شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا نرغب في إلغاء اللقاء مع الأصدقاء في اللحظة الأخيرة؟

لماذا نرغب في إلغاء اللقاء مع الأصدقاء في اللحظة الأخيرة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 4 يونيو 202106:20 م

عندما يتصل بنا أحد الأصدقاء طالباً منّا مرافقته للتبضع أو لتناول العشاء في مكان هادىء، نشعر أحياناً بأن هناك حملاً ثقيلاً على عاتقنا، فبالرغم من "حماستنا"، إلا أنه يتعكر مزاجنا فجأة ونشعر بعبء كبير كلما اقترب موعد اللقاء، ونتنفس الصعداء عندما نتصل بالآخر ونبلغه اعتذارنا عن الموعد، متذرّعين بحجج واهية.

في الواقع، هناك حالة من الارتياح التي تصاحب العديد منّا عند إلغاء خطط الخروج مع الأصدقاء، والسبب يعود بشكل كبير إلى معرفة أننا لن نضطر إلى بذل الجهد للقيام ببعض الأمور، وإن بدت مجرد تفاصيل صغيرة، مثل "نبش" الخزانة رأساً على عقب للعثور على الملابس المناسبة، التفكير في مواضيع مسلّية وغير مملة و"الشجار" حول من سيدفع الفاتورة في نهاية المطاف.

الارتياح الغريب

لا شك أن التواصل الاجتماعي الحقيقي مفيد لصحتنا ورفاهيتنا، فحتى بالنسبة لأولئك الذين يحبون تمضية أوقاتهم بمفردهم، فإنهم يحتاجون، في مرحلة ما، إلى بعض التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وغالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى الشعور بارتياح نفسي كبير بعد قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء، سواء كان ذلك وجهاً لوجه أو عبر مكالمة فيديو.

ومع ذلك، مع اقتراب موعد اللقاء، يمكن للبعض أن يشعر بالخوف وبالرغبة الملحّة في إلغاء كل شيء والاكتفاء بالجلوس على الأريكة ومشاهدة التلفاز، أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة دون تحمل عبء الأحاديث.

عندما يتصل بنا أحد الأصدقاء طالباً منّا مرافقته للتبضع أو لتناول العشاء في مكان هادىء، نشعر أحياناً بأن هناك حملاً ثقيلاً على عاتقنا، فبالرغم من "حماستنا"، إلا أنه يتعكر مزاجنا فجأة ونشعر بعبء كبير كلما اقترب موعد اللقاء، ونتنفس الصعداء عندما نتصل بالآخر ونبلغه اعتذارنا عن الموعد

تحدّثت الأخصائية في علم النفس، لانا قصقص، عن العوامل النفسية الكامنة وراء إلغاء المواعيد مع الأصدقاء والمقربين منّا.

فقد أوضحت قصقص لرصيف22، أن القلق الاجتماعي والخوف من التواصل المباشر مع الآخرين، يجعل بعض الأفراد يتجنبون الخروج من المنزل: "يتوقف هؤلاء الأفراد على عدّة تفاصيل تكون مرهقة بالنسبة إليهم، مثل ارتداء الملابس والتفكير مسبقاً في الحديث الذي سيتم تداوله أثناء اللقاء"، مشيرة إلى أن الشخص المعني يجد نفسه في المنزل في منطقة الراحة الخاصة به Comfort Zone والتي يصعب عليه بذل الجهد للخروج منها بسهولة.

وتحدثت لانا عن أن مسألة إلغاء الخطط قد تكون مرتبطة أيضاً بغياب ثقة المرء بنفسه: "قد لا يكون لدى الشخص الثقة الكافية بنفسه للانخراط مع الآخرين، كما يشعر بدونية تجاههم".

وأوضحت قصقص أن هذا الشعور الداخلي بالدونية يحدث بشكل خاص لدى الأفراد غير المنتجين، أو أولئك الذين لا يجيدون تقدير أنفسهم: "يفضل هؤلاء المكوث بمفردهم في المنزل من دون الاضطرار للانخراط مع الآخرين، وذلك لاعتقادهم بأنهم أدنى من غيرهم".

أسباب متعددة

بالرغم من إبداء الموافقة على الفور، إلا أن هناك مجموعة من الأسباب التي تتداخل وتجعل الشخص يميل إلى تجنب اللقاءات الاجتماعية، وحتى إلى إلغاء المشاريع مع الأصدقاء المقربين، ولو كان ذلك في اللحظة الأخيرة.

القول نعم دون التفكير جيداً في الدعوة: بحسب المعهد الوطني للصحة النفسية، يعاني حوالي 7.1% من البالغين/ات في الولايات المتحدة الأميركية من اضطراب القلق الاجتماعي، الذي يمكن أن يظهر من خلال عدة طرق، من بينها: الموافقة الفورية على القيام بشيء ما، دون قضاء الوقت في تقييم السؤال بشكل صحيح وعدم اقتراح خطة مختلفة.

واللافت أن هذا يُعتبر شكلاً من أشكال تجنب الصراع، من خلال الظن بأن الموافقة على الخطط المقترحة أسهل في الوقت الحالي من اكتشاف خيار أفضل للجميع، حتى يحين وقت العمل الفعلي على تلك الخطط.

تعليقاً على هذه النقطة، قال المعالج النفسي ومستشار الصحة النفسية في نيويورك، ريك ماثيوز، لموقع فايس: "بالنسبة لبعض الناس، فإن الإجابة الافتراضية للأشياء هي نعم. هذه علامة على أن هؤلاء يواجهون مشاكل مع كيفية وضع الحدود"، مشيراً إلى أن تعلّم قول "لا" يمكن أن يكون صعباً في بعض الأحيان، ولكن بمجرد القيام بذلك، يصبح الالتزام باللقاءات أسهل والشعور بالرضا عن تلك الخيارات.

هذا وشدد ماثيوز على أهمية اقتراح خطط بديلة لكونها تساعد على الشعور بضغط اجتماعي أقل مع الحفاظ على علاقات قوية مع الآخرين.

هناك أشخاص يتم اعتبارهم "أصدقاء" من باب العادة، غير أن تمضية الأوقات برفقتهم لم يعد ممتعاً

التوتر بشأن استغلال الوقت بأفضل طريقة ممكنة: من السهل الوقوع في فخ "تحسين" الحياة، عبر محاولة التخطيط للأيام وعطلات نهاية الأسبوع بشكل مثالي، غير أن هذا الأمر قد يتحول إلى ظاهرة نفسية تعرف بـفومو (FOMO)، أي الخوف من تفويت الأشياء.

وفي هذا السياق، أوضح ريك ماثيوز أن بعض الأفراد يميلون إلى الموافقة على الكثير من الأشياء، على أمل أن توفر جميع الخيارات المتاحة لهم فرصة أكبر للحصول على أفضل وقت، ولكن بالطبع، لا يمكن للمرء فعل كل شيء، لذا غالباً ما يكون التراجع عن شيء ما هو الطريقة الوحيدة لإدارة الوقت بشكل فعلي.

العجز عن توقع مدى الاستمتاع: هناك ما يسمى بالتنبؤ العاطفي والذي يظهر أن البشر يميلون إلى التنبؤ بما سيشعرون به في المستقبل، وغالباً ما يخطئون تماماً في تقدير ما يجعلهم سعداء، ويصبح من السهل عليهم نسيان مدى استمتاعهم الفعلي بالأشياء البسيطة، كالجلوس بأريحية في المنزل ومشاهدة البرامج التلفزيونية المفضلة.

البشر بطبعهم سيئون جداً في التنبؤ بما ستكون عليه التجربة بمجرد وصولهم إلى مكان ما، بخاصة عندما يتعلق الأمر بأمور عاطفية، بمعنى آخر، ما نتوقعه في أذهاننا في الكثير من الأحيان، لا يرسم ما سيكون عليه الحال عندما نختبره في الواقع.

تغيّر القيمة الشخصية: الاتصال البشري مهم طوال حياتنا، يشير ببساطة علماء النفس إلى هذا الموضوع على أنه "الحاجة إلى الانتماء"، بحيث يجب التعامل مع هذه الحاجة بطريقة أو بأخرى، سواء من خلال الروابط الاجتماعية أو العلاقات الرومانسية أو الصداقات.

يختلف مقدار التفاعل الاجتماعي من شخص إلى آخر، كما تتغير درجة التفاعل مع التقدم في العمر والمراحل المختلفة في الحياة.

واللافت أن هناك أوقات في الحياة، يشعر فيها الناس بالرضا عن دوائرهم الخاصة، وفي أوقات أخرى يشعرون أنهم بحاجة أكبر للتسكع مع الأصدقاء، بحيث قد تزيد الرغبة مثلاً في لقاء الأصدقاء بعد الانفصال العاطفي.

إعادة التفكير بالصداقة: عدم الرغبة بالتسكع مع الأصدقاء قد يكون بمثابة مؤشر على أن هذه العلاقة لم تعد تجلب السعادة، ويصعب الانسحاب منها، فهناك أشخاص يتم اعتبارهم "أصدقاء" من باب العادة، غير أن تمضية الأوقات برفقتهم لم يعد ممتعاً.

ولكن، إذا بدأ الفرد يشعر بخشية لقاء شخص معيّن أو إلحاح داخلي لإلغاء الخطط معه، فهذا يعني أنه تجاوز العلاقة وأصبحت صداقته مع الآخر منتهية الصلاحية، مما يعين بأن الوقت قد حان للانفصال.

كيف تؤثر الصحة النفسية على اللقاءات الاجتماعية؟

إذا كان المرء يتجنّب باستمرار التفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء، فقد يكون من المفيد اللجوء إلى أخصائي/ة في علم النفس للوقوف على رأيه/ا في المسألة.

صحيح أن الجميع يشعر بالاكتئاب أو القلق الاجتماعي من وقت لآخر، ولكن هناك بعض العلامات التي يجب مراقبتها والتي قد تشير إلى أن السلوك بات مدعاة للقلق، كمدى تكرار ذلك وتأثير الأعراض على حياة الفرد بطريقة غير مرغوب فيها.

هناك حالة من الارتياح عند إلغاء خطط الخروج مع الأصدقاء، والسبب يعود بشكل كبير إلى معرفة أننا لن نضطر إلى بذل الجهد للقيام ببعض الأمور، مثل "نبش" الخزانة رأساً على عقب للعثور على الملابس المناسبة، التفكير في مواضيع مسلّية وغير مملة و"الشجار" حول من سيدفع الفاتورة

يتم تشخيص القلق الاجتماعي بعد مرور الشخص بالخوف أو القلق الشديد والمستمر من المواقف الاجتماعية لمدة تزيد عن ستة أشهر، أما الاكتئاب فيتم تشخيصه في حال مرّ المرء المعني بأسبوعين تقريباً من الشعور بغياب المتعة في جميع الأنشطة تقريباً، معظم اليوم وكل يوم تقريباً، إلى جانب التغييرات الأخرى الملحوظة في الشهية وأنماط النوم والطاقة والقدرة على اتخاذ القرارات.

واللافت أن معظم الأفراد الذين يعانون من القلق يقومون، بشكل مستمر، بتحليل كل شيء يحدث في حياتهم، سواء كان ذلك أمراً حدث في الماضي أو القلق المسبق بشأن ما قد يحدث لهم في المستقبل، وهؤلاء هم الأكثر عرضة لإلغاء اللقاءات مع الأصدقاء في اللحظات الأخيرة، وذلك بسبب الأفكار المقلقة التي تتخبط في ذهنهم والتي يصعب وضع حدّ لها أو التخفيف من وتيرتها.

وفي العادة عندما يشعر شخص ما بالارتباك والقلق، فإنه سيرغب في تجنب ما يجعله يشعر بهذه الطريقة، وفي هذه الحالة، سيقرر إلغاء الموعد في اللحظة الأخيرة، وبالرغم من أنه قد يشعر حينها بالراحة لكونه تجنب مصدر القلق، إلا أن ما يحدث بالفعل أنه يغذي قلقه ويتركه ينمو في داخله.

وعليه، هناك طريقة للمساعدة في السيطرة على هذا الشعور وهي إبطاء الأفكار المُقلقة، عن طريق العلاج السلوكي المعرفي الذي يقوم على فكرة أنه إذا تمكنا من إعادة التركيز وتحدي أفكارنا المقلقة، فسنشعر بدورنا بقلق أقل، ومن ثم سنتصرف بشكل مختلف، مع العلم بأن هذا الأمر يتطلب الكثير من التدريب لفرز أفكارنا المقلقة وإبطائها والتصدي لها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard