شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"يشتموننا ويضربوننا بالكرّاس داخل أسوار المدرسة"... يوميات معلمات في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 2 يونيو 202105:26 م

فتحت حوادث الاعتداء المتعاقبة على معلمات في محافظات متفرقة من الجزائر جروحاً غائرة في قلوبهن، وقلوب أسرهن، حتى أنها أعادت للأذهان أبشع المجازر الدموية التي كانت تطال هذه الفئة خلال العشرية السوداء، التي شهدتها الجزائر في التسعينيات، مثل جريمة في منطقة تسمى "عين آذن" بمحافظة سيدي بلعباس المتمثلة في ذبح 11 معلمة ومعلماً.

تقول هاجر، أم لابنتين، إحداهما معلمة في مدرسة ثانوية ببلدية "المدنية"، التابعة لمحافظة الجزائر العاصمة: "حلمت ابنتي منذ صغرها أن تكون معلمة، وترتدي ذلك المئزر الأبيض الطويل، وتجوب بين الصفوف، وبالفعل تحول حلمها إلى حقيقة، لكنه تحول إلى كابوس لي ولوالدها، فالتعليم بالنسبة للمرأة طريق شاق غير مفروش بالورود، بل هو مليء بالأشواك".

التعب والمسافات

وتوضح هاجر، وهي معلمة سابقة، أن المخاوف لا تقتصر على المعلمات القاطنات في المدن النائية، بل حتى في المناطق الوسطى، بسبب تفشي مختلف أنواع الجرائم، وتدرس ابنتها في منطقة بعيدة تماماً عن مكان إقامتهم، يرافقها والدها كل صباح إلى مكان عملها، ولا يعود إلى المنزل مساءً إلا برفقتها، خشية تعرضها للعنف والتحرش في الشارع.

وبرأي هاجر فإن كل المعلمات اللواتي يشتغلن بعيداً عن مقر إقامتهن، يزاولن مهنتهن في ظروف صعبة، أبرزها التعب من المسافات التي يقطعنها يومياً من أجل الوصول إلى مقر العمل، إضافة إلى بعض الاعتداءات اللفظية والجسدية التي يتعرضن لها من قبل التلاميذ داخل أسوار المدرسة.

التعب من المسافات الطويلة، تعرض لاعتداءات الشارع، حتى داخل المدرسة يقوم بعض التلاميذ وأولياؤهم بشتمهم، وضربهم بالكراس أحياناً، وقطع الكهرباء عليهن في المبيت قصداً... بحسب حكايات معلمات جزائريات عن ظروف عملهن

تتذكر هاجر أن مهنة التعليم كانت في القدم أحب مهنة لقلوب الناس، الرجال على وجه الخصوص، ولكنها فقدت جاذبيتها مؤخراً.

"أصبحت ربة بيت"

سهام شابة جزائرية، عشرينية، وهي واحدة من المعلمات اللواتي تخلين عن المهنة بسبب العقبات، التي اعترضت طريقهن، تقول لرصيف22: "عشت 20 سنة وأنا أحلم بالوقوف على المصطبة، أحمل قطعة من الطبشور، وأتجول بين الصفوف، منهمكة بتلقين الأطفال والأجيال الصاعدة، لكن تحول هذا الحلم إلى سراب، ودخولي إلى هذا المجال كان بمثابة الدخول في عتمة قاتمة يصعب استيعابها".

وتتابع: "حاولت جاهدة تجاوز هذه العتمة، غير أن الخيبات ظلت تصفعني، ولعل أبرزها الصعوبة التي واجهتها في إقناع والدي، لأننا ما زلنا نعيش في منطقة محافظة، فالمرأة هنا في مسقط رأسي خلقت للبيت لكي ترعى الزوج، وتلبي له رغباته، وترعى الأبناء وتعد لهم الطعام".

"قررت الزواج والمكوث في البيت".

وتضيف سهام: "رغم أنني نجحت في إقناع والدي اعتزلت المهنة بعد ستة أشهر فقط، وقررت الزواج والمكوث في البيت، بسبب التحرش اللفظي الذي كنت أتعرض له في طريقي من مقر إقامتي إلى المدرسة، ناهيك بالظروف الطبيعية المناخية القاسية في الصيف والشتاء".

وتذكر سهام حادثة تحرش تعرضت لها، وهي في طريقها إلى المدرسة، وكانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، ودفعتها إلى الاعتزال، قائلة إنها تعرضت لحادثة تحرش من طرف سائق حافلة، الذي كان "يقلني إلى المدرسة حيث انتهز خلو الحافلة من الركاب، ولولا وجود حاجز أمني لكان حدث ما لا يحمد عقباه".

وأنهت سهام حديثها، قائلة: "العمل في المناطق النائية، لا سيما بالنسبة للفتيات، يحمل كثيراً من المساوئ".

القرار ذاته اتخذته غنية، في نهاية العقد الثالث من عمرها، إذ قررت الاعتزال نتيجة الضغوط النفسية، التي كانت تتعرض لها داخل أسوار المدرسة وخلفها، وتقول لرصيف22: "المعلمات في المناطق النائية، وحتى الوسطى، عرضة للعديد من الانتهاكات، التي قد تقع داخل حجرة الدراسة من قبل التلاميذ، خاصة المراهقين أو أوليائهم، وقد تصل هذه التصرفات المشينة عادة إلى الضرب بأشياء بسيطة مثل القلم أو الكراس أو الكتاب".

ووفق تصريحات أدلى بها الأمين العام للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين، بوعلام عمورة، لوسائل إعلام محلية، فإن المعلمات يعشن في ظروف مزرية في بعض المناطق النائية، واستدل بوجود 50 أستاذة في محافظة الجلفة في ظروف جد صعبة، إذ يبتن في مرقد يتوفر فيه مرحاض واحد، وحتى مدير المؤسسة يقطع عليهن الماء في عطلة نهاية الأسبوع، بينما تعيش معلمات أخريات في شبه شقة في محافظة الأغواط (محافظة تبعد عن العاصمة الجزائر 400 كلم) ولا تتوفر في هذه الشقة أدنى شروط الأمن والنظافة.

"نساء يزاولن عملهن في مناطق جد بعيدة ومعزولة ودون حماية".

وعلق عمور على وجود معلمات في مدرسة نائية في أقصى جنوب البلاد بالقول: "هذا أمر مؤسف جدا لكنه حقيقة لا تنكر، نساء يزاولن عملهن في مناطق جد بعيدة ومعزولة ودون حماية".

ورأى أن هذه المشكلة ليست وليدة اليوم، وأن ممثلي النقابة المستقلة لعمال التربية كانوا في مفاوضات مع السلطات المحلية من أجل نقلهن إلى مقر الولاية.

بالمقابل، يرجع الناطق الرسمي باسم المجلس المستقل لمستخدمي التدريس "كناباست" في الجزائر، مسعود بوديبة، في حديث لرصيف22 اتساع رقعة العنف الممارس ضد المعلمات في المناطق النائية إلى الأرضية الرقمية للتوظيف، وهي عبارة عن موقع خاص يتعلق باستغلال القوائم الاحتياطية في مسابقة توظيف الأساتذة، إذ تعتبر السبب المباشر في نقل المعلمات والمعلمين إلى التدريس في مناطق نائية بعيدة غير المناطق التي يقطنون فيها، والأخطر في هذا أن معظمهن يعملن في ظروف صعبة للغاية، بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة كالمأوى والأمن.

""المعلمات في المناطق النائية، عرضة للعديد من الانتهاكات، التي قد تقع داخل حجرة الدراسة من قبل التلاميذ، خاصة المراهقين أو أوليائهم، وقد تصل إلى الضرب بأشياء مثل القلم أو الكراس أو الكتاب"

وطالب النائب البرلماني السابق مسعود لعمراوي، في منشور على فيسبوك، إثر هذه الاعتداءات المتكررة على مربيات النشء وصانعات رجال ونساء الغد، بإصدار قانون لحماية المربي\ة من مختلف أشكال الاعتداءات عليه\ها.

وحسب ما قاله النقابي البارز مسعود لعمراوي، فإن الوضع الأمني الخاص بالمؤسسات التربوية يزداد تأزماً وخطورة يوماً بعد يوم، وينذر بالأسوأ تجاه الجماعة التربوية، فمن الظروف الصعبة للعمل إلى العنف المدرسي الدخيل على المجتمع الجزائري، الذي حول حياة المربيات إلى جحيم، إذ لا يمكنهم تأدية واجبهم المهني في ظل الاعتداءات التي يتعرضون لها.

وأرجع لعمراوي انتشار هذه الظاهرة إلى القوانين والقرارات التي اتخذت في السنوات السابقة على غرار إلغاء القانون المدني الصادر في 1975، والذي ينص في إحدى مواده على أن الدولة في حماية المربي، وتحلّ محله إذا قام أولياء التلاميذ بتحريك دعوى قضائية ضده، وأشار كذلك إلى صدور القانون التوجيهي لقطاع التربية رقم 04/08 إذ ألغيت المواد التي تحمي المربين/ات، وعوضت بالمادة 22 من القانون التوجيهي التي جاءت لتحمّل المربي مسؤولية ما يحدث للتلاميذ على مستوى المؤسسات التعليمية، وجعله مذنباً في جميع الأحوال، حتى في حال وقوع شجار بين التلاميذ في القسم (الفصل).

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard