شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
طريق خرابي الأنثويّ

طريق خرابي الأنثويّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 15 يونيو 202101:34 م

لم أكن قادرة إلا أن أبكيني.

إضاءتي الشحيحة ونشرتي النفسية سيئة للغاية، مع تقلب أمزجتي وفداحة الأفكار التي كانت تنهش مواطني الداخلية.

مسمار في خشب النعش والسائرون في جنازة الوقت كثر. كنت ألحظني وألحظ ما آلت إليه أحوالنا. أتشبث بك باحثة عن العزاء، يدك التي تمسح شعري فيتساقط خصلاً من بين أصابعك، لن تقدر أن تبقيني معك أكثر.

فقط أذوب وأتلاشى في غزارة قبلك المبتلة بالدموع، ها أنت تبكيني! لقد فقدت عكاكيز روحي وصرت مشلولة دون حراك، لا يمكن لكل هذا القبح أن يستولي علينا.

فقط أذوب وأتلاشى في غزارة قبلك المبتلة بالدموع، ها أنت تبكيني! لقد فقدت عكاكيز روحي وصرت مشلولة دون حراك، لا يمكن لكل هذا القبح أن يستولي علينا

أعرف، ستكره هرمي الداخلي وتطالبني بشجاعة أواجه فيها ما يحدث، لأنك طوال الوقت كنت تراكم حبك لي، وكنت أصدقك.

لذلك عليّ أن أظل ضمن شروطي الأنثويّة التي عرفتني بها ولا أستطيع التملص منها.

الإبقاء على عتادي الأنثوي كاملاً دون نقصان، ذلك هو اتفاقي غير المعلن معك.

أنا في ضائقة روحية، وما من أحد غيرك سيرفع رصيدي المتدني، ويرد عن جسدي إفلاسه ويمنحني السلام.

في غرفة الانتظار، ركنت الطمأنينة على كرسي أسود وقلت لها: استرخي سأعود خلال نصف أمل.

كانت الممرضة قد نادتني، وما بين شفتيها ومكاني مسير دورة كاملة حول الأرض.

الإبقاء على عتادي الأنثوي كاملاً دون نقصان، ذلك هو اتفاقي غير المعلن معك.

قال الطبيب افتحي مساماتك للريح، لكن الوجع انسل داخل المسام وأثار ضجة خرساء في دورتي الدموية طوال عدة أشهر، قبل أن يعلن نفسه أمام الملأ وأمامي بكل وقاحة أنه قد استولى على أهم جزء في خارطتي الجسديّة وفي شرطي النسائي، ونصّب نفسه الحاكم بأمر الصدمة.

هذا صلصال لم ينضج بعد، هكذا علّقت حتى لا أصير حبيسة لحالة ذعر كانت توشك أن تلبسني.

لم يحدث ذلك منذ زمن بعيد، فأنا معتادة تفحّص ممتلكاتي، تلمس عتادي بخبرة طويلة لا أدري من أين اكتسبتها.

نزعت حمالة الصدر، فيما الماء الساخن ينسكب عليّ، وبدأت بجس المكان من أسفل الإبط إلى أعلى، ثم مرة أخرى إلى أسفل، من أعلى الصدر إلى الحَلمة اليمنى، من يمنيه إلى يساره، ثم إلى ثديّ اليسار من أعلاه إلى حلمته، كنت أُمسده برقة واستحضرك لتمارس هذا الطقس البدائي، طقس الاكتشاف واللذة.

لم تكن أصابعي التي مرت على ذلك الجزء على أهبة الاستعداد لتلقي مثل تلك اللدغة.

لقد هرستها الدهشة.

أعدت دسها مرة ثانية وثالثة ذهاباً وإياباً، صعوداً هبوطاً.

أضغط في موقع وأترك الثاني، أنهر أطراف أصابعي لو نسيت نقطة لم تمسها أو ترصدها.

لطالما كنت أتباهى بدقتي ونظري الثاقب، لكنني في تلك الثواني تحديداً، شعرت كما لو أنني نثرت قبضة رمل في وجه الريح وفتحت عينيّ على اتساعهما.

لقد عميت!

أردت أن أحدد أماكن التغيير بدقة.

صارت الحَلمة باهتة، وبلون أقل احمرارًا، ونزٌّ تفشّى كنقطة حبر على مساحة صغيرة.

وتشقق صغير ظهر بجلاء واضح.

بدأت العقد الصغيرة تشعل عيدان الثقاب عوداً وراء الآخر، وكان عليّ أن أحشد جيشاً لمواجهة قافلة الألم التي كان واضحاً أنها قد اضمرت لي مزيداً من المفاجآت، بعد أن أمسكت الأذرع الثمانية بذلك الجزء من كل جانب وصرختْ وصرختُ معها.

لقد بدأت عملية التناسل والتكاثر بشكل عبثيّ ساخر، وراحت تنتج الخراب وتعيش متطفلة على حساب بقية أنحاء الجسد.

أقف قبالة المرآة، أمسح الغبش المتصاعد من بخار الماء، أترك صدري مكشوفاً لعاصفة الضوء التي جالت حول ثدييّ من كل جانب.

ثمة شيء يكبر ويستفحل.

يهاجر حاملاً في صرته المزيد من الاندهاش، الكثير من الصاعقة، يقوم بعملية إنزال ناجحة فيستعمر ويتمطّى فارداً ذراعيه على اتساعهما.

أتجسس على خُزيّ روحي في ثوانٍ مصلوبة، أنهمر بداخلي فيشبّ ضيق في قلبي.

ممثل وحيد على خشبة حمّام والتصفيق يرتفع من قطرات "الدوش" الذي لا يزال يتابع مهمته بالسقوط على أرض رخامية بيضاء.

في حين كنتَ أنت تواصل هطولك المتواصل داخلي دون انقطاع.

شكراً لتكاثرك المحموم فيّ، لقد قسم التكاثر جسدي إلى شطرين.

الأمر صعب، العقد تتناسل وتتكاثر بتواتر سريع والطبيب يتابع، يلقي علينا الموجز، ثم لديه أنباء بالتفاصيل، ولديه مستمعان اثنان يصغيان إليه بكل كرياتهما البيض والحمر، يصغيان إليه بفصيلتي دمٍ مختلفتين.

كنت أتكئ على صدرك، وكنت تستند إلى قلبي فنغرق معاً في شبر فرح.

هذه المرة غرقنا في... 

كل ما أعرفه هو أنني سأبتلع كل ما قاله الأطباء عن حالتي وسأعود إلى تقيؤه حالما تنتهي الجرعة من رسم طريقها، طريق خرابي الأنثويّ.

كل ما أعرفه هو أنني سأبتلع كل ما قاله الأطباء عن حالتي وسأعود إلى تقيؤه حالما تنتهي الجرعة من رسم طريقها، طريق خرابي الأنثويّ

بدأت أتكوم داخلي، أتكوم كخرقة بالية، أصير بعدها بلا ملامح.

هل تغفر لي؟

أنت المدسوس في تفاصيل هزيمتي، أنت الوحيد الذي يعنيه نتوء في خاصرة الفرح.

هل تغفر لكتفي، لذراعي، لأصابعي، لكلي وبعضي؟

هل تغفر لأناس يرتدون ثياباً خضراء يدفعون عربة، سُجّيت عليها إلى غرفة جيدة الإضاءة ويغلقون خلفهم الأبواب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard