شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
القتل والانقسامات تهدد مسيرة الانتقال بالسودان

القتل والانقسامات تهدد مسيرة الانتقال بالسودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التجمع

الخميس 30 يناير 202012:33 م

قبل ساعات من حلول عيد الفطر، سرقت رصاصة غادرة الفرحة من السودانيين مسبقاً، محوّلة تهنئة العيد الشهيرة من عيد سعيد، إلى تعازٍ وعيد شهيد، إذ تكررت مأساة فض اعتصام القيادة العامة مجدداً، بسقوط شهيدين في محيط مقر الجيش الرئيس، وكأنما كُتب على هذه البلاد أنها متى ابتسمت، حطّ الذباب على شفتيها.

واستعاد السودانيون ذكريات مجزرة القيادة العامة قبل عامين، بكل تفاصيلها، بتحوّل فعالية تنادي بالقصاص لضحاياهم، إلى مأساة جديدة، ارتقى خلالها شهيدان بالرصاص الحي، بينما يقبع 35 آخرين في المشافي، بعضهم إصاباته خطيرة.

وسقط أكثر من 200 قتيل طبقاً لإحصائيات لجنة أطباء السودان المركزية، فيما لم يعرف مصير عشرات المفقودين، جراء فض اعتصام القيادة العامة في 29 رمضان 1440هـ، الموافق 3 حزيران/ يونيو 2019، على يد قوات عسكرية، استخدم أفرادها القوة المفرطة لتفريق آلاف السودانيين، من أمام باحة الجيش الرئيسة بالخرطوم.

وتجاوز مئات المحتجين، أمس الثلاثاء، السياج الأمني المضروب على محيط القيادة العامة، ووصلوا إلى ساحة الاعتصام الشهيرة، تلبيةً لدعوات منظمة أسر شهداء ثورة كانون الثاني/ ديسمبر، لتناول الإفطار في محل وقوع الجرم المشهود قبل عامين، والمناداة بتسريع وتيرة سير التحقيقات الخاصة بالمجزرة.

وحاولت عناصر تتبع للجيش منع المشاركين في الإفطار من دخول ساحة القيادة العامة. وساعة انفضاض وتفرّق سامرهم، جرت ملاحقتهم بالغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، فسقط شابان هما عثمان أحمد بدر الدين، ومدثر مختار الشفيع.

ومرت الذكرى الأولى لفض الاعتصام، العام الفائت، بهدوء نسبي، جراء الإغلاق الشامل الذي فرضته السلطات للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.

قبل ساعات من حلول عيد الفطر، سرقت رصاصة غادرة الفرحة من السودانيين مسبقاً، محوّلة تهنئة العيد الشهيرة من عيد سعيد، إلى تعازٍ وعيد شهيد

ساعة الافطار

وبعد عودتهم إلى ساحة الاعتصام، مع مغيب شمس يوم 29 رمضان، وترديد الشعارات المطالبة بالقصاص للشهداء، نحو "يا عسكر ما في حصانة... يالمشنقة يالزنزانة"؛ تلت ممثلة للمنظمة مذكرة اتّهمت فيها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، رئيس قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو، وشقيقه القائد الثاني لقوات الدعم السريع، الجنرال عبد الرحيم دقلو، وقوات الدعم السريع بفض اعتصام القيادة العامة.

وأعطوا الحكومة الانتقالية مهلة حتى 3 حزيران/ يونيو المقبل، الذي يصادف ذكرى المجزرة بالتاريخ الميلادي، قبل العودة مجدداً إلى ساحة الاعتصام، واتخاذ كافة الوسائل لانتزاع حقوق الشهداء.

وسبق أن لوّحت اللجنة في وقتٍ سابق، بإمكانية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، لحفظ حقوق أبنائها، في حال تعثرت خطواتها لتحقيق العدالة محلياً.

ما قبل الإفطار

واستبق الجيش السوداني، دعوة الإفطار، بإصدار قرار -قبل يوم من الموعد- بإغلاق الشوراع كافة المؤدية إلى محيط القيادة العامة، وإصدار تحذير بعدم الاقتراب من مقره الرئيس، لدواعٍ قال إنها تتصل بحفظ الأمن والاستقرار، فيما ترجح شواهد الإغلاق السابقة، مع كل دعوة للتظاهر أمام القيادة العامة، عدم رغبة العسكريين في تكرار اعتصام الأهالي أمام بواباته لممارسة الضغوط على جنرالاته وقياداته.

وأدى قرار الجيش، إلى تنامي أحاسيس الغضب لدى لجان المقاومة (أجسام ثورية شعبية تنشط في الأحياء)، فعمدوا إلى تنظيم احتجاجات تضمنت غلق كثير من الطرق في العاصمة بالمتاريس والإطارات المحروقة، بينما تمسكت منظمة أسر الشهداء بإقامة الإفطار.

ردات الفعل

وأحدثت واقعة الإفطار ردات فعل متباينة تعكس حجم المخاطر التي تتهدد السودانيين، ومصير الانتقال في بلادهم ما بعد حقبة الرئيس المخلوع عمر البشير.

ودعا رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، ليل الأربعاء، إلى اجتماع طارئ ضم وزراء الدفاع، الداخلية، العدل، مدير المخابرات، والنائب العام، بالإضافة إلى والي الخرطوم.

وتتكون الحكومة من ثلاثة أضلاع هي المكوّن المدني ويمثله تحالف قوى الحرية والتغيير (القوى المعارضة لنظام البشير)، والمكوّن العسكري (قادة المجلس العسكري الحاكم وقت فض اعتصام القيادة العام 1440هـ)، والحركات المتمردة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

وكشف بيان صادر عن مجلس الوزراء، عن دعوة مكونات الحكم الانتقالي لمراجعة وتصحيح المسار، وطالب الجهات ذات الصلة بتسليم عاجل للمتسببين في قتل اثنين من الشبّان على خلفية إحياء ذكرى فض الاعتصام بمحيط القيادة العامة للجيش في الخرطوم.

وأعلنت القوات المسلحة، تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة المتسببين في حادثة إطلاق النار، وأعلنت تعاونها ودعمها التام للجهات العدلية والقانونية، وأبدت جاهزيتها لتسليم كل من يثبت تورطه من عناصرها للعدالة.

نحت بعض الآراء نحو تحميل بعض الساسة مسؤولية استغلال حماس الشباب، وجرّهم لخدمة أجندات سياسية ضيقة، وتساءلوا عن السر في التظاهر أمام مقر قيادة الجيش بمواقفه المعلومة، بدلاً من أن يكون ذلك أمام المقار العدلية

وبشأن ردات القوى السياسية المكونة لتحالف الحرية والتغيير، أعلن حزب المؤتمر السوداني، إدانته جريمة الإفطار، وطالب بمساءلة وزراء القطاع الأمني والنائب العام، وتوقيف الضباط والجنود المسؤولين عن الانتهاكات بصورة فورية، ووضع التدابير اللازمة لوضع القوات النظامية تحت قيادة المدنيين.

وسحب الحزب رئيسه، عمر الدقير، من مجلس شركاء الحكم، وألمح إلى إمكانية سحب وزرائه حال لم يلمس جدية سياسية في تنفيذ مطالبه الآنفة.

بدوره، دعا التجمع الاتحادي، إلى توقيف الجناة، وإعادة هيكلة القوات النظامية وقال إن أي تأخير لهذه الخطى يعني فتح الباب لمزيد من الانتهاكات مستقبلاً.

ونوّه الحزب إلى أنه لن يقبل النكوص عن شعارات ثورة كانون الثاني/ ديسمبر، وقال في بيان: "إن نموذج الشراكة الحالية الذي مهّد لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية، والذي اقتضاه وقتها توازن القوى، هدف إلى خلق وضع مستقر للسير إلى الإمام؛ لتحقيق شعارات ثورة كانون الثاني/ ديسمبر المجيدة وفي حال لم يتجه في سبيل تحقيق هذه الشعارات، فهو وضع غير مرحب به، ولن نقبل به أياً كان".

ويتبنى الحزب الشيوعي السوداني، الذي انسحب من التحالف الحاكم قبل أشهر عدة، الدعوة إلى إسقاط الحكومة كونها لا تمثل أهداف الثورة التي خرج لأجلها السودانيون.

وقال الحزب في بيان: "نعلنها مدويةً، لا بد من إسقاط شراكة الدم هذه، وكفانا هدراً للدماء، ولا بد من استكمال مهام ثورتنا من تغيير جذري منحاز لمصالح الجماهير، وتحقيق العدالة والقصاص".

ردات الفعل الشعبية

ودعت منظمة أسر شهداء ثورة كانون الثاني/ ديسمبر، إلى التصعيد الثوري، والعمل على إسقاط الحكومة الانتقالية التي أطلقت على مكوناتها اسم "شركاء الدم".

وبدأت لجان المقاومة بعمليات التصعيد الثوري صبيحة يوم الثلاثاء، وزادت وتيرة نصب المتاريس بعد حادثة إطلاق النار بعد الإفطار، الأمر الذي خلق صعوبات في الحركة.

وانطلقت بعض الدعوات إلى تفعيل سلاح العصيان المدني الشامل، لشل الحياة في كامل البلاد، ما لم تستجب الحكومة لمطالب الشارع بالقصاص من المجرمين في حق الشعب السوداني.

دخل مئات السودانيين، ليل الثلاثاء، إلى محيط قيادة الجيش الرئيسة، للمطالبة بالاقتصاص لضحايا مجزرة القيادة العامة التي أودت بحياة 200 ثائر قبل عامين، وخرجوا بإضافة شهيدين إلى قائمة ضحاياهم الطويلة

واشنطن على الخط

وفي الصدى الخارجي لواقعة الإفطار، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية، عن صدمتها وانزعاجها إزاء الخسائر في الأرواح في تظاهرات الثلاثاء قرب مقر قيادة الجيش السوداني.

وأدانت واشنطن استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين، وحثّت السلطات السودانية على إجراءات كاملة، وتقديم الجناة للعدالة، وطالبت باستكمال التحقيق في واقعة فض الاعتصام قبل عامين.

التلاوم

وعكست منصات التواصل الاجتماعي حالة الانقسام الكبيرة في الأوساط السودانية.

وانتقد كثيرون ردات الفعل الرسمية، وتساءلوا عن كيفية اكتفاء المدنيين الذين يفترض أن يكونوا شركاء أصيلين في معادلة الحكم، بإصدار بيانات التنديد، والمظلومية، بدلاً من ممارسات مهامهم، أو الانسحاب الفوري من الحكومة القائمة.

آخرون، طالبوا بفك الشراكة مع العسكر بصورة فورية، وإلا عُدَّ كل ما يصدر عن الحكومة من انتهاكات أمراً موافقاً عليه من جميع الأطراف.

ويرى فريق ثالث، أن الحل يكمن في ذهاب الحكومة الحالية برمتها، ووصول حكومة جديدة، تؤمن بأهداف الثورة، وتعمل على تحقيق مطالب الشعب.

ووجّه بعض المتداخلين الأنظار إلى إمكانية تورط طرف ثالث في الأحداث لنسف الفترة الانتقالية.

وذهب فريق آخر إلى ضرورة تفويت الفرصة السانحة أمام السودانيين للعبور، بالعمل على إصلاح وتقويم حكومتهم الحالية، بدلاً من تبني شعار إسقاطها.

في المقابل، انتقدت بعض الأصوات توجيه أصابع الاتهام في قضية فض اعتصام القيادة العامة، إلى حميدتي وقوات الدعم السريع، وقالوا إن المجلس العسكري آنذاك بكامل منظومته الأمنية شارك في المجزرة، مشيرين إلى أن الانتقائية في الاتهام، واستباق لجان التحقيق قد تؤدي إلى انفلاتات أمنية.

ونحت بعض الآراء نحو تحميل بعض الساسة مسؤولية استغلال حماس الشباب، وجرّهم لخدمة أجندات سياسية ضيقة، وتساءلوا عن السر في التظاهر أمام مقر قيادة الجيش بمواقفه المعلومة، بدلاً من أن يكون ذلك أمام المقار العدلية.

لجنة أديب

كوّن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في العام 2019 لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في فض اعتصام القيادة العامة، بقيادة المحامي المسيحي المنتمي إلى الطائفة القبطية، نبيل أديب.

ويقع على عاتق اللجنة كتابة تقرير نهائي، يوجّه اتهامات بالمسؤولية عن فض الاعتصام.

ولكن ثقة الشارع تراجعت كثيراً، بعد تمديد عملها مرات عدة، فضلاً عن إرسال تصريحات تنبئ عن صعوبات كبيرة تعترض أعمالها.

وفرغت اللجنة قبل أسبوع فقط من أخذ أقوال رئيس المجلس العسكري آنذاك، الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وتلقى أديب عدداً كبيراً من سهام النقد بعد تراجعه عن تصريحات لموقع أمريكي جاء فيها أن نتائج تحقيقاته قد تفضي إلى انقلاب عسكري، أو تقود إلى اضطرابات جماهيرية واسعة.

وقال إنه غير معني بالنتائج السياسية للتحقيق، كاشفاً عن وجود إمكانية لتمديد جديد لعمل اللجنة.

زيادة القائمة

إذاً، دخل مئات السودانيين، ليل الثلاثاء، إلى محيط قيادة الجيش الرئيسة، للمطالبة بالاقتصاص لضحايا مجزرة القيادة العامة التي أودت بحياة 200 ثائر قبل عامين، وخرجوا بإضافة شهيدين إلى قائمة ضحاياهم الطويلة، وكثير من الشكوك بشأن إمكانية وصولهم إلى صيغة مثلى لعبور الفترة الانتقالية بسلام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

وُلِد الإنسان حرّاً

ينزع الإنسان نحو حريّته دائماً، لكنّ سعيه الحثيث نحو تحقيق نزعته، قد يُعَرقل في بلادٍ تتجمّل بالديمقراطية كزينةٍ مُصطنعة، وحتّى في "المساحات العامّة" على الإنترنت.

آفة الحكومات والأنظمة العربية لا تفتأ تتفشى في عوالمنا الرقمية، وبات حتى الانترنت مجالاً لاستبدادها. وعليه، يقدّم رصيف22 مساحةً آمنةً لـ"ناسه" بالالتقاء، من دون حواجز وهميّة.

Website by WhiteBeard