شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"النفاق أو التعرض للعنف والتكفير" ... ولدوا في بيئة محافظة ويرفضون صوم رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 29 أبريل 202104:02 م

"فليسقط الفصل 222 الذي يعاقب على الإفطار العلني". شعار يتجدد رفعه في المغرب كل رمضان، يطالبُ به من يرى أن التديّن لا يمكن فرضهُ بقوة القانون وبوصاية الدين، خاصة في مجتمع يشرِّعُ في ترسانته القانونية حرية المعتقد والتدين.

لكن الذهنيات المحافظة لا تقبل بهذا النقاش، وتتصدى له بمختلف الأشكال، بدعوى زعزعة عقيدة المسلمين، واستفزاز الصائمين، بل وخدش حُرمة الإسلام، وتهديدِ الفضاء العام.

"منافق أو منبوذ" ..أحلاهما مُرٌّ

"أفطرُ متخفيا داخل البيت"، يقول محمد الذي لا يستطيع أن يعلن عن توجهاته الدينية ولا البوح بعدم صومه رمضان، أمام أسرته.

يحكي محمد، في حديث مع رصيف22، عن تجربة خروجه من الإسلام منذ ثلاث سنوات، بالقول: "البداية كانت بالشك في صحة الإسلام، وعندما اقتنعت أن الإسلام مجرد خرافة وكذبة اخترعها البشر لأغراض معينة، قررت الكف عن ممارسة طقوس هذا الدين، ومعها الكف عن الصوم".

لم تكن البيئة الاجتماعية التي ترعرع فيها محمد محفزة له لمواجهة الأسرة والعائلة، لذلك قرر إخفاء قراره عن الجميع، والاستسلام لـ"ضغط" الوسط المحافظ ولتضييقاته، لأنه كان أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن يكون شخصا منافقا أو شخصا منبوذا.

"بحكم أنني أدخن، فرائحة السيجارة تلتصق بي، وأجد نفسي مُحرجا أمام من ألتقيهم، سواء في الجامعة أو في فضاء آخر، نظرات الناس توحي بالتكفير والإدانة"

يقول محمد، البالغ من العمر 36 سنة: "كنت أعلم مسبقا أنه إذا أفصحت لأسرتي أنني ملحدٌ ولا أصوم، سأصير شخصا منبوذا وغير مرغوب فيه داخل المنزل، وحتى بين أبناء الحي الذي أقطن فيه، لأنني سأتعرض للاعتداء، لذلك اخترتُ أن أكون منافقا".

يتحمس محمد أكثر لتقاسم تجربته مضيفا: "العيش في بيت محافظ بشكل كبير صعب جدا، لذلك راودتني كثيرا فكرة العيش لوحدي، لكن ظروفي المادية لا تسمح لي، خاصة وأنني أعمل براتب هزيل جدا".

يستطرد محمد بحماسة: "لو سنحت لي الفرصة لهجرت المغرب كله وليس المنزل فقط، لأن البلد الذي يفرض على مواطنيه دينا مُعيّنا لا يستحق أن نعيش فيه". الشباب مثله ممن يرفضون طقس الصوم سواء لأنهم مؤمنون وغير ممارسين للشعائر الدينية، أو لا دينيون ينتقدون بشدة الفصل 222 من القانون الجنائي، الذي يعاقب المفطرين علنا، لأنه بحسب محمد: "يتناقض مع حقوق الإنسان، إذ كيف يعقل أن تفرض على شخص عقيدة أو شعيرة دينية دون رغبته"، على حد تعبيره.

الإفطار في رمضان مكنني من تجاوز الفهم السطحي للدين والمتعلق بالارتباط بالنص وبالشكل عوض البحث عن المعنى والجوهر، لذلك قررت أن أعيش كمسلم لكن من دون طقوس دينية

هل فكرتَ يوما في مواجهة أسرتك؟ سؤال أثار حفيظة محمد، إذ يبدو له كرصاصة مُدوِّية، يمكنها أن تدمر علاقته مع أسرته، قائلا: "سأبدو لهم مجرد منافق، وقد يقاطعونني بعد توبيخي، بعدها لن أتمكن من تحمل الوضع، وسيكون علي مغادرة المنزل حفاظا على كرامتي".

يتابع محمد، الذي ينحدر من مدينة الحسيمة المحافظة: "نعيش في مجتمع لا يتقبل الآخر، ويُشعر المختلف بعدم الأمان، مثلا بالنسبة إليّ إذا علم رب عملي أنني لا أصلّي سيطردني من العمل، فما بالك لو علم أنني ملحد".

تحُزُ في نفس محمد المضايقات التي تلحق بالأشخاص الذين يرفضون الصوم، والذين قد يتعرضون لاعتداءات "مميتة"، كما يصفها، متمنيا أن تشيع بين الناس قيم التقبل واحترام الاختلاف الفكري والديني، ليعيش الكل في سلام.

"اقتنعتُ أن الصيام مرهقٌ جسديا"

قصة شيماء تختلف عما حكاه محمد، فهي تخلصت من "أغلال" وصاية الأسرة، ومن قيود الدين والأخلاق التي يفرضها أفراد عائلتها، بعدما انتقلت إلى مدينة الرباط للالتحاق بالجامعة.

"التجربة هي الأصعب؛ جربتُ ألا أصوم ذات شهر رمضان، بعد ذلك اقتنعتُ بأنه لا يمكنني حرمان نفسي من الأكل والشرب"، تقول شيماء البالغة من العمر 21 سنة، التي صامت مرة واحدة منذ بلوغها سن الرشد قبل أن تعزف عن ممارسة الشعيرة.

تحكي شيماء، في حديث مع رصيف22 قائلة: "اقتنعتُ حين لم أصم أن الصيام مرهق جسديا، حين تجوع نفسك وتحرمها ساعات طوال من الماء والأكل، لم أر أي فائدة في هذا الطقس الديني الذي يستمرُ خلال ثلاثين يوم".

لم يكن قرار شيماء معزولا عما أسمته "إسقاطا" لقناعات دينية تشبّعتْها داخل أسرتها، لم تستفض في الحديث حولها كثيرا، مكتفية بالقول: "قبل أن أتخذ قرار عدم الصوم، اخترت التوقف عن ممارسة طقوس إسلامية كثيرة، والعيش في نسق أكثر تحررا".

وتضيف الطالبة الجامعية: "اقتنعتُ أن الصوم هو تَصرف عدواني على الذات والجسد، ولم يكن يهمني أن يعرف والدايَ، لم أتواصل معهم ولم أخفِ عنهم الأمر، لأنني كنت مؤمنة بأن القرار هو اختيار شخصي، لا أحتاج معه لمن يؤشر على قناعاتي".

تستبقُ شيماء الحديث، للحكي عن المضايقات التي تعرضت لها وهي تفطر في رمضان، واصفة إياها بـ"العنيفة"، فقط لأنها اختارت أن تلبي "احتياجاتها البيولوجية"، مشددة في مقابل ذلك على ضرورة احترام الحريات الفردية.

وأردفت: "اعتدتُ خلال كل شهر رمضان أن أتعرض لمحاولة عنف، للتنمر وللسب وللشتم بعدما أكلتُ ذات يوم في فضاء عام أمام مرأى الناس"، وتصر المتحدثة متأسفة على أن القانون الجنائي الذي لا يحترم الحريات الفردية، يعزز هذه السلوكيات المعادية للمفطرين في رمضان، على حد تعبيرها.

تتابع شيماء وهي تختصر خلاصة المضايقات التي تعرضت لها: "سبق لي أن تعرضت لمحاولة تعنيف جسدي، بعدما أثار أحدهم الضجة في الشارع وهو يحاول أن يشهّر بي أمام الناس لأنني أفطرُ، بدأ يسبني ثم كفّرني علنا وسط الناس"، مضيفة: "أتفهم أن ذلك التصرف هو مجرد انزعاج فارغ من سلوك حر أمارسه، لكنني أرفضه وأدينه".

وبالرغم من تضايق الشابة وهي تتناول فطورها أو غذاءها في فضاءات عامة، فإنها ترفض مقاومة الجوع لإرضاء الناس والمجتمع، وهي تعبر عن تعاطفها مع أي شخص "يتخفى ويتستر عن أنظار الناس من أجل الأكل".

وتختم الطالبة حديثها: "أرفضُ التضييق على حريتي سواء بالعنف الهمجي أو بالخطاب الديني الذي يدعو لي بالهداية والتوبة واتباع الطريق الصحيح، نحن في بلد التعدد الديني والفكري والثقافي، يجب أن نؤمن بالتسامح مع الاختلاف وتقبل الآخر، والكف عن مضايقة حريات الأفراد".

لكن لحسن حظ الشابة أنها امرأة ويجد لها البعض الأعذار في "العادة الشهرية"، أما الرجال الذين يأكلون أو يدخنون سرا، فمصيرهم المحتوم الاعتداء الجسدي والتعنيف أو الاعتقال والمحاكمة، وهي قصة تتكرر كل عام في مدن المغرب.

"كل النظرات تُكفرني"

قدسية شهر رمضان لم تعد تعني شيئا للطالب أيمن، البالغ من العمر 25 عاماً، وهو الذي تربى في كنف عائلة لا تتأخر عن أداء فريضة الصلاة، وتعتبر الصيام فريضة تعبدية مُسلماً بأدائها بشكل جماعي.

حكى لرصيف22: "هذا عامي الثالث الذي لا أصوم فيه، لم يكن الاختيار سهلا لأن تجربتي كانت مريرة"، ويتذكر أن وفاة جدته منذ ثلاث سنوات غيرت مسار حياته، فرحيلها شكل بالنسبة إليه نقطة الانطلاقة نحو الأسئلة الزئبقية؛ أسئلة حول الموت ثم حول الطقوس كالصلاة والصيام ليصل إلى السؤال الأكبر: "هل الله موجود أم لا؟".

الأصعب في الحرية الفردية وإفطار رمضان أنها  أمور تجعل خيارات الشخص محدودة، وكلها مريرة، فإما أن أكون شجاعا وأواجه أسرتي ثم أخسرهم، أو أعيش كمنافق وهذا يؤلمني كثيرا ويشعرني بالجبن والخنوع والنفاق

يسترسل أيمن: "عيشي في الرباط بحكم دراستي الجامعية، أعفاني من ضغط الأسرة وتسلط الأب الذي لا يمكنني أن أجادله في أي فكرة أو قضية لها علاقة بالإسلام، فبالأحرى حين يتعلق الأمر بالمقدس"، مضيفا: "تقاسمي العيش مع طلبة لا يؤمنون بدورهم في الحي الجامعي حرّضني على التساؤل والتشكيك في كل شيء، لم يكن التمرين سهلا لكنه كان مُلحّا".

بداية الكف عن الصوم بالنسبة لأيمن انطلقت مع بداية مسار طرح الأسئلة، واعتزال أصدقائه الذين يصفهم بـ"الإخوانيين"، فالبحث عن الحقيقة يقتضي التشكيك في كل شيء، وإسقاط كل القناعات، كان الصوم بينها.

يحكي أيمن، بنبرة تعلوها الحماسة بأن: "الإفطار في رمضان مكنني من تجاوز الفهم السطحي للدين والمتعلق بالارتباط بالنص وبالشكل عوض البحث عن المعنى والجوهر، لذلك قررت أن أعيش كمسلم لكن من دون طقوس دينية".

وهو ينفثُ دخان سيجارة في واضحة صباح رمضاني، في حديقة خالية من المرتادين يستطردُ حديثه: "تجربة عدم الصوم أكدت لي أن للحرية كلفة كبيرة، فأنا لا أستطيع لحد الساعة إخبار والدي بأنني لا أصوم، ولا أستطيع حتى محاورته في الموضوع بشكل عام، لأنني أعرف مسبقا كيف سيتصرف معي".

"الأصعب في الحرية الفردية أنها تجعل خيارات الشخص محدودة، وكلها مريرة، فإما أن أكون شجاعا وأواجه أسرتي ثم أخسرهم، أو أعيش كمنافق وهذا يؤلمني كثيرا ويشعرني بالجبن والخنوع والنفاق"، يتابع أيمن الذي يتأسف هو الآخر عن استمرار الخطاب الديني الذي لا يتسامح مع المفطرين في رمضان، ومن دعاة الحريات الفردية.

وحول التضييقات بخصوص إفطاره في رمضان، يقول الطالب: "بحكم أنني أدخن، فرائحة السيجارة تلتصق بي، وأجد نفسي مُحرجا أمام من ألتقيهم، سواء في الجامعة أو في فضاء آخر، نظرات الناس توحي بالتكفير والإدانة".

ويرفض أيمن أن يُخندقَ النقاش حول الحريات الفردية في إلغاء الفصل 222 الذي يُجرم الإفطار في رمضان، قائلا: "لا يزال مجتمعنا محافظا، التسامح لا يكون بالصدمة وبتغيير القوانين بهذه الطريقة فقط، لكن البداية يجب أن تكون بإشاعة خطاب التسامح بين الناس، وأنا شخصيا أحترم من يصوم في رمضان، ولا أتناول أي شيء حين أكون خارج بيتي، احتراما للناس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard