شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"من قال إن البنطلون هو الزي المناسب لنا؟"... دعوات لعودة الفساتين إلى شوارع مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 9 يونيو 202104:45 م

منذ حوالي شهر، ارتدت فتيات في محافظة الدقهلية الفساتين والقبعات، وهو الزي الذي يقترب لحدّ كبير من زيّ الستينيات، والتقطن صوراً لهن في الشارع، تناقلتها صفحات على مواقع التواصل، وطالبن الفتيات بالعودة لارتداء الفستان الذي يُبرز جمالهن وأناقتهن أكثر من أي ملابس أخرى حسب رأيهن.

هو حنين يتجدد من وقت لآخر، وتعبّر عنه ناشطات وفتيات عبر منصّات التواصل، بالعودة لارتداء الفستان، وحصول المرأة على حريتها في السير به في الشارع والظهور به في مختلف المناسبات، دون إلقاء بالٍ لأي انتقادات يمكن أن تتعرّض لها، ودون الخوف من أي تحرّش يمكن أن تواجهه.


"أخيراً وجدنا الجرأة"

رنا عبد الفتاح (24 عاماً) واحدة من هؤلاء الفتيات اللواتي ارتدين الفستان في محافظة الدقهلية مؤخراً. قالت لرصيف22 إن الفكرة كانت تلحّ عليها باستمرار، وأخيراً وجدت الجرأة، هي وعدد من زميلاتها، لتنفيذها، واستعنّ بزميلة لهن لتفصيل الفساتين، ارتدينها وسرن بها في الشارع وجلسن في أحد المقاهي.

"لفتنا نظر عدة سيدات في الشارع، فتوقفن للنقاش حول الفكرة، خاصة أننا اخترنا أقمشة قريبة لتلك التي كانت مستخدمة منذ عقود، مع إدخال تغييرات بسيطة لتتناسب مع يومنا هذا"، تشرح رنا، وتضيف بأن الفكرة لاقت قبولاً لدى فتيات أعجبن بالأمر، لكن لم يخلُ الأمر من انتقادات وتعليقات سلبية من قبيل "الزمن لن يرجع للوراء... لن تغيّرن الواقع".

من الصور التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمبادرة ارتداء الفستان في الدقهلي

من الصور التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمبادرة ارتداء الفستان في الدقهلية

ومن بين المؤيّدات للمبادرة، آية عادل (36 عاماً)، إذ ترى بأن ارتداء الفستان يعطي شكلاً مميزاً لأي فتاة، وتضيف في حديثها لرصيف22: "أتمنى أن يظهر الفستان مجدداً في الشارع المصري، رغم أنني لا أميل لارتدائه كثيراً لأنه غير مريح في كل الأوقات".

أيّدتها في ذلك نجلاء علي (44 عاماً) قائلة إن الفستان عنصر أساسي في الأناقة، ومضيفة: "أتمنى أن نعود لارتدائه، ولكن لا أعتقد بأننا سنحقق ذلك ببعض الدعوات، فيجب أن يكون هناك اتفاق جماعي بيننا على الأمر".


الزمن لا يعود للوراء

هذا التأييد قابله اعتراض من البعض. بالنسبة لرشا صالح (24 عاماً)، فالزمن لا يعود للوراء، وتشرح وجهة نظرها لرصيف22: "هل بعدما قررنا أن نتحرر من القيود ونرتدي ما نريده من ملابس، نعود للفستان؟ أرى أنه لا يناسب هذا الزمن ولا يتماشى مع وضع الفتاة الحالية".

الاعتراض انقلب سخرية لدى داليا إسماعيل (28 عاماً)، إذ تقول بأن احتمال ارتدائها للفستان بشكل يومي وليس للمناسبات الخاصة قد يعرّضها للعنف من أخيها، "لأنه لباس لافت"، وتضيف لرصيف22: "أحسد النساء أيام زمان، ولكن لا أنصح أي فتاة بارتداء الفستان حالياً".

أما سلمى عبد القادر (45 عاماً)، فهي لم تعترض على شكل الفستان بحد ذاته إذ وجدته جميلاً، لكنها ترى بأنه لم يعد يتناسب مع هذا العصر، وسيزيد من القيود التي تتعرّض لها المرأة، خاصة إن ارتدت فساتين قصيرة في الشارع.

هو حنين يتجدد من وقت لآخر، وتعبّر عنه فتيات عبر منصّات التواصل، بالعودة لارتداء الفستان، وحصول المرأة على حريتها في السير به في الشارع والظهور به في مختلف المناسبات، دون إلقاء بالٍ لأي انتقادات يمكن أن تتعرّض لها، ودون الخوف من أي تحرّش يمكن أن تواجهه


"حلمت بارتداء الفستان منذ زمن"

الكاتبة والروائية شاهيناز الفقي، تحدثت عن تجربتها في ارتداء الفستان لرصيف22: "الفستان كان حلماً بالنسبة لي، لأنني من جيل التسعينيات، وكان الزي العملي والمناسب لي ولمعظم المحجّبات، حسب العرف المجتمعي، هو البنطلون، فهو يوفّر سهولة الحركة في الجامعة وأماكن العمل والمواصلات، وحين راودني حلم ارتداء الفستان، أسوة بصباح وشادية وفاتن حمامة، كان الوقت فات، فالفستان لم يعد موضة، كما أن المرأة بعد سن معين يتغيّر شكل جسمها، بالتالي لم تعد الفساتين مناسبة ولم يعد لها نفس الانطباع الجمالي بالنسبة لي".

كاتبة السيناريو أضافت: "في الفترة الأخيرة وجدت نفسي أتشوّق جداً لارتداء فستان، فاشتريت واحداً وحضرت به حفلة في الأوبرا، كنت ألقي فيها قصيدة فازت بجائزة، وكان شعوري غريباً: مزيج من السعادة لأني أخيراً تشجّعت على الأمر، والقلق من ردّ فعل الناس التي اعتادت على رؤيتي بالبنطلون. تفاجأت بإعجابهم بالفستان وكلمات الاستحسان التي سمعتها كانت تفوق إعجابهم بالقصيدة، ومن وقتها قررت ألا أضع قيوداً على ملابسي طالما هي في حدود التقاليد والاحترام".

وأوضحت شاهيناز بأن الفستان لا يشكل عائقاً للمرأة في حياتها: "البعض يقول بأن الفستان يمكن أن يُفقد المرأة مكتسباتها، وأنه عودة للوراء، لكن أرى بأنه مثل العباءة والخمار والحجاب. هو مجرّد زي ولا علاقة له بعقل المرأة وشخصيتها وطموحها. ألم تكن سميرة موسى ترتدي الفساتين وهي عالمة ذرة؟ ولطفية النادي وهي أول امرأة تقود طائرة في العالم العربي؟ وكذلك مفيدة عبد الرحمن المحامية الشهيرة؟".


الفستان لم يعد مطلوباً مثل قبل

تشير مصممة الأزياء مروة البغدادي، في لقاء مع رصيف22، إلى أن الفستان لا زال موجوداً كجزء من الموضة دون شك، لكن الطلب لم يعد كثيفاً عليه كما في السابق، حين كان موضة مقبولة جداً، وبات ارتداؤه محصوراً بالمناسبات وليس كفستان يصلح لكل يوم. وتضيف: "شخصياً أتمنى لو يعود الفستان للواجهة، فأنا أراه المعبر الأول عن أنوثة المرأة وجمالها، وأتمنى أن أرى الفتيات اليوم يرتدين الفستان بدلاً من تمسكهن بالبنطلون".

ارتداء الفستان لا علاقة له بالحريات التي اكتسبتها المرأة وتراجع هذه الحريات، فهو خيار شخصي.

وبرأي المصممة الأربعينية، فإن ارتداء الفستان لا علاقة له بالحريات التي اكتسبتها المرأة وفقدان هذه الحريات وتراجعها، فهو خيار شخصي، كما أن ارتداء البنطلون لا يعني بأنها حصلت على حريتها وكامل حقوقها.

وتنوّه مروة إلى أن الفساتين يمكن أن تتغيّر حسب ما يناسب كل شخصية: "أنا أميل لتصاميم مخصصة تتلاءم مع من ترتديها، فالمحجبة لها تصميم معين، وكذلك غير المحجبة، والبساطة في التصميم هي الجوهر والفيصل الذي يبرز الجمال بصورة أكبر".


لمَ الحديث عن اختيار المرأة لملابسها؟

في لقائها مع رصيف22، تستغرب الكاتبة نهلة كرم من استمرار الحديث بموضوع اختيار المرأة لملابسها: "من المنطقي والبديهي أن يكون للمرأة كامل الحرية فيما تلبسه، والفستان لا علاقة له بالتحرّش، فالظاهرة منتشرة سواء ارتدت المرأة فستاناً أو أي ملابس أخرى".

ترى نهلة (31 عاماً) بأن الفستان يزيد من أناقة المرأة ويجعلها أكثر أنوثة، ولكن حريتها في اختيار ما ترتديه هو الأهم، لافتة إلى أنها خارج مصر تستطيع أن ترتدي الفستان بأريحية دون الخوف من أي كلام خادش يمكن أن تسمعه في الشارع.


التحرش لا علاقة له بثياب المرأة

منذ أعوام، أطلقت الناشطة النسوية هادية عبد الفتاح، مبادرة بعنوان "فستان زمان والشارع كان أمان"، وكانت تناهض التحرّش لتحثّ الفتيات على البوح بما يتعرّضن له من انتهاكات.

قالت هادية (31 عاماً) لرصيف22: "المبادرة تكرّرت أكثر من مرة. كنا نحاول أن نزيد وعي الفتيات نحو التحرش. شاركت بها العديد من الفتيات وقمن بتصميم الفساتين للمشاركات ليظهرن بها، لنقول في النهاية بأن الملابس لا علاقة لها بالتحرّش، وعلى العكس أيام زمان كانت النساء ترتدي الفساتين القصيرة والطويلة ولا يتعرّضن للتحرّش".

الناشطة النسوية أكدت أن مشكلة التحرّش ستظل موجودة مهما ارتدت المرأة، فحتى المنقبات يتعرّضن للتحرّش، وذلك بسبب عدم وجود قانون رادع للأمر.

الفستان يظهر ويختفي تبعاً للموضة، وأتمنى لو كانت هناك عودة حقيقة للفستان في مصر، وإن كان ذلك صعباً لأن الناس لن تترك من ترتدي الفستان بحالها، بل ستنتقدها بشدة، خاصة إذا كان الفستان قصيراً

بدورها تحدثت الناشطة النسوية وعضو الجبهة الوطنية لنساء مصر إيفون مسعد، لرصيف22: "الفستان يظهر ويختفي تبعاً للموضة، وأتمنى لو كانت هناك عودة حقيقة للفستان في مصر، وإن كان ذلك صعباً لأن الناس لن تترك من ترتدي الفستان بحالها، بل ستنتقدها بشدة، خاصة إذا كان الفستان قصيراً. الناس لم تعد متحضرة وينظرون إلى المرأة على أنها عورة وكل ما فيها يجب إخفاؤه".

إيفون (61 عاماً) أضافت: "زمان، كنا نجد النساء في الحفلات وهن يرتدين الفساتين القصيرة والطويلة، ولم تكن هناك أي مضايقات، فالتحرّش سببه الأول والأخير أن هناك شاباً ينظر للمرأة بشكل خاطئ ويعتقد أنها مستباحة. الآن انتشر الفساد والتشدّد، ما غيّر تفكير الشباب، ولم تعد هناك حرية حقيقية للمرأة في اختيار ما تريد ارتداءه".


"يعني إيه تحرّش؟"

"في الستينيات والسبعينيات كنا نرتدي الفستان ولم يكن أي رجل ينظر إلينا أو يتحدث معنا بصورة مسيئة، وتقول والدتي بأن الفساتين في موضتهم كانت تعلو الركبة بكثير، ولم تكن معظم الفتيات والسيدات محجّبات، ورغم ذلك لم يكن هناك أي تحرّش في الأماكن العامة"، هذا ما قالته عزيزة السيد (69 عاماً) لرصيف22.

وأضافت عزيزة: "القضية قضية أخلاق. زمان كان الكل يعرفون بعضهم وكنا في القرية نرتدي الجلابية القصيرة ولم يكن هناك من يزعجنا، لأن الرجل كان مهذباً وكان يخجل من معاكسة صديقة أخته وبنت الجيران، أما الآن فلم يعد هناك أي خجل".

الملابس لا علاقة لها بالتحرّش، وعلى العكس أيام زمان كانت النساء ترتدي الفساتين ولا يتعرّضن للتحرّش.

الحاجة أم حسين (75 عاماً) اندهشت من كلمة تحرّش التي أصبحت منتشرة، وقالت لرصيف22: "يعني إيه تحرّش؟ أسمع هذه الكلمة باستمرار، وحفيدتي تقول إن الرجال ينتهكون جسد المرأة في الأماكن العامة. لم أسمع هذه الكلمة عندما كنت في شبابي، عندما كنا نذهب إلى ترعة القرية في الصباح ونحن نرتدي الفساتين القصيرة والعباءات وننزل المياه ونكشف عن أرجلنا، ولم يعترض طريقنا أحد".

بشكل مشابه تتحدث سهير أبو المكارم (70 عاماً) لرصيف22: "زمان كنا نلبس العباءات القصيرة والفساتين ونسير بحرية دون أي تهديد من أي رجل، فلم يكن أحد يجرؤ على النظر إلينا، ولم تطالبني والدتي بارتداء الحجاب، وكانت هذه هي الموضة، أن نرتدي القصير".

وعن رأيها بعودة الفستان الآن قالت متخوفة: "صعب. إذا كان التحرّش منتشراً والنساء يرتدين الحجاب والبنطلون، فلو عاد الفستان يمكن أن تزيد نسبة التحرّش بشكل كبير، وبالطبع هذه الظاهرة لن تختفي بتغير ملابس المرأة، وإنما بمعاقبة الشباب المتحرّش عقاباً رادعاً".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard