شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"في غرفتي فِيَلة كثيرة"... حوارٌ مع سلام قطناني حول الصحة النفسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 21 أبريل 202103:25 م

"شخصية خيالية وفضولية"، هكذا تعرِّف صانعة المحتوى الأردنية سلام قطناني  (32 عاماً) عن نفسها، وهي اشتُهرت بمحتواها العلمي المُبسّط الشرح على يوتيوب. ومما زاد في شهرتها ربما، مشاركتها بعض تفاصيل حياتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي خالية من التجميل، ومن ثم توجهها للحديث عن الصحة النفسية وضرورة الاهتمام بها، الأمر الذي أثار فضولنا لنعرف عنها المزيد.

عام 2016، بدأت سلام بنشر محتوى علمي عبر حسابها على إنستغرام بنصيحة من أصدقائها، وبعدها اتجهت إلى يوتيوب. عام 2018 استقالت من وظيفتها في مجال الطيران في أبوظبي، وخصصت وقتها لصناعة المحتوى العلمي وانتقلت إلى عمّان. لم تستطع استكمال دراستها الجامعية بسبب وفاة والدها ومرض والدتها، وتزوجت أول مرة في عمر الـ17 وأنجبت طفلة، وانفصلت عام 2016 لتتزوج مرة ثانية من طبيب أردني. 

"شخصية خيالية وفضولية"

مؤخراً، ظهرت سلام في أحد منشوراتها على انستغرام، حيث يتابعها نحو 280 ألف شخص، بوجه يبدو باكياً وعبارة: "لكن الحقيقة مهما كانت خرا... بتضل أفضل من مليون كذبة. خليكم حقيقيين"، وتابعت: "مين مزعلِك؟ دماغي. دماغَك عنده قدرة عجيبة على تشويه الواقع وجرّك لحالة قلق وحزن حتى لو بدون مبرر. أتعايش مع القلق الاكتئابي من أكثر من عشر سنوات"، وشرحت أنها تشارك هذا المنشور لتذكير نفسها ومتابعيها أن الإنسان "مزيج عجيب ومتناقض من المشاعر". 

وسبق أن نشرت سلسلة من الفيديوهات وهي تحكي عن المشاعر التي ترافقها، كما أشارت في أكثر من مرّة إلى أنها تشعر دائماً بالقلق، حتى في اللحظات التي تقضي في جو عائلي هادئ، ولفتت إلى أن نسبة الاكتئاب لدى الشباب قد ازدادت 50% في السنوات العشر الأخيرة واستخدام مضادات الاكتئاب زاد أكثر من ثلاثة أضعاف.

"لا بد من الحديث عن الفيل في غرفة كل منّا"، تقول سلام متحدثة عن الصحة النفسية، ومستعيرة العبارة الإنكليزية "Elephant in the room" (الفيل في الغرفة) التي تُستخدم عند الحديث عن شيء سلبي واضح لدى المرء، ويؤثر عليه، ولكنه يتجاهله عن قصد تفادياً للمواجهة. "شو بدنا نعمل بالفيل؟ مبدئياً الفيل بده اهتمام"، هذا ما تقوله، مضيفةً أنه رغم كبر الفيل الذي في الغرفة هناك سلاح فتاك له، ألا وهو الدماغ.

 "مين مزعلِك؟ دماغي. دماغَك عنده قدرة عجيبة على تشويه الواقع وجرّك لحالة قلق وحزن حتى لو بدون مبرر. أتعايش مع القلق الاكتئابي من أكثر من عشر سنوات"

فتحت سلام عيون عدد كبير من شباب وشابات يتابعونها على أن الحديث عن الصحة النفسية أمر "غير مخجل"، وأنه لا بد من الاستعانة بمختص، وأن هناك موادَّ متاحة بشكل مجاني على الإنترنت يمكن للمرء أن ينتشل نفسه من أحوال نفسية سيئة بالاستعانة بها.

رصيف22 حاورها هذه المرة عن الصحة النفسية، بعيداً عن عالم العلوم. وفي ما يلي الحوار.

1- هل فكرتِ كثيراً قبل أن تُظهري على مواقع التواصل الإجتماعي مشاعرك كشخص يعاني القلق الاكتئابي؟ 

لم أفكر كثيراً. بدأتُ على مواقع التواصل قبل أن أبدأ العلاج. وعندها فكّرت: إما أن أحتفظ بالأمر بيني وبين نفسي، وإما أن أشاركه وأُوصل من خلاله تجربتي التي قد تساعد البعض في أن يتعامل مع مشاكله مثلي. السبب الأهم لذلك هو أنني أردت مساعدة نفسي قبل أن أساعد الآخرين.

2- لماذا شعرتِ بالحاجة لإظهار هذا الجزء؟

الحاجة ظهرت حينما كنت متعبة نفسياً في إحدى المرّات وكان عليّ تصوير فيديو و"ستوري". فكّرت. فوجدت أن هناك حلّين: إما أمثل أني سعيدة وأصور ما عليّ تصويره، أو أحكي للناس أن "نفسيتي زبالة ومش قادرة أصوّر. واخترت الخيار الأصدق مع نفسي ومع الآخرين". 

3- هل ردود الأفعال على مواقع التواصل كانت مطابقة لتوقعاتك؟ كيف تلقيتها؟ وما أكثر ما لفت انتباهك؟ 

ردة الفعل كانت إيجابية جداً. اكتشفت أن هناك نسبة كبيرة جداً من الناس التي تعاني في الخفاء. وأن نسبة كبيرة "قرفت" من المحتوى المصطنع والكاذب والوردي من قبل مؤثري السوشيال ميديا. هناك نسبة هاجمتني من باب 'مش ناقصنا دراما' وأنتِ تفعلين هذا من أجل خلق التفاعل. لكن صدقاً، أغلبية الردود إيجابية.

4- كيف تصفين رحلتك مع القلق الاكتئابي؟ وكيف "دماغك هو اللي مزعلك"؟

لرحلتي مع القلق الاكتئابي شقّان: الشق الأول هو الظروف الصعبة التي عشتها في حياتي. والشق الثاني وراثي. أنا من عائلة لديها تاريخ في القلق والاكتئاب والمشاكل النفسية. بالتالي عليّ أن أتقبل أنه أحياناً يكون سبب الحزن والقلق ليس حقيقياً، لكنه بسبب نقص موصلات عصبية في دماغي مثل السيروتونين والدوبامين. وإدراك ماهية مشكلتك وتفاصيلها مهم جداً لمساعدتك على التعايش معها، وفهم لماذا يحصل لك هذا. 

5- "دماغك أقوى من الفيل". هل تقولين هذا لنفسك أيضاً في بعض الأحيان؟ حديثك في فيديو "الفيل في الغرفة" يوحي بقوّتك وأنك شخص قادر على مساعدة نفسه، أو على تجنّب لحظات الانهيار. ومع هذا، لا بد من لحظات ضعف يعيشها الشخص، مهما كان مدركاً لوضعه وصحته النفسية ومشاكلها. كيف تفسرين لحظات الانهيار هذه؟ أو ما سببها؟

لحظات الانهيار هي جزء من التجربة الإنسانية، تماماً مثل لحظات الحزن. نحن البشر كائنات عجيبة تحتوي على طيف كبير من المشاعر والتجارب. لم أرَ في حياتي شخصاً لم يشعر بالضعف وقلة الحيلة واليأس. بالنسبة لي الأهم هو لمَ نبذ هذه المشاعر وإخفاؤها بدلاً من تقبلها ومحاولة فهمها وعيشها مثلما هي؟ لا أحب أن أُلقّب بشخص قوي. أنا شخص فقط. لا يحدني ولا يمثلني شيء. وبالتحديد مشكلة ما أو شعور ما. تماماً مثل اهتماماتي. لا أعرّف عن نفسي كشخص يحب العلوم. علينا أن نعرف عن أنفسنا، بيننا وبين أنفسنا بأننا أشخاص متنوعون ومليئون بجوانب مختلفة ومتعددة من التجارب الإنسانية.

6- هل تتحدثين عن الفيل في غرفتك؟ 

دائماً. في غرفتي فِيَلة كثيرة. منهم من أستطيع أن أحكي عنه علناً ومنها الذي أفضل أن أبقيه بيني وبين نفسي تفادياً للجدل. لا أوافق رأي من يقول إن الحديث عن الضعف هو ضعف.

"في غرفتي فِيَلة كثيرة. منهم من أستطيع أن أحكي عنه علناً ومنها الذي أفضل أن أبقيه بيني وبين نفسي"... حوارٌ مع صانعة المحتوى سلام قطناني

7- ما أسوأ نصيحة تقدّم لشخص يعاني أزمة نفسية؟

"خليك إيجابي. كون منيح. لا تفكر". دماغ الشخص القلق والمكتئب لا يفكر بهذه الطريقة وغير قادر على التحكم بما يشعر بهذه البساطة. الأفضل أن تقول: فاهم عليك. والذي تشعر به طبيعي جداً. لا تقاومه ولا تحاربه. بل حاججه وناقشه. أنت تشعر بأنك فاشل؟ تعال لنرى ماذا يقول الواقع؟ نرى حقائق حياتك ماذا تقول؟ نرى أصدقاءك ماذا يقولون؟ هكذا نحاول محاججة القلق بطريقة سليمة تفضي إلى نتيجة.

8- تحدثتِ أن "العلاج النفسي غالي". ولهذا قد يلجأ البعض لحلول أخرى. ما تعليقك على هذه النقطة؟ ما أثر غلاء العلاج؟ وما أبرز ما يلجأ إليه البعض، حسب معرفتك؟

العلاج النفسي لسبب ما، لا تشمله أغلبية التأمينات الصحية بالرغم من أن المشاكل النفسية تعتبر من أول الأسباب التي تهدد صحتنا في هذه الأيام. الناس تلجأ للنصيحة من الأهل والأصدقاء وللأسف هذا الحل قد لا يكون مفيداً، ففي هذه الحالات أنت تحتاج إلى رأي شخص مختص، وليس مجرد أصدقاء يقولون رأيهم. طريقة ساعدتني جداً هي القراءة. قراءة في مجال الاضطرابات النفسية وعلم الأعصاب. وهذا جعلني أفهم المرض النفسي بطريقة تشريحية تحليلية علمية. الكتب مصدر مهم جداً للمساعدة.

9- كسرتِ حاجز الحديث عن الصحة النفسية، ورأيت أنه من الطبيعي أن يمرّ الشخص بمثل هذه المشاعر المتخبطة. هل تشعرين بتأثيرك على مواقع التواصل؟

لم أكن أشعر بالتأثير في البداية. كنت أستغرب كثرة الرسائل، لكن مع الوقت، وصلتني رسائل عدة مفادها أن ما أقوله ساعد أشخاصاً وخفف عنهم و"خلاهم يتحسّنوا أو يلاقوا طرق مفيدة للتعامل مع الموضوع". أنا يوتيوبر علمية بالأصل لكن حاجة الناس لأشخاص يساعدونهم حولني إلى مؤثرة أيضاً. 

"العلاج النفسي لسبب ما، لا تشمله أغلبية التأمينات الصحية بالرغم من أن المشاكل النفسية تعتبر من أول الأسباب التي تهدد صحتنا في هذه الأيام. الناس تلجأ للنصيحة من الأهل والأصدقاء وللأسف هذا الحل قد لا يكون مفيداً"

10- قد يعود التفاعل الكبير مع المحتوى الذي تقدمينه إلى عدم تجميلك الواقع، ومشاركتك حياتك بكل تقلباتها. ما تعليقك؟ هل نحن كمتابعين بحاجة إلى رؤية ما يشبهنا أم ماذا بالتحديد؟

نحن كمتابعين نحتاج إلى رؤية الحقيقة. أن نرى أننا لسنا وحدنا من يمر بتقلبات وأن لسنا وحدنا "اللي وضعنا هيك". نحتاج أيضاً لمثل أعلى يعلمنا كيف نتصرف. في الماضي، كان المثل الأعلى يأتي من السياسي ورجل الدين والممثل. الآن باتت مواقع التواصل الاجتماعي تعطي فرصة لأشخاص من مجالات مختلفة في الحياة في أن يكونوا مؤثرين. والناس تختار ما يناسبها ويسلّيها. 

11- إلى جانب المحتوى العلمي الذي تقدمينه، هل تفكرين بتخصيص محتوى حول الصحة النفسية؟

أتحدث في قنواتي عن الصحة النفسية من فترة إلى أخرى. بما أنني لست شخصاً مختصاً، لا أعتقد أنّي سأخصص قناة لهذا الموضوع إلا إذا لقيت دعماً من خبراء ومتخصصين. لكني أفكر بتأسيس نادٍ يكون منصة لجمع الأشخاص الذين يعانون مشاكل معينة، للسماح لهم بالتواصل بعضهم مع بعض ومساعدة الآخرين وأنفسهم في آن واحد.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard