حول احتمال فشل المشروع، وتُعدد أنواع المخاطر التي اعترضتها منذ ولوجها هذه المهنة، أبرزها مخاوف من تعرضها للعنف الجسدي على يد الزبونات، لأن النساء يشكلن مصدر خطر أيضاً، لذلك تتحاشي التعامل مع زبونات مجهولات، والعمل في المناطق النائية والمعزولة، وتكتفي بوسط المدينة.

وتروي فاطمة: "كانت البداية منذ أذار/ مارس 2021، بعد أن عملت في مجال التجارة الحرة"، أي أنها تبيع ملابس نسائية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتقود سيارتها الخاصة لإيصال طلبيات زبوناتها، وباقتراح منهن تحولت إلى سائقة "تاكسي"، بعد أن أقنعت أباها، وكسرت حاجز الخوف الذي انتابها في اللحظات الأولى، وأخفت الأمر عن بقية أهلها لطبعهم المحافظ.

تقول فاطمة: "الجزائرية تشعر بالراحة والاستقرار والطمأنينة عندما تستقل سيارة تقودها امرأة، في غالب الأحيان تختار الزبونة بعناية سائق سيارة الأجرة، الذي ستقله خشية من الاعتداءات الجسدية والجنسية".

ويبدو أن فاطمة لم تعد تأبه بالمواقف الرافضة لانخراط المرأة في أعمال تصنف بأنها للرجال، لأن أهل المنطقة التي تقطن فيها صاروا يعرفونها، وبعضهم يشيدون بقدراتها، ويرغبون في أن تصبح نموذجاً يقتدى به.

عن طبيعة عملها وتحدياته، تشدد فاطمة على أنه يتطلب الكثير من الوعي، والحيطة، والقدرة على التعامل مع السيارة من ناحية، والسائقين من ناحية أخرى، رغم أن زبائنها نساء.

وتقول إن هذا لا يمنع من تعرضها للمخاطر لأنها مهنة محفوفة بالجرائم،

وتشير إلى أن "الحجز" يتم عن طريق الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي أو عن طريق تطبيق إلكتروني، وعادة ما تكون زبوناتها من المقربات منها، فهي ترفض نقل فتيات منظرهن غير مألوف لمجتمعها وأخلاقياته، وتمنع منعاً باتاً التدخين، وحتى سماع الموسيقى في سيارتها، وترفض أن تقل أي رجل في سيارتها، حتى لو كان زوج زبونتها، نزولاً إلى رغبة زوجها.

"غير قليل من الجزائريين يرفضون أن تقل زوجته وأخته سيارة أجرة "كلوندستان" تقودها امرأة، ويستندون في موقفهم هذا إلى اعتقاداتهم الدينية، التي تحرّم الخلوة والاختلاط بين المرأة والرجل"

تعرضت لخطر الموت شهرزاد، سائقة سيارة أجرة خاصة، في العقد الرابع من عمرها، تسكن في محافظة تيزي وزو، الملقبة بعاصمة "جرجرة" أو مدينة "الزيتون" على بعد 100 كلم شرق العاصمة الجزائرية.

تحكي شهر زاد عن محاولة مجموعة من الشباب الاعتداء عليها، وسلبها السيارة، إلا أنها نجت، وتمكنت من حماية نفسها دون مساعدة أحد، بسبب ورشة تلقتها حول الدفاع عن نفسها، تقول لرصيف22: "سائقات سيارة الأجرة عرضة للسرقة والاعتداءات الجنسية".

"مجتمع لا يرحم"

لم تكترث شهرزاد لكلام المجتمع "الذي لا يرحم المرأة، التي تحاول كسر النمط الذكوري، وتحدت الجميع حتى تصل إلى غايتها، ومع مرور الوقت اعتاد الناس مهنتي، وتقبلوا الفكرة، وأصبحوا يرونها من منظورها الإيجابي، وبفخر واعتزاز أيضاً".

وعن انجذابها للمهنة، تقول إن مزيجاً من حبها للقيادة ورغبتها في التخلص من كابوس البطالة، الذي ظل يلاحقها منذ خروجها من الجامعة، وتأمين قوت يومها في ظل تفاقم الصعوبات المعيشية، هذه العناصر كلها دفعتها إلى أن تصبح على ما هي عليه.

يصف الناشط، والعضو البارز في المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، فادي تميم، "التاكسي الوردي"، بأنه من المشاريع "المميزة"، ويتوقع بتحقيقه نجاحات باهرة، بالنظر إلى طبيعة المجتمع الجزائري.لافتاً إلى أن المجتمع يدين السائقة لاختلاطها بالرجال، وهو ما لن يحدث في هذا المشروع، ويقول: "هناك الكثير من الرجال يرفضون أن تقل زوجته وأخته سيارة أجرة "كلوندستان" تقودها امرأةـ لأن المسألة ترتبط في نظرهم بالأخلاق، وحتى أنهم يستندون في موقفهم هذا إلى اعتقاداتهم الدينية، التي يحرم الخلوة والاختلاط بين المرأة والرجل".

ويقول فادي تميم إنه يتوجب على السلطات المحلية دعم هذه المبادرات "الفريدة من نوعها بهدف تعزيز مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، خاصة في هذه المجالات، كتقديم الدعم المالي للسيدات، ورفع العراقيل البيروقراطية، التي تواجههن في الحصول على رخص سيارات الأجرة، وهو السبب الذي توقف بسببه مشروع سيارات الأجرة الوردية الخاصة بالنساء في محافظة البليدة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard